خطبة الوسيلة (مكتوبة) - ميثم كاظم
منذ ١٢ سنة٤Kمشاهدهالخطبة الوسيلة
اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ
الحَمْد لله الّذي مَنَع الاوْهام أن تَنال إلا وُجوده وَحَجَب الْعُقول أنْ تَتَخيّل ذاته لامْتِناعها مِنْ الشّبة وَالتّشاكل بَلْ هُو الّذى لا يَتَفاوت في ذاته وَلا يَتَبعّض بتَجْزئة الْعَدد في كَماله، فارَق الاشياء لا عَلى اخْتِلاف الاماكن وَيكون فيها لا عَلى وَجه الْمُمازَجة، وَعَلِمها لا بِأداة، لا يكون الْعِلم إلا بِها وَليْس بَيْنه وَبيْن مَعْلومِه عِلم غَيره به كان عالِما بمَعلومه، إن قيل: كان، فَعَلى تَأويل أزَلِيّة الْوجود وَإن قيل: لَم يَزل، فَعَلى تَأويل نَفي الْعَدَم، فَسُبْحانه وَتعالى عَن قَوْل مَن عَبَدَ سِواه وَاتّخَذَ إلها غَيره عُلوا كَبيرا.
نَحْمَده بِالحَمْد الّذي ارْتَضاه مِنْ خَلْقه وَأوْجَبَ قَبولَه عَلى نَفْسه وَأشْهد أن لا إله إلا الله وَحْدَه لا شَريك لَه وَأشْهَد أن مُحَمّدًا عَبْده وَرَسُوله، شَهادتان تَرْفَعان الْقَول وَتُضاعِفان الْعَمَل، خَفّ ميزان تُرْفعان مِنه وَثقل ميزان تُوضَعان فيه وَبهما الْفَوْز بِالْجَنة وَالنّجاة مِن النّار وَالْجَواز عَلى الصّراط وَبالشّهادة تَدْخلون الجّنَة وَبالصّلاة تَنالون الرّحْمَة، أكثروا مِنْ الصّلاة عَلى نَبِيكم " إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب : 56] " صَلّى الله عَليه وَآله تَسْليما.
أيها النّاس إنه لا شَرف أعْلى مِن الاسْلام وَلا كَرم أعَز مِن التّقْوى وَلا مَعْقل أحرَز مِن الْوَرَع وَلا شَفيع أنْجَع مِن التّوْبة وَلا لِباس أجْمَل مِن الْعافِية وَلا وِقاية أمنع مِن السّلامة وِلا مال أذْهَب بِالفاقَة مِن الرِضى بالْقَناعة وَلا كَنْز أغنى مِن الْقنوع وَمِن أقتصر عَلى بُلْغَة الكَفاف فَقَد انْتَظم الرّاحة وَتبوء خَفض الدّعة وَالرّغْبة مِفْتاح التّعَب وَالاحْتِكار مَطِيّة النّصَب وَالْحَسَد آفة الدّين وَالْحِرْص داع إلى التّقَحم في الذّنوب وَهُو داعي لِلحِرْمان وِ الْبَغْي سائِق إلى الحَيْن وَالشَره جامِع لِمَساوي الْعيوب، رُبّ طَمع خائِب وَأمَل كاذٍب وَرَجاء يُؤدي إلى الْحِرْمان وَتِجارَة تَؤول إلى الْخُسْران، ألا وَمَن تَوَرط في الامور غَير ناظِر في الْعَواقب فَقَد تَعَرض لِمفضحات النّوائِب وَبئسَت الْقِلادَة قِلادَة الذّنْب لِلمُؤمِن.
أيها النّاس إنه لا كَنْز أنْفَع مِن الْعِلم وَلا عِزَّ أرْفَع مِن الْحِلْم، وَلا حَسَب أبْلَغ مِن الادَب وَلا نَصَب أوْضَع مِن الْغَضَب، وَلا جَمال أزْيَن مِن الْعَقْل، وَلا سَوءة أسْوَأ مِن الْكَذِب، وَلا حافِظ أحْفَظ مِن الصّمْت وَلاغائِب أقْرَب مِن الْمَوْت.
