شارع القصص
احسن القصص
شارع القصص >احسن القصص > سيرة الأنبياء >سيدنا لوط عليه السلام
 
 

قصة سيدنا لوط

السّمَاءُ تَمطُرُ شُهُباً - قصة سيدنا لوط ( عليه السلام )

كمال السيد

قصة سيدنا لوط

كان سيدنا ابراهيم ينتظر ضيفاً ليتناول معه طعام الغداء . كان سيدنا ابراهيم يحب الضيوف . انه يرحب بهم دائماً . يقدّم لهم الماء العذب و اللبن الطيب و الطعام الشهي .

المسافرون كانوا يحبّون سيّدنا ابراهيم لكرمه و طيبته و اخلاقه الرفيعة .

ذات يوم جاءه ثلاثة ضيوف كانوا شبّاناً وسيمين . سيدنا ابراهيم رَحّبَ بهم . و فرح بقدومهم . لهذا اسرع الي اكرامهم .

ذبح لهم عجلاً و شواه . و قدّمه اليهم . كانت التقاليد في ذلك الزمان ، ان الضيف اذا امتنع عن تناول الطعام فمعني هذا انهم يرفضون ضيافته و يضمرون له شرّاً .

امّا اذا أكلوا من الطعام فان رابطة صداقة ستنشأ بين الضيوف و المضيّف بسبب حرمة الملح و الزاد .

قدّم سيدنا ابراهيم الشواء لضيوفه . و هنا حدث شيء عجيب !

لفد امتنع الضيوف عن تناول الطعام . شعر ابراهيم بالخوف من هولاء الضيوف .

تري هل ينوون به شرّاً . كشف الضيوف عن هويتهم قالوا له : انهم ملائكة الله و انهم مرسلون الي قري سدوم للانتقام من أهلها .

حزن سيدنا ابراهيم و شعر بالأسف و حاول أن يدفع عن سكان القري العذاب ، فلعلهم يعودوا الي رشدهم .

قال لهم : ان فيها لوطاً فماذا سيكون مصيره ؟ !

قالوا له : نحن أعلم بمن فيها .

قصة سيدنا لوط

و حتي يذهب الحزن عن قلبه ، فقد بشره الملائكة بولد صالح . .

حاول سيدنا ابراهيم أن يجادلهم في قوم لوط و لكن الملائكة قالوا له : يا ابراهيم اعرض عن هذا فقد جاء أمر ربك . .

سكت ابراهيم و ذهب الملائكة الي قري سدوم للانتقام من أهلها . .

فما هي قصّتهم و ما هو قصّة سيدنا لوط ( عليه السلام ) . . هذا ما ستعرفه في هذا الكتاب فهيا معاً .

قرأنا فيما مضي قصة سيدنا ابراهيم خليل الرحمن .

سيدنا ابراهيم عاش في أرض بابل و دعا سكانها الي عبادة الله وحده و نبذ الاصنام و نتذكر أيضاً كيف كفر الناس برسالة ابراهيم ( عليه السلام ) .

لم يومن أحد بسيدنا ابراهيم سوي زوجته سارة و ابن خالته لوط ( عليه السلام ) . .

و لما أراد سيدنا ابراهيم الهجرة من أرض بابل قرر لوط أيضاً أن يهاجر معه . .

و هكذا ترك لوط بلده و هاجر . . و لمّا وصلت القافلة الي أرض سدوم أمر سيدنا ابراهيم لوطاً أن يسكن في تلك القري ، و يدعو أهلها الي عبادة الله و نبذ الأصنام .

و في قري سدوم بدأت قصة لوط ( عليه السلام ) فسيدنا لوط من أرض بابل آمن بسيدنا ابراهيم ، و عندما أرادوا احراق سيدنا ابراهيم بالنار قال : اني مهاجر الي ربي فهاجر مع ابراهيم الي الأرض المقدسة فلسطين . .

في الطريق أمر ابراهيم لوطا أن يسكن في أرض سدوم ليدعو أهلها الي دين الله و العودة الي الفطرة .

و سدوم مجموعة قري علي شاطئ البحر الميت في الاردن .

هناك عاش سيدنا لوط ( عليه السلام ) تزوّج و رزقه الله بنات مومنات .

أهل سدوم :

قصة سيدنا لوط

كان أهل سدوم ، يعيشون علي الزراعة . يعملون من الصباح وحتي غروب الشمس ثم يعودون الي منازلهم في القرية . .

لا أحد يعرف كيف ساءت اخلاقهم و أصبحوا أشراراً يعملون المنكر .

كانوا يقطعون الطريق علي المسافرين . يصادرون أموالهم و ينتهكون أعراضهم .

