رؤية الإمام الغائب ومشاهدته بين الصدق والدجل

طباعة

رؤية الإمام الغائب ومشاهدته بين الصدق والدجل ظاهرة الغيبة وخصائص المرحلة:

امتدَّت مرحلة الغيبة الصغرى من (260هـ) إلى (329هـ)، وهذه الحقبة الزمنية لها خصوصيتها، فهي حقيقة واقعية خاضتها شريحة من الناس كانوا روّاداً لهذه الفترة.

ومن خصائص هذه المرحلة ما يلي:

1 _ إنَّ جملة ممَّن عاش وعاصر زمن الغيبة الصغرى هم من أصحاب الإمام الجواد، والهادي، والعسكري (عليهم السلام)، كعلي بن جعفر أبو هاشم، وداود بن القاسم الجعفري الذي رأى خمسة من الأئمّة (عليهم السلام)، وداود بن أبي يزيد النيسابوري، ومحمّد بن علي بن بلال، وعبد الله بن جعفر الحميري، وإسحاق بن الربيع الكوفي، وأبو القاسم جابر بن يزيد الفارسي، وإبراهيم بن عبيد الله بن إبراهيم النيسابوري.

2 _ إنَّ جملة ممَّن عاصر الغيبة الصغرى من وكلاء الإمام المهدي كمحمّد بن أحمد بن جعفر، وجعفر بن سهيل، ومحمّد بن الحسن الصفّار، وعبدوس العطّار، وسندي بن النيسابوري، وأبي طالب الحسن بن جعفر الفافاء، وأبي البختري.

3 _ إنَّ نوّاب الإمام في زمن الغيبة الصغرى هم أربعة: عثمان بن سعيد العمري، محمّد بن عثمان، الحسين بن روح، علي بن محمّد السمري.

4 _ إنَّ مجموعة ممَّن عاصر الغيبة الصغرى هم من العلماء الفقهاء، كالكليني، والصدوق وأبيه.

5 _ امتازت هذه المرحلة أيضاً بأنَّ الأجوبة كانت تظهر بشكل مكاتبات ومراسلات منه (عليه السلام).

6 _ تمتاز هذه المرحلة أيضاً بوجود قاعدة جماهيرية تحمل ثقافة الارتباط بالإمام المنصوب، والاعتقاد بالأئمّة السابقين، ويحملون هوية معيّنة، وانتماءاً خاصّاً، واعتماداً في مجال العمل على طريقة فقهية معيّنة.

ولنا وقفة فيما بعد في تحليل ومعرفة كيفية رجوع هذه القواعد الجماهيرية بعد شهادة العسكري إلى الإمام المهدي (عليه السلام) من دون أن تبتلى بإرباك ولو كان لبان.

علماً أنَّ هذه القواعد الجماهيرية تحمل خصوصيات فكرية، وسلوكية، تعكس لنا فوائد جمّة.

واتَّفق الجميع أنَّ طريق الاتّصال بالإمام المنتظر (عليه السلام) هو عن طريق النوّاب، ولم ينعكس لنا من روّاد هذه المرحلة، كالكليني، السعي العملي في طلب مشاهدته ورؤيته (عليه السلام)، بل كان مفروغاً عن عدمه ولو من جهة وجود المانع وإن كان المقتضي للرؤية تامّاً، ولو فرض سعي البعض في ذلك الظرف للرؤية كما نقل عن أبي العبّاس أحمد بن الخضر بن أبي صالح الخجندي، حيث ورد النهي والمنع عن هذا السعي الذي أشار إليه التوقيع الشريف من صاحب الزمان (عليه السلام) بعد أن كان اُغْريَ بالفحص والطلب وسار عن وطنه ليتبيَّن له ما يعمل عليه، فكانت نسخة التوقيع: (من بحث فقد طلب، ومن طلب فقد دلَّ، ومن دلَّ فقد أشاط، ومن أشاط فقد أشرك)، قال: فكفَّ عن الطلب ورجع(1). وما يقال: إنَّ المانع لشخص الباحث يحمل على القضيّة الخارجية والجزئية مردود بظاهر التعليل المنسجم مع العموم.

فلو كانت مسألة الرؤية للإمام والسعي العملي والفعلي لها خصوصاً في ظرف الغيبة الصغرى وبشرط المحمول كمالاً ومحبوباً، فلِمَ لم يقصده الوكلاء، والأصحاب، والعلماء، وأهل الإيمان، مع شدّة حرصهم على الإتيان بالنوافل، بل قد حفظ لنا التاريخ أنَّهم طلبوا منه (عليه السلام) أموراً أخرى عن طريق السفراء.
نماذج من طلب الحاجات من الإمام (عليه السلام):

منها: عن أبي جعفر محمّد بن علي الأسود (رضي الله عنه)، قال: سألني علي بن الحسين بن موسى بن بابويه (رضي الله عنه) بعد موت محمّد بن عثمان العمري (رضي الله عنه) أن أسأل أبا القاسم الروحي أن يسأل مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) أن يدعو الله عز وجل أن يرزقه ولداً ذكراً، قال: فسألته فأنهى ذلك، ثمّ أخبرني بعد ذلك بثلاثة أيّام أنَّه قد دعا لعلي بن الحسين وأنَّه سيولد له ولد مبارك ينفع الله به وبعده أولاد(2).

ومنها: الأسئلة التي رفعت إليه (عليه السلام) فقد روى الطوسي في غيبته(3): (حدَّثني جماعة من أهل بلدنا المقيمين كانوا ببغداد في السنة التي خرجت القرامطة على الحاجّ وهي سنة تناثر الكواكب أنَّ والدي (رضي الله عنه) كتب إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه) يستأذن في الخروج إلى الحجّ...) الخبر.

ومنها: عن الكليني، قال: كتب محمّد بن زياد الصيمري يسأل صاحب الزمان (عليه السلام) كفناً يتيمَّن بما يكون من عنده(4).

ومنها: طلب الزراري من الحسين بن روح أن يدعو له الإمام (عليه السلام) إصلاح أمره مع زوجته أم عبّاس كما في (الغيبة)(5).

ومنها: ما في (الإرشاد)(6) للشيخ المفيد، عن علي بن محمّد، قال: حدَّثني بعض أصحابنا، قال: ولد لي ولد فكتبت أستأذن في تطهيره يوم السابع... إلى أن قال: وتهيَّأت للحجّ وودَّعت الناس وكنت على الخروج، فورد: (نحن لذلك كارهون، والأمر إليك)، فضاق صدري واغتممت وكتبت: أنا مقيم على السمع والطاعة، غير أنّي مغتمّ بتخلّفي عن الحجّ، فوقع: (لا يضيقنَّ صدرك، فإنَّك ستحجّ قابلاً إن شاء الله)، حيث إنَّ الراوي طلب الحجّ فقط، وهكذا في ذيل الرواية يقول: وكتبت: إنّي قد عادلت محمّد بن العبّاس، وأنا واثق بديانته، فهنا أيضاً يطلب الاستفسار عن الصديق فقط.

( ضمن كتاب العقيدة المهدوية إشكاليات ومعالجات )