قصّة طالوت و جالوت
حِجارَةُ الانتِصار - قصّة طالوت و جالوت
كمال السيد 
 
توفي سيدنا موسي و توفي قبله سيدنا هارون ( عليه السلام ) ، و تركا وراءهما ميراث الرسالة الالهية . 
ترك لهم موسي ( عليه السلام ) التوراة و ترك لهم صحفاً مقدسة . 
وضع سيدنا موسي التوراة و الصحف في صندوق و سلّمه الي وصيّه يوشع بن نون ، الفتي الذي أخذه موسي ( عليه السلام ) معه في رحلته الي ' مجمع البحرين ' . 
مرّت أربعون سنة و بنو اسرائيل يدورون في صحراء سيناء ، و كانوا يخافون الحرب ، و يخافون الوثنيين العمالقة الذين يحكمون الأرض المقدسة . 
عندما أصبح يوشع بن نون نبياً كان قد مات الكثير من بني اسرائيل ، و جاء جيل جديد لا يخاف الحرب و لا يخاف من العمالقة . 
لهذا دعاهم يوشع بن نون لتحرير الأرض المقدسة فاستجابوا له . 
و قاد يوشع بن نون المومنين و حارب بهم الكفار و انتصر عليهم و دخل الأرض المقدّسة . 
و قامت دولة لبني اسرائيل ، و لم تستمر هذه الدولة طويلاً ، لأن بني اسرائيل بعد وفاة يوشع بن نون عادوا الي المعاصي ، و استخفوا بصندوق العهد . 
و عندما ضعف ايمانهم اصبحوا أمّة ضعيفة لهذا لم يقاوموا هجمات الأقباط و سقطت دولتهم ، و اصبحوا مستعبدين . 
حكم جالوت الأرض المقدسة ، و راح يقتل رجال بني اسرائيل و يستعبد نساءهم ، ثم شرّدهم من أرضهم ، و أخذ منهم صندوق العهد . 
 
 
و في تلك الفترة بعث الله اليهم نبياً هو ' أرميا ' ( عليه السلام ) فراح يعظهم ، و يذكرّهم بتعاليم التوراة . 
قال لهم : انكم ضعفتم لأن الأيمان في قلوبكم أصبح ضعيفاً . . انتم تحبون الذهب اكثر من ربّ العالمين ، تخافون من الوثنيين و لا تخافون من الله . . 
و ندم بنو اسرائيل و عادوا الي تعاليم الدين فعاد الأيمان الي قلوبهم . 
ذات يوم جاء بعض المومنين الي نبي الله أرميا ( عليه السلام ) و قالوا له : 
ـ لقد قهرنا جالوت ، و اذلّنا بظلمه . . فاسأل الله أن يبعث لنا قائداً و ملكاً لنقاتل تحت لوائه في سبيل الله . 
قال النبي ( عليه السلام ) : 
ـ اذا كتب الله عليكم القتال فهل تطيعوه حقاً ؟ 
قالوا : 
ـ بالطبع سنقاتل . . و لماذا لا نقاتل في سليل الله و قد أُخرجنا من ديارنا ؟ 
قال النبي أرميا ( عليه السلام ) سوف ادعو الله من أجلكم . 
و مضت مدّة من الزمن و كان بنوا اسرائيل ينتظرون أمر الله سبحانه . 
و ذات يوم جاء النبي أرميا ( عليه السلام ) و أعلن البشري : 
ـ ان الله قد بعث لكم طالوت ملكاً . 
فمن هو طالوت و ما هي قصته مع بني اسرائيل ؟ 
 
