كشف زيف المدعين

البريد الإلكتروني طباعة

أما من يتعرف أو يلتقى أو يقرأ عن الأدعياء الكذابين يتضح له مدى بعدهم عن أخلاق الإسلام وسلوك المعصومين عليهم السلام سبيلاً وصفة وغاية.. وهنا يلزم علينا إثارة عدة نقاط لإيصال الحقيقة لطالبيها وكشف زيف المبطلين:

أولاً: تناقض هوية هؤلاء الأدعياء مع مافي التراث الإسلامي من آيات وأحاديث وروايات، والتي توضح انتهاء النبوة بخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله، وبقاء معجزته الخالدة (القرآن الكريم) إلى قيام يوم الدين، والتي تحدد كذلك هوية الإمام المهدي عليه السلام اسماً ونسباً وصفة وشخصية ومميزات وقدرات: لقد تعرض النبي محمد صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام من بعده إلى ذكر بعض الخصائص والمميزات والمواصفات التي تكون حداً فاصلاً لتمييز الإمام المهدي عليه السلام عن غيره، ولو على مستوى الاسم والنسب والشكل والجسم، ليكون ذلك حاجزاً قوياً أمام من سوّلت له نفسه ادعاء ماليس له، أو أنه صاحب الشرف الرفيع.

فمواصفات الإمام المهدي عليه السلام الجسدية والخلقية وكذلك نسبه الشريف فيها نوع من الإشارة إلى كونها علامات فارقة.. عن الرسول صلى الله عليه وآله أنه قال: (القائم من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي وشمائله شمائلي وسنته سنتي يقيم الناس على ملتي وشريعتي ويدعوهم إلى كتاب ربي عز وجل...).(4)

فاسمه ونسبه الشريف كما دلت الروايات الشريفه (انظر الفجر المقدس ص27 – 37) هو الإمام م ح م د المهدي المنتظر، إبن الإمام الحسن العسكري، إبن الإمام علي الهادي، إبن الإمام محمد الجواد، إبن الإمام علي الرضا، إبن الإمام موسى الكاظم، إبن الإمام جعفر الصادق، إبن الإمام محمد الباقر، إبن الإمام زين العابدين، إبن الإمام الحسين الشهيد، إبن الإمام علي بن أبي طالب، وابن فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلوات الله عليهم أجمعين.. وما أجمل قول الشاعر الفرزدق:

أولئـك آبائـي فجئـني بمثـلهم*** إذا جمعتنـا ياجـريـر المجـامع

وأمه السيدة الجليله نرجس: (مليكة بنت يشوعاء بن قيصر ملك الروم، وأمها من ولد أحد الحواريين المنتسب إلى وصي المسيح شمعون).. فهو من أهل البيت من نسل الرسول صلى الله عليه وآله، من أولاد أمير المؤمنين علي عليه السلام، ومن ولد سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام، وأنه من ولد الحسين عليه السلام، وأنه التاسع من ولد الحسين عليه السلام، وإن اسم أبيه الحسن، وأنه الثاني عشر من الأئمة وخاتمهم عليهم السلام.

أما صفاته الجسديه فهي كما قال أمير المؤمنين: (يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان، أبيض مُشَرَّبُ حمرة، مبدح البطن، عريض الفخذين، عظيم مشاش المنكبين، بظهره شامتان: شامة على لون جلده، وشامة على شبه شامة النبي صلى الله عليه وآله)(5).. ومن أوصافه عليه السلام التي وردت على لسان الإمام الباقر عليه السلام: (أنه شاب، أكحل العينين، أزجّ الحاجبين، أقُنى الأنف، كث اللحية، على خده الأيمن خال، وعلى يده اليمنى خال)(6).. وعن الإمام الباقر عليه السلام: (يا أبامحمد بالقائم  علامتان: شامة في رأسه وداء الخراز برأسه، وشامة بين كتفيه من جانبه الأيسر تحت كتفه الأيسر ورقة مثل ورقة الآس)(7).. عن أمير المؤمنين عليه السلام (هو رجل جلي الجبين، أقنى الأنف، ضخم البطن، أذيل الفخذين، بفخذه اليمنى شامة، أفلج الثنايا).(8)

وهنا تنبع الحكمة من ذكر أوصاف الإمام المهدي عليه السلام وعلامات تعيين شخصه، لتقطع الطريق أمام مدعي المهدوية كذباً وبهتاناً، لله دركم ياأئمة أهل البيت ما أروعكم وأعظمكم وجزاكم الله عن المؤمنين خيراً.

