مقام الإمام المهدي ع في وادي السلام مدينة النجف
أحمد علي مجيد الحلي
منذ 14 سنةفي مدينة النجف الأشرف آثار ذات غور عميق ونور ساطع ، فمن جسد أبينا آدم عليه السلام إلى جسد نبي الله نوح عليه السلام ثم إلى جسد الإمام علي عليه السلام.
ثمّ تكون مقرّاً لمعزّ الأولياء عليهم السلام.
في قلب وادي السلام ، وفي الجانب الغربي من النجف.
هذا الوادي العريق ، إختار طاووس أهل الجنّة موطئاً له.
فزاد المحل شرفاً على شرف.
هذا الوادي الذي رُفع عن أهله عذاب البرزخ.
كأن إمامهم أراد أن يشعر أهلُه بالأمان.
فلسان حاله يقول : نحن معكم أينما كنتم.
الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يشير إلى وجود مقام للإمام المهدي عليه السلام في وادي السلام :
روي عن علي عليه السلام : كأنّي بالقائم قد عَبر من وادي السلام إلى مسيل السهلة ، على فرس محجل ، له شمراخ يزهر ، يدعو ويقول في دعائه :
( لا إله إلاّ أنت حقاً حقاً ، لا إله إلا الله إيماناً وصدقاً ، لا إله الاّ الله تعبّداً ورقّاً ، اللهمّ معزّ كلّ مؤمن وحيد ، ومذلّ كلّ جبار عنيد ، أنت كهفي حين تُعييني المذاهب ، وتضيق عليَّ الأرض بما رحبت ، اللهمّ خلقتني وكنت غنيّاً عن خلقي ، ولولا نصرك إيّاي لكنتُ من المغلوبين ، يا منشر الرحمة من مواضعها ، ومخرج البركات من معادنها ، ويا من خصَّ نفسه بشموخ الرّفعة ، فأولياؤه بعزِّهِ يتعزّزون ، يا من وضعت لهُ الملوك نير المذلّة على أعناقها ، فهم من سطوته خائفون ، أسألك باسمك الذي فطرتَ به خلقك فكلٌ لك مُذعنون ، اسألك أن تُصلّي على محمّد وآل محمّد ، وأن تنجز لي أمري ، وتعجّل لي في الفرج ، وتكفيني وتعافيني ، وتقضي حوائجي الساعة الساعة ، الليلة الليلة ، إنّك على كُل شيء قدير ).
أقول : من المعلوم أن المقام الذي نحن بصدد البحث عن تأريخه ، يقع في وادي السلام ، فمن المحتمل أنّ عبور القائم عليه السلام المشار إليه ، وقراءته الدعاء السالف الذكر إذا ظهر عليه السلام في وادي السلام ـ على قول أمير المؤمنين عليه السلام ـ يكون من هذا المقام الشريف ، لما سيأتي من أنّ هذا المقام هو موضع منبره عليه السلام.
الإمام الصادق عليه السلام يشير الى المقام :
يشير الإمام الصادق عليه السلام ( ت 148هـ ) إلى وجود مقام للإمام المهدي عليه السلام في أرض النجف ويسميه ( موضع منبر القائم عليه السلام ).
الحديث الأول : عن أبان بن تغلب قال : كنت مع أبي عبد الله عليه السلام فمرّ بظهر الكوفة ، فنزل فصلّى ركعتين ، ثمّ سار قليلاً فصلّى ركعتين ، ثم سار قليلاً فنزل فصلّى ركعتين ، ثم قال : هذا موضع قبر أمير المؤمنين عليه السلام.
قلت : جُعلت فداك والموضعان اللذين صلّيت بهما!
قال : موضع رأس الحسين ، وموضع منبر القائم.
وجاء الحديث الثاني عن أبي الفرج السندي والثالث مروياً عن مبارك الخباز والرابع ذكره السيد حسين البراقي عن الكليني بنفس المضمون باختلاف بسيط في العبارة.
