ما أنصفك المسلمون يا أبا الحسن عليه السلام
خضير العواد
منذ 10 سنواتما أنصفك المسلمون يا أبا الحسن عليه السلام
لقد بقى علي بن أبي طالب (ع) على مرّ العصور الامتحان الأكبر للأمّة وكيف لا يكون كذلك وقد قال فيه رسول الله (ص) : « يا علي هلك فيك اثنان محبٍ غال ومبغضٍ قال » وبقى علي بن أبي طالب (ع) سرّ الله الأكبر والنجم الذي يهتدى به المهتدون ولكن كثرت المبغضين والحاسدين هو الذي أبعدوا الأمّة عن الطريق المستقيم برغم التأكيد الكبير لله سبحانه وتعالى على تبيان الحقّ بالأدلّة العقليّة والنقليّة وقد تكرّرت هذه الأدلّة في أغلب سنين الاسلام إلى آخر ساعات حياة رسول الله (ص) ، فلم يذكر التاريخ الإسلامي بشتى كتّابه وعلمائه شخص كما ذكر علي بن أبي طالب (ع) لا لعدالتهم فذكروه ولكن لكثرت فضائله فلم يستطيعوا أخفائها جميعاً فخرج عنهم ما أدهش العقل واللسان ولم لا والرسول (ص) لم يترك أمراً أو حدثاً ألا وذكر علي بن أبي طالب (ع) فيه ، أمّا يوم الغدير وأعلان ولاية أمير المؤمنين (ع) فيه لم يكن إلّا نتاج السنين الماضية من حياة الإسلام والرسول (ص) فقد أكّد الله سبحانه وتعالى على ولاية أمير المؤمنين من لحظة ولادته إلى لحظة إستشهاده فقد دخل إلى الحياة من بيت الله وخرج منها في بيته أيضاً وما بين هذا وذاك فلم يصدع إلّا بأعلاء كلمة الله.
فقد ذكر المؤرّخون قاطبةً أن علي بن أبي طالب (ع) ولد في الكعبة ولم تدخلها أمّه فاطمة (ع) من الباب كما هو المعتاد ولكن الكعبة شقّت جدارها متعجلةً لولادته فيها لكي تفوز بهذا الشرف العظيم ، علماً لم ينل هذا الشرف أحد من البشر من آدم (ع) إلى قيام الساعة إلّا علي بن أبي طالب (ع). وقد أعلن رسول الله (ص) خلافته وولايته وهو صبيّ ما بين العاشرة أو الخامسة عشر من عمره عندما نزلت آية ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) وقد جمع رسول الله (ص) بني عبد المطلب وكان عددهم حوالي أربعين شخصاً وعرض عليهم أصول الإسلام وقال : « أيّكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصي وخليفيتي فيكم من بعدي » فسكتوا ولم يتكلّم أحد منهم فقام علي (ع) وكان أحدثهم سناً وقال أنا يا رسول الله (ص) ، فأعاد عليهم الرسول (ص) الحديث ثانياً وثالثاً وفي كل مرّة لا يجيبه أحد إلّا علي (ع) ، فلمّا رأى إحجامهم أخذ برقبة علي (ع) وقال : « إن هذا أخي ووصيي وخليفيتي فيكم فأسمعوا له وأطيعوا ».
وبعد أن هاجرَ رسول الله (ص) إلى المدينة آخى ما بين الأنصار والمهاجرين حتّى يكسر كلّ الحواجز التي بنتها الجاهليّة ما بين العرب بالإضافة إلى مساعدة المهاجرين الذين تركوا كلّ ما يملكون وراء ظهورهم وتوجّهوا إلى الله وقد آخى رسول الله (ص) ما بين جميع المسلمين إلّا علي بن أبي طالب (ع) فاستغرب المسلمون من هذا الأمر ثمّ قال النبي (ص) : أما ترضى يا علي أن أكون أخاك ، فتهلل وجه علي (ع) وقال : بلى يا رسول الله ، فقال النبي (ص) : أنت أخي في الدنيا والآخرة.