ثانياً: لم تظهر علامات الظهور المحتومة، أو الآيات والخصوصيات التي تتصل بالإمام المهدي عليه السلام من خفاء ولادة، وغيبة صغرى وكبرى وظهور، مما لايترك مجالاً للادعاء من غير تحققها:

إن الأحاديث المروية عن أهل البيت عليهم السلام بصورة متواترة فيه، تشخصه بكل مفردات تاريخه، من خفاء ولادة وغيبة صغرى وكبرى، وظهورٍ، وما يسبق ذلك من علامات عامة وخاصة.. وما يرافقه ويتأخر عنه من آيات وخصوصات، زمنه وعالمه وغير ذلك مما لايترك مجالاً لادعاء موقعه من غيره مطلقاً.

فعلامات ظهوره عليه السلام تنقسم إلى عامة وخاصة:

فالعلامات العامة: تصف حالة المجتمع من حيث شيوع بعض الظواهر المنافية للدين والعدل والأخلاق، يمكن أن نجد شواهد وجودها التاريخي مع ختلاف نسبي بين عصر وآخر.

العلامات الخاصة: فهي ظواهر وأحداث كونية أو حضارية أو عسكرية، وقد دلت روايات أهل البيت عليهم السلام بتفاصيلها مما يجعلها من هذه الناحية هامة وملفتة.. في عددها وزمن حدوثها وترابطها كونياً وحضارياً يعطى اليقين بأنها تعلمّ من ذي علم موصول بعالم الغيب عليهم أفضل الصلاة والسلام.. قال الشيخ النعماني (رحمه الله) وهو يتحدث عن هذه العلامات الخاصه: (وهذا من أعدل الشواهد على بطلان أمر كل من ادعّى أو ادعى له مرتبة القائم عليه السلام ومنزلته، وظهر قبل مجيء هذه العلامات).(9)

فالعلامات الخاصة التي أُطلق عليها في الروايات المأثورة بالعلامات الحتمية التي لابد منها.. (عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: للقائم خمس علامات: السفياني، واليماني، والصيحة من السماء، وقتل النفس الزكية، والخسف بالبيداء).(10)

وهذه العلامات الخاصه (العلائم المحتومة) هي:

الأولى: خروج رجل يقال له السفياني: (عثمان بن عنبسة من آل أبي سفيان من نسل يزيد بن معاوية) من ناحية الشام، ويمثل رمزاً للحكام المسلمين المنحرفين المناهضين للحق وآخرهم، يخرج في شهر رجب، ويفصل بينه وبين ظهور الإمام المهدي عليه السلام في مكة المكرمة ستة أشهر فقط.

الثانية: خروج سيد حسيني من نسل زيد بن علي بن الحسين عليه السلام من ناحية اليمن، ولذا أطلق عليه اليماني، وتصف الأحاديث الشريفة حركته بأنها راية هدى، يخرج في شهر رجب.

الثالثة: صوت ونداء كالصيحة يسمع من السماء (صوت جبرائيل  عليه السلام) في شهر رمضان يسمعه أهل الأرض، كل قوم بلغتهم، ويخبر: ألا إن الحق مع المهدي عليه السلام وشيعته.

الرابعة: قتل النفس الزكية، وهو الشاب الحسيني الذي يبعثه الإمام المهدي عليه السلام لأهل مكة لتهيئة الأجواء للحركة المباركة، فيذبح بين الركن والمقام، قبل ظهور الإمام المهدي عليه السلام بخمس عشرة ليلة.

