أُلّفت في مولد أمير المؤمنين عليه السّلام فصول عريضة وكتب كثيرة ، إذ لم يكن أمراً عادياً من جهة ، ومن جهة أُخرى كان أمراً معروفاً شائعاً لدى المسلمين نقلت أخبارَه كتب العامّة والخاصّة.. أنّ أبا طالب رضوان الله عليه لمّا رأى زوجته فاطمة بنت أسد رضوان الله عليها في شدّة المخاض وقد ضربها الطَّلْق أصابه شيء من الكآبة عليها ، فأخذ النبيَّ صلّى الله عليه وآله بيده وجاء وهي معه إلى الكعبة ، وقال لها : اجلسي على بركة الله. فوَلَدت غلاماً مسروراً نظيفاً لم يُرَ كحُسن وجهه.
أو ـ في رواية اُخرى ـ أنّ أبا طالب هو الذي أجلَسَها داخل الكعبة ، وفي روايات أُخر أنّها هي التي ذهبت بنفسها فآنشقّ لها جدار الكعبة المعظّمة ، فدخلت فيها ومكثت هنالك ساعات ثمّ خرجت وهي تحمل بيديها وليدها الطاهر المبارك ، فعمّت البهجة أرجاء الكون ، وغُمِر النبيُّ صلّى الله عليه وآله وكذا أبو طالب أبوه رضوان الله تعالى عليه بالسرور والحبور.
كان ذلك يومَ الجمعة ، الثالثَ عشر من شهر الله الأصمّ رجب المرجَّب ، بعد عام الفيل بثلاثين سنة.. أي بعد مولد النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله بثلاثين سنة. أو قيل في تاريخ مولده السعيد : قبل الهجرة النبويّة الشريفة بثلاث وعشرين سنة ، كما قيل : قبلها بخمس وعشرين سنة.
فيكون مولده في مكّة ، في البيت الحرام ، في جوف الكعبة المعظّمة ، ولم يكن وُلد في بيت الله تعالى مولود سواه.. لا قبله ولا بعده ، فهو أوّل مَن وُلد بها ، ولم يُعلَمْ أنّ غيره وُلد بها. وتلك فضيلةٌ خصّه الله تعالى بها؛ إجلالاً لمحلّه ومنزلته ، وإكراماً لرتبته.
وقد سمّته أُمّه « حَيدرَه » ، وسمّاه النبيّ صلّى الله عليه وآله « عليّاً » ، فرضي أبواه بذلك وكان ينتظره انتظارَ المتيقِّن.. فعن الإمام جعفر الصادق عليه السّلام قال : إنّ فاطمة بنت أسد رحمها الله جاءت إلى أبي طالب رحمها الله تُبشّره بمولد النبيّ صلّى الله عليه وآله ، فقال لها أبو طالب : إصبِري لي سَبتاً آتيكِ بِمثْله ، إلاّ النبوّة. السبت ثلاثون سنة ، وكان بين رسول الله صلّى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السّلام ثلاثون سنة.
وقد صبرت فاطمة بنت أسد رضوان الله عليها وهي الحنيفيّة الدِّين ، من سابقات المؤمنات إلى الإيمان ، وكان أن هاجرت مع ابنها الإمام عليّ عليه السّلام إلى المدينة ، فإذا تُوفّيت هناك كفّنها النبيّ صلّى الله عليه وآله بقميصه ، وتوسّد في قبرها لتأمَن من ضغطة القبر ، ثمّ لقّنها الإقرار بالتوحيد والنبوّة وولاية ابنها ـ كما اشتهرت الرواية بذلك.
طالب ، وعقيل ،