عملية الظهور المنتظرة و العلامات التي تسبقها

البريد الإلكتروني طباعة

تكاد تتفق جميع الاديان على فكرة ظهور مخلص في آخر الزمان ينقذ البشرية من معاناتها ، ويزيح عن كاهلها ثقل الظلم والجور ، ويريحها من انعكاسات التوتر والقلق التي تصيغ طابع حياة أفرادها بفعل تسلط الجبابرة ، وعجز الأنظمة الوضعية عن إيجاد حلول ناجعة لجميع مشاكل الإنسان.
ولعل ما يرسخ فكرة ( المنقذ ) في النفس الانسانية وهو تطلعها للوصول إلى حالة التوازن بين الغائب والواقع ، بين المادة والروح ، بين الأمل بالخلاص من جحيم المعاناة القاسية التي تتقاسمها حالات القلق والخوف من المجهول وبين الصبر في هذا الموضع وهذا يشكل معادلا موضوعياً لفكرة المنقذ المنتظر وفق الوقائع التي تمليها الحقائق العلمية والفكرية والاعتبارية.
لذا فإن الاعتقاد بوجود المهدي ( عجّل الله تعالى فرجه الشريف ) وحتمية ظهوره ، هو فكر انساني فذ ، عبّر الفكر الديني عنه لضمان استقرار هذا الوجود الانساني القلق بطبيعته ، وطمأنينته بالنظر لأن منبع فكرة المهدي المنتظر هو التراث الاسلامي الذي احتضنها وباركها وقوّمها لنا من خلال المئات من الاحاديث النبوية الشريفة الا أننا نجد تميزاً لديهم وما تشكله من مرتكز أساسي لعقيدتهم التي يلعب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) دورا أساسيا فيها.
لذا فالبحث في هذا الموضوع لديهم قد أخذ نصيبه الوافى ، وبالشكل الذي يلقي الضوء على موضوع ( وراثة الأرض ) من قبل القائم بالأمر الذي هو الإمام المهدي الثاني عشر في تسلسل الأئمة ( عليهم السلام ) لديهم ، والذي ولد في عام ( 255 هـ. ق ) في سامراء وغاب عن الأنظار ابتعاداً عن كيد الظالمين مرتين أحدهما الغيبة الصغري التي كان يتصل بها بالمكلفين عن طريق ( نواب له ) بلغ عددهم أربعة ، ثم غاب الغيبة الكبري التي لن يظهر بعدها إلا حين يأذن الله تعالى له بها ، حيث يملأُ الأرض قسطاً وعدلا ، بعد أن ملئت جوراً وظلماً.
وعملية الظهور المنتظرة والعلامات التي تسبقها هى محور موضوعنا هذا حيث سنقوم بتقسيط الأحاديث الواردة في عملية الظهور ( هندسياً ) على أرض الواقع الجغرافي والسياسي الراهنة ، إن كان فيما يخص منطقة ( عمليات الظهور ) أو المناطق الأخرى. ومن خلال استقرائنا لعلامات الظهور التي وردت في الأحاديث النبوية الشريفة والاحاديث التي رواها أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، نستطيع تقييم العلامات إلى نوعين :
1 ـ علامات تبدأ قريبة من موعد الظهور : منها : سماع صيحة في السماء في ( 23 رمضان ) يفهمها أهل كل أرض بلغتهم وظهور حمرة فى السماء وظهور السفياني وخسف بالبيداء هى جزيرة العرب و... من العلامات المحددة الواضحة والقريبة من فترة الظهور.
2 ـ علامات إضافية : حدث الكثير منها ، والبعض الأخر مستمر في الحدوث جراء تسلسل الأحداث ـ دراماتيكياً ـ في العالم وفق منظور سنن التاريخ وتداعيات حالات الظلم التي تعاني منها الإنسانية في كل جوانب الحياة ، والجزء الثاني هو الذي سيهمنا في هذا العرض السريع.
حيث أننا على أعتاب الألفية الثالثة ، فإنّنا نكاد أن نحسس بالحاجة القوية لأن يبدأ هذا القرن ونحن ( المظلومون في الأرض ) ننعم بحياة تخلو من الظلم والتمايز وإزدواجية المعايير ، والفقر والمرض والمجاعة والدكتاتوريات وما تفرز من ظواهر إجتماعية ونفسية وسياسية ملأت سجلاتنا الطبية بقوائم طويلة من الأمراض النفسية والعقد السلوكية ، وجعلتنا أساري التوتر والقلق والخوف من الغد ، والكدح من أجل لقمة العيش ( المعجونة ) بدمائنا تارة وبعرقنا ودموعنا تارة أخرى.