الخامسة: الخسف الذي يقع بأرض البيداء الواقعة بين مكة والمدينة المنورة، تنخسف الأرض (بصرخة الغضب من جبرائيل عليه السلام) بجيش السفياني، القادم من الشام إلى المدينة المنورة والمتجه إلى مكة المكرمة للقضاء على حركة الإمام المهدي عليه السلام في بدايات ظهورها.

إن هذه العلامات الخمس الخاصة والحتمية، لهي نتائج حاسمة وهامة من دون شك لإبطال دعاوى المدّعين والمبطلين.. وهذه العلامات بما ينشأ عنها من حيرة وإشكالات، أخبر بها الرسول صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام قبل أن يولد الإمام المهدي عليه السلام بأكثر من قرنين، واستمر الإنذار بها حتى آخر إمام سبقه ثم منه عليه السلام.. وباعتبار أن هذه المحتومات الخمس لها أشد الارتباط بالظهور ومقارنة له، فلا بد من وقوعها.. ومن رحمة الله سبحانه وتعالى وحكمته، أن جعل للناس دليلاً واضحاً (سهل وبسيط) لا يحتاج إلى جهد وعناء يكون المصحح لبرنامج ادعياء (شخصيات عصر الظهور) وهو الصيحة السماوية، باعتبار أن هذه الصيحة مؤمنَّة وبعيدة من حيث مد يد التلاعب إليها، فلا يمكن أن نتصور أحداً يتلاعب بالصيحة أو يفسر الصيحة على خلاف ما ورد في الروايات التي صرَّحت بأنها صيحةُ من السماء.. ومن هنا نستنتج أن الدليل الحقيقي والسهل لكشف برنامج كل من يدعي المهدوية أو الارتباط بها مباشرة هو الصيحة السماوية.. وحيث أنها لم تتحقق بعد، فإن كل مدعي للمهدوية أو البابية أو السفارة قبل نفاذ هذه المحتومات فهو كذاب أشر، قال الإمام المهدي عليه السلام: (ألا فمن أدعى المشاهدة – النيابه أو السفارة – قبل خروج السفياني والصيحة، فهو كذّاب مفترٍ).(11)

ثالثا: الإمامة بكل معانيها لا تنطبق على هؤلاء المدّعين سواءً من ناحية الخلق والسلوك، أو العلم والتدين، أو القدرات والكرامات، مما يجعلهم عاجزين عن تلبية حاجات المجتمع الإسلامي، وقاصرين عن التصدي لمكانة ومقام الإمامة وقيادة الناس:

إن الإمام المهدي عليه السلام ليس رجلاً عادياً.. فالأهداف والمهام الكبرى المنوطة إليه تحقيقها عظيمة.. فهي على مستوى الكرة الأرضية، وعلى مستوى بني البشر جميعاً، فلا بدّ أن يؤمن سكان الكرة الأرضية في زمن الإمام المهدي عليه السلام بالإسلام، ولابد من أن يكّون المهدي عليه السلام دولته العالمية الشاملة لكل بقاع الأرض، ولابد من نشر العدالة المطلقة وتحقيق الرّخاء التام المطلق لكل بني البشر، فالمهدي المنتظر عليه السلام مكلّف بأن يقطف ثمرة جهد كافة الأنبياء والرسل والأوصياء.. ولذا فقد وهبه الله سبحانه تعالى بحكم مقامه وبحكم دوره قدراتٍ لا توجد لدى غيره من الناس، قال الإمام الصادق عليه السلام: (ما من معجزة من معجزات الأنبياء والأوصياء الا ويظهر الله تبارك وتعالى مثلها في يد قائمنا، لإ تمام الحجة على الأعداء)(12).. فللمهدي عليه السلام مكانة خاصة ومقام رفيع عند الله سبحانه وتعالى، فهو أحد سادات أهل الجنة.. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (المهدي طاووس أهل الجنة)(13). ويكفى المهدي شرفاً وعلو مكانة أن عيسى بن مريم عليه السلام يصلي خلفه، ويرتضيه به إماماً له.