أيها النّاس [إنه] مَن نَظَر في عَيْب نَفْسه اشْتَغَل عَنْ عَيْب غَيْره، وَمَن رَضي بِرِزْق الله لَم يَأسَف عَلى ما في يَد غَيْره، وَمَن سَلّ سَيْف الْبَغْي قُتِل بِه، وَمَن حَفَر لاخيه بِئْرا وَقَع فيها، وَمَن هَتَك حِجاب غَيْره انْكَشَفت عَوْرات بَيْته وَمَن نَسِي زلله اسْتَعظم زَلَل غَيْره، وَمَن أعجَب برَأيه ضَلّ، وَمَن اسْتَغنى بِعَقله زَلّ، وَمَن تَكَبر عَلى النّاس ذَلّ وَمَن سَفِه عَلى النّاس شُتِم، وَمَن خالط الانذال حُقِر ، وَمَن حَمل ما لا يطيق عَجز.
أيها النّاس إنه لا مال [هُو] أعود مِن الْعَقْل ، وَلا فَقْر [هُو] أشَدّ مِن الْجَهْل، وَلا واعِظ [هُو] أبلَغ مِن النّصْح، وَلا عَقْل كالتّدْبير، وَلا عِبادَة كالتّفَكر، وَلا مُظاهَرَة أوْثَق مِن المُشاوَرَة، وَلا وَحْشَة أشَدّ مِن العُجْب، وَلا وَرَع كالكَفّ عَنْ الْمَحارم، وَلا حِلْم كالصّبْر وَالصّمْت.
أيها النّاس في الانْسان عَشَر خِصال يُظْهرها لِسانه: شاهِد يُخْبِر عَنْ الضّمير، حاكِم يَفْصِل بَيْن الْخِطاب، وَناطِق يُرَد بِه الْجَواب، وَشافِع تُدْرَك به الْحاجَة، وَواصِف يُعْرَف به الاشياء، وأمير يَأمُر بالحَسَن، وَواعِظ يَنَهى عَنْ الْقَبيح، وَمُعِز تُسَكَن به الاحْزان وَحاضِر تُجْلى به الضَغائِن ، ومُونِق تَلْتَذ به الاسماع.
أيها النّاس إنه لا خَيْر في الصّمْت عَنْ الْحُكم كما أنه لا خَيْر في القَوْل بالْجَهْل.
واعلموا أيها النّاس إنه مَنْ لَم يَمْلك لِسانه يَنْدَم، وَمَنْ لا يَعْلم يَجْهَل، وَمَن لا يَتَحَلم لا يَحْلُم وَمَن لا يَرْتَدع لا يَعْقِل، وَمَن لا يَعْقِل يَهُن، وَمَن يَهُن لا يُوَقَر، وَمَن لايُوَقَر يُتَوَبخ ، وَمَن يَكْتَسِب مالا مِنْ غَيْر حَقِه يَصْرِفه في غير أجْرِه، وَمَن لا يَدَع وَهُو مَحْمود يَدَع وَهُو مَذْموم وَمَنْ لَم يُعط قاعِدا منع قائِما ، وَمَن يَطْلب الْعِزّ بِغَيْر حَقّ يذل، وَمَن يَغْلب بالجور يُغْلَب، وَمَن عاند الْحَق لزِمَه الْوَهْن، وَمَن تَفَقه وُقِر، وَمَن تَكَبر حُقِر، وَمَن لا يُحْسِن لا يُحْمَد.
أيها النّاس إن الْمَنِيَة قبل الدّنية وَالتّجَلّد قَبْل التّبَلد ، وَالْحِساب قَبْل الْعِقاب وَالْقَبْر خَيْر مِنْ الْفَقْر، وَغَضّ الْبَصَر خَيْر مِنْ كَثير مِنْ النّظَر، وَالدّهْر يَوْم لَك وَيوْم عَليك فإذا كان لَك فَلا تَبطر وَإذا كان عَليك فاصْبر فَبِكليهما تمْتَحَن.- وفي نسخة وكلاهما سيَخْتبر.