المسافرون كانوا يخافون من الاقتراب من منازل سدوم و أهلها المجرمين . كانوا لا يعرفون منزلاً يكرمهم و يقدّم لهم الطعام و يحسن لهم سوي منزل واحد هو منزل لوط ( عليه السلام ).

عاش سيدنا لوط في ذلك المجتمع الفاسد المنحرف كان يشعر أنه يعيش في وسط الجحيم . .

رآهم يعملون المنكرات التي يندي لها جبين الشرفاء الاحرار . .

كانوا يلعبون القمار . . يقطعون الطريق علي المسافرين أصبحت تلك الاعمال جزءً من تقاليدهم القومية . .

كانوا جميعاً اشراراً . . لم يعودوا يخجلون من أعمالهم الدنيئة و المنحطة . .

كان سيدنا لوط يعرف سبب كل ذلك الفساد . . لقد ابتعدوا عن فطرة الانسان الطاهرة . .

قصة سيدنا لوط

الله سبحانه خلق الانسان طاهراً من الدنس خلقه نظيفاً ، و لكنه هو الذي يوسخ نفسه لماذا ؟ لأنه يصغي الي الشيطان و يبتعد عن الأنبياء .

سيدنا لوط كان ينصح قومه . . يقول لهم عودوا الي فطرتكم عودوا الي ربّكم الي طفولتكم الطاهرة . .

لماذا لا تعيشون حياة طيبة لماذا تبتعدون عن الحياة العائلية النظيفة ؟

تحطمت علاقاتهم الأسرية . . الرجال كانوا يقضون أوقاتهم معاً و النساء كن يقضين أوقاتهن معاً . .

الناس المسافرين كانوا يكرهون سكان تلك القري . . لقد اصبحوا أشرار سيئين . . يعتدون علي الحرمات و ينتهكون الاعراض .

كم مرّة أرادوا طرد لوط من أرضهم . . كم مرّة تآمروا عليه . .

قصة سيدنا لوط

كان سيدنا لوط يعيش غريباً بينهم . كان نظيفاً . و كانوا قذرين . كان يحب الضيوف و اكرام الغرباء . اما هم فكانوا يقطعون الطريق و يعتدون علي الغرباء و المسافرين .

كان لوط يعبد الله وحده أما أهل سدوم فكانوا يعبدون الاصنام ، كان رجلاً طيباً و كانوا جميعاً أشراراً .

كل أهل سدوم كانوا يكرهون لوطاً لأنه لا يعمل مثل ما يعملون و لا يسكت عن أعمالهم . حتي زوجته كانت مع اولئك الكفار . لم تكن تومن بالله كانت تعبد الاصنام . و كانت راضية بما يعمل أهل سدوم من المنكرات .

لوط وحده مع بناته كانوا يومنون بالله و يتبرأون من أعمال أهل سدوم .

الفساد كان يزداد كل يوم و عذاب لوط كان يزداد كل يوم . و محنته تزداد مع أولئك الناس الاشرار ، الذين يعيشون كما تعيش الخنازير بل أسوأ من حياة الخنازير .

ذات يوم جاء رجل غريب . لم يكن يعرف اهل تلك القري الظالمة . من حسن الحظ كان سيدنا لوط يعمل في حقله . سيدنا لوط رحب بالرجل الغريب . تلفّت يميناً و شمالاً كان يخشي أن يراه أحد . الرجل الغريب سأل سيدنا لوط عن سبب خوفه ؟!

قصة سيدنا لوط

سيدنا لوط قال له : ان اهل هذه القري يقطعون الطريق . . و يأخذون منه أمواله و يعتدون عليه .

الرجل الغريب شعر بالرعب يملأ قلبه . . سيدنا لوط أخفاه في الحقل لحين حلول الظلام . .

و عندما غابت الشمس أخذ لوط ضيفه و ذهبا الي المنزل . . رحب لوط بضيفه مرّة أخري .

سيدنا لوط أغلق الباب باحكام حتي لا تخبر زوجته أهل القرية بقدوم الضيف .

قدّم سيدنا لوط طعاماً طيباً لضيفه و راح يحدّثه و يلاطفه حتي يهنأ بعشائه .

اطمأن الرجل الغريب و أكل طعامه بشهية و بعد ساعة رقد في فراشه و نام . .

عندما طلع الفجر استيقظ الضيف و وجد لوطاً جالساً ينتظر . . غسل الرجل يديه و تناول اللبن الساخن . . كان عليه أن يغادر أرض سدوم قبل طلوع الشمس حتي لا يتعرض له الأشرار بسو !

قصة سيدنا لوط

هكذا كان سيدنا لوط يستقبل ضيوفه و يودّعهم و هكذا كانت حياة لوط في تلك القري الظالمة .

