قصة سيدنا يحيى ( عليه السلام )
و حناناً من لدنّا - قصة سيدنا يحيى ( عليه السلام )
كمال السيد 
 
ولد سيدنا عيسى بن مريم . . ولد الطفل المعجزة ، كلمة الله و رحمته ! 
الذين يعرفون طهر مريم ، و شهدوا الطفل و هو يتكلم و يبشر برحمة الله صدّقوا و آمنوا . 
في ذلك الزمان كان المجتمع اليهودي غارقاً في الفساد ، في الكذب ، في المادّيات . 
لم تبق من كلمات التوراة إلاّ القليل . . اليهود كانوا يحرّفون كلام الله . . يفعلون ذلك من أجل مصالحهم و اطماعهم . 
أصبح اليهود مجتمعاً مادّياً لا يؤمن بشيء إلاّ ما كان مادّياً . 
الفقراء يزدادون فقراً ، و الاثرياء يزدادون ثراءً ، و لم يكن هناك شيء مقدس سوى الذهب ! 
 
إلى مصر : 
 
حدثت بلبلة في البلاد . . الطفل الذي تكلم في المهد هو طفل عجيب ! 
حضر مسؤول من الحكومة للاستفسار عن الطفل العجيب ! 
عن الطفل الذي تكلم في المهد و بشر الناس بالنبوّة و الخلاص ! 
إنّ العاصمة روما تشعر بالقلق و تودّ معرفة ما يجري في مقاطعاتها ! 
حتى زكريا لم ينجُ من كيد اليهود ، كانوا يتآمرون عليه و يحيكون الدسائس ، و يحرّضون الحاكم الروماني على قتله . 
اليهود يضمرون الحقد للناس يحبّون أنفسهم فقط ، و كلّما جاءهم نبي يَعِظهم و يرشدهم الى طريق الصلاح كانوا يتآمرون عليه و يخططون لقتله . 
منذ " السبي البابلي " ، عندما احتلّ بخت نصر فلسطين و أخذهم أسرى الى بابل ، و هم يحقدون . 
منذ ذلك الزمان و هم يخططون للسيطرة على العالم . 
ألّفوا كتاباً سموه " التلمود " و قالوا انه اكثر قدسية من التوراة . . حتى التوراة لم تسلم من مكرهم فراحوا يحرّفون كلام الله و شريعة موسى رسول الله . 
من أجل هذا ولد عيسى من دون أب ، ليكون معجزة و يرشد بني اسرائيل الى الطريق الصحيح . و لكن اليهود كانوا يكذبون الانبياء ، لأن الانبياء يريدون الخير لكل الناس . 
خافت مريم على طفلها ، خافت مكر اليهود ، و عندما جاء المسؤول الروماني للتحقيق ، فكرت بالهروب الى مصر . 
و ذات ليلة حملت مريم روح الله و كلمته و غادرت وطنها الى مصر . و هناك عاشت سنوات طويلة . 
 
يا يحيى خذ الكتاب : 
 
كان يحيى طفلاً عجيباً ، عندما ينظر المرء اليه يجد نور الايمان في وجهه ، و يرى هيبة الانبياء تشعُّ من عينيه . 
جاء اليه الاطفال قالوا له تعال نلعب فقال لهم بأدب : 
ـ ليس للعب خُلقتُ . 
منذ أن كان طفلاً أدرك اشياء كثيرة ، لماذا فرّت السيدة مريم مع طفلها المعجزة ؟! ، لماذا يغرق اليهود في الجهل و الانحراف و الفساد ؟! 
لماذا تسلّط الرومان الكفّار على قومه ؟! 
كل ذلك حصل لأن بني اسرائيل ابتعدوا عن الدين الحق . 
لأنهم كفروا بالانبياء ، لأنهم اصبحوا أنانيين . 
 
 
كبُر يحيى و أصبح شابّاً مهيباً ، كان يهتف علانية : 
ـ من له ثوبان فليعط من ليس له . 
و من له طعام فليعط الجائع . 
لا تظلموا أحداً ! و لا تفتروا على أحد ! 
ان طريق الله واضح مستقيم ، لا تجعلوه معوجّاً . 
 
 
هيرودس : 
في ذلك الزمان كان يحكم الشام حاكم روماني اسمه " هيرودس " كان وثنياً شرّيراً . 
و كان لأخ هيرودس زوجة جميلة ، هيرودس أخذها بالقوّة لتكون له زوجة ! 
لم يعترض أحد ، سيدنا يحيى وحده الذي قال للغاصب : 
ـ لا يجوز لك ان تفعل ذلك . 
 
 
لم يسكت يحيى كان يندد بهيرودس و بالشرور التي يرتكبها . 
أصدر هيرودس أمراً بالقاء القبض على النبي و جاء الشرطة لاعتقاله . 
عندما القوه في السجن لم يخف . . لم يتوسل كان شجاعاً ، في السجن كان يصيح : 
ـ سيأتي من بعدي من هو أقوى مني . . ستعمّ الرحمة و تزهر الزنابق ، و تبصر العيون ضوء النهار ، وتنفتح الآذان الصمّ . 
 