أقول : روى أئمة الحديث والأخبار حديث موضع منبر القائم عليه السلام المذكور سابقاً بتفاوت في بعض عباراته حسب ما تقدّم ، فيحتمل أنّ منشأ التفاوت ناتج من تعدّد رواة الحديث ( آبان ، أبي الفرج السندي ، مبارك ، صفوان ). أو من تعدّد زيارات الإمام الصادق عليه السلام لجدّه أمير المؤمنين المتقدّمة في الحديث أثناء ما قدم من الحيرة أو الكوفة في العصر العباسي.
وإذا تأمّلنا في فقرات الحديث يتبيّن لنا ما يلي :
1ـ أن الإمام الصادق عليه السلام كان يتنقّل من موضع لآخر ، فلا يظنّ المرء أنّ المكان كان واحداً.
2ـ أن الإمام الصادق عليه السلام جاء راكباً وتنقّل بين المواضع راكباً مرّة وراجلاً أخرى ( ويدل على هذا القول على ما في الحديث من كلمات تدلّ على ركوبه ، كسار ، ونزل ).
وموضع منبر القائم عليه السلام من المواضع الثلاثة التي صلّى فيها الإمام الصادق عليه السلام وهو عين المقام الذي نحن بصدد البحث عن تأريخه. ومن الوجوه التي تعزّز القول بأنّ هذا المقام هو مقام صاحب العصر والزمان عليه السلام.
الوجه الأوّل : صلاة الإمام الصادق عليه السلام في هذا المكان ، وسوف نثبتها فيما بعد ، ويدلّ عليها وجود مقام منسوب للإمام الصادق عليه السلام في نفس تلك البقعة في وادي السلام ، وهذا أدلّ دليل على موضع منبر القائم عليه السلام ، إذ أن هذا الموضع نشأ بقول الإمام الصادق عليه السلام أثناء صلاتهِ في أرض النجف.
الوجه الثاني : أن موضع منبر القائم عليه السلام الذي صلّى فيه الإمام الصادق عليه السلام هو غير مقامه عليه السلام في مسجد السهلة ، ولقد اشتبه هذا الأمر على الشيخ يونس الجبعي العاملي في مزاره. إذ أن الوارد عن الإمام الصادق عليه السلام في فضل الصلاة في مسجد السهلة وإتيانه أنه قال : يا أبا محمد ـ يشير إلى أبي بصير الراوي للحديث ـ كأنّي أرى نزول القائم في مسجد السهلة بأهله وعياله ، قلت : يكون منزله؟ قال : نعم.
وفي رواية أنهُ بيت ماله ومنه يُقسم فيء المسلمين إذا ظهر عليه السلام.
وبعد التمعّن في الأحاديث التي تخصّ الإمام المهدي عليه السلام ، لم يرد حديث واحد ينصّ على أن موضع منبر القائم عليه السلام في مسجد السهلة ، خصوصاً إذا ما عرفنا أن مقام الإمام المهدي عليه السلام في وادي السلام هو أقدم بكثير من مقامه عليه السلام الواقع في مسجد السهلة الذي تأسس على يد السيد محمد مهدي بحر العلوم ( 1155 ـ 1212 هـ. ) ، إذ لم يُعهد قبل السيد بحر العلوم مقام للإمام المهدي عليه السلام في مسجد السهلة ، ومن الأمور التي لا بُد أن تُعرف أيضاً قُرب هذا المقام من موضع قبر أمير المؤمنين عليه السلام ، إذ يقرب عنه بحوالي 600 متر أو أكثر بقليل ، ومسجد السهلة يبعد عن قبر أمير المؤمنين بحوالي 9كم ، والإمام الصادق عليه السلام في الرواية سار قليلاً وصلّى في مكان قريب من قبر أمير المؤمنين عليه السلام.
الوجه الثالث : أننا لا نعرف مقاماً مشهوراً للإمام المهدي عليه السلام في بلدتنا النجف الأشرف سوى هذا المقام المنيف القديم المعتبر الذي يتوافد عليه أساطين علمائنا من كلّ حدبٍ وصوب دون مُنكِرٍ له ، والمقام قد ذُكر أيضاً في كتب علمائنا الإمامية دون مكذّبٍ لنسبته للإمام المهدي عليه السلام أو الإمام الصادق عليه السلام.