و لكن هل استمرت الحياة هكذا ؟ كلا . . كما ذكرنا في أول الكتاب ! جاء ضيوف عجيبون ! جاءوا أولاً الي سيدنا ابراهيم . . جاءوا ليبشروه بميلاد صبي طيب . . صبي له شأن كبير صبي طاهر . .

كان ابراهيم في ذلك الوقت شيخاً . . و كانت امرأته سارة عجوزاً و كانت أيضاً عقيماً ، فرح سيدنا ابراهيم و تعجبت سارة من هذه البشري . .

فقالت الملائكة لا تعجبوا من أمر الله .

و عندما أراد الملائكة الذين كانوا يرتدون زي الضيوف الغرباء أن يذهبوا الي قري سدوم . . قال لهم ابراهيم : ان فيها لوطاً . .

كان سيدنا ابراهيم يريد أن يصرف العذاب عن أهل سدوم ، فلعلهم يتوبوا و يعودوا الي فطرتهم النظيفة . . الملائكة قالوا له : لقد جاء أمر الله .

انطلق الملائكة الي أرض سدوم . . و شعر سيدنا ابراهيم بالحزن لهذا المصير الذي ينتظر أهل سدوم .

نعم انطلق الملائكة الي أرض سدوم و دخلوا قراها في زي ضيوف غرباء لم يشعر بهم أحد عندما طرقوا باب منزل لوط . .

كان الوقت . . مساءً . . فتح سيدنا لوط الباب رأي ثلاثة شبان وسيمين . .

شعر لوط بأنه قد وقع في مأزق حرج . . هل يعتذر عن استضافتهم ؟

و لكن هذا ليس من الأخلاق و لا من الدين . .ليس من الأخلاق الكريمة أن يوصد المرء الباب بوجه مسافر غريب .

و ليس من الدين أبداً طرد الانسان . . فلعله كان جائعاً أو ظامئاً أو مسافراً انقطعت به السبل . .

ماذا يفعل ؟ رحب سيدنا لوط بضيوفه و ادخلهم بسرعة و أغلق الباب .

قصة سيدنا لوط

زوجة سيدنا لوط رأت الضيوف هاج الشر في نفسها . . أرادت أن تخبر أهل القرية ، و لكن الباب كان موصداً . .

وسوس الشيطان في قلبها أن تشعل ناراً . . سوف يراها أهل القرية و يعرفوا أن ضيوفاً طرقوا منزل لوط . .

صعدت فوق سطح المنزل و جمعت بعض الحطب و اضرمت النار تصاعدت السنة النار و الدخان . .

عودوا الي منازلكم عودوا الي حياتكم العائلية . . عودوا الي فطرتكم ان الله سيغضب عليكم . .

أهل سدوم كانوا يقهقهون . . صاح أحدهم : سلّمنا ضيوفك و الا حطمنا الباب و أخذناهم بالقوّة .

نظر سيدنا لوط يميناً وشمالاً . . لم ير أحداً يقف الي جانبه لقد كان وحيداً أما هم فكانوا عشرات احاطوا بمننزله كالذئاب .

كل أهل القرية انتبهوا لهذه العلامة . . لهذا ركضوا نحو منزل لوط تجمعوا عند المنزل و راحوا يطرقون الباب بعنف . .

كانوا جميعاً يحملون بايديهم الحجارة . . لقد تعوّدوا علي ذلك . . تعوّدوا أن يرموا الضيوف بالحجارة ، فايّهم اصاب أولاً كان الضيف من نصيبه .

سمع سيدنا لوط طرقات الباب فأدرك انهم قومه جاءوا ليعتدوا علي ضيوفه . .

حار ماذا يفعل !! توالت الضربات العنيفة و تعالت صيحاتهم بفتح الباب و الا حطّموه .

قصة سيدنا لوط

فتح سيدنا لوط الباب و خرج اليهم وحيداً و أغلق الباب و راءه راح ينظر اليهم و قال و نفسه يملأها الأسي و الحزن :

أليس فيكم رجل رشيد ؟!

أليس فيكم رجل عاقل يشمئز مما تفعلونه من المنكرات . . و قطع الطريق علي المسافرين ؟!

و تمنّي لوط انه لم يكن وحيداً تمني أن يكون له أولاد و عشيرة تدفع عن منزله و ضيوفه هجمات المعتدين . .

صاح لوط بأهل سدوم :

الا تستحون الا تخجلون من انفسكم أتريدون أن تفضحوني في ضيوفي ؟!

في تلك اللحظات المثيرة انفتح الباب و ظهر الضيوف الثلاثة . . قال الضيوف : لا تخش شيئاً يا لوط . . نحن لسنا ضيوفاً نحن رسل الله . . لقد أمرنا الله أن ندمّر هذه القرية . .لن تشرق الشمس حتي تتحول هذه القرية الظالمة الي خرائب . .

