كتاب أمير المؤمنين عليه السلام إلى عثمان إبن حنيف
calendar_month 2012-04-18 play_arrow 482 الاستماع

كتاب أمير المؤمنين عليه السلام إلى عثمان إبن حنيف - مكتوبة

كتاب أمير المومنين (ع) إلى عثمان إبن حنيف

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ

أَمَّا بَعْدُ، يَابْنَ حُنَيْف: فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلاً مِنْ فِتْيَةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ دَعَاكَ إلى مَأدُبـَة فَأَسْرَعْتَ إِلَيْهَا تُسْتَطَابُ لَكَ الألوَانُ، وَتُنْقَلُ إِلَيْكَ الْجِفَانُ(ما يوضع به الطعام). وَمَا ظَنَنْتُ أَنَّكَ تُجِيبُ إِلى طَعَامِ قَوْم، عَائِلُهُمْ (محتاجهم) مَجْفُوٌّ(أي مطرود)، وَغَنِيُّهُمْ مَدْعُوٌّ. فَانْظُرْ إِلَى مَا تَقْضِمُهُ(المأكل) مِنْ هذَا الْمَقْضَمِ، فَمَا اشْتَبَهَ عَلَيْكَ عِلْمُهُ فَالْفِظْهُ، وَمَا أَيْقَنَتَ بِطِيبِ وَجهِهِ فَنَلْ مِنْهُ. أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَأْمُوم إِمَاماً يَقْتَدِي بِهِ، وَيَسْتَضِيءُ بِنُورِ عِلْمِهِ; أَلاَ وَإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ، وَمِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ. أَلاَ وَإِنَّكُمْ لاَ تَقْدِرُونَ عَلَى ذلِكَ، وَلكِنْ أَعِينُونِي بِوَرَع وَاجْتِهَاد، وَعِفَّة وَسَدَاد. فَوَالله مَا كَنَزْتُ مِنْ دُنْيَاكُمْ تِبْراً(فتات الذهب والفضة)، وَلاَ ادَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمِهَا وَفْراً، وَلاَ أَعْدَدْتُ لِبَالِي ثَوْبِي طِمْراً، وَلاَ حُزْتُ مِنْ أَرْضِهَا شِبْراً، وَلاَ أَخَذْتُ مِنْهُ إلاَّ كَقُوتِ أَتَان دَبِرَة(الدابة التي عقر ظهرها فقل أكلها)، وَلَهِيَ فِي عَيْنِي أَوْهَى وَأَهْوَنُ مِنْ عَفْصَة مَقِرَة(مرّة).

بَلَى كَانَتْ فِي أَيْدِينَا فَدَكٌ مِنْ كلِّ مَا أَظَلَّتْهُ السَّمَاءُ، فَشَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْم، وَسَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ قُوْم آخَرِينَ، وَنِعْمَ الْحَكَمُ اللهُ. وَمَا أَصْنَعُ بِفَدَك وَغَيْرِ فَدَك، وَالنَّفْسُ مَظَانُّهَا فِي غَد جَدَثٌ(القبر) تَنْقَطِعُ فِي ظُلْمَتِهِ آثَارُهَا، وَتَغِيبُ أَخْبَارُهَا، وَحُفْرَةٌ لَوْ زِيدَ فِي فُسْحَتِهَا، وَأَوْسَعَتْ يَدَا حَافِرِهَا، لأضْغَطَهَا الْحَجَرُ وَالْمَدَرُ، وَسَدَّ فُرَجَهَا التُّرَابُ الْمُتَرَاكِمُ; وَإِنَّمَا هِيَ نَفْسِي أُرُوضُهَا بِالتَّقْوَى لِتَأتِيَ آمِنَةً يَوْمَ الْخَوْفِ الأكْبَرِ، وَتَثْبُتَ عَلَى جَوَانِبِ الْمَزْلَقِ(موضع الزلل). وَلَوْ شِئْتُ لاَهْتَدَيْتُ الطَّرِيقَ، إِلَى مُصَفَّى هذَا الْعَسَلِ، وَلُبَابِ هذَا الْقَمْحِ، وَنَسَائِجِ هذَا الْقَزِّ (الحرير). وَلكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ، وَيَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ الأطْعِمَةِ وَلَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوِ اليمَامَةِ مَنْ لاَ طَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْص، وَلاَ عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ أَوْ أَبِيِتَ مِبْطَاناً وَحَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى(جائعة) وَأَكْبَادٌ حَرَّى، أَوْ أَكُونَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ: وَحَسْبُكَ دَاءً أَنْ تَبِيتَ بِبِطْنَة وَحَوْلَكَ أَكْبَادٌ تَحِنُّ إِلَى الْقِـدِّ(الجلد غير مدبوغ) أَأَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ: هذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلاَ أُشَارِكَهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ، أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ(خشونة) الْعَيْش! فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكلُ الطَّيِّبَاتِ، كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ، هَمُّهَا عَلَفُهَا، أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغْلُهَا تَقَمُّمُهَا(التقاطها الزبالة)، تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلاَفِهَا، وَتَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا، أَوْ أُتْرَكَ سُدىً، أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً، أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلاَلَةِ، أَوْ أَعْتَسِفَ(ركب الطريق على غير قصد) طَرِيقَ الْمَتَاهَةِ !