الاحتفال : 
 
أقام هيرودس احتفالاً كبيراً . . ترقص فيه النساء و يشرب فيه الرجال الخمر . . الناس الفقراء خارج القصر يئنّون من الجوع ، و يتألمون من الظلم و يرتجفون من البرد . 
الناس الفقراء عراة لا يملكون شيئاً يسترون به اجسامهم و هيرودس الحاكم يرتدي الحرير ، و يجلس على عرش مطعم بالذهب و الفضة و الأحجار الثمينة . 
و كان صوت يحيى يتردد داخل جدران السجن : 
ـ لا يحلّ لك أن تتزوج امرأة لها بعل . . لا يحل لك يا هيرودس أيّها الظالم . . أيّها الغاصب ! 
صالة الاحتفال مزدحمة بالفتيات . . بالرجال و بدأت الموسيقى تصدح . 
كان هيرودس جالساً على العرش ، و زوجته الجديدة جالسة الى جانبه ، عيناها تبرقان بالتآمر و الشرّ . 
هيرودس يكرع كؤوس الخمرة المعتّقة . 
 
 
و دخلت فتاة جميلة جدّاً ، ترفل بثياب حريرية ملوّنة . 
هبّ هيرودس واقفاً و خاطب زوجته الجديدة : 
ـ ابنتك جميلة جميلة جدّاً . 
قالت المرأة بمكر : 
ـ سالومي سترقص من أجلك . 
هتف الحاكم منتشياً . 
ـ من أجلي ؟! 
ـ نعم من أجلك . 
اقتربت سالومي و قالت بدلال : 
ـ سارقص لك . 
هتف الحاكم : 
أعطيك نصف مملكتي . 
ـ بل أريد ما أشاء . 
أمنحك ما تشائين . 
 
 
و راحت سالومي ترقص بقدمين عاريتين ! 
كان هيرودس مفتوناً يكرع كؤوس الخمر ! 
قالت المرأة اليهودية : 
ـ سأزفّها لك . 
و جُنّ هيرودس : 
و اقتربت سالومي أكثر قالت : 
ـ أريد ما أشاء . 
صاح هيرودس مفتوناً . 
ـ اطلبي ! اعطيك نصف مملكتي . 
قالت سالومي و هي تتلوي كالافعى : 
ـ أريد رأس يحيى . . يحيى بن زكريا ! 
ـ كلاّ . . كلاّ . . اطلبي ما تشائين . . أعطيك عرشي . 
قالت الأم بخبث : 
ـ و لكن يحيى لن يسمح لك بالزواج من سالومي . 
ـ يحيى يمنعني ! 
ـ نعم يحيى . 
 
 
قالت سالومي : 
ـ أريد تقدم لي راس يحيى في طبق من الفضة . 
صفّق هيرودس ، و عيناه تبرقان بالشرّ ، توقفت الأنغام . 
صاح هيرودس : 
ـ اليّ بالسجين !! احضروا يحيى . 
فرّت الفتيات من الصالة . 
تحولت صالة الاحتفال الى محكمة مخيفة . 
و أحضر الشرطة يحيى . . كان مكبلاً بالسلاسل . . وجهه يضيء بنور سماوي . 
مثل غيمة بيضاء كان يتالق . 
صاح هيرودس : 
لقد تزوجت هذه المرأة . . انني حاكم هذه الأرض ! 
قال يحيى بغضب : 
ـ لا يحلّ لك . 
صاح هيرودس : 
ـ وسوف اتزوج ابنتها . . سوف اتزوّج سالومي . 
هتف يحيى : 
ـ لا يحلّ لك . . لا يحلّ للرجل أن يتزوّج أمرأة ذات بعل . . لا يحلّ للرجل أن يتزوّج ربيبته . 
صاح هيرودس بحقد : 
ـ سأقطع رأسك . . حتى يخرس صوتك . 
هتف يحيى بصوت هزّ جدران القصر : 
ـ لا يحلّ لك ! لا يحلّ لك . 
 
 
صاح هيرودس : 
ـ ايها الجلاّد اقطع راسه فوراً . 
و هوى سيف غادر لقطع رأس النبي ، و حدث شيء مدهش ، رأس يحيى يتدحرج فوق البلاط المرمري و صوت يصيح : 
لا يحلّ لك ! لا يحلّ لك . . لا ي . . ح . . ل . 
شعر هيرودس بالخوف فأمر رجاله باطفاء المشاعل واللحاق به . 
استشهد يحيى و لكن كلماته ظلّت تدوّي داخل القصر و في المدينة . 
لقد بشر يحيى بانبياء سيأتون بعده ، و كان يحيى أول من صدّق نبوّة عيسى و بشّر بقدومه . 
قال سبحانه في القرآن الكريم : 
{ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا }
 قال سيدنا محمد صلى الله عليه و آله عنه : " ما من أحد يلقى الله يوم القيامة إلاّ ذا ذنب إلاّ يحيى بن زكريا ". 
و قال عنه أيضاً : " ما من أحد من ولد آدم إلاّ و قد اخطأ أو همّ بخطيئة إلاّ يحيى بن زكريا " . 
صدق رسول الله . 
عندما سمع سيدنا المسيح بالنبأ حزن كثيراً و قال : " لم يقم في مواليد النساء من هو أعظم منه " . 
 
عودة المسيح : 
 
مات هيرودس و لكن الشرور ظلّت مستمرة و اليهود غارقون في ضلالهم . 
و قرر عيسى بن مريم أن يعود ألى فلسطين ، و سكن مع والدته قرية في جبال " الجليل " تدعى " الناصرة " . و هناك جاءه الملاك و أمره بتبليغ رسالة الله . 
ماذا جرى لسيدنا عيسى ؟ هذا ما سنعرفه في الكتاب القادم . 
 
     |