أمّا انت يا لوط فاخرج من القرية فوراً خذ معك أسرتك و امض بعيداً . . و ايّاك أن تلتفت الي ورائك أبداً !

قصة سيدنا لوط

و في تلك اللحظة أشار الضيوف بأصابعهم نحو أهل سدوم فانبعثت أشعة غريبة . .

كل رجال القرية فقدوا أبصارهم . . أصبحوا عمياناً لا يبصرون شيئاً . . و سادت الفوضي جموعهم . .

كانت الساعات الأخيرة من تلك الليلة . . و كان علي سيدنا لوط ان يغادر أرض سدوم قبل حلول الغضب .

أمر سيدنا لوط أسرته أن تستعد لمغادرة القرية في قلب الظلام و في منتصف الليل . .

كان عليه أن يرحل و يأخذ معه أسرته و ماشيته بعيداً . . سادت الفوضي أهل سدوم . . و غادر لوط و أسرته القرية علي عجل .

و كانت زوجة لوط تسير خلف الماشية و كانت تلتفت الي القرية في كل لحظة ، في كل مرّة كانت تتوقف و تنظر . . اختفي لوط خلف التلال . .

زوجة لوط كانت تراقب النار التي أوقدتها فوق السطح . . انطفأت النار . . وساد السكوت كل شيء . . فكّرت زوجة لوط بالعودة . . كان الفجر علي وشك أن ينفلق . .

فجأة حدث أمر رهيب !! دوّت صيحة مزلزلة تشبه صوت الرعد و لكنها كانت أكثر شدّة . . و انفجر من مكان ما بركان هائل راح يقذف الحمم المشتعلة في الفضاء .

امتلأت سماء سدوم بكتل النار الملتهبة ، و غمرت النار أرض سدوم .

و انبثقت من قلب الظلام شهب و نيازك لقد أمطرت السماء شهباً و ناراً . .

سقطت زوجة لوط علي الأرض . . تحولت الي كتلة من الملح !

لقد أذاقت زوجها صنوف العذاب . . كانت وثنية و كانت امرأة كافرة خانت زوجها و وقفت الي جانب أهل سدوم الظالمين . . فلاقت جزاء خيانتها . .

خرائب و عبر :

قصة سيدنا لوط

أطلّ الصباح و أشرقت الشمس . . و لكن لا أثر لقري سدوم . . لقد تحولت الي خرائب و أنقاض تحولت الي أكوام من الحجارة المحترقة و الملح . .

كل شيء احترق تحول الي رماد ، لقد عاث أهل سدوم في الأرض فساداً دمّروا كل الاشياء الجميلة . .

دمّروا العلاقات العائلية . . دمّروا الفطرة الصافية . . نبذوا الأخلاق الكريمة و أصبحوا كالخنازير . .

امتلأت حياتهم بالرجس و القذارة و المنكرات . . أصبحت هذه الاشياء تقاليداً قومية لهذا حل بهم غضب الله فامطرت السماء عليهم ناراً و شهباً و حجارة من سجيل . .

و ما تزال آثار سدوم باقية حتي اليوم ، أرضاً موحشة مليئة بالملح و الحجارة المحترقة .

بِسمِ اللّهِ الرّحمَنِ الرّحِيمِ

( كَذّبَت قَومُ لُوطٍ المُرسَلِينَ * اِذ قَالَ لَهُم أَخُوهُم لُوطٌ أَلَا تَتّقُونَ * اِنّي لَكُم رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتّقُوا اللّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسأَلُكُم عَلَيهِ مِن أَجرٍ اِن أَجرِيَ اِلّا عَلَي رَبّ العَالَمِينَ * أَتَأتُونَ الذّكرَانَ مِنَ العَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُم رَبّكُم مِن أَزوَاجِكُم بَل أَنتُم قَومٌ عَادُونَ * قَالُوا لَئِن لّم تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنّ مِنَ المُخرَجِينَ * قَالَ اِنّي لِعَمَلِكُم مّنَ القَالِينَ * رَبّ نَجّنِي وَأَهلِي مِمّا يَعمَلُونَ * فَنَجّينَاهُ وَأَهلَهُ أَجمَعِينَ * اِلّا عَجُوزًا فِي الغَابِرِينَ * ثُمّ دَمّرنَا الاخَرِينَ * وَأَمطَرنَا عَلَيهِم مّطَرًا فَسَاء مَطَرُ المُنذَرِينَ * اِنّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكثَرُهُم مّومِنِينَ * وَاِنّ رَبّكَ لَهُوَ العَزِيزُ الرّحِيمُ )(1)