الوجه الرابع : إعتماد العلاّمة الحجة المتتبع الخبير السيد محمد مهدي بحر العلوم قدس سره ، فإنّه شاد في المحلّ نفسه عمارة فخمة وأقام عليها قبّة من الجص والحجارة.
الوجه الخامس : قال السيد محمد مهدي القزويني ت 1300 هـ في كتابه <فلك النجاة> أن منبر الصاحب يقع في وادي السلام.
وإذا ثبت لدينا من خلال الوجوه الخمسة السابقة الذكر أنّ هذا المقام هو موضع منبر القائم عليه السلام ، ثبت لدينا صحّة نسبة هذا المقام للإمام الصادق عليه السلام بإعتبار أنّ مقام الإمام المهدي عليه السلام نشأ من صلاة جدّه الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في هذا الموضع.
وقد رُوي عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام إنه قال : إذا دخل المهدي عليه السلام الكوفة قال الناس : يا ابن رسول الله إن الصلاة خلفك تضاهي الصلاة خلف رسول الله ، وهذا المسجد لا يسعنا ، فيخرج إلى الغرّي ، فيخطّ مسجداً له ألف باب يسع الناس.. ).
فيحتمل أن موضع منبره عليه السلام الواقع في وادي السلام ـ كما أثبتناه ـ يكون ضمن هذا المسجد الذي يبنيه في أرض الغري ( النجف ) إذا ظهر صلوات الله عليه وعلى آبائه أجمعين.
الوجه السادس : ماذكرهُ الشيخ كاظم الحلفي في كتابه ( أضواء على تاريخ النجف ).
قال : وفي عام ( 137 هـ ) جاء الإمام الصادق عليه السلام إلى الحيرة ، حيث طلبهُ المنصور ، فسكن النجف في وادي السلام ، ( وقال بهامش كتابه هذا : ولا يزال الموضع الذي سكنهُ معلوماً حتّى الآن يُزار ويتبرّك به ) وطلب من الشيعة الهجرة إلى جوار مشهد جدّه أمير المؤمنين عليه السلام ، فلم تمضِ الاّ سنوات قليلة ، حتّى أصبحت حولهُ قرية يُشار إليها بالبنان ، كما جاء في تاريخ الطبري في حوادث ( 144هـ ) ، كما شاهدها عبد الله بن الحسن ومن معه عندما جيء بهم إلى سجن المنصور في الهاشميات عام145 هـ. وقد طلب عبد الله من أهلها نصرته وتخليصه من المنصور كما نصّ على ذلك الطبري وأبو الفرج في مقاتل الطالبيين.
الوجه السابع : عمارة المقام الماثلة الآن ، وهي من سنة 1308 هـ إلى عامنا هذا باقية لهذا التاريخ ( على ما وجدناه مكتوباً على القبّة ) ، وقد احتوت هذه العمارة على مقامين ، مقامٍ للإمام الصادق عليه السلام وبجواره وبنفس البقعة مقام الإمام المهدي عليه السلام. وبالتأكيد فإنّ طريقة بنائهما على هذا النحو ( أعني مقامين في بقعة واحدة ) على ما وُجد في العمارة السابقة ، وهي عمارة السيد بحر العلوم قدس سره ، والسيد بحر العلوم بنى عمارته لهذا المقام على نحو ما وجدهُ في العمارة السابقة لعمارته ، والتي وصفها العلاّمة المجلسي في بحاره ( بأنّ للمقام بيتاً ومحراباًً وصحناً ) وهكذا وصلت إلينا عمارة المقام بنحو مقامين في بقعة واحدة ، يداً عن يد ، وصاغراً عن كابر.