وفي السنة الثانية للهجرة ضرب علي بن أبي طالب (ص) صناديد قريش وقد قتل في معركة بدر نصف القتلى وباقي المسلمين النصف الآخر.
وفي السنة الثالثة للهجرة حاول المشركون الانتقام لهزيمتهم في معركة بدر فجهزوا جيشاً كبيراً وتقدّموا إلى المدينة والتقى الجيشان عند جبل أحد وقد أنتصر المسلمون في بادئ الأمر ولكن عدم تنفيذهم لأوامر رسول الله (ص) قلب النصر إلى هزيمة وهرب المسلمون جميعهم إلّا رسول الله وعلي بن أبي طالب (ع) وأبو دجانة وسهل بن حنيف وقد وقفوا حول رسول الله (ص) يدافعون عنه ، وعندما تأتي كتيبة للمشركين يقول الرسول (ص) : يا علي ردّ هذه الكتيبة عنّي فيردّها علي بن أبي طالب (ع) وهكذا حتّى ردّ الإمام علي (ع) جميع كتائب المشركين على أعقابهم ونقذ رسول الله (ص) من بين أيدي المشركين.
وفي السنة الخامسة للهجرة جمع المشركون كلّ حلفائهم من العرب واليهود للقضاء على المسلمين فتقدّموا إلى المدينة التي حفر حولها المسلمون خندقاً لحمايتها من المشركين ولكن بعض الكفار عَبرَ الخندق ومنهم عمر بن ود العامري الذي أراد البراز مع المسلمين ولكن لم يجبه أحد خوفاً منه إلّا علي (ع) ولكن أبقاه رسول الله (ص) واستمرّ الطلب ثلاثاً والرسول (ص) قد ضمن الجنّة للذي يخرج ويبارز عمر ولكن المسلمين كأن الأمر لم يعنهم من شدّة خوفهم إلّا علي بن أبي طالب (ع) الذي خرج إليه وقتله وهرب جيش المشركين وبذلك كفى الله المسلمين القتال وقد قال رسول الله (ص) : « إن لضربة علي يوم الخندق لتعادل عبادة الثقلين ».
وبعد صلح الحديبيّة توجّه رسول الله (ص) إلى خيبر ذلك الحصن المنيع الذي كانت تخشاه العرب بسبب حاميه مرحب ، فقام رسول الله (ص) كلّ يوم بأعطاء الراية لرجل من المسلمين ولكنّهم جميعاً قد فشلوا بالسيطرة على الحصن عندها قال : « والله لأعطين الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله » ، فقد تمنى جميع المسلمين الراية ولكنّ الرسول (ص) قد أختارَ علي بن أبي طالب (ع) بالرغم من مرضه فتقدم أمير المؤمنين (ع) إلى الحصن فقتل مرحب وفتح الحصن الذي عجز عنه أبو بكر وعمر بن الخطاب.
وبعد فتح مكّة تجمع المشركون من هوازن وثقيف وأحلافهما من مشركي العرب لمقاتلة المسلمين في مكّة وعندما سمع رسول الله (ص) بالأمر خرج من مكّة لملاقات المشركين وقد باغت جيش المشركون المسلمين فأمعنوا فيهم القتل ففرّ المسلمون ولم يبقى مع رسول الله (ص) إلّا نفر قليل في مقدّمتهم علي بن أبي طالب (ع) وقد وبخ الله سبحانه وتعالى المسلمين على فرارهم من الحرب إذ قال : ( وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا ... ثُمَّ أَنزَلَ اللَّـهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) وانقلبت هزيمة المسلمين نصراً بثبات علي بن أبي طالب (ع) والقلّة القليلة من بني هاشم.