أيها النّاس أعْجَب ما في الانْسان قَلْبه وَله مَواد مِنْ الْحِكْمَة وَأضْداد مِنْ خِلافها فَإن سَنح لَه الرّجاء أذَله الطّمَع، وَإن هاج بِه الطّمَع أهْلَكه الْحِرْص، وَإن مَلكه اليأْس قَتله الاسَف، وَإن عَرض له الْغَضَب اشْتَدّ به الْغَيْظ، وإن اسعد بالرضى نَسِي التّحَفظ ، وإن نالَه الْخَوْف شَغَله الْحَذَر، وَإن اتّسَع لَه الامن استَلَبته الْعِزّة وَفي نسخة أخَذَته الْعِزّة، وَإن جُدِدَت لَه نِعْمَة أخَذَته الْعِزّة، وَإن أفاد مالاً أطغاه الْغِنى، وَإن عَضّته فاقَة شَغَله الْبَلاء وَفي نسخة جَهده الْبُكاء وَإن أصابَته مُصيبَة فَضَحه الْجَزَع، وَإن أجْهَدَه الْجوع قَعَد به الضُّعْف، وَإن أفْرَط في الشّبْع كَظَته الْبِطْنَة ، فَكل تَقْصير به مُضِر وَكُل إفْراط لَه مُفْسِد.
أيها النّاس إنه مَنْ قَلّ ذَلّ ، وَمَن جاد ساد، وَمَن كَثُر مالَه رَأُس وَمَن كَثُر حِلْمُه نَبِل، وَمَن فَكر في ذات الله تَزَنْدَق ، وَمَن أكثر مِن شَيئ عُرِف بِه وَمَن كَثُر مُزاحه اسْتُخِف بِه، وَمَن كَثُر ضِحْكه ذَهَبت هَيْبَته، فَسَد حَسَب مَنْ لَيْس لَه أدَب، إن أفْضَل الْفِعال صِيانَة الْعِرْض بالمال، لَيْس مَنْ جالَس الْجاهِل بِذي مَعْقول، مَنْ جالس الْجاهِل فَليَسْتَعد لِقيل وَقال، لَنْ يَنْجو مِن الْمَوْت غَني بِماله وَلا فَقير لاقلاله.
أيها النّاس لَوْ أن الْمَوْت يُشْتَرى لاشْتَراه مِنْ أهْل الدّنْيا الْكَريم الابْلَج وَاللّئيم الْمُلَهْوَج.
أيها النّاس إن لِلقلوب شَواهِد تُجْري الانْفس عَن مَدْرَجة أهْل التّفْريط وَفِطْنَة الْفَهْم لِلمَواعِظ مِما يَدْعو النّفْس إلى الْحَذَر مِنْ الْخَطَر، وَلِلقلوب خَواطِر للهَوى، وَالْعُقول تَزْجر وَتنْهى، وَفي التّجارِب عِلْم مُسْتَأنَف، وَالاعْتِبار يَقود إلى الرّشاد، وَكَفاك أدَبا لِنَفْسك (اجْتِناب) ما تَكْرَهه لِغَيْرك، وَعَليك لاخيك الْمُؤمن مِثُل الّذي لَك عَليه، لَقَد خاطَر مَنْ اسْتَغْنى بِرَأيه، وَالتّدَبُّر قَبْل الْعَمَل فَإنه يُؤمِنُك مِنْ النّدَم، وَمَنْ اسْتَقْبل وُجوه الآراء عَرَف مَواقِع الْخَطَأ وَمَنْ أمْسَك عَن الْفُضول عَدَلت رَأيه الْعُقول ، وَمَنْ حَصّن شَهْوَته فَقَد صان قَدره، وَمَنْ أمْسَك لِسانه أمِنَه قَوْمه وَنال حَاجَته، وَفي تَقَلّب الاحْوال عِلْم جَواهِر الرّجال، وَالايام تُوضِح لَك السّرائِر الْكامِنَة، وَلَيْس في الْبَرْق الْخاطِف مُسْتمتع لِمَنْ يَخوض في الظّلمة وَمَنْ عَرُف بِالْحِكْمَة لحظته الْعيون بالْوَقار وَالْهَيْبَة، وأشْرَف الْغِنى تَرْك الْمُنى، وَالصّبْر جُنَة مِنْ الْفاقَة، وَالْحِرْص عَلامَة الْفَقْر، وَالْبُخْل جِلْباب