والأرضية العامة التي تشكل قاعدة إنطلاق كلمة الظهور ، هى انتشار الفساد والظلم في الارض ، وهي تكاد تكون مهيئة بشكل ( نموذجي ).
صكته (1) ، وهذه ولاشك فتنة الغرب وثقافته وامتداداته المحسوسة وغير المحسوسة في جميع تفاصيل حياتنا والتي تشكل ( العولمة ) حالة متقدمة لها.
ومن العلامات الأخرى ، هى تسلط اليهود وعلوّهم في الارض ، وسعيهم فيها فساداً ، وتشير الأحاديث التي تروى عن الإمام الصادق والباقر ( عليهم السلام ) إلى تسميتها بفتنة فلسطين ، ولاشك أن ما تفعله ( إسرائيل ) اليوم من دور مأساوي في حياتنا كمسلمين ، وما تفعله ( اللوبي اليهودي ) في العالم من تحكم بمصائر اقتصاديات العالم يفوق كل تصور ، ويعجّل من مسيرة الأحداث باتجاه الإقتراب من بوابة ( عصر الظهور ) وفق التصورات المنطقية لمجريات الأحداث. كما أن قيام الجمهورية الإسلامية المباركة في إيران ، وتمكنها من مواجهة الظروف الصعبة وكما ورد في أحاديث عديدة وللدور الذي ستلعبه هذه الدولة في التمهيد لثورة الإمام المهدي ( عجّل الله تعالى فرجه الشريف ) فقد اقتضى المقام الإشارة إلى أهمية هذا الدور من منطلق أهمية الدعم الذي ستقدمه هذه الدولة الكريمة المنظومة الحركية المهدية وإعلامياً وسياسياً وعسكرياً ، إضافة إلى حجم الحشد الجماهيري الذي سيؤيد انطلاقة هذه الثورة والذي يتمتع حتماً بتبنّ عقائدي متقدم للإيمان بفكرة الظهور وهو مايتمتع به الشعب الإيراني المسلم اليوم.
العراق إضافة إلى أحاديث أخرى تتحدث عن ( خسف ببلدة البصرة ، ودماء تسفك بها وخراب دورها وفناء يقع في أهلها ، وشمول أهل العراق خوف لايكون معه قرار ) (2) وقد حدث الكثير من هذا للبصرة خلال فترات زمنية قريبة ، ومنها خلال الحرب العراقية الإيرانية ( التي ورد الحديث عنها كإحدى علامات الظهور ) في أحاديث متنوعة ، ومنها خلال حرب الخليج الثانية التي شملتها أيضاً إضاءات في أحاديث عديدة. وتشير الأحاديث أيضاً إلى نزاع عراقي تركي ـ سوري محتمل حول ( كنز يظهر في أعالي الفرات ) (3) وقد يكون المقصود بالكنز اعتبارياً يعني ( بالماء ) فقط وما يؤيد هذا وجود نوايا تركية خبيثة للاستئثار بمياه دجلة والفرات وتقنين انسيابها إلى العراق وسوريا والتلميح ببيعها لهم ولدول أخرى مستقبلا وقديكون لإكتشاف معادن ثمينة في هذا المثلث الخطر وبالذات في منطقة ( قرقيسيا ) القريبة من هذا المثلث والتي تذكر في الأحاديث ( بالاسم ) والتي تشير الدراسات الجيولوجية إلى وجود خامات ومعادن متنوعة فيها.
ولابد من التلميح إلى أن علامات كثيرة أخرى قد حدثت بالفعل لانريد الخوض في ( تفاصيلها ) ومنها ( قتل أهل مصر أميرهم ) (4) وملك الصبيان والسفهاء ، وغربة الاسلام ومعاناة المسلمين في ديارهم وخارجها ، إضافة إلى أحداث واقعية تضفي على عصر الظهور سمات الواقعية وقرب الأمل بالخلاص الالهي ـ الوعد ـ الذي وعدالله به الأمة من منطلق قوله تعالى : ( وَنُرِ‌يدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْ‌ضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِ‌ثِينَ ). (5)

....................
وهذه الوراثة الربانية لن تتحقق إلا حين يكون الوارث مؤهلا شرعياً بالتميز والتفوق على الأخرين بميزات ومؤهلات تظللها العناية الألهية ، ويحكمها عدل الوارث وإحاطته بالعلم اللدني وحمله للشرائط العامة للإمام ـ وفق ـ التصور الإسلامى.

