46
والوقائع من دون تعرض لشرائطها وموانعها. فقد تتحقق تلك ، وتفقد هذه ، فيوجد الحدث وقد لا فلا.
وقد قدمنا الحديث عن هذا القسم ونعزّزه هنا بالمثال التقريبي.
فنقول :
أما بالنسبة للمانع ، فهو نظير بيت بُنِيَ على ساحل البحر ، وكان البناء من القوة بحيث يستطيع البقاء مئة سنة.
ولكن إذا ضربته مياه البحر ، أو تعّرض لعاصفة عاتية ، أو لزلزال ، فلسوف ينتهي عمره في أقل من نصف هذه المدة فيصحّ الإخبار عن المدة الأولى من دون تعرض لذلك المانع المعارض ، أو الذي يعرض له.
وكذلك الحال لو كان للإنسان حقل زرعه قمحاً ، وقد استحصد ، فإنه يصح له أن يقول : إن لدي مقدار ألف كيلو من القمح ، ولكنه لا يدري : أن طفلاً سيلقي فيه عود ثقاب فيحرق ، أو سوف يأتي سيل فيقضي عليه.
وأما بالنسبة إلى الشرط ، فهو نظير شجرة خضراء غرست في الموقع وفي المكان المناسب ، ولكنّ شرْطَ نموّها وحياتها هو إيصال الماء إليها ، فإذا لم يتحقق هذا الشرط ، امتنعت عليها الحياة. فيخبر عن حياة الشجرة ، وعن عمرها ، من دون الأخذ بنظر الاعتبار عدم تحقق ذلك الشرط كما قلنا.
ومن الأمثلة التي وردت في القرآن وفي السنة ، على لسان الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله ، والأئمة الأطهار : نذكر :
1 ـ أن بعض الروايات قد صرحت بأن الرجل ليصل رحمه ، وقد بقي من عمره ثلاث سنين ، فيصيّرها الله عز وجل ثلاثين سنة ، ويقطعها وقد بقي من عمره ثلاثين سنة ، فيصيّرها الله ثلاث سنين. ثم تلا : ( يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ
46
وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) 1.
2 ـ ما روي من أن إذاعة الناس ، وعدم كتمانهم قد أوجب تأخُّر ظهور ذلك الرجل الذي سوف يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، إلى وقت آخر 2.
3 ـ لقد استشهدت بعض الروايات على حصول البداء في وقت ظهور القائم ( عجل الله فرجه ) بأن موسى قد واعد قومه ثلاثين يوماً ، وكان في علم الله عز وجل زيادة عشرة أيام ، لم يخبر موسى قومه بها فكفروا بعد مرور الثّلاثين ، وعبدوا العجلَ.
4 ـ واستشهدت على ذلك أيضاً بأن يونس قد أوعد قومه بالعذاب ، « وكان في علم الله أن يعفو عنهم ، وكان من أمر الله ما قد علمت » 3.
وقد عبرت الروايات عن هذا القسم تارة ب « الموقوف » وأخرى ب « ما ليس بمحتوم » كما سبق ..
الثاني :
ما يكون الإخبار فيه عن تحقق العلة التامة ، بجميع أجزائها وشرائطها ، وفقد الموانع ، بحيث يصبح وجود المعلول ـ الحدث ـ أمراً حتمياً ، لا يغيّره سوى تدخّل الإرادة الإلهية.
وذلك .. لأن تمامية العلة ، لا يلغي قدرة الله سبحانه ، وحاكميته المطلقة
__________________
(1) ميزان الحكمة ج 4 ص 80 والروايات الدالة على ذلك كثيرة فراجع الكتاب المذكور.
(2) راجع : الغيبة للشيخ الطوسي ص 263 و 265 والغيبة للنعماني ص 288 و 292 و 293 والكافي ج 1 ص 300 وبشارة الإسلام ص 283و 285 عنهما وعن الكافي وإلزام الناصب ص 78.
(3) راجع في هذا وفي الذي سبقه : الغيبة للنعماني ص 292 و 294 وبشارة الإسلام ص 286 و 284 عنه وعن الكافي وراجع الكافي ج 1 ص 301.
47
ولا حقه في التدخل ، حينما لا يصطدم ذلك التدخل بأي مانع آخر سوى ذلك ، فهو لا ينافي عدله سبحانه ، ولا حكمته ، ولا رحمته ، ولا غير ذلك من صفاته الربوبية جل وعلا ...
