الفرضيّة الاَُولى: الشيعة ويوم السقيفة
الأراء حول نشوء التشيع
منذ 15 سنةالمصدر : أضواء على عقائد الشيعة الإمامية وتاريخهم ، تأليف : الشيخ جعفر السبحاني ص 50 ـ 54
(50)
الفرضيّة الاَُولى: الشيعة ويوم السقيفة
ليس بخاف على أحد مدى الانعطافة الخطيرة التي حدثت في تأريخ الاِسلام
________________________________________
(51)
عقب انتهاء مؤتمر سقيفة بني ساعدة، وما ترتّب عليه من نتائج وقرارات خطيرة.
والحقّ يقال إنّ هذا المؤتمر الذي ضمّ بين صفوفة ثلّة كبيرة من وجوه الصحابةـ من المهاجرين والاَنصار ـ قد أغفل عند انعقاده الواجب الاَعظم في إكرام رسول الله_ صلى الله عليه وآله وسلم _ صاحب الفضل الاَكبر فيما وصل إليه الجميع ـ عندما تُرك مُسجّى بين يدي أهل بيته وانشغلوا بما كان من غير الاِنصاف أن ينسب إليه _ صلى الله عليه وآله وسلم _ من قصور لا عذر فيه في ترك الاَُمّة حائرة به بعد موته.
أقول: ونتيجة لانشغالهم ذاك فقد حرموا من واجب إكرام الرسول _ صلى الله عليه وآله وسلم _ جلّه، ففاتهم أعظمه، وقصروا في تأديته، وكان لاَهل بيته وحدهم ذلك الدور كلّه، فأوفوه، ولم يألوا في ذلك جهداً.
وإذا كان المؤتمرون في السقيفة قد خرجوا إلى الملاَ بقرار كان ثمرة مخاض عسير واعتراك صعب؛ فإنّه أوضح وبلا أدنى ريب تبعثر الآراء واختلافها، بل وظروف خطرة كان من الممكن أن تودي بالجهد العظيم الذي بذله رسول الله_ صلى الله عليه وآله وسلم _ ومن معه من المؤمنين في إرساء دعائم هذا الدين وتثبيت أركانه، وأوضحت ـ وذاك لا خفاء عليه ـ أنّ من غير المنطقي لرسول الله_ صلى الله عليه وآله وسلم _ أن يرحل ـ مع أنّه لم يفاجئه الموت ـ دون أن يدرك هذه الحقيقة التي ليس هو ببعيد عنها، ولا يمكن أن يتغاضى عنها، وهو الذي ما خرج في أمر جسيم إلاّ وخلّف عنه من ينوبه في إدارة شؤون الاَُمّة في فترة غيابه التي لا يلبث أن يعود منها بعد أيّام معدودات، فكيف بالرحيل الاَبدي؟!
نعم إنّ هذا الاَمر لابدّ وإن يستوقف كلّ ذي لب وعقل مستنير.
كما أنّ الاستقراء المتأنّي لاَحداث السقيفة قد أوضح وبقوّة في أثناء المؤتمر وبعده وجود تيار قوي ومتماسك تبنّته جملة من وجوه الصحابة ومتقدّميها، وعمدت إلى التذكير بوجوده والاِجهار به، ولو قادهم هذا الاَمر إلى الاِقتتال دون تنفيذه، وذاك الاَمر هو الاِصرار على إيكال أمر الخلافة إلى عليّ بن أبي طالب7
________________________________________
(52)
دون غيره، رغم ابتعاده7 عن ساحة الاعتراك وميدان التنازع في تلك السقيفة.
ولعلّ تمسّك هذه الثلّة من الصحابة بموقفها من بيعة الاِمام دون غيره هو ما دفع بعض المؤرّخين إلى الذهاب بأنّ التشيّع كان وليد هذا المؤتمر ونتاج مخاضه، وأن يليهم آخرون يتعبّدون بهذا الرأي ويرتّبون من خلاله تصوّراتهم وأفكارهم، فيتشعّب ذلك إلى جملة واسعة من المتبنّيات غير الواقعية والقائمة على أرض واسعة من الاَوهام والاسترسال غير المنطقي.
ولعلّ هذا التصوّرات تعتمد في فهمها أساساً لمبدأ نشأة التشيّع على ما رواه الطبري وغيره عن مجريات هذا المؤتمر وما ترتّب عليه من نتائج، دون أن تمد بصرها إلى أبعد من هذه النقطة اللامعة التي أعمتهم عن التأمّل في أبعادها.
قال الطبري: اجتمع الاَنصار في سقيفة بني ساعدة ليبايعوا سعد بن عبادة، فبلغ ذلك أبا بكر فأتاهم ومعه عمر وأبو عبيدة بن الجراح، فقال: ما هذا؟ فقالوا: منّا أمير ومنكم أمير، فقال أبو بكر: منّا الاَُمراء ومنكم الوزراء ـ إلى أن قال: ـ فبايعه عمر وبايعه الناس، فقالت الاَنصار ـ أو بعض الاَنصارـ: لانبايع إلاّ عليّاً.