الْمَسْكَنة، وَالْمَوَدّة قَرابَة مُسْتَفادَة، وَوَصول مُعْدِم خَيْر مِنْ جاف مُكْثِر، وَالْمَوْعِظَة كَهْف لِمَن وَعاها، وَمَنْ أطْلَق طَرْفَه كَثُر أسَفُه ، وَقَدْ أوْجَب الدّهْر شُكْرَه عَلى مَنْ نال سُؤله، وَقَل ما ينْصفك اللّسان في نَشْر قَبيح أو إحسان وَمَنْ ضاق خُلْقُه مَلّه أهْلُه، وَمَنْ نال اسْتَطال، وَقل ما تصْدقك الامْنِيّة، وَالتّواضُع يَكْسوك الْمَهابَة، وَفي سَعَة الاخْلاق كُنوز الارْزاق، كَمْ مِنْ عاكِف عَلى ذَنْبه في آخِر أيام عُمْرِه وَمَنْ كَساه الْحَياء ثَوْبَه خَفي عَلى النّاس عَيْبَه، وتَحَرّى الْقَصْد مِنْ الْقَوْل فَإن مَنْ تَحَرّى الْقَصْد خَفّت عَليه الْمؤن وَفي خِلاف النّفْس رُشْدُك، مَنْ عَرَف الايام لَمْ يَغْفَل عَن الاسْتِعْداد، ألا وَإن مَعَ كُل جُرْعَة شَرَقا وَإن في كُل اكْلَة غَصَصا، لا تُنال نِعْمَة إلا بِزَوال اخْرى، وَلِكُل ذي رَمَق قوت، وَلِكُل حَبَة آكِل وَأنْت قوت الْمَوْت.
أعلَمُوا أيها النّاس أنه مَنْ مَشَى عَلى وَجْه الارْض فَإنه يَصير إلى بَطْنِها، وَاللّيْل وَالنّهار يَتَنازَعان (وفي نسخة اخرى) يَتَسارَعان في هَدْم الاعْمار.
يا أيها النّاس كفر النّعْمَة لُؤْم، وَصُحْبَة الْجاهِل شُؤْم، إن مِن الْكَرَم لِين الْكَلام وَمِن الْعِبادَة إظْهار اللّسَان وَإفْشاء السّلام، إياك وَالْخَديعَة فَإنها مِن خُلْق اللّئِيم، لَيْس كل طالِب يصيب وَلا كل غائِب يؤوب، لا تَرْغَب فيمَن زَهَد فيك، رُبّ بَعيد هو أقْرَب من قَريب سلّ عَن الرّفيق قَبّل الطّريق وَعّن الْجار قَبّل الدّار، ألا وَمَن أسْرَع في الْمَسير أدْرَكَه الْمَقيل، اسْتُر عَوْرَة أخِيك كَما تَعلمها فيك، اغْتَفِر زَلّة صَديقِك لِيَوْم يَرْكَبُك عَدُوّك مَن غَضِب عَلى مَن لا يَقْدِر عَلى ضَرِه طال حُزْنُه وَعَذَب نَفْسه، مَن خاف رَبّه كَفَ ظُلْمه (وفي نسخة مَن خَاف رَبّه كفي عَذابه) وَمَن لَم يزغ في كَلامه أظْهَر فَخْره، وَمَن لَم يَعْرِف الْخَيْر مِن الشّر فَهو بمَنْزِلَة الْبَهيمَة، إن مِن الْفَساد إضاعَة الزّاد، ما أصْغَر الْمُصِيبة مَع عِظَم الْفاقَة غَدا، هَيْهات هَيْهات وَما تَناكَرْتُم إلا لِما فِيكم مِن الْمَعاصي وَالذّنوب فَما أقْرَب الرّاحَة مِن التّعَب وَالْبُؤس مِن النّعيم وَما شَرّ بشَرّ بَعْده الْجَنّة وَما خَيْر بخَيْر بَعْده النّار، كُل نَعيم دون الْجَنّة مَحْقور وَكُل بَلاء دون النّار عافِية، وَعِنْد تَصْحيح الضّمائر تَبدو الْكَبائِر، تَصْفِية الْعَمَل أشَدّ مِن الْعَمَل وَتَخْليص النّيَة مِن الْفَساد أشَدّ عَلى الْعامِلين مِن طول الْجِهاد، هَيْهات لَوْلا التُقى لَكُنْت أدْهى الْعَرَب.