 
طالوت : 
كان طالوت شاباً فقيراً . . انه من ذرية بنيامين . . بنيامين شقيق يوسف . . 
كان طالوت يعمل في الحقل مع والده ، عندما انتبه الي انّ حماريهما قد ذهبا بعيداً . 
راح طالوت يبحث عن الحمارين ، فأخذ شاطئ النهر ، كان يمشي و يبتعد عن قريته ، مقترباً من قرية أخري . . في تلك القرية كان يعيش النبي أرميا ( عليه السلام ) . 
لهذا فكّر طالوت أن يذهب الي النبي ( عليه السلام ) و يسمع موعظته . . 
عندما كان النبي يبشر بني اسرائيل بان الله قد اختار لهم طالوت ملكاً رأوا من بعيد رجلاً طويل القامة قادماً نحوهم . 
الجميع عرفوه انه طالوت . . طالوت الرجل القوي . 
كان طالوت قوياً مفتول العضلات ، و لكنه لم يغترّ بقوته . . عيناه تتألقان بنور سماوي يعكس نورهما ما تموج في قلبه من روح الايمان و التواضع . 
نادي النبي مرحباً به : 
ـ مرحباً بك يا طالوت . . لقد بعثك الله الينا . . لتدفع عن المومنين الظلم . 
قال طالوت : 
ـ يا نبي الله لقد جئت أبحث عن حماري . 
قال النبي : 
لقد شاء الله أن تأتي الي هنا . . ان الله قد اختارك ملكاً علي بني اسرائيل لتنقذهم من ظلم العدو . 
قال طالوت : 
ـ انني رجل فقير كما تري . . الناس لا يسمعون للفقراء انهم يطيعون الاثرياء فقط . 
قال النبي : 
ـ ان القيادة و الملك لا علاقة لها بالمال . . و لقد آتاك الله قوّة في الجسم و سعة من العلم و لقد اختارك الله لهذه المهمّة . 
سكت طالوت ، ان النبي لا يتحدّث من نفسه ان الله قد أوحي اليه . . و لا بدّ من طاعة النبي . 
لهذا سكت طالوت . . رضي بالقيام بهذه المسوولية . 
 
 
البعض فرحوا بذلك ، و لكن كثيراً من بني اسرائيل كانوا ينظرون الي طالوت بحقد . 
ان طالوت رجل فقير و ان الأثرياء هم وحدهم الذين يحكمون . 
قال الاثرياء : 
ـ كيف يكون ملكاً علينا ؟! اننا احق بالملك منه . . 
قال أرميا ( عليه السلام ) : 
ـ ان الله قد اختاره للملك لأنه اقوي منكم و أعلم . 
قالوا : 
ـ اذا كان الله قد اختاره ، فاننا نريد علامة علي ذلك . . نريد آية : 
قال النبي ( عليه السلام ) : 
ـ ان آيته ان يأتيكم صندوق العهد الذي فيه ميراث موسي و هارون . 
قالوا : 
ـ كيف ؟! 
قال النبي : 
ـ اذهبوا الي الصحراء و سوف ترون ذلك بأعينكم . 
سكت بنو اسرائيل ، لم يبق امامهم الاّ أن يسلّموا لارادة الله ، ولكن كيف سيأتي صندوق العهد ؟! 
هكذا راحوا يتساءلون . 
قال النبي ( عليه السلام ) : 
ـ سيأتيكم الصندوق تحمله الملائكة . . فهل تريدون آية أكبر من ذلك ؟! 
و خرج بنو اسرائيل الي الصحراء يترقبون المشهد المثير . 
و جاءت اللحظة المرتقبة و رأي بنو اسرائيل صندوق العهد و قد غمرته أنوار الملائكة . 
و هبط الصندوق المقدس برفق ، وشعر بنو اسرائيل بالسكينة و الايمان يملأ قلوبهم . . ها هو صندوق العهد رمز عزتهم يعود اليهم مرّة أُخري . 
و هكذا أصبح طالوت ملكاً علي بني اسرائيل و ساد النظام حياتهم . 
 