الوجه الثامن : شدّة اعتناء الإمام المهدي عليه السلام بهذا المقام ، إذ شوهد أكثر من مرّة وهو يصلّي ويدعو ويتضرّع في هذا الموضع على ما رواه المجلسي قدس سره ، ومرة ثانية في عصر السيد أبو الحسن الإصفهاني قدس سره, إذ تشرف هذا السيد بلقائه في هذا المقام على ما سنذكرهُ في محله.
الوجه التاسع : أنّ وجود هذا المقام جاء من احترام رواة الشيعة وثقاتهم ( الذين رافقوا إمامهم الصادق عليه السلام ) لهذا المكان ، وخصوصاً بعد ماعرفوا أن إمامهم الصادق عليه السلام صلى ركعتين فيه ، وبأنّهُ موضع منبر القائم ، ووصل إلينا بالتلقّي المتسالَم عليه يداً عن يد من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام ، إذ تردّد على هذا الموضع الإمام الصادق عليه السلام ، فكان في كلّ مرة يصطحب من عُلية أصحابه ، فأخذ عنهم رضوان الله عليهم ، فتبعهم الشيعة الإمامية خلفاً عن سلف ، فهل يُعقل أنّ ذِكر المقام يضيع ، وبالخصوص مع إشارة الإمام عليه السلام لهم بمنزلة هذا المكان وعلوّه ، فظهر واشتهر كما اشتهر موضع قبر أمير المؤمنين عليه السلام في النجف ، وموضع رأس الحسين عليه السلام في مسجد الحنّانة ،فبعد هذه الوجوه التسعة لم يبق لدينا أدنى شكّ في صحّة انتساب هذا المقام للإمام الصادق عليه السلام في وادي السلام وهو موضع منبر القائم عليه السلام كما أشار إليه الإمام عليه السلام أثناء تواجده فيه.
المقام ونشوؤه في القرن الثاني الهجري
تقدّم ذِكر أن الإمام الصادق عليه السلام جاء إلى الحيرة سنة137 هـ ، وأنّه سكن حول مشهد أمير المؤمنين عليه السلام سنتين أو أكثر ، وأنّه اختلف إلى قبر جدّهِ مرات عديدة ، وصلّى قريباً من مشهد جدهِ ركعتين ، وقال عن سببهما بأن الموضع هو موضع منبر القائم عليه السلام.
ومرة كان معه أبان بن تغلب ، فكرر الإمام فعله الذي كان يفعله في عظيم المواضع ، وأشار لأبان بن تغلب بموضع منبر القائم عليه السلام ، ومات أبان سنة 141هـ ، واستشهد الإمام الصادق عليه السلام سنة 148هـ ، فنشأ المقام بين سنتي ( 137 ـ 141هـ ).فهذا أوّل تأريخ عثرنا عليه خلال البحث عن تأريخ مقام الإمام المهدي عليه السلام في وادي السلام.
لكن ـ وللأسف الشديد ـ خفي علينا تأريخ المقام بعد هذا التأريخ بثمانية قرون ، فلا نعرف تأريخاً للمقام في القرون التي تلت القرن الثاني الهجري.
لكنّنا ـ ومن خلال وجود المقام إلى الآن ـ نعرف تعاهد الشيعة له بمواصلة زيارتهم لهذا المقام القديم.
تاريخ المقام في القرن الحادي عشر الهجري
1ـ التأريخ الأول للمقام في هذا القرن : ( سنة 1026هـ )
في سنة 1026 هـ توفّي السيد مبارك الملّقب بالأزرق عيينة بن مطلب المشعشعي ودُفن في النجف في وادي السلام بقرب مقام الإمام المهدي عليه السلام.
أقول : إن هذا التأريخ القديم يدلّ على وجود للمقام في سنة 1026هـ وعبارة ( دفن في النجف في وادي السلام قرب مقام الإمام المهدي عليه السلام ) تدلّ على وجود عمارة للمقام في تلك السنة وما قبلها.