أيها النّاس إن الله تَعالى وَعَد نَبيه مُحَمّدا صَلّى الله عَليه وَآله الْوَسيلَة وَوَعَده الْحَق وَلنْ يُخْلف الله وَعْده، ألا وَإن الْوَسيلَة عَلى درج الْجَنّة وَذُرْوَة ذَوائب الزّلْفَة وَنهايَة غايَة الامْنِيّة، لَها ألْف مَرْقاة ما بَيْن الْمَرْقاة إلى الْمَرْقاة حضر الْفرس الْجواد مائَة عام وَهو مابَيْن مَرْقاة دُرّة إلى مَرْقاة جَوْهَرَة، إلى مَرْقاة زَبَرْجَدة إلى مَرْقاة لُؤْلُؤَة، إلى مَرْقاة ياقوته، إلى مَرْقاة زُمُرّدة، إلى مَرْقاة مَرْجانة، إلى مَرْقاة كافور، إلى مَرْقاة عَنْبَر، إلى مَرْقاة يلنجوج ، إلى مَرْقاة ذَهَب، إلى مَرْقاة غَمام، إلى مَرْقاة هَواء، إلى مَرْقاة نُور قَدْ أنافت عَلى كل الْجنان وَرَسُول الله صَلّى الله عَليه وَآله يَوْمَئِذ قاعِد عَليها، مُرْتَد برّيطتين رّيْطة مِن رَحْمَة الله وَرّيْطة مِن نُور الله، عَليه تاج النّبوّة وَإكْلِيل الرّسالَة قَدْ أشْرَق بنُوره الْمَوْقِف وَأنا يَوْمَئِذ عَلى الدّرَجَة الرّفيعَة وَهى دون دَرَجته وَعَلي رّيطتان رّيْطة مِن أرْجُوان النّور وَرّيْطة مِن كافور وَالرّسل وَالانبياء قَدْ وَقفوا عَلى الْمراقي، وَأعلام الازْمِنَة وَحجج الدّهور عَن أيماننا وَقَدْ تَجَلّلَهم حلل النّور وَالْكَرامة، لا يَرانا مَلَك مُقَرّب وَلا نَبِيّ مُرْسَل إلا بُهِت بأنوارنا وَعَجب مِن ضِيائِنا وَجَلالتنا وَعَن يَمين الْوَسيلَة عَن يَمين الرّسُول صَلّى الله عَليه وآله غَمامَة بسطة الْبَصَر يَأتى مِنها النّداء: يا أهْل الْمَوْقِف طُوبى لِمَن أحَبّ الْوَصِىّ وَآمَن بالنَبيّ الامّيّ الْعَرَبيّ وَمَن كَفر فالنّار مَوْعِده وَعَن يَسار الْوَسيلَة عَن يَسار الرّسُول صَلّى الله عَليه وَآله ظُلّة يَأتي مِنها النّداء: يا أهْل الْمَوْقِف طُوبى لِمن أحَبّ الْوَصِيّ وَآمَن بالنَبيّ الامّيّ وَالّذي لَه الْمُلْك الاعْلَى، لا فاز أحَد وَلا نال الروح وَالْجَنّة إلا مَن لَقى خالِقه بالاخْلاص لَهما وَالاقْتِداء بنجومهما، فَأيْقَنوا يا أهْل ولايَة الله ببَياض وجُوهكم وَشَرف مقْعدكم وَكَرم مآبكم وَبفَوْزكم الْيَوْم عَلى سرر مُتَقابِلين وَيا أهْل الانْحِراف وَالصّدود عَن الله عَزّ ذِكْره وَرَسُوله وَصِراطه وَأعلام الازْمِنة أيْقنوا بسَواد وجوهكم وَغَضَب رَبّكم جَزاءًا بما كنتم تَعْملون وَما مِن رَسُول سَلَف وَلا نَبيّ مَضى إلا وَقَدْ كان مُخْبِرا امته بالمُرْسَل الْوارِد مِن بَعده وَمُبَشّرًا برَسُول الله صَلّى الله عَليه وآله وَمُوصيا قَوْمه باتّباعه وَمحليه عِند قَوْمه لِيَعرفوه بصِفَته وَلِيَتبعوه عَلى شَريعَته وَلئلا يَضلوا فيه مِن بَعده فَيكون مَن هَلَك [أ] وَضل بَعد وُقوع الاعذار وَالانْذار عَن بَيّنة وَتَعيين حُجّة، فَكانت الامم في رَجاء مِن الرّسل