مقتل الإمام الحسين عليه السلام (مكتوبة) - الشيخ عبد الزهراء الكعبي
منذ ١٣ سنة٥.٤Kمشاهدهمقتل الإمام الحسين (ع) مكتوبة
الرادود : الشيخ عبد الزهراء الكعبي
لمّا أصبح الحسین یوم عاشوراء وصلّى بأصحابه صلاة الصبح ، قام خطیباً فیهم حمد الله وأثنى علیه ثمّ قال : ( إنّ الله تعالى أذِن فی قتلکم و قتلی فی هذا الیوم ، فعلیکم بالصبر والقتال ) . ثمّ صفّهم للحرب وکانوا اثنین وثمانین فارساً وراجلاً ، فجعل زهیر بن القین فی المَیمنة ، وحبیب بن مظاهر فی المَیسرة ، وثبت هو (علیه السّلام) وأهل بیته فی القلب2، وأعطى رایته أخاه العباس3 ؛ لأنّه وجد قمر الهاشمیین أکفأ ممَّن معه لحملها ، وأحفظهم لذمامه وأرأفهم به، وأدعاهم إلى مبدئه وأوصلهم لرحمه ، وأحماهم لجواره وأثبتهم للطعان ، وأربطهم جأشاً وأشدّهم مراساً4
وأقبل عمر بن سعد نحو الحسین (علیه السّلام) فی ثلاثین ألفاً وکان رؤساء الأرباع بالکوفة یومئذ : عبد الله بن زهیر بن سلیم الأزدی على ربع أهل المدینة ، وعبد الرحمن بن أبی سبرة الحنفی على ربع مذحج وأسد ، وقیس بن الأشعث على ربع ربیعة وکندة ، والحرّ بن یزید الریاحی على ربع تمیم وهمدان5، وکلّهم اشترکوا فی حرب الحسین إلاّ الحرّ الریاحی . وجعل ابنُ سعد على المَیمنة عمرو بن الحَجّاج الزبیدی ، وعلى المَیسرة شمر بن ذی الجوشن العامری ، وعلى الخیل عزرة بن قیس الأحمسی ، وعلى الرجّالة شبث بن ربعی ، والرایة مع مولاه ذوید6
وأقبلوا یجولون حول البیوت فیرون النّار تضطرم فی الخندق ، فنادى شمر بأعلى صوته : یا حسین ، تعجّلت بالنّار قبل یوم القیامة ؟ فقال الحسین (ع):( مَن هذا ؟ کأنّه شمر بن ذی الجوشن ) ، قیل نعم فقال (علیه السّلام) : (یابن راعیة المعزى ، أنت أولى بها منّی صِليّا ) . ورام مسلم بن عوسجة أنْ یرمیه بسهم ، فمنعه الحسین و قال : ( أکره أنْ أبدأهم بقتال) 7.
دعاء الحسین
ولمّا نظر الحسین (ع) إلى جمعهم کأنّه السیل ، رفع یدَیه بالدعاء وقال : ( اللهمّ ، أنت ثقتی فی کلّ کرب ، ورجائی فی کلّ شدّة ، وأنت لی فی کلّ أمر نزل بی ثقة وعدّة ، کم من همٍّ یضعف فیه الفؤاد وتقلّ فیه الحیلة ویخذل فیه الصدیق ویشمت فیه العدوّ ، أنزلته بک وشکوته إلیک ، رغبةً منّی إلیک عمَّن سواک فکشفته وفرّجته ، فأنت ولی کلّ نعمة ومنتهى کلّ رغبة) 8
الخطبة الاُولى
ثمّ دعا براحلته فرکبها ، و نادى بصوت عال یسمعه جلّهم : ( أيّها النّاس اسمعوا قَولی ، ولا تعجلوا حتّى أعظکم بما هو حقّ لکم عليَّ ، وحتّى أعتذر إلیکم من مَقدمی علیکم ، فإن قبلتم عذری وصدقتم قولی وأعطیتمونی النّصف من أنفسکم ، کنتم بذلک أسعد ، ولم یکن لکم عليَّ سبیل . وإنْ لَم تقبلوا مِنّی العذر ولَم تعطوا النّصف من أنفسکم ، فأجمعوا أمرکم و شرکاءکم ثمّ لا یکن أمرکم علیکم غمّة . ثمّ اقضوا إليَّ ولا تنظرون . إنّ ولیيّ الله الذی نزل الکتاب وهو یتولّى الصالحین ) . فلمّا سمعنَ النّساء هذا منه صحنَ وبکینَ وارتفعت أصواتهنَّ ، فأرسل إلیهنَّ أخاه العبّاس وابنه علیاً الأکبر وقال لهما : ( سكّتاهنَّ فلعمری لیکثر بکاؤهنَّ ).
