مصطلح العلامة :
ورد مصطلح ( العلامة ) في الدين في موارد شتّى ، نذكر بعضها لا على سبيل الحصر :
1 _ علامة مسجّلة في الكتب السماوية ، كالتوراة ، والإنجيل :
تبيّن صفة الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وتسمّى بالبشائر ، قال تعالى : ( وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ) ( الصف : 6 ).
فقد ورد في تفسير القمي عن الصادق ( عليه السلام ) في قوله تعالى : ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ) ( البقرة : 146 ) : ( لأنَّ الله عز وجل قد أنزل عليهم في التوراة والزبور والإنجيل صفة محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وصفة أصحابه... ) (1).
وقد جاء في ( الكافي ) (2) عن الصادق ( عليه السلام ) : ( فلمَّا أن بعث الله عز وجل المسيح ( عليه السلام ) قال المسيح لهم : إنَّه سوف يأتي من بعدي نبيّ اسمه أحمد من ولد إسماعيل ( عليه السلام ) يجيء بتصديقي وتصديقكم ، وعذري وعذركم ).
وعن الباقر ( عليه السلام ) : ( فلم تزل الأنبياء تبشّر بمحمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حتَّى بعث الله تبارك وتعالى المسيح عيسى بن مريم فبشَّر بمحمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وذلك قوله تعالى : ( يَجِدُونَهُ ) يعني اليهود والنصارى ( مَكْتُوباً ) يعني صفة محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ( عِنْدَهُمْ ) ( الأعراف : 157 ) يعني في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر... ) (3) ، والحديث طويل ، ومنقول بمصادر كثيرة ، وهو نافع ، وقد نقلنا منه موضع الحاجة. وقد خاطب القرآن أهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين عصوا الرسول فيما أمرهم به ودعاهم إليه بقوله : ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ ) ( المائدة : 15 ).
وفي رواية عن الرضا ( عليه السلام ) : ( فخذ عليَّ السِفْر الثالث فيه ذكر محمّد وبشارة عيسى بمحمّد ) ، قال الجاثليق : هات. فأقبل الرضا يتلو السفر من الإنجيل ، حتَّى بلغ ذكر محمّد ، فقال : ( يا جاثليق ، من هذا النبيّ الموصوف؟ ) ، قال الجاثليق : صفه ، قال : ( لا أصفه إلاَّ بما وصفه الله تعالى ، هو صاحب الناقة والعصا والكساء ، ( النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ) ( الأعراف : 157 ) ، يهدي إلى الطريق الأفضل ، والمنهاج الأعدل ، والصراط الأقوم... ) (4) الحديث.
2 _ علائم في الكتب السماوية للمصلح العالمى :
فقد ورد في قوله تعالى : ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) ( الأنبياء : 105 ) ، وحيث كان النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يتلو هذه الآية على أشدّ خصومه وهم اليهود وهم بمرأى منه وهم سكوت وهي علامة الرضا ، إذ لو لم يكن هذا الحديث في التوراة وهم المتربّصون بالنبيّ الأكرم لاعترضوا عليه ونفوه ، ولو كان صدر منهم اعتراض لانعكس إلينا.
3 _ علامات يوم القيامة وهي على قسمين :
القسم الأوّل : علامات تتحقَّق قبل وقوع القيامة ، وتسمّى أشراط الساعة ، وقد ذكرت الروايات منها بعثة النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، واندكاك السدّ ، وخروج يأجوج ومأجوج ، وإتيان السماء بدخان مبين ، ونزول السيّد المسيح ( عليه السلام ) ، وخروج دابة من الأرض ، والفاطمى ، وقتل الدجّال. قال عبد الوهاب الشعراني في ( اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر ) (5) : ( إنَّ جميع أشراط الساعة التي أخبرنا بها الشارع حقّ لا بدَّ أن تقع كلّها قبل قيام الساعة ، وذلك كخروج المهدي ( عليه السلام ) ، ثمّ الدجّال ، ثمّ نزول عيسى ، وخروج الدابة ، وطلوع الشمس من مغربها ، ورفع القرآن ، وفتح سدّ يأجوج ومأجوج ، حتَّى لو لم يبقَ من الدنيا إلاَّ مقدار يوم واحد لوقع ذلك كلّه ).
وقال تعالى : ( فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا ) ( محمّد : 18 ) ، والأشراط جمع ( شَرَط ) وهي العلامة ، وعلى هذا فإنَّ أشراط الساعة إشارة إلى علامات اقتراب القيامة. ويعتقد أكثر المفسّرين أنَّ المراد من أشراط الساعة هو ظهور شخص النبيّ الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، لقوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( بعثت أنا والساعة كهاتين _ ويجمع بين سبابتيه _ ) (6).
ووردت أحاديث عديدة في بيان أشراط الساعة ، من قبيل شيوع كثير من المعاصي بين الناس ، فقد ورد عن النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( إنَّ من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل ويشرب الخمر ويفشو الزنا ) (7).
