شخصية المعاد نفس شخصية المُبْتدأ
شبهات المنكرين للمعاد
منذ 16 سنةالمصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج4 ، ص 193 ـ 194
(193)
جواب الشبهة الرابعة : شخصية المعاد نفس شخصية المُبْتدأ
عرفت أنّهم قالوا : إذا كانت الغاية من المعاد ، تحقيق العدل الإلهي ، 
وإثابة المطيع ، وعقاب العاصي ، فيجب أن يكون المعاد نفس المبتدأ حتى لا يؤخذ 
البريء بجرم المتعدي ، وهو يتوقف على وجود الصلة بين الشخصيتين ، وليس 
هناك صلة بينهما. 
وهذه الشبهة ناشئة من نفس ما نشأت الشبهة السابقة منه ، وهو تخيّل أنّ 
شخصية الإنسان منحصرة في الإطار المادي ، لا غير . ولعلّ قولهم:  { أَئِذَا ضَلَلْنَا 
فِي الأَرْضِ } ، يشير إلى هذه الشبهة. 
و الجواب نفس الجواب السابق ، وهو أنّ ما يرجع إلى حقيقة الإنسان محفوظ 
عند الله سبحانه  ، وهو الصّلة الوثيقة بين المبتدأ والمعاد ، وهو الذي يجعل البدن 
الثاني ، إعادة للشخص الأوّل ؛ لأنّ شخصيته هي روحه ونفسه ، وهي محفوظة في 
كلتا الحالتين ، وإنّما البدن أداة ولباس لها ، وليس هذا بمعنى أنّ الروح تعاد ولا 
يعاد البدن ، ولا أنّه لا يعاد نفس البدن الأوّل ، بل بمعنى أنّ المناط للشخصية 
الإنسانية ، هو روحه ونفسه ، والبدن غير مُهْتَم به ، والغرض من حشره ببدنه ، 
عدم إمكان تعذيب الروح أو تنعيمها إلاّ عن طريق البدن ، فإذا كانت الشخصية 
________________________________________
(194)
محفوظة ، فلا تنقطع الصلة بين المبتدأ والمعاد ، خصوصاً أنّ أجزاء البدن المبعثرة ، 
معلومة لله سبحانه . فهو يركّب تلك الأجزاء المبعثرة ، وتتعلق بها الروح ، قال 
سبحانه : { قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} (1). وقال 
سبحانه : { قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} (2).
فالتعبير بـ{ خَلْقٍ عَلِيمٌ } مكان « خلق قدير» ، إشارة إلى علمه تعالى بأجزاء 
بدن كل إنسان. 
إلى هنا فرغنا من الإجابة عن الشبهات المطروحة حول المعاد التي ذكرها 
القرآن ، وبما أنّ الإجابة عن الشبهتين الأخيرتين مبني على تجرّد الروح ، وبقائها بعد 
الموت ، نفرده بالبحث ، ونثبت هذا التجرّد عقلاً ونقلاً ، وهو من مهام البحوث في 
المعاد.
* * *
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - سورة ق : الآية 4.
(2) - سورة يس : الآية 79.

التعلیقات