ولمّا سکتنَ ، حمد الله وأثنى علیه وصلّى على محمّد وعلى الملائکة والأنبیاء وقال فی ذلک ما لا یحصى ذکره ولَم يُسمع متکلّم قبله ولا بعده أبلغ منه فی منطقه 9 ، ثمّ قال : ( عباد الله ، اتقوا الله وکونوا من الدنیا على حذر ؛ فإنّ الدنیا لَو بقیت على أحد أو بقی علیها أحد لکانت الأنبیاء أحقّ بالبقاء وأولى بالرضا وأرضى بالقضاء ، غیر أنّ الله خلق الدنیا للفناء ، فجدیدها بالٍ ونعیمها مضمحل وسرورها مکفهر ، والمنزل تلعة والدار قلعة ، فتزوّدوا فإنّ خیر الزاد التقوى ، واتقوا الله لعلّکم تفلحون 10 . أيّها النّاس إنّ الله تعالى خلق الدنیا فجعلها دار فناء وزوال متصرفة بأهلها حالاً بعد حال ، فالمغرور من غرّته والشقی من فتنته ، فلا تغرّنکم هذه الدنیا ، فإنّها تقطع رجاء من رکن إلیها وتُخيّب طمع من طمع فیها . وأراکم قد اجتمعتم على أمر قد أسخطتم الله فیه علیکم وأعرض بوجهه الکریم عنکم وأحلَّ بکم نقمته ، فنِعمَ الربّ ربّنا وبئس العبید أنتم ؛ أقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول محمّد (ص) ، ثمّ إنّکم زحفتم إلى ذريّته وعترته تریدون قتلهم ، لقد استحوذ علیکم لشیطان فأنساکم ذکر الله العظیم ، فتبّاً لکم ولِما تریدون . إنّا لله وإنّا إلیه راجعون هؤلاء قوم کفروا بعد إیمانهم فبُعداً للقوم الظالمین11 . أيّها النّاس أنسبونی مَن أنا ثمّ ارجعوا إلى أنفسکم وعاتبوها وانظروا هل یحلّ لکم قتلی وانتهاک حرمتی ؟ ألستُ ابن بنت نبيّکم وابن وصيّه وابن عمّه وأول المؤمنین بالله والمصدّق لرسوله بما جاء من عند ربّه ؟ أوَ لیس حمزة سيّد الشهداء عمّ أبی ؟ أوَ لیس جعفر الطيّار عمّی ، أوَ لَم یبلغکم قول رسول الله لی ولأخی : هذان سيّدا شباب أهل الجنّة ؟ فإنْ صدّقتمونی بما أقول وهو الحقّ ـ والله ما تعمدتُ الکذب منذ علمت أنّ الله یمقت علیه أهله ویضرّ به من اختلقه ـ وإنْ کذّبتمونی فإنّ فیکم مَن إنْ سألتموه عن ذلک أخبرکم ، سلوا جابر بن عبد الله الأنصاری ، وأبا سعید الخدری ، وسهل بن سعد الساعدی ، وزید بن أرقم ، وأنس بن مالک یخبروکم أنّهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله لی ولأخی ، أما فی هذا حاجز لکم عن سفک دمی ؟! )
فقال الشمر : هو یعبد الله على حرف إنْ کان یدری ما یقول .فقال له حبیب بن مظاهر : والله إنّی أراک تعبد الله على سبعین حرفاً ، وأنا أشهد أنّک صادق ما تدری ما یقول ، قد طبع الله على قلبک .
ثمّ قال الحسین (ع) : ( فإنْ کنتم فی شكّ من هذا القول ، أفتشكّون أنّی ابن بنت نبيّکم ، فوالله ما بین المشرق والمغرب ابن بنت نبی غیری فیکم ولا فی غیرکم ، ویحکم اتطلبونی بقتیل منکم قتلته ؟! أو مال لکم استهلکته ؟! أو بقصاص جراحة ؟! ) ، فأخذوا لا یکلّمونه !