وقد ورد عن ابن عبّاس ، قال : حججنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حجة الوداع فأخذ بحلقة باب الكعبة ثمّ أقبل علينا بوجهه ، فقال : ( ألا أخبركم بأشراط الساعة؟ ) ، وكان أدنى الناس منه يومئذٍ سلمان رحمة الله عليه ، فقال : بلى يا رسول الله! فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( إنَّ من أشراط القيامة إضاعة الصلوات واتّباع الشهوات ، والميل إلى الأهواء ، وتعظيم أصحاب المال ، وبيع الدين بالدنيا ، فعندها يذوب قلب المؤمن في جوفه كما يذاب الملح في الماء ممَّا يرى من المنكر فلا يستطيع أن يغيّره... ) (8) والحديث طويل.
القسم الثانى : علامات وحوادث كتخلخل النظام الكونى ، واندثار النظام السائد ، وظهور نظام جديد ، كما ذكر ذلك في سورة التكوير ، والزلزلة ، والانشقاق ، والانفطار.
4 _ علامات ظهور الحجّة ( عليه السلام ) ، فقد روى المسلمون على اختلاف طوائفهم أحاديث كثيرة عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حول المهدي وعلامات ظهوره ، وما يجري في أيّامه ، وهكذا روى أهل البيت ( عليهم السلام ).
فقد سئل الإمام الصادق ( عليه السلام ) عن ظهور القائم فتنهَّد (9) وقال : ( يا لها من طامة _ وبكى _ إذا حكمت في الدولة الخصيان والنسوان والسودان ، وأخذت الإمارة الشبان والصبيان ، وخرب جامع الكوفة من العمران ، وانعقد الجسران ، فذلك الوقت زوال ملك بني عمّي العبّاس ، وظهور قائمنا أهل البيت ( عليهم السلام ) ) (10).
وقد ورد في بعض الروايات أنَّ من علامات الظهور : ( خسف يكون ببغداد ، وخسف قرية ( جابية ) بالشام ، وخسف بالبصرة ، ونار تظهر بالمشرق طولاً وتبقى في الجوّ ثلاثة أيّام أو سبعة أيّام ، ونار تظهر من أذربيجان لا يقوم لها شيء ، وخراب الشام ، وعقد الجسر ممَّا يلي الكرخ ببغداد ، وارتفاع ريح سوداء بها في أوّل النهار ، وزلزلة حتَّى ينخسف كثير منها ، واختلاف صنفين من العجم ، وسفك دماء كثيرة بينهم ، وغلبة العبيد على بلاد الشام ، ونداء من السماء يسمعه أهل الأرض كلّ أهل لغة بلغتهم... ) (11) الخبر.
ومن الروايات التي ذكرت علامات الظهور : ( خروج راية من المشرق ، وراية من المغرب ، وفتنة تُضِلُّ أهل الزوراء ، وخروج رجل من ولد عمّي زيد باليمن ، وانتهاب ستارة البيت ) (12).
وقال الباقر ( عليه السلام ) : ( لا بدَّ أن يملك بنو العبّاس ، فإذا ملكوا واختلفوا وتشتَّت أمرهم خرج عليهم الخراساني والسفيانى ، هذا من المشرق ، وهذا من المغرب... ) (13) الخبر.
وقد تُقسَّم علائم الظهور إلى علائم محتومة ( قابلة للبداء ) وغير محتومة ، وقد تقسَّم إلى علائم قريبة وبعيدة ، وتقسَّم إلى علائم قبل عصر الظهور وعلائم بعد عصر الظهور ، وقد تقسَّم إلى علائم طولية وعلائم عرضية ، وعلائم قد تحقَّقت وعلائم لم تتحقَّق ، وعلائم تتداخل مع علائم يوم القيامة وعلائم تختصّ بظهور القائم ، وعلائم فيها جنبة من العمومية وعلائم ليست فيها جنبة من العمومية ، وعلائم قد تكرَّر ذكرها في الروايات وعلائم اختصَّ ذكرها في بعض الروايات ، وعلائم قد دلَّت الروايات على أنَّها حصرية وعلائم لم تتناولها الروايات بالحصر.
وقد ذكرت كتب أبناء العامّة علائم ظهور المهدي ( عليه السلام ) ، كسنن ابن ماجة ، وسنن أبي داود ، وكتب السيوطى ، والطبرانى ، والشافعى ، وغيرهم.
وهدفنا من هذه الدراسة الإشارة إلى أنَّه ينبغي في دراسة علائم الظهور أن تكون الدراسة قائمة على أساس الأشباه والنظائر ، نظير علائم البشائر وعلائم القيامة.
(1) تفسير القمي 1 : 33.
(2) الكافي 1 : 293/ باب الإشارة والنصّ على أمير المؤمنين عليه السلام/ ح 3.
(3) الكافي 8 : 117/ باب أمره سبحانه رسوله بالوصيّة.../ ح 92.
(4) الثاقب في المناقب : 190/ باب 2/ ح ( 171/1 ).
(5) أنظر : الإمام الثاني عشر عليه السلام/ السيّد محمّد سعيد الموسوى : 42 عنه.
(6) أمالي المفيد : 211 و212/ ح 1.
(7) روضة الواعظين : 485.
(8) أنظر : تفسير القمي 2 : 303 - 307.
(9) أي تنفَّس الصعداء.
(10) الملاحم والفتن : 369/ ح 542.
(11) الملاحم والفتن : 370.
(12) بحار الأنوار 83 : 63/ ح 1.
(13) الغيبة للنعمانى : 267/ باب 14/ ح 18.
مقتبس من كتاب العقيدة المهدوية إشكاليات ومعالجات ، الفصل السادس