ولا ينافي هذا : أنه قد جرت عادته تعالى ، فيما نشاهده ونعيشه على عدم التدخل للحيلولة بين العلل ومعلوماتها ، وعلى تسيير أمور الكون والحياة وِفْقَ طريقة معينة ، وقانون عام ، ونظام تام.
فمثلاً قد اعتدنا : أن يسير توالد الناس ، والموت ، والحياة ، على وتيرة واحدة ، ويتم بالأسباب المعروفة.
كما أن ثبات الأرض والجبال ، وتماسكها ، وثقلها ، واستقرارها هو السنّة التي ألفناها وعرفناها في جميع مقاطع حياتنا.
ولكن مشيئة الله سبحانه ، قد تلغي ذلك كما في قضية ولادة عيسى ـ بل هي سوف تلغي حتماً ـ هذه الحالة عند انتهاء أمد الدنيا ـ وبذلك تكون نفس مشيئته ، وليس فقد الشرط ، ولا وجود الموانع سبباً في وقف التوالد ، وفي صيرورة الجبال كالعهن 1 المنفوش. كما أنها لسوف تمّر مرّ السحاب ، ولسوف يموت الناس بنفخ الصور. ثم تكون نفخة أخرى ، فإذا هم قيام ينظرون.
نعم ، إن ذلك كله سيكون ، من دون أن يحدث أي خلل أو نقص في العلة التامة.
وقد سمّي هذا القسم ب « المحتوم » وعبّر عن تدخل المشيئة الإلهية فيه ب « البداء » كما تقدم في الرواية.
__________________
(1) العهن : هو الصوف.
48
وقد صرحت الرواية الثالثة المتقدمة بهذا حيث قالت :
« فقال له حمران : ما المحتوم ؟
قال : الذي لله فيه المشيئة ».
أما الرواية الرابعة التي هي موضع البحث فقد أشارت إلى هذا القسم وإلى القسم الثالث الآتي بيانه وهي تفسر المراد من الرواية الثالثة.
الثالث : ما يكون الإخبار فيه عن أمور حتمية الوقوع ، ولا يتدخل الله سبحانه للتغيير فيها ، مع قدرته على ذلك ، إذ إن ذلك يتنافى مع صفاته الربوبية.
فمثلاً : الله قادر على فعل القبيح ، وعلى الظلم ، ولكن يستحيل صدورها منه :
( وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ) 1 ، لأن ذلك يتنافى مع عدل الله سبحانه ، ومع كونه لا يفعل القبيح.
وكذا الحال بالنسبة إلى كل ما يتنافى مع حكمته ورحمته.
وخلف الوعد أيضاً من هذا القبيل ، فيستحيل منه تعالى ، وقد صرحت الرواية السابقة بأن قيام القائم ( عجل الله فرجه ) من هذا القبيل ، أي من الميعاد ، والله سبحانه لا يخلف الميعاد.
ومما تقدم نعرف :
1 ـ أن البداء في علامات الظهور إنما هو من القسم الأول.
2 ـ أن البداء في العلامات التي هي من المحتوم ، إنما هو من القسم الثاني.
__________________
(1) الآية 49 من سورة الكهف.
49
وأما البداء في قيام القائم ( عجل الله فرجه ) فهو من القسم الثالث.
ب : الطائفة الثانية من الروايات :
من الروايات التي اكتفت بالإشارة إلى حتمية بعض العلامات ، نذكر ما يلي :
1 ـ محمد بن موسى بن المتوكل ، عن عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي حمزة الثمالي ، قال : « قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : إن أبا جعفر عليهالسلام كان يقول :
« إن خروج السفياني من الأمر المحتوم ؟
قال : نعم ، واختلاف ولد العباس من المحتوم ، وقتل النفس الزكية من المحتوم ، وخروج القائم من المحتوم الخ .. » 1.
2 ـ عن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن صفوان بن يحيى ، عن عيسى بن أعين ، عن المعلِّى بن خنيس ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال :
[ إن أمر السفياني من المحتوم ، وخروجه في رجب ].
وذكره النعماني بسند آخر فراجع 2.