2ـ التأريخ الثاني للمقام في هذا القرن : ( عصر العلامة المجلسي قدس سره مجدّد القرن الحادي عشر )
أورد العلاّمة المجلسي قدس سره( 1037 ـ 1111هـ ) باباً في كتاب بحار الأنوار سمّاه ( باب نادر في ذكر من رآه عليه السلام في الغيبة الكبرى قريباً من زماننا ) بعد أن ذكر حكاية ( الجزيرة الخضراء ) ثمّ قال : ولنلحق بتلك الحكاية بعض الحكايات التي سمعتها عمّن قرب من زماننا ، ثمَّ سرد حكايتين ( يعني فيمن رآه ) قال ما ملخصه :
أن رجلاً جاء من إيران مع جماعة قاصداً الحج فمروا بالعراق ومرض الرجل فتركوه في مدينة النجف وقد توسل الى الله ببركة الإمام وزار المقام المذكور فشفي من مرضه.
أقول : روى العلامة المجلسي هذه الحكاية الواقعة في القرن الحادي عشر الهجري عن جماعة من أهل الغريِّ ، وأشار إلى أنها وقعت قريبة من زمانه ، وسمعها ممن قرب من زمانه ، ووصف الرواة للحكاية بأن مقام القائم عليه السلام خارج النجف ، وخروج الرجل صاحب الحجرة بالرجل المريض إلى هذا المقام يدلّ على شهرة المقام في ذلك العصر ، فالجماعة الثقات الصلحاء الذين رووا الحكاية كلّهم يعرفون أنّ مقام القائم خارج النجف ( أي خارج سورها في وادي السلام ). وقول الرجل الكاشاني واصفاً دخول القائم عليه السلام ( فإذا أنا بشاب صبيح الوجه ، أسمر اللّون دخل الصحن وسلّم عليَّ وذهب إلى بيت المقام وصلّى عند المحراب ) فإنّ هذا الوصف لعمارة المقام ( صحن ، وبيت للمقام ، وحوض ) في ذلك العصر ـ أي بداية القرن الحادي عشر الهجري ـ يشبه إلى حد كبير وصف عمارة المقام في عصرنا الحاضر هذا ، ولو وصفناها الآن لما زدنا على ذلك الوصف.
ثم قال العلامة المجلسي قدس سره : هذهِ القصّة من المشهورات عند أهل المشهد ، وأخبرني بها ثقاتهم وصلحاؤهم. وهذا ممّا يدل على صدق الحكاية ، فكفاها صدقاً ناقلها وتواترها ورواتها الثقات الصلحاء بوصف العلامة المجلسي قدس سره لهم ، ووصفهم لموقع المقام وعمارته من صحن وبيت ومحراب لدليل على صدق الحكاية أيضاً.
فبعد عرض الحكاية علمنا أنّ المقام كان مشهوراً ومعروفاً في بداية القرن الحادي عشر الهجري على مستوى جماعة أهل المشهد وزائري مشهد أمير المؤمنين عليه السلام.
3ـ تأريخ المقام في القرن الثاني عشر الهجري ( 1100 ـ 1200هـ )
كتب السيد نصر الله الحائري ضمن ديوانه الشعري بيتين ذكر أنّه كتبهما على مقام الحجة عليه السلام في النجف الأشرف ، هما :
أيا صاحب العصر إنّ العِدا
أرَونا الكواكب بالظلم ظُهرا
فأطلِع لنا فجرَ سيفٍ به
تجلّي ظلام العنا المكفهرّا
4ـ تاريخ المقام في القرن الثالث عشر الهجري ( 1200 ـ 1300هـ )
التأريخ الأول : شيد السيد العلامة محمد مهدي بحر العلوم ( 1115 ـ1212هـ ) في المحل نفسه عمارة فخمة في أوائل هذا القرن وأقام عليها قبّة من الجص والحجارة ، ولم تزل تلك العمارة قائمة إلى سنة ( 1308هـ ).