أما مدعي المهدوية فلا علمهم ولا أخلاقهم ولا سلوكهم ينطبق على ماهو معروف عن أئمة أهل البيت عليهم السلام.. فالأئمة عليهم السلام هم ملاذ الأمة في جميع المشاكل.. فالإمام هو الملجأ العلمي للناس، وعليه يجب أن يكون على علم بجميع أصول وفروع الدين، وظاهر وباطن القرآن الكريم، وسُنّة النبي، وكل ما يتعلق بالإسلام بصورة كاملة، لأنه حافظ وحارس الشريعة وقائد ومعلّم الناس.

إن الأشخاص الذين يعجزون أمام المسائل المعقدة، ويطلبون معونة الأخرين، ويقصر علمهم عن تلبية حاجات المجتمع الإسلامي، لا يستطيعون أبداً أن يتصدّوا لمكانة ومقام (الإمامة) وقيادة الناس.. وخاصة لمن تبرز عندهم نزعة الادعاء والتأمر، وكثرة الشطط والتناقض، وهذا هو الملاحظ عند المدعين بهتاناً وكذباً.

رابعا: الوعد الإلهي لم يرافق هؤلاء المدّعين من انتشار العدل والقسط على كافة أرض المعمورة، وعلو الإسلام على الأديان كلها، ويرث الأرض عباد الله الصالحون، وتحقيق حلم الأنبياء بنشر التوحيد في العالم كافة:

إن ظهور الإمام المهدي عليه السلام هو وعد إلهي للمؤمنين.. قال تعالى:  (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا)(14).. ففي عهده الميمون سيشهد العالم انتشار الإسلام دين المحبة والسلام، على يديه وأنصاره من المستضعفين، وعندها تتهاوى قصور الطواغيت والمستبدين من الذين قهروا الشعوب وأذلوها واستخفوا بكرامتها وإنسانيتها، وسيكون عهده مشرقاً بالسلام والحرية والأمان وتسوده الفضيلة والعدالة والأخلاق.

فمن مهامه عليه السلام تشكيل دولة عالمية تشمل الشرق والغرب، وأن الإمام عليه السلام هو المسؤول الأعلى إدارتها.. ففي عهده تغمر العدالة كل الأرض، ويعيش العالم في سلام ومحبة، يعطف بعضهم على الآخر، ويعم الأمن والسلام بأسره، وتزول كل مظاهر العدوان وروح السيطرة، فلا يفكر أحدٌ بالاستيلاء على ممتلكات الآخرين، ويحدث في عهده انتعاش اقتصادي هائل حتى لايبقى فقير يستحق الزكاة.. وتزدهر الأرض بالخضرة، وتنزل السماء الغيث، وتتضاعف بركات الله، ويعود الخلق إلى بارئهم وهم أكثر إيماناً، فيهجرون الآثام والمعاصي، ويصبح الإسلام ديناً للجميع، ويرتفع نداء التوحيد في بقاع الدنيا.. وفي عهده عليه السلام يصل الإنسان إلى درجة كبيرة من النضج العقلي، ودرجة عالية من الروح الإيمانية.. وعهده عليه السلام سيكون تجسيداً لتطبيق دعوة الأنبياء وتحقيقاً لأهدافهم الخالدة، ويكون الدين كله لله.

هذا هو المفترض تحقيقه لدى ظهور الإمام المهدي عليه السلام.. أما مدّعي المهدويةكذباً وبهتاناً لم يتحقق على أيديهم أي شيء من العدالة وزوال الظلم والجور، بل على العكس فإن كل واحدٍ من هؤلاء ترك جرحاً جديداً وسبيل فرقة، بل إن بعضهم ارتكب من المظالم ما استغاثت الأمة الإسلامية منه بالله، واستشفعت إليه بالإمام عجل الله فرجه الشريف وآبائه المعصوين عليهم السلام ليخلصهم من شروره.