فنادى : ( یا شبث بن ربعی ، ویا حَجّار بن أبجر ، ویا قیس بن الأشعث ، ویا زید بن الحارث ألم تکتبوا إليَّ أنْ اقدم قد أینعت الثمار واخضرّ الجناب ، وإنّما تقدم على جند لک مجنّدة ؟ ) فقالو : لَم نفعل .
قال : ( سبحان الله ! بلى والله لقد فعلتم ) . ثمّ قال : ( أيّها النّاس ، إذا کرهتمونی فدعونی أنصرف عنکم إلى مأمن من الأرض ) . فقال له قَیس بن الأشعث : أولا تنزل على حکم بنی عمّک ؟ فإنّهم لَن یروک إلاّ ما تُحبّ ولَن یصل إلیک منهم مکروه .
فقال الحسین (علیه السّلام) : ( أنت أخو أخیک ، أترید أن یطلبک بنو هاشم أکثر من دم مسلم بن عقیل ؟ لا والله لا اُعطیکم بیدی إعطاء الذلیل ولا أفرّ فرار العبید12 ، عباد الله إنّی عذتُ بربّی وربّکم أنْ ترجمون ، أعوذ بربّی وربّکم من کلّ متکبِّر لا یؤمن بیوم الحساب ) . ثمّ أناخ وأمر عقبة بن سمعان فعقلها13
وقـام لـسان الله یـخطب واعـظاً فـصمّوا لـما عن قدس أنواره عموا
وقال انسبونی مَن أنا الیوم وانظروا حـلالٌ لـکم مـنّی دمـی أم محرّم
فـمـا وجـدوا إلاّ الـسِّهام بـنحره تــراش جـواباً والـعوالی تـقَّوم
ومـذ أیـقن السّبط انمحى دین جَدّه ولَم یبقَ بین النّاس فی الأرض مسلم
فـدى نـفسه فی نصرة الدین خائضاً عـن الـمسلمین الـغامرات لیسلموا
وقـال خـذینی یا حتوف وهاک یا سـیوف فـأوصالی لـک الیوم مغنم
وهـیهات أن أغدو على الضّیم جاثماً ولـو لا عـلى جـمر الأسـنَّة مجثم
وکـرّ وقد ضاق الفضا وجرى القضا وسـال بـوادی الـکفر سیل عرمرم
ومـذ خـرّ بـالتعظیم لله سـاجداً لـه کـبّروا بـین السّیوف وعظموا
وجـاء إلـیه الـشّمر یـرفع رأسه فـقـام بـه عـنه الـسّنان الـمقوّم
وزُعْـزع عـرش الله وانـحطَّ نوره فـأشرق وجه الأرض والکون مظلم
ومذ مال قطب الکون مال وأوشک انـقلاباً یـمیل الـکائنات ویـعدم
وحین ثوى فی الأرض قرَّ قرارها وعادت ومن أوج السّما وهی أعظم
فـلهفی لـه فـرداً علیه تزاحمت جـموع الـعدى تزداد جهلاً فیحلم
ولـهفی لـه ظـامٍ یـجود وحوله الـفرات جـرى طامٍ وعنه یحرَّم
ولـهفی لـه مـلقىً وللخیل حافر یـجول عـلى تلک الضلوع وینسم
ولـهفی على أعضاک یابن محمد تُــوزّع فـی أسـیافهم وتـسهم
فـجسمک مـا بین السّیوف موزَّع ورحـلک مـا بـین الأعادی مقسّم
فـلهفی عـلى ریحانة الطُّر جسمه لـکلّ رجـیم بـالحجارة یرجم14
____________________________
1- کامل الزیارات / 73 ، وإثبات الوصيّة / 139 ، المطبعة الحیدریة .
2- مقتل الخوارزمی 2 / 4 .
3- ) تاریخ الطبری 6 / 241 ، وتذکرة الخواص / 143 الطبعة الحجريّة .
4- اختلف المؤرّخون فی عدد أصحاب الحسین ؛
الأول : أنّهم اثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلاً ، ذکره الشیخ المفید فی الإرشاد ، والطبرسی فی إعلام الورى / 142 ، والفتال فی روضة الواعظین / 158 ، وابن جریر فی التأریخ 6 / 241 ، وابن الأثیر فی الکامل 4 / 24 ، والقرمانی فی أخبار الدول / 108 ، والدینوری فی الأخبار الطوال / 354 .