وقد نصّ على بناء السيد بحر العلوم قدس سره لهذا المقام كثير ، ولكــنّ اشتبه الأمر على البعض فذكر أنّ السيد بحر العلوم قدس سره هو أوّل من أنشأ هذا المقام ، لكن هذا القول يُنافي ما أسلفناه من تواريخ عديدة للمقام تدلّ على وجوده قبل السيد بفترة ، ربّما تصل إلى قرون. فمن التواريخ السابقة الذكر :
1ـ منشأ المقام في عصر الإمام الصادق عليه السلام ( 136ـ148هـ ).
2ـ وجود المقام في سنة 1026 هـ كما قدّمناه.
3ـ وجود المقام في عصر العلاّمة المجلسي قدس سره.
4ـ وجود المقام في عصر السيد نصر الله الحائري شيخ مشائخ السيد بحر العلوم.
5ـ التأريخ الثاني : سنة ( 1200 هـ )
يوجد في المكان نفسه ( أي المقام ) حجر منقوش عليه زيارة الإمام الحجة عليه السلام سنة1200هـ وفيه ما نصّه :
حرّرهُ الآثم الجاني قاسم بن المرحوم أحمد الفحام الحسيني في 9 شهر شعبان سنة 1200 هـ.
أقول : إنّ هذهِ الزيارة لا أثرلها الآن في المقام ، ولقد رآها الشيخ جعفر محبوبة ( ت1377 هـ ).
كما أن من الأرجح أن تكون السنة المذكورة أي ( 1200هـ ) هي سنة عمارة السيد بحر العلومقدس سره ، فيكون عمر السيد بحر العلوم قدس سره حينئذ 45 عاماً ، علماً أن عمرهُ الشريف 57 عاماً.
6ـ التأريخ الثالث : بين سنة ( 1214هـ ) وسنة ( 1225هـ )
ويقال أنهُ في القديم كان خدمته ينزلون حوله وكان لهم دور بأزائه ، ولمّا كثرت الغارات على النجف من الوهابيين هجروا دورهم وأقاموا في البلدة.
أقول : ويؤيد هذا القول ، من أنّ الناس اتّخذوا المكان سكناً لهم ما ذكرهُ العلامة محمد حرز الدين ( ت 1365 هـ ) في كتابه معارف الرجال ، قال : في أحوال الشيخ يونس الأمير :
الشيخ يونس بن حمود الأمير النجفي ، كان فاضلاً فقيهاً من المهاجرين إلى النجف ودعاة الإسلام نزل مدة بعياله في وادي السلام وأقام في المقام المعروف بمقام الإمام المهدي عليه السلام يوم كانت القبور حواليه قليلة جداً ثم انتقل بعياله... )51.
7- تاريخ المقام في القرن الرابع عشر الهجري ( 1300 ـ 1400هـ )
1ـ التأريخ الأول : من هذا القرن : سنة ( 1300هـ ).
في سنة 1300 هـ توفي السيد علي بن السيد محمد الحسيني والشهير بالحكيم الذي ولد سنة 1200 هـ وعمّر مائة عام ، ودفن في النجف في وادي السلام جوار مقام الإمام المهدي عليه السلام.
2ـ التأريخ الثاني : سنة ( 1308هـ ).
قبل هذهِ السنة كانت عمارة السيد بحر العلوم قدس سره للمقام قائمة ، إذ استمرت حوالي قرن وعدة سنوات قليلة ، ثم أن الراجة محمود آباد ـ وهو أحد ملوك مقاطعة من مقاطعات الهند ـ شيد المقام بعمارة مازالت قائمة إلى الآن ، وكان هذا سنة 1308هـ ، أثناء زيارة راجة محمود آباد خان إلى الحرم العلوي.
3ـ التأريخ الثالث : سنة ( 1312هـ ).
في سنة 1312هـ وفي الثاني من شهر رمضان ، توفّي الميرزا محمد تقي بن المولى محمد المامقاني التبريزي المعروف بحجّة الإسلام صاحب كتاب صحيفة الأبرار ودفن بوادي السلام بين سور النجف ومقام المهدي عليه السلام ، وكتب على لوح قبره رباعية من إنشائه.