وبعد معركة حنين خبا الكفر والشرك وكاد أن يصيبه الافول لولا فلول من الشرك بقيت هنا وهناك ، لقد اجتمع عدد كبير من المشركين في مكان يدعى وادي الرمل واتّفقوا على غزو المدينة فعلم رسول الله (ص) بهم فأرسل إليهم أبي بكر بجيش من المسلمين ولكنّه عاد منهزماً وعاد الكرَ رسول الله (ص) مع عمر بن الخطاب ولكنّه عاد منهزماً أيضاً ومن ثمّ أرسل عمر بن العاص وعاد كما عاد صاحبيه وبعدهم أرسل علي بن أبي طالب (ع) وقد جعل هؤلاء الثلاثة تحت امرته فتقدّم علي بن أبي طالب (ع) إلى المشركين يزحف ليلاً ويكمن نهاراً حتّى باغت المشركين وهزمهم أشرّ هزيمة وعاد الإمام علي (ع) والنصر معه فستقبله رسول الله (ص) وقال له : « لولا أنّي أشفق أن تقول فيك طوائف من أمّتي ما قالت النصارى في المسيح لقلت فيك مقالة لا تمرّ على ملأ من الناس إلّا أخذوا التراب من تحت قدميك » وسمّيت هذه الغزوة بغزوة بني المصطلق.
وفي السنة التاسعة توجه رسول الله (ص) والمسلمين إلى أرض الروم لكي يغزو الروم في عقر دارهم بعد أن تعدّوا على المسلمين هناك ولكنّه لم يصطحب علي بن أبي طالب (ع) معه فعزّ الأمر على الإمام علي (ع) فشكى ذلك لرسول الله (ص) فقال له : « أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي » وكما يروي أحمد في مسنده أنّه قال له لا ينبغي أن أذهب إلّا وأنت خليفتي.
وبعد غزوة تبوك في نفس العام أنزل الله سبحانه وتعالى سورة براءة لتعطي البيان الأخير ضدّ المشركين ولتبيّن حدودهم والمعاهدات التي أبرمت معهم فأرسل رسول الله (ص) أبي بكر بسورة براءة لكي يبلغها بالناس المجتمعين في الحجّ من المشركين ، والمسلمين وبعد أن ذهب أبي بكر بالسورة أرسل الله سبحانه وتعالى إلى رسوله (ص) الوحي وأخبره بانّه لا يؤدّيها إلّا أنت أو رجل منك فأرسل رسول الله (ص) علي بن أبي طالب (ع) خلف أبي بكر لكي يأخذها منه ويبلغها في الناس بأمر من الله سبحانه وتعالى.
هذه بعض الروايات التي تؤكّد على أولويّة وفضل الإمام علي (ع) على الأمّة وتبيّن تأكيد رسول الله (ص) على ولايته وخلافته له وقد أعطى لهذا الأمر الأولويّة ولكن الأمّة انقلبت على عقبيها وتركت أمر نبيّها بتنصيب علي بن أبي طالب (ع) خليفةً للمسلمين حسداً وبغضاً. فقد بذل الإمام علي (ع) كلّ ما يملك لكي تنعم هذه الأمّة بعظمة الإسلام وعدالته وبالمقابل أعطت هذه الأمّة ظهرها لحامي الإسلام وناصره بسيفه وعلمه وحكمته وحاولت أطماس فضائله وتهميشه ولكن أبى الله إلّا أن يتمّ نوره وينشر فضائل علي بن أبي طالب (ع) على ألسن أعداءه فجعلهم يروون فضائله ويكتبونها وهم لا يعلمون وأصبحت أكثر قوّةً وتأثيراً ، فلم تنصفك الأمّة يا أبا الحسن بالرغم من انصاف الله سبحانه وتعالى ورسوله لك ، فسلام ٌ عليك يا أمير المؤمنين يوم ولدت في الكعبة ويوم استشهدت في بيت الله ويوم تبعث حيّاً وتقف على الصراط وتعطي جواز العبور لمن والاك وتمنع من عاداك ومن ثمّ الملتقى معك إنشاء الله على الحوض لكي تسقي عشّاقك من ماء الكوثر في يوم العطش الأكبر.
التعلیقات