وَوُرُود مِن الانبياء وَلئن اُصِيبت بفَقْد نَبيّ بَعد نَبىّ عَلى عِظَم مصائِبهم وَفجائِعها بهم فَقْد كانت عَلى سَعة مِن الامَل وَلا مُصِيبة عَظُمت وَلا رَزِيّة جَلّت كَالمُصِيبة برَسُول الله صَلّى الله عَليه وَآله لان الله خَتَم به الانْذار وَ الاعذار وَقَطَع به الاحْتِجاج وَالْعُذْر بَينه وَبين خَلْقه وَجَعله بابه الّذي بَينه وَبين عِباده وَمُهَيْمنه الّذي لا يقْبل إلا به وَلا قُرْبة إليه إلا بطاعته، وَقال: في مُحْكَم كتابه: " مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً [النساء : 80] " فَقَرَن طاعته بطاعته وَمَعْصِيته بمَعْصِيته فَكان ذلك دَليلا عَلى ما فَوّض إليه وَشاهِدا له عَلى مَن اتّبَعه وَعَصاه وَبيّن ذلك في غَيْر مَوْضِع مِن الْكِتاب الْعَظيم فَقال تَبارك وَتعالى في التّحْريض عَلى اتّباعه وَالتّرْغيب في تَصْديقه وَالْقَبول لِدَعوته: " قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران : 31] " فاتّباعه صَلّى الله عَليه وَآله مَحَبّة الله وَرِضاه غُفْران الذّنوب وَكمال الْفَوْز وَوُجوب الْجنّة وَفى التّولي عَنه وَالاعْراض محادة الله وَغَضبه وَسَخطه وَالْبُعْد مِنه مسْكن النّار و ذلك قوله: " وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ [هود : 17] " يَعني الْجُحود به وَالْعِصْيان لَه فإن الله تَبارك اسْمه امْتَحَن بي عِباده وَقتل بيَدي أضْداده وَأفْنى بسَيْفي جحاده وَ جَعَلني زُلْفَة لِلمُؤمٍنين وَحِياض مَوْت عَلى الْجَبارين وَسَيْفه عَلى الْمُجْرِمين وَشَدّ بي أزْر رَسُوله وَأكْرَمنى بنَصْره وَشَرّفني بعِلْمه وَحَباني بأحْكامه واخْتَصني بوَصِيّته واصْطَفاني بخِلافته في امّته فَقال صَلّى الله عَليه وَآله وَقَدْ حَشده الْمُهاجِرون وَالاْنصار وَانغصت بهم الْمَحافل: أيها النّاس إن عليا مِني كَهارون مِن موسى إلا أنه لا نَبيّ بَعدي، فَعَقَل الْمُؤمِنون عَن الله نطق الرّسُول إذ عَرَفوني أني لَست بأخيه لابيه وَامه كَما كان هارون أخا موسى لابيه وَامه وَلا كنت نَبيّا فاقتضى نُبوّة وَلكن كان ذلك مِنه اسْتخلافا لي كَما اسْتخلف موسى هارون (ع) حَيْث يَقول: " اخْلفني في قَوْمي وَأصْلح وَلا تّتبع سَبيل الْمُفْسِدين " وَقَوله صَلّى الله عَليه وَآله حين تَكَلمت طائِفة فَقالت: " نَحْن موالي رَسُول الله صَلّى الله عَليه وَآله فَخَرج رَسُول الله صَلّى الله عَليه وَآله إلى حَجّة الْوَداع ثُمّ صار إلى غَدير خم فَأمر فَأصْلَح لَه شِبْه الْمِنْبَر ثُمّ عَلاه وَأخَذ بعَضْدي حَتى رئي بَياض إبطيه رافِعا صَوْته قائِلا في مَحْفِله " مَن كُنت مَوْلاه فَعَلي مَوْلاه اللّهُم وآل مَن والاه وَ عاد مَن عاداه " فَكانت عَلى وِلايَتي وِلايَة الله وَعَلى عَداوتي عَداوة الله.