وَكَأَنِّي بِقَائِلِكُمْ يَقُولُ: "إِذَا كَانَ هذَا قُوتُ ابْنِ أَبِي طَالِب، فَقَدْ قَعَدَ بِهِ الَضَّعْفُ عَنْ قِتَالِ الأقْرَانِ وَمُنَازَلَةِ الشُّجْعَانِ"!! أَلاَ وَإِنَّ الشَّجَرَةَ الْبَرِّيَّةَ أَصْلَبُ عُوداً، والرَّوائِع الْخَضِرَةَ أَرَقُّ جُلُوداً، وَالنَّابِتَاتِ العِذْيَةَ(النبات الذي لا يسقى إلا بماء المطر) أَقْوَى وَقُوداً، وَأَبْطَأُ خُمُوداً. وَأَنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ كَالضَّوْءِ مِنَ الضَّوْءِ كَالصِّنوِ مِنَ الصِّنو، وَالذِّرَاعِ مِنَ الْعَضُدِ. وَاللهِ لَوْ تَظَاهَرَتِ الْعَرَبُ عَلَى قِتَالِي لَمَا وَلَّيْتُ عَنْهَا، وَلَوْ أَمْكَنَتِ الْفُرَصُ مِنْ رِقَابِهَا لَسَارَعْتُ إِلَيْهَا. وَسَأَجْهَدُ فِي أَنْ أُطَهِّرَ الأرْضَ مِنْ هذَا الشَّخْص الْمَعْكُوس، وَالْجِسْمِ الْمَرْكُوس(المقلوب) حَتَّى تَخْرُجَ الْمَدَرَةُ(الطين اليابس) مِنْ بَيْنِ حَبِّ الْحَصِيدِ. إِلَيْكِ عَنِّي يَا دُنْيَا، فَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ(كالبهيمة المطلقة العنان)، قَدِ انْسَلَلْتُ مِنْ مَخَالِبِكِ وَأَفْلَتُّ مِنْ حَبَائِلِكِ، وَاجْتَنَبْتُ الذَّهَابَ فِي مَدَاحِضِكِ(المزالق). أَيْنَ الْقُرُونُ الَّذِينَ غَرَرْتِهِمْ بَمَدَاعِبِكَ! أَيْنَ الأمَمُ الَّذِينَ فَتَنْتِهِمْ بِزَخَارِفِكِ! ها هُمْ رَهَائِنُ الْقُبُورِ، وَمَضَامِينُ اللُّحُودِ. وَاللهِ لَوْ كُنْتِ شَخْصاً مَرْئِيّاً، وَقَالَباً، حِسِّيّاً لأقَمْتُ عَلَيْكِ حُدُودَ اللهِ فِي عِبَاد غَرَرْتِهِمْ بِالأمَانِي، وَأُمَم أَلْقَيْتِهِمْ فِي الْمَهَاوِي، وَمُلُوك أَسْلَمْتِهِمْ إِلَى التَّلَفِ، وَأَوْرَدْتِهِمْ مَوَارِدَ الْبَلاَءِ، إِذْ لاَ وِرْدَ وَلاَ صَدَرَ! طُوبَى لِنَفْس أَدَّتْ إِلَى رَبِّهَا فَرْضَهَا، وَعَرَكَتْ بِجَنْبِهَا بُؤْسَهَا (الصبر على البؤس)، وَهَجَرَتْ فِي اللَّيْلِ غُمْضَهَا(النوم)، حَتَّى إِذَا غَلَبَ الْكَرَى(النعاس) عَلَيْهَا افْتَرَشَتْ أَرْضَهَا، وَتَوَسَّدَتْ كَفَّهَا، فِي مَعْشَر أَسْهَرَ عُيُونَهُمْ خَوْفُ مَعَادِهِمْ، وَتَجَافَتْ عَنْ مَضَاجِعِهِمْ جُنُوبُهُمْ، وَهَمْهَمَتْ بِذِكْرِ رَبِّهِم شِفَاهُهُمْ، وَتَقَشَّعَتْ بِطُولِ اسْتِغْفَارِهِم ذُنُوبُهُمْ، (أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ، أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). فَاتَّقِ اللهَ يَا ابْنَ حُنَيْف، وَلْتَكْفِكَ أَقْرَاصُكَ، لِيَكُونَ مِنْ النَّارِ خَلاَصُكَ.

تعليقات

لإرسال تعليق یجب أن تسجل في الموقع

من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام)

more_horiz

نداء الهدایة

more_horiz

مقالات المرتبطة

آخر الصوتيات المضافة

آخر المرئيات المضافة

  • 2.00x
  • 1.50x
  • 1.00x
  • 0.75x