4ـ التأريخ الرابع : سنة ( 1317هـ ) :
في سنة 1317 توفي السيد المرندي في تبريز ، ونقل إلى النجف ودفن في وادي السلام قرب مقام المهدي عليه السلام.
5ـ التأريخ الخامس : ( حكاية المرأة التي كُشف بصرها في مقام الإمام المهدي عليه السلام ) قال العلامة النوري قدس سره ( ت1320هـ ) في كتابه كشف الأستار عن وجه الغائب عن الأبصار :
( إلاّ أنه قد ظهر في هذهِ الأيام كرامة باهرة من المهدي عليه السلام في متعلّقات الدولة العلية العثمانية المقيمين في المشهد الشريف الغروي ، وصارت في الظهور والشيوع كالشمس في رابعة النهار ، ونحن نتبرّك بذكرها بالسند الصحيح العالي ، حدّث جناب الفاضل الرشيد السيد محمد سعيد أفندي الخطيب فيما كتبه بخطّه ما ملخصه :
أن زوجه رجل موظف في العهد التركي أصيبت بالعمى فرأت في منامها من يأمرها بزيارة مقام الامام المهدي فذهبت لزيارته وتوسلت الى الله تعالى به فشفيت من مرضها وعاد لها نظرها.
وقال النوري قدس سره بعد هذه الحكاية : هذا المقام واقع في خارج سور البلد في غربي المقبرة المعروفة بوادي السلام ، ولهُ صحن وقبة فيها محراب ، يُنسب إلى المهدي عليه السلام.
وقد ذكر بعض علماء القرن الحادي عشر في جامعه الكبير قصّة رجل كاشاني مريض قد أيس من مرضه ، فذهب إليه فرآه من غير أن يعرفه فشفاه ، ويعلم منها أنهُ كان في ذلك الزمان معروفاً بالنسبة إليه.
وقال قدس سره في كتابه النجم الثاقب : وليس خفياً أن من جملة الأماكن المختصة المعروفة بمقامه قدس سره ، مثل وادي السلام ومسجد السهلة ، والحلة ، وخارج قم وغيرها.
6ـ التأريخ السادس : سنة ( 1333هـ )
في 18 ذي الحجة من سنة 1333 هـ أعلن السيد محمد كاظم اليزدي ( ت1337هـ ) صاحب كتاب العروة الوثقى رأيه بوضوح وجرأة ضد الإستعمار وجيوش الإنكليز ، ففي يوم الغدير من تلك السنة صعد السيد على منبر وُضع لهُ في مقام المهدي عليه السلام بوادي السلام ، وكانت العشائر قد احتشدت في النجف بسبب زيارة يوم الغدير ، وكان بجانب السيد اليزدي قدس سره السيد محمد علي هبة الدين الشهرستاني.
7ـ التأريخ السابع : سنة ( 1359هـ )
ذكر الشيخ محمد السماوي قدس سره ( ت 1370هـ ) في أرجوزته ( عنوان الشرف في وشي النجف التي كتبها في سنة ( 1359هـ ) هذا المقام ، قال قدس سره :
وعند بابَي كربلا والكوفة مقام رب الغيبة المعروفة
8ـ التأريخ الثامن : حكاية لقاء المرجع الكبير السيد أبي الحسن الإصفهاني ( ت1365هـ ) بالإمام المهدي عليه السلام في هذا المقام :
وقد نقل هذه الحكاية المتتبع الحاج السيد ميرجهاني في كتاب ( كنز العارفين ) فقال ما ملخصه :
أن أحد علماء اليمن من الزيدية واسمه بحر العلوم كان لا يعتقد بوجود الإمام المهدي عليه السلام فراسل السيد ( أبو الحسن الاصفهاني قدس سره ) الذي طلب منه المجيء الى النجف واخذه ليلاً الى المقام المقدس وقد اغمي عليه لانه رأى ولي العصر والزمان ثم أصبح من شيعته الاثني عشرية.