المهدي في الإعلام الغربى

استحوذت فكرة المهدي في الإعلام الغربي على حيز كبير خاصة بعد صدور كتاب ( تنبؤات نوسترادموس ) وتحويل إحدى محاور هذه التنبؤات والمتعلقة بخروج رجل من ذرية نبي الإسلام محمد ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) ، في آخرالزمان يحارب الغرب وينتصر عليه ويقيم دولة ( كبري ) إلى فلم سينمائي في منتصف الثمانينات من هذا القرن وقد ركز الفلم على فكرة الإيحاء للغربيين بما سيشكله هذا الأمر من خطر على الحضارة الغربية ، ولتنمية مشاعر العداء والبغض للمسلمين باعتبارهم ( الخطر المؤجل ) الذي يتقدم ببطء لتحطيم أصنام الحضارة الغربية.
وبلا شك فإن للوبي الصهيوني دور كبير يحكم سيطرته على مفاصل الإعلام الغربي في تحريك وتفعيل هذا التوجه وبما يحقق ذات الهدف ويدفع بدوائر القرار في الإدارة الأمريكية إلى التعامل مع موضوع الظهور تعاملا واقعياً يتجاوز إطار التنبؤات والروايات ، خاصة وأن ما يحدث في أنحاء متقدمة من بلدان العالم من صحوة إسلامية ( و ان تباينت طرق التعبير عنها ) تعكس حجم القلق الذي سيؤدي بهذه الدوائر إلى التعامل مع هذه الصحوة ـ المبشرة ـ ببزوغ فجر جديد يحكم العالم لصيغ وعلاقات تكون بديلا للفوضى الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية التي أفرزتها الحضارة الغَربية وتجسيد فكرة صراع الحضارات تجسيداً واقعياً.
وفي ذات الوقت فإن المخابرات الأمريكية وكما أشيع تملك ملفاً ضخماً عن الإمام المهدي ( عجّل الله تعالى فرجه الشريف ) اعتمدت في إعداده على خبراءها المتخصصون وأن ما ينقص الملف هذا هو ( صورة الإمام المهدي ( عجّل الله تعالى فرجه الشريف ) ) كما ذكر ذلك الشيخ الكوراني في مقدمة عصر الظهور.
وقد ابتدأ هذا الاهتمام يأخذ مداه بعد حادثة الحرم المكي الشريف في محرم 1400 هـ. ق وما تلاها من تداعيات لم تنته إلا بتدخل قوات الكوموندور الفرنسي التي وضعت حداً لتلك الحركة التي طالبت بالتغيير باسم ( المهدي )..
كما أزداد الاهتمام بها بعد أن تبنت الثورة الإسلامية في ايران المشروع النهضوي الإسلامي المعاصر الذي جسد النموذج الواقعي للفكر السياسي الاسلامي والذى حوّل الأفكار الى واقع حىّ أكّد بشكل واضح صلاحية الفكر الاسلامي لقيادة الأمة بل ونجاحه في تجاوز كل العقبات المستحدثة والمرتجلة والمفتعلة في إطار الصراع الأزلي بين الخير والشر ، وأصبح المرشد العام للثورة يسمى ( نائب الإمام ) وفقاً لمنظور فقهي متجدد طرحته هذه الثورة يشكل نموذجاً إسلامياً فريداً في الحكم الاسلامي القائم على أسس حضارية وتاريخية قوية.

(1) المروزى ، نعيم بن حماد ، كتاب الفتن ، ص 30.
(2) المجلسى ، العلامة محمدباقر ، بحار الانوار ، ج 52 ، ص 221.
(3) معجم أحاديث المهدى ( عليه السلام ) ، ( گردآورى ) ، ج 1 ، ص 428.
(4) المجلسى ، ( العلامة ) محمد باقر ، بحار الانوار ، ج 52 ، ص 257.
(5) القصص : 28 / 5.

ضمن كتاب المهدي المنتظر دراسةٌ حول علائم ظهوره على أعتاب الألفية الثالثة