 
الامتحان : 
اعلن طالوت انه يستعد للجهاد في سبيل الله ، و أن علي بني اسرائيل ، أن يتهيأوا للحرب ضد جالوت الظالم . 
مرّة أخري تناسي بنو اسرائيل العهد الذي قطعوه علي انفسهم لقد طلبوا من النبي أن يبعث الله لهم ملكاً ليقاتلون معه في سبيل الله سبحانه و استجاب لهم واختار لهم طالوت . 
عندما أعلن طالوت انه سيجاهد في سبيل الله ، تراجع بنو اسرائيل و خانوا العهد . 
القليلون فقط استجابوا لطالوت . . كانوا مومنين بالله مطيعين لنبيهم و ملكهم . 
أمّا الأكثر فقد كانت تميل الي حياة الذل و العبودية . و لكن طالوت و المومنين استطاعوا ان يولفوا جيشاً من بني اسرائيل . 
و أعلن طالوت انه سيزحف بالجيش في الصباح . عندما اشرقت الشمس كان الجنود يستعدون للتحرك ، و الايمان يملأ قلوبهم باستعادة أرضهم و بلادهم و قهر الكفار . 
في الطريق أعلن طالوت بياناً هاماً . 
ـ ايها الجنود سوف يصادفنا نهر . . ان الله سبحانه يريد امتحانكم . . 
سأل جندي : 
ـ و ما هو الامتحان ايها القائد ؟ 
قال طالوت : 
ـ لا تشربوا من النهر ، ان من يشرب منه فليس مني ، و من لم يشرب منه فانه مني . . الاّ من اغترف غرفة واحدة بيده . 
و استأنف الجيش طريقه الي أن وصل النهر . 
كثير من الجنود ركضو باتجاه النهر بعضهم اغترف منه غرفة واحدة و البعض الاخر القي نفسه في النهر و راح يشرب و يشرب قليلون جداً الذين وقفوا مع طالوت و لم يذوقوا الماء . 
و عبر الجيش النهر يقودهم طالوت . 
من بعيد رأي الجنود جيش جالوت . . 
كان جالوت راكباً فوق فيل كبير ، و وراءه مئات الجنود في صفوف منظمة . 
كان جيش جالوت كبيراً و مجهّزاً بأحسن الاسلحة . 
و كان جالوت مخيفاً ، كانه يرتدي درعاً حديدياً و علي راسه خوذة ، كان كتلة من الحديد و البأس ! 
الذين شربوا من النهر قالوا خائفين : 
لا طاقة لنا اليوم بجالوت و جنوده ! 
أما الذين لم يشربوا من النهر فقالوا بثقة : 
ـ كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله . . و الله مع الصابرين . 
و عرف الجميع ان الله قد امتحن ارادتهم بالنهر . 
ضعفاء الارادة شربوا منه فاصبحت معنوياتهم ضعيفة ، أما أقوياء الارادة فقد امتنعوا عن شرب الماء ، كانت ارادتهم قوية و ايمانهم قوياً ، فكانت معنوياتهم عالية . 
و تقابل الجيشان و كان جالوت يعتقد انه سوف يسحق جيش طالوت ، فماذا حصل ؟ 
 