9ـ التأريخ التاسع : ذكر المقام في كتاب ماضي النجف وحاضرها للشيخ جعفر محبوبة قدس سره ت1377هـ :
10- تأريخ المقام في القرن الخامس عشر الهجري ( 1400هـ ) وذكر موقعه ووصفه
موقع المقام : يقع في الجانب الغربي من بلدة النجف وفي وادي السلام وتتوسّط عمارته القبور ، ويبعد عن حرم أمير المؤمنين عليه السلام بحوالي ستمائة متر ، وقبّته ظاهرة للعيان للقاصد إليه من أول الوادي.
وصف المقام
1ـ الباب الخارجية : للمقام باب واحدة حديديّة ، تقع إلى جهة القبلة.
2ـ مدخل المقام : يقع بعد الباب ، وهو مرتفع بحيث لو أردت الدخول إلى صحن المقام لابدّ أن تنزل حوالي ثلاث دكات ، وطوله حوالي7 أمتار.
3ـ صحن المقام : للمقام صحن كبير ، تشاهد على جهته الشمالية ألواحاً لقبور كُتب عليها أسماء الموتى ، وقال لي السادن بأن هذه الألواح دخلت في الصحن حينما وسّع قديماً ، والألواح مبنية على جدار صحن المقام الشمالي ، وفي الجهة الغربية للصحن تشاهد ساحة مرتفعة بعض الشيء ، تتخلّلها أعمدة ، وهي مسقّفة لتظل الزائرين وقد فُرشت بالحصران والبسط. وتوجد في الصحن شجرة سدر. وعلى يمين مدخل المقام توجد حجرة مرتفعة فيها بئر عميق يأخذ منه الزائرون الماء للتبرّك ، وبجوار هذهِ الحجرة يوجد باب لسطح المقام.
ويقع مقام الإمام المهدي عليه السلام : في الجهة الشرقية لصحن المقام ، وقبل دخولك له تقرأ زيارة كُتبت على جدرانه الخارجية ودعاء ( اللّهم كن لوليك... ) ثم تنزل دكّتين ، ثم تدخل بيت المقام فتراه قد زُيّن إلى منتصفه بالطابوق القاشاني الأزرق ، وفيه محراب على يسار الداخل للمقام مزيّن بالطابوق القاشاني الأزرق ، أيضاً كُتب في أعلاه باللون الأصفر تأريخ هذا التزيين 1352 هـ وعبارة <يا صاحب الزمان عليه السلام>.
ويعلو هذا المقام قبّة شامخة لونها الأزرق فاتح أثّر بها طول المدة وأشعة الشمس وقد تهرّأ بعض جوانب القبّة وتساقط بعض الطابوق القاشاني الذي بُنيت به ، وكتب على طول القبّة سورة الانفطار ، ثم بعد السورة كُتبت سنة تشييد المقام وإسم المشيّد والساعي له ، وكتبت هذهِ الكتابة بخط الثُلث .
الكتابة :
الباذل لهذا الخير أميرهُ … الملك السعيد لخير الائمة قد تم بنيان مقام صاحب الزمان على يد الراجّي راجة .... الخان حسن محمود آباد الهندي لا زال موفقاً من جدّه… الأجر والمعونة السيد علي كمونة 1308هـ.
أما مقام الإمام الصادق عليه السلام : فللمقام بابان ، باب تدخل إليه من مقام الإمام المهدي عليه السلام وباب على جهة خلف القبلة تطلّ على صحن المقام ، وهذا المقام ملاصق لمقام الإمام المهدي عليه السلام ومساحتهُ أكبر منه ، ومحرابه على جهة القبلة مزيّن بالطابوق القاشاني ، وعليه لوحة كتب عليها <مقام الإمام جعفر الصادق عليه السلام.
دعوة للخيّرين :
وندعو في الختام جميع الخيرين للمبادرة إلى إعادة تشييد هذا المقام السامي لإمامنا المهدي عليه السلام سيما وأن البناية الحالية قديمة تهرأَ أكثرُ أقسامها ولا تليق بمقامه الشريف ، وفق الله الجميع لكل خير.
التعلیقات