3 ـ عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضياللهعنه ، عن الحسين بن الحسن بن أبان عن الحسين بن سعيد ، عن محمد بن أبي عمير ، عن عمر بن
__________________
(1) إكمال الدين ـ ج 2 ـ ص 652 والغيبة للشيخ الطوسي ـ ص 282 والبحار ـ ج 52 ـ ص 206 وراجع منتخب الأثر ـ ص 457.
(2) إكمال الدين ج 2 ص 652 و 650 والبحار ج 52 ص 204 والغيبة للنعماني ص 300 ومنتخب الأثر ص 457.
50
حنظلة قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول :
« قبل قيام القائم خمس علامات محتومات : اليماني ، السفياني ، والصيحة ، وقتل النفس الزكية ، والخسف بالبيداء » 1.
4 ـ أحمد بن إدريس ، عن علي بن محمد بن قتيبة ، عن الفضل بن شاذان ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي حمزة الثمالي ، قال : « قلت لأبي عبد الله عليهالسلام :
« إن أبا جعفر كان يقول : خروج السفياني من المحتوم ، والنداء من المحتوم ، وطلوع الشمس من المغرب من المحتوم ، وأشياء كان يقولها من المحتوم. فقال أبو عبد الله عليهالسلام : واختلاف بني فلان ( في الإرشاد : بني العباس في الدولة ) من المحتوم ، وقتل النفس الزكية من المحتوم ، وخروج القائم من المحتوم الخ .. » 2.
5 ـ عن ابن فضال ، عن حماد بن الحسين بن المختار ، عن أبي نصر ، عن عامر بن واثلة ، عن أمير المؤمنين عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله :
« عشر قبل الساعة لابد منها : السفياني ، والدجال ، والدخان ، والدابة ، وخروج القائم ، وطلوع الشمس من مغربها ، ونزول عيسى ، وخسف بالمشرق ، وخسف بجزيرة العرب ، ونار تخرج من مقر عدن تسوق الناس إلى المحشر » 3.
__________________
(1) إكمال الدين ج 2 ص 650 والبحار ج 52 ص 204 وإلزام الناصب ص 181 عنه.
(2) الغيبة للشيخ الطوسي ـ ص 266 وراجع : إلزام الناصب ـ ص 184 عن الإرشاد. وعبارته هكذا : re-Bold« واختلاف بني العباس في الدولة من المحتوم الخ .. ».
(3) الغيبة للشيخ الطوسي ص 267 والبحار ج 52 ص 209.
51
6 ـ عن الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن محمد بن مسلم ، قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول :
« إن السفياني يملك بعد ظهوره على الكور الخمس. حمل امرأة ، ثم قال : أستغفر الله ، حمل جمل وهو الأمر المحتوم ، وهو من الأمر المحتوم الذي لابد منه » 1.
7 ـ ابن عيسى ، عن ابن أسباط ، قال : قلت لأبي الحسن عليهالسلام : جعلت فداك ، إن ثعلبة ابن ميمونة حدثني عن علي بن المغيرة ، عن زيد العمي ، عن علي بن الحسين قال :
« يقوم قائمنا لموافاة الناس سنة.
قال : يقوم القائم بلا سفياني ! إن أمر القائم حتم من الله ، وأمر السفياني حتم من الله ، ولا يكون قائم إلا بسفياني » 2.
8 ـ محمد بن همام ، عن جعفر بن محمد بن مالك الفزاري ، عن الحسن بن علي بن يسار ، عن الخليل بن راشد ، عن البطائني ، قال : رافقت أبا الحسن موسى بن جعفر عليهالسلام من مكة إلى المدينة فقال لي يوماً :
« لو أن أهل السماوات والأرض خرجوا على بني العباس لسقيت الأرض دماءهم ، حتى يخرج السفياني.
قلت له : يا سيدي ، أمره من المحتوم.
قال : من المحتوم الخ .. » 3.
__________________
(1) الغيبة للشيخ الطوسي ص 273 والبحار ج 52 ص 215.
(2) البحار ج 52 ص 182 عن قرب الإسناد.
(3) الغيبة للنعماني ص 301 وإلزام الناصب ص 180.
52
ولكن هذا الحديث محل نظر وتأمل ، فإن ملك بني العباس لم يدم إلى حين خروج السفياني ، كما هو ظاهر.
إلا أن يقال إنهم ستعود دولتهم في آخر الزمان ، ثم يزيلها السفياني آنئذٍ.