ثمّ قال (أي الطبري(: أتى عمر بن الخطّاب منزل عليّ وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين، فقال: والله لاَحرّقنّ عليكم أو لتخرجنّ إلى البيعة
فخرج عليه الزبير مصلتاً بالسيف فعثر، فسقط السيف من يده، فوثبوا عليه فأخذوه.
وقال أيضاً: وتخلّف عليّ والزبير، واخترط الزبير سيفه وقال: لا أغمده حتى يبايع عليّ. فبلغ ذلك أبا بكر وعمر فقالا: خذوا سيف الزبير(1).
وقال اليعقوبي في تأريخه: ومالوا مع عليّ بن أبي طالب، منهم: العبّاس بن عبد
____________
(1) تاريخ الطبري 2: 443 ـ 444.
________________________________________
(53)
المطّلب، والفضل بن العبّاس، والزبير بن العوّام، وخالد بن سعيد بن العاص، والمقداد بن عمرو، وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، وعمّار بن ياسر، والبراء ابن عازب، وأُبيّ بن كعب(1).
وروى الزبير بن بكار في الموفّقيات: انّ عامّة المهاجرين وجلّ الاَنصار كانوا لا يشكّون أنّ عليّاً هو صاحب الاَمر.
وروى الجوهري في كتاب السقيفة: أنّ سلمان والزبير وبعض الاَنصار كان هواهم أن يبايعوا علياً.
وروى أيضاً: أنّه لما بويع أبوبكر واستقر أمره، ندم قوم كثير من الاَنصار على بيعته، ولام بعضهم بعضاً، وهتفوا باسم الاِمام عليّ، ولكنّه لم يوافقهم(2).
وروى ابن قتيبة في الاِمامة والسياسة: كان أبو ذر وقت أخذ البيعة غائباً عن هذه الاَحداث، فلمّا جاء قال: أصبتم قناعة، وتركتم قرابة، لو جعلتم الاَمر في أهل بيت نبيّكم لما اختلف عليكم الاثنان.
وقال سلمان: أصبتم ذا السن، وأخطأتم المعدن، أمّا لو جعلتموه فيهم ما اختلف منكم اثنان، ولاَكلتموها رغداً.
وهكذا فمن خلال هذه النصوص المتقدّمة وغيرها اعتقد ذاك البعض ـ الذي أشرنا إليه سابقاً ـ أنّ مبتدأ التشيّع ونشأته كان في تلك اللحظات الحرجة في تأريخ الاِسلام، متناسين أنّ ما اعتمدوه في بناء تصوّراتهم هو ما ينقضها ويثبت بطلانها، فإنّ المتأمل في هذه النصوص يظهر له وبوضوح أنّ فكرة التشيّع لعليّ ليست وليدة هذا الظرف المعقّد، وثمرة اعتلاجه، ونقيض تصوّره، بقدر ما تؤكّد على أنّ هذه الفكرة كانت مختمرة في أذهانهم ومركوزة في عقولهم ولسنين طوال، فلمّا رأت هذه
____________
(1) تاريخ اليعقوبي 2: 103 ط النجف.
(2) انظر ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة 6: 43 ـ 44.
________________________________________
(54)
الجماعة انصراف الاَمر إلى جهة لم تكن في حساباتهم ولا في حدود تصوّراتهم، وانحساره عمّا كان معهوداً به إليهم، عمدوا إلى التمسّك به بالاجتماع في بيت عليّ والاِعلان صراحة عن موقفهم ومعتقدهم.
نعم إنّ من غير المتوقع والمعهود أن يجتمع رأي هذه الجماعة ـ التي تؤلف خلاصة غنيّة من متقدّمي الصحابة ـ على هذا الاَمر في تلك اللحظات المضطربة والمليئة بالمفاجئات، وأن يترتّب عليه موقف موحّد ثابت، فهذا الاَمر يدلّ بوضوح على أنّه ما كان وليد يومه ونتاج مخاضه.
وممّا يؤكد ذلك ويقوي أركانه ما نقلته جميع مصادر الحديث المختلفة من نداءات رسول الله_ صلى الله عليه وآله وسلم _ وتوصياته بحقّ عليّ وعترته وشيعته في أكثر من مناسبة ومكان، وما كان يشير إليه _ صلى الله عليه وآله وسلم _ من فضل شيعة عليّ ومكانتهم، والتأكيد على وجوب ملازمتهم، وفي هذا دلالة لا تقبل النقض على أنّ التشيّع ما كان وليد السقيفة أو ردّة رافضة آنية لمجريات أحداثها، بل إنّ هذا الوجود يمتد عمقاً مع نشأة الاِسلام واشتداد عوده في زمن النبيّ محمّد_ صلى الله عليه وآله وسلم _ وحياته المباركة المقدّسة.
التعلیقات