مما يجدر ذكره أننا لا نريد أن نطول البحث في الرد على الذين ادعوا باطلاً ما ليس لهم.. لأن الموضوع واضح جلي كوضوح الشمس في رابعة النهار لا يحتاج إلى كثير من البراهين والادلة.. ثم إنهم اندثروا واندثر ذكرهم إلا بما لا يحمد لهم ذلك.

خامسا: كيف نعرف الإمام المهدي عليه السلام عند ظهوره المقدس(15)؟

إن المنهج الصحيح في معرفة الإمام عليه السلام هو نفس المنهج المتبع في معرفة الأنبياء عليهم السلام، فكما أن الأنبياء والرسل يعرفون بالآيات والبينات والمعاجز والكرامات، كذلك يعرف الإمام عليه السلام.

فمعرفة صدق مدّعي النبوة من كذبه، هو مدى قدرته على الإتيان بالدليل القاطع من المعاجز والآيات للدلالة على ارتباطه بالسماء، وكذلك مدّعي الإمامه، فالذي يدعي أنه الإمام من قبل الله عز وجل لابد وأن يأتي بالبرهان على صحة مقالته، كالمعاجز والقدرات الخارقة للطبيعة، التي يعجز عنها غيره، ليدل على ارتباطه بخالق الكون وأنه الإمام الموصى به من قبل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله.. فإذا أتى بذلك كان هو الإمام الحق كإحياء الموتى وشفاء المرضى الذين يئس الأطباء من معالجتهم، وإذا لم يستطع القيام بذلك فهو مدعٍ كاذب ولادليل عنده يقطع بصدق مدّعاه.

وفي هذا الصدد بين القرآن الكريم كيفية التعرف على الإمام قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ  *  بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(16) فالبينات هي المعاجز، والزبر هي الكتب السماوية والعلوم الرّبانية، فإذا أتى بالآيات والمعاجز دلّ على كونه مرتبطاً بالله عز وجل، وأنه حقاً المهدي المعني من قبل السماء، وإذا أتى بما في الكتب السماوية من أحكام الله وبيناته دل على ارتباطه بالأنبياء والمرسلين منهجاً وسلوكاً، وقد جاء في الحديث الشريف على ضرورة مطالبة مدّعي الإمامة بالآيات والمعاجز.. عن المفضل بن عمر عن الإمام الصادق عليه السلام: (إن لصاحب هذا الأمر غيبتين يرجع في إحداهما إلى أهله، والأخرى يقال: هلك في أي واد سلك، قلت: كيف نصنع إذا كان ذلك؟ قال: إن ادّعى مدّعٍ فاسألوه عن تلك العظائم التي يجيب فيها مثله)(17).. فإذا أتى بها فهو الإمام حقاً وصدقاً بما لايترك بعدها لأحدٍ مجالاً للإنكار.

ويبقى السؤال: ماهي معجزة الإمام المهدي عليه السلام؟.. لاشك أن لكل نبي وإمام معجزة للدلالة على مدعاه بأنه مرسل من قبل الله، فما هي معجزة الإمام المهدي عليه السلام بأنه هو الإمام حقاً؟.. إن للإمام معاجز كثيرة بل جاء في أحاديث عديدة أنه يأتي بمعاجز الأنبياء كلها لتثبيت إمامته ورسالته وأنه الإمام المنتظر حقاً في محاولة واضحة لدحض أكاذيب الأعداء والمنافقين.

أما الأدلة والمعاجز التي عنده عليه السلام والتي لاتدع لأحد من الناس أي مجال للطعن والتشكيك في إمامته عليه السلام فهي عديدة، أشارت إليها أحاديث أهل البيت عليهم السلام.. عن الإمام الصادق عليه السلام: (ما من معجزة من معجزات الأنبياء والأوصياء إلا ويظهر الله تبارك وتعالى مثلها في يد قائمنا لإتمام الحجة على الأعداء).(18)