الثانی : إنّهم إثنان وثمانون راجلاً ، نسبه فی الدمعة الساکبة / 327 إلى الروایة وهو المختار .
الثالث : ستو الرابع : ثلاثة وسبعون رجلاً ، ذکره الشریشی فی شرح مقامات الحریری 1 / 193 .
الخامس : خمسة وأربعون فارساً ونحو مئة راجل ذکره ابن عساکر کما فی تهذیب تاریخ الشام 4 / 337 .
السادس : إثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلاً ، ذکره الخوارزمی فی المقتل 2 / 4 .
السابع : واحد وستّون رجلاً ، ذکره المسعودی فی إثبات الوصيّة / 35 ، طبع المطبعة الحیدریة .
الثامن : خمسة وأربعون فارساً ومئة راجل ذکره ابن نما فی مثیر الأحزان / 28 ، وفی اللهوف / 56 : أنّه المروی عن الباقر (علیه السّلام) .
التاسع : إثنان وسبعون رجلاً ، ذکره الشبراوی فی الإتحاف بحبِّ الأشراف / 17 .
العاشر : ما فی مختصر تاریخ دول الإسلام للذهبی 1 / 31 : أنّه (علیه السّلام) سار فی سبعین فارساً من المدینة .
5- فی شرح النّهج لابن أبی الحدید 1 / 81 ، الطبعة المصریة : کانت الکوفة اسباعاً .
6- تاریخ الطبری 6 / 241 .
7- الإرشاد للشیخ المفید ، وتاریخ الطبری 6 / 242 .
8- ابن الاثیر فی الکامل 4 / 25 ، وتاریخ ابن عساکر 4 / 233 ، وذکر الکفعمی فی المصباح / 158 ، طبعة الهند : إنّ النبی (ص) دعا به یوم بدر . واختصره الذهبی فی سیر أعلام النبلاء 3 / 202 .
9- تاریخ الطبری 6 / 242 .
10- زهر الآداب للحصری 1 / 62 ، طبعة دار الکتب العربیة ، سنة 1372 .
11- مقتل محمّد بن أبی طالب الحایری .
12- بالفاء الموحّدة فیهما ، رواه ابن نما فی مثیر الأحزان / 26 ، وهو أصح ممّا یمضی على الألسن ، ویوجد فی بعض المقاتل ( بالقاف ) من الإقرار ؛ لأنّه على هذا تکون الجملة الثانیة غیر مفیدة ، إلاّ ما أفادته التی قبلها بخلافه على قراءة الفرار ، فإنّ الجملة الثانیة تفید أنّه لا یفرّ من الشدة والقتل ، کما یصنعه العبید . وهو معنى غیر ما تؤدی إلیه الجملة التی قبلها ، على أنّه یوجد فی کلام أمیر المؤمنین ما یشهد له ، ففی تاریخ الطبری 6 / 76 الطبعة الاُولى وکامل ابن الأثیر 3 / 148 ، ونهج البلاغة 1 / 104 ، المطبعة الأمیريّة : إنّ أمیر المؤمنین قال فی مصقلة بن هبیرة لمّا فرّ إلى معاویة : ( ما لَه فعل فعل السيّد ، وفرّ فرار العبد ، وخان خیانة الفاجر ؟! ) ، وقصّته على ما ذکرها ابن حزم فی جمهرة أنساب العرب / 164 : إنّ أصحاب الحریث بن راشد من بنی عبد البیت بن الحارث ارتدّوا أیام علی (ع) فحاربهم وقتلهم وسبى نساءهم وأبناءهم ، فابتاعهم مصقلة الشیبانی وأعتقهم ثمّ هرب إلى معاویة ، فأمضى علی (ع) عتقه لهم .
13- تاریخ الطبری 6 / 243 .
14-من قصیدة لآیة الله الحجّة الشیخ محمّد حسین کاشف الغطاء ، ذُکرت بتمامها فی کتابنا ( قمر بن هاشم ) .
ن راجلاً ، ذکره الدمیری فی حیاة الحیوان فی خلافة یزید
التعلیقات
١