9 ـ أحمد بن محمد بن سعيد عن علي بن الحسن ، عن العباس بن عامر ، عن عبد الله بن بكير ، عن زرارة بن أعين ، عن عبد الملك بن أعين ، قال : كنت عند أبي جعفر عليهالسلام ، فجرى ذكر القائم ، فقلت له :
« أرجو أن يكون عاجلاً ، ولا يكون سفياني.
فقال : لا والله ، إنه من المحتوم ، الذي لابد منه » 1.
10 ـ علي بن أحمد البندنيجي ، عن عبد الله بن موسى العلوي ، عن يعقوب بن يزيد ، عن زياد بن مروان ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، أنه قال :
« النداء من المحتوم والسفياني من المحتوم ، واليماني من المحتوم ، وقتل النفس الزكية من المحتوم ، وكف يطلع من السماء من المحتوم.
قال : وفزعة في شهر رمضان ، توقظ النائم ، وتفزع اليقظان ، وتخرج الفتاة من خدرها » 2.
11 ـ وقد ذكرت بعض الروايات :
« أنه لابد من صوتين قبل خروج القائم ، صوت من السماء وهو صوت جبرائيل باسم صاحب هذا الأمر ، وصوت آخر من الأرض ، وهو صوت إبليس
__________________
(1) الغيبة للنعماني ص 252.
(2) الغيبة للنعماني ص 264 ومنتخب الأثر ص 455.
53اللعين الخ .. » 1.
12 ـ أحمد بن محمد بن سعيد بن علي بن الحسين ، عن يعقوب بن يزيد ، عن زياد القندي ، عن غير واحدٍ من أصحابه عن أبي عبد الله عليهالسلام ، أنه قال :
« قلنا له : السفياني من المحتوم !.
فقال : نعم ، وقتل النفس الزكية من المحتوم ، والقائم من المحتوم ، وخسف البيداء من المحتوم ، وكف تطلع من السماء من المحتوم.
فقلنا له : وأي شيء يكون النداء.
فقال : منادٍ ينادي باسم القائم واسم أبيه » 2.
13 ـ أحمد بن محمد بن سعيد ، بإسناده عن هارون بن مسلم ، عن أبي خالد القماط ، عن حمران بن أعين ، عن أبي عبد الله عليهالسلام أنه قال :
« من المحتوم الذي لابد أن يكون قبل قيام القائم ، خروج السفياني ، وخسف البيداء ، وقتل النفس الزكية ، والمنادي من السماء » 3.
14 ـ محمد بن همام ، عن جعفر بن محمد بن مالك ، عن عباد بن يعقوب ، عن خلاد الصائغ ( الصفار صح ) عن أبي عبد الله عليهالسلام ، أنه قال :
« السفياني لابد منه ، ولا يخرج إلا في رجب » 4.
15 ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن أبي
__________________
(1) الغيبة للنعماني ص 203.
(2) البحار ج 52 ص 305 ومنتخب الأثر ص 458 عن الكافي.
(3) الإرشاد للمفيد ص 358 وأعلام الورى ص 455 ومنتخب الأثر ص 457.
(4) الغيبة للنعماني ص 203.
54جميلة ، عن محمد بن علي الحلبي قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول :
« اختلاف بني العباس من المحتوم ، وخروج القائم من المحتوم.
قلت : وكيف النداء.
قال : ينادي منادٍ من السماء أول النهار الخ .. » 1.
16 ـ الفضل بن شاذان عمن رواه عن أبي حمزة الثمالي ، قال : قلت لأبي جعفر عليهالسلام :
« خروج السفياني من المحتوم.
قال : نعم والنداء من المحتوم ، وطلوع الشمس من مغربها من المحتوم ، واختلاف بني العباس في الدولة من المحتوم ، وقتل النفس الزكية محتوم.
وخروج القائم من آل محمد صلىاللهعليهوآله محتوم.
قلت وكيف يكون النداء الخ .. » 2.
__________________
(1) البحار ج 52 ص 305 ومنتخب الأثر ص 458 عن الكافي.
(2) الإرشاد للمفيد ص 358 وأعلام الورى ص 455 ومنتخب الأثر ص 457.
ضمن كتاب دراسة في علامات الظهور (لـ جعفر مرتضى العاملي)