ولعل أهم معجزة هي معجزة النداء باسم القائم عليه السلام ولكون هذه العلامة من المعاجز الواضحة التي تشخص بوضوح أن القائم عجل الله فرجه الشريف هو الإمام المنتظر حقاً بشخصه الكريم، لاغيره من الناس أو المدّعين لهذا الأمر بحيث يكون النداء حجة دامغة على المعاندين المنحرفين وعلى الناس أجمعين.. عن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام: (.. إن قدام هذا الأمر خمس علامات أولهن النداء في شهر رمضان.. ولايخرج القائم حتى ينادى باسمه في جوف السماء في ليلة ثلاث وعشرين في شهر رمضان ليلة جمعة، قلت: بما ينادى؟ قال: باسمه واسم أبيه.. ألا إن فلان بن فلان قائم آل محمد فاسمعوا له وأطيعوه، فلا يبقى شيء من خلق الله فيه الروح إلا سمع الصيحة فتوقظ النائم ويخرج إلى صحن داره، وتخرج العذراء من  خدرها، ويخرج القائم مما يسمع وهي صيحة جبرائيل عليه السلام).(19)

إذن المعاجز والآيات التي تكون للإمام المهدي عليه السلام عديدة وكثيرة وواضحة وبها تتم الحجة على الأعداء، وعلى جميع الناس، فمع آية النداء باسمه الشريف، وإتيانه بالكتب المقدسة التي أنزلها الله تعالى على الأنبياء والرسل، وعلمه الراسخ بها وبأحكامها، وحمله لمواريث الأنبياء والرسل وخاصة رسالة جده المصطفى صلى الله عليه وآله، بل والمعاجز التي كانت للأنبياء والأوصياء من قبل الله تعالى.. كل هذا وغيره تجعل من القدرات والمؤهلات والعلوم التي يحملها الإمام عجل الله فرجه الشريف شيئاً معجزاً وخارقاً لا يمكن أن يحملها إنسان غيره.

وبالمهدي من آل محمد والقائم من أهل بيت الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، وبالمعاجز التي يجريها الله عز وجل على يديه تتم الحجة على الناس، فمن آمن كان من الآمنين، ومن كفر كان من الهالكين، فلا يبقى لأحدٍ حجة بعد هذه الأدلة والمعاجز.

اسباب ظاهرة الادعاءات الكاذبة ودوافعها:

إن ظاهرة الادعاءات الكاذبة (السفارة – المهدوية – النبوة) لها دوافع وعوامل وأسباب تساعد على نشوئها واتساعها.. يعود بعضها إلى الواقع النفسي السيئ للمجتمع (كثرة الاحباطات بشتى أنواعها)، والآخر يعود لشخصية المدّعي (السيكولوجية) النفسية، ولا ننسى كذلك أن هناك من يقف خلف هذه الظاهرة من أعداء الإسلام ويغذيها ويدعمها.

على كل حال فإن الواقع النفسي السيئ للمجتمع المسلم وتراكم إحباطاته من أهم الأسباب لهذه الظاهرة.. فعندما يتعرض الفرد المسلم – على طول التاريخ، وكذلك في الوقت الحالي – لأساليب شتى من الظلم والاضطهاد، وفرض القهر والجور بمختلف أشكاله الظالمة تقوى شوكة الظالمين وتضعف في الوقت نفسه قدرة المظلومين على الصبر والمقاومة.

وبسبب هذه العلاقة القهرية بين الظالمين والمظلومين نشأ واقع نفسي مرير، وتراكمت خبراته الاحباطية في حياة المسلم، حتى أصبحت الحاجة إلى تغيير الواقع المأساوي مطلباً جماهيرياً عاماً تنشده كل الفئات المضطهدة.. ومن المؤكد أن هذا الواقع النفسي لم يصنعه فقط ظلم المستكبرين وفساد المنحرفين، بل صنعه كذلك سوء التوجيه التربوي لفئات المجتمع المسلم وضعف توعيتها بمفاهيم الإسلام، إذ تعرضت جماهير المسلمين على طول التاريخ الإسلامي إلى عملية اغتراب عقيدي، وابتعاد عن الأصول الثقافية للإسلام، فضعفت النفوس خلال فترة الغيبة الكبرى بغياب القيم الإيجابية للإسلام القادرة وحدها على تحقيق توازن داخلي للشخصية المسلمة حينما تواجه الأزمات والخطوب.