 
حجارة الانتصار : 
في قرية بيت لحم كان شيخ يعيش مع أولاده الأربعة . 
عندما أعلن طالوت الجهاد في سبيل الله ، ارسل الشيخ أولاده الكبار الثلاثة و قال لولده الصغير : 
أما أنت يا داود فستبقي معي . 
قال داود : 
ـ لماذا يا أبي أنني أُحب الجهاد في سبيل الله . 
قال الأب . 
ـ انك لم تتمرن بعد علي الحرب . . و لكني سأكلفك ، بمهمة تحمل الطعام الي اخوتك و تأتيني بأخبار المعركة . 
فرح داود بذلك لأنه سيشهد المعركة ، لهذا انطلق وراء جيش طالوت و هو يشكر الله . 
درع موسي : 
أوحي الله الي طالوت ان الذي يقتل جالوت من يرتدي درع موسي ( عليه السلام ) فتستوي عليه . 
أعلن طالوت ذلك فجاء جنود كثيرون و ارتدوا درع موسي ( عليه السلام ) و لكن لم يوجد أحد ينطبق عليه الشرط . في الاثناء وصل الفتي داود . 
و رأي جيش الأيمان بقيادة طالوت يواجه جيش الكفر بقيادة جالوت . 
كان جالوت مغروراً بقوته لقد قتل الكثير من الابطال . . 
ها هو يطلب المبارزة و لكن أحداً لا يخرج اليه . 
سأل داود عن جالوت ، قال أحد الجنود : 
ـ انظر انه هناك . 
و راي داود رجلاً طويل القامة يرتدي درعاً من الحديد و خوذة من الحديد ، تغطي رأسه كله و وجه باستثناء عينيه . 
كان بيده رمح و سيف ! 
قال داود : 
ـ لو يسمح لي طالوت بالاشتراك في المعركة فانني سأقتل جالوت الكافر . 
ضحك بعض الجنود : 
ـ كيف تقتله و أنت لا تملك سلاحاً . . انت الفتي الصغير تقتل جالوت الكبير ؟! 
قال داود : 
ـ انا لا أخاف أحداً الاّ الله سبحانه . . انني مومن بالله . 
كان جالوت يسخر من طالوت و جنوده لأن أحداً لا يريد مبارزته . 
في تلك اللحظة تقدم داود الي طالوت و قال : 
ـ انني مستعدّ لمواجهة جالوت : 
قال طالوت : 
ـ و لكنك ما تزال فتي صغيراً لم تشترك في حرب من قبل و لم تبارز أحداً . 
قال داود : 
ـ لقد قتلت ذئباً أراد أن يفتك بغنمي و لم يكن معي سلاح . . ثم انك لم تلبسني درع موسي ( عليه السلام ) . 
اعجب طالوت بشجاعة داود و ايمانه لهذا أخرج درع موسي من صندوق العهد و ألبسه داود . 
و دهش طالوت رأي الدرع يستوي عليه فعرف ان الله قد اختار داود الفتي المومن لمواجهة جالوت الكافر . 
 
 
تقدم داود الي ساحة المعركة بقلب مملو ايماناً و شجاعة و ليس معه سوي مقلاع و حجارة . 
دهش جالوت لمنظر ذلك الفتي و هو يتقدم اليه دون سيف و لا رمح . 
قال جالوت : 
ـ انك و لا شك تريد أن تموت ايها الفتي . . ام انك تظن اننا نلعب مع الصبيان ؟! 
ـ من قال ذلك ؟ انني جئت لقتالك . 
ـ فأين سيفك اذن و رمحك و معدّاتك الحربية ؟ 
قال داود : 
ـ ان سلاحي الايمان و اقاتلك باسم الله . 
قال داود ذلك ثم وضع حجراً في المقلاع و استعد للمواجهة . 
كان جالوت مغطي بالحديد و كان يتحرك فتهتز الأرض تحت الاقدام . 
و لكن داود لم يخف و ظل ثابتاً كالجبل ، و كان جالوت يتقدّم ، و كان داود يستعد لاطلاق الحجر . لم يكن هناك مكان مكشوف من جسم جالوت سوي قسم من جبينه و عينيه . 
الجنود كانوا يراقبون صراعاً مثيراً ، و كان المومنون يدعون الله أن ينصر داود . . ان ينصر الايمان علي الكفر . 
و انطلق الحجر ، لم يري أحد الحجر و هو يشق الهواء و لكن الجميع سمعوا صوتاً عجيباً ، و اصطدم الحجر برأس جالوت . . لقد أصاب الهدف بدقة . 
مرّت لحظات رهيبة توقف جالوت عن التقدّم ثم ترنّح ليسقط فوق الأرض . 
و أحدث ارتطام الحديد صوتاً رهيباً انخلعت له قلوب الكافرين . 
احدث سقوط جالوت هزيمة نفسية في جيشه و قد انتصر الفتي المومن علي القائد العسكري . انها قوّة الايمان هي التي هزمت السلاح المتطور . 
و هكذا هزم جيش جالوت و انتصر طالوت و جنوده . 
و عاد السلام يرفرف باجنحته البيضاء فوق الأرض ، و عاد الايمان يملأ القلوب . 
و عندما شعر طالوت بوفاته أوصي بالملك الي داود ( عليه السلام ) . 
فالي الكتاب التالي لنتابع معاً ماذا حدث ؟ 
 
     |