وفي مثل هذه الأجواء النفسية نشأت مجموعة متداخلة من المشكلات النفسية في البيئات المسلمة كالحيرة واليأس والتيه، والمواقف الاحباطية، وتراجع الشخصية المسلمة عن إستقامتها، والتشكيك في بعض العقائد، وتقلب المشاعر.. ويلاحظ أن الشعوب المسلمة تواجه هذه الحالات كلما اشتدت ضغوط الظلم، لكن هذه التجارب الاحباطية تزداد – فيما  يبدو - كلما طوت البشرية صفحة من تاريخها في اتجاه الاقتراب من حركة الظهور المباركة، وقد تبلغ ذروة معاناتها وقسوتها – ملأت ظلما وجوراً – على النفس المسلمة قبل فترة الظهور، وأن المستقبل في ضوء ما أنبأت به روايات أهل البيت عليهم السلام سيشهد استفحالاً أكبر للظلم وتضخيماً لضغوطه، مما يفسح مجالاً أكبر لظهور حالات معقدة من الانحرافات السلوكية.

وبالرّغم من ظهور بعض البشائر وتحققها في الواقع السياسي والاجتماعي والنفسي للمسلمين، إلا أن شدة ضغوط هذه الحالات المعبرة عن فساد الواقع في العالم الإسلامي تزداد طالما أن خط الظلم الذي يمارسه المستكبرون ضد الناس لا يتراجع رغم مقاومته بقوة.. فالواقع النفسي المرير الذي يواجه البشرية يزداد باستمرار مما ينتج نظرة سلبية خاطئه عند الفرد المسلم عن نفسه، وعن المنقذ المخلص المنتظر و (ظهوره) ممزوجة بشيء من اليأس والتشكيك والاستعجال والحيرة.. وليس الواقع النفسي للمسلم دائماً مجموعة إحباطات معوقة لنمو قواه وتعطيل حركتها  الطبيعية، بل يضم هذا الواقع كذلك بعض المتغيرات الايجابية، كالبشائر وأثرها في النفوس، وبالرّغم من أن الأدعياء الكذابين (المزورين) وأتباعهم تحركهم الآمال النفسية المستوحاة من البشائر النبوية وتثير حماسهم لمواجهة الواقع وتغييره، إلا أنهم يتعاملون مع هذه الآمال بنظرات خاطئة ومريضة لا تخلو من استغلال، فهم أحاطوا أنفسهم بالتشبه بالمهدي (المنقذ، المخلِّص، الأمل) ورغبوا بطريقة غير سوّية في حب الظهور والتمركز حول أنفسهم بعد سلسلة طويلة من المواقف والخبرات الاحباطية الصعبة، والاستعجال في تحقيق الأمور قبل بلوغها بما فيها مسألة تغيير الواقع الفاسد وتحطيم معاقله على يد القائد المنتظر.(20)

اولاً: العوامل النفسية للمدعين:

تعد ظاهرة الادعاءات الكاذبة (السفارة – المهدوية – النبوة) والتي بدأت تظهر بشكل متكرر، من الظواهر المثيرة للجدل، والتي يقوم بها أشخاص لايخلون من عقد وأمراض نفسية.. وقد أشار الأستاذ (يوسف مدن) في دراسة رائعة للابعاد النفسية في عقيدة الإمام المهدي المنتظر عليه السلام تحت عنوان (سيكولوجية الانتظار) وتطرق إلى العوامل النفسية لظاهرة المهدي المزور وحددها في:

اولاً: الاستغلال السيء للمهدوية.

ثانياً: رغبة التسلط وإعجاب الذات.

ثالثاً: الواقع النفسي وتراكم احباطاته.. وتشمل:

اليأس والحيرة والتشكيك.

الاستعجال والقلق النفسي.

نكوص الشخصية.

رابعاً: الصراع في سيكولوجية أدعياء المهدوية.