وَأنْزَل الله عَزّ وَجَلّ في ذَلك الْيَوْم " ا الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً [المائدة : 3] " فَكانت وِلايَتي كَمال الدّين وَرِضا الرّب جَلّ ذِكْره وَأنْزَل الله تَبارَك وَتعالى اخْتِصاصا لِي وَتكرّما نَحَلنيه وَإعْظاما وَتفْضيلا مِن رَسُول الله صَلّى الله عَليه وَآله مَنَحنيه وَهو قَوله تَعالى: " ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ [الأنعام : 62] " في مَناقِب لَو ذَكَرتها لَعَظم بها الارْتِفاع فَطال لَها الاسْتِماع وَلئِن تَقَمّصها دوني الاشْقيان وَنازَعاني فيما لَيس لَهما بحَقّ وَرَكباها ضَلالَة وَاعْتَقداها جَهالَه فَلبئِس ما عَليه وَرَدا وَلبئِس ما لانْفسهما مَهّدا، يَتلاعَنان في دَوْرهما وَيتَبرّأ كل واحِد منهما مِن صاحِبه يَقول لِقَرينه إذا إلتَقَيا: ياليت بَيني وَبينك بُعْد الْمَشْرِقين فَبئِس الْقَرين، فَيُجيبة الاشْقى عَلى رثوثة: يا لَيْتني لَم أتّخذك خَليلا، لَقد اضللتَني عَن الذِكْر بَعد إذ جاءني وَكان الشّيْطان للانْسان خَذولا، فَأنا الذِكْر الّذي عَنه ضَلّ وَالسّبيل الّذي عَنه مال وَالايمان الّذي به كَفَر وَالْقُرآن الّذي إياه هَجَر وَالدّين الّذي به كَذب وَالصّراط الّذي عَنه نكب، وَلئِن رَتعا في الْحُطام الْمُنْصَرِم وَالْغرور الْمُنْقَطِع وَكانا مِنه عَلى شَفَا حُفْرة مِن النّار لهما عَلى شَرّ وُرُود، في أخيب وُفود وَألعن مورود، يَتصارَخان باللعْنة وَيتناعَقان بالحَسْرة ، مالهما مِن راحَة وَلا عَن عَذابهما مِن مَنْدوحة، إن الْقَوْم لَم يَزالوا عباد أصْنام وَسدنة أوْثان، يقيمون لَها الْمَناسِك وَ ينصبون لَها الْعتائر وَيتخِذون لَها الْقُرْبان وَيجْعلون لَها الْبُحَيْرة وَالْوَصيلَة وَالسّائِبة وَالْحام وَيسْتَقسمون بالازلام عامهين عَن الله عَزّ ذِكْره حائِرين عَن الرّشاد، مُهْطِعين إلى الْبعاد ، وَقَدْ اسْتَحْوذ عَليهم الشّيْطان، وَغَمرتهم سَوْداء الْجاهِلية وَرَضعوها جَهالَة وَانْفَطموها ضَلالة فَأخْرَجنا الله إليهم رَحْمَة وَأطلعنا عَليهم رَأفة وَاسفر بنا عَن الْحجب نُورا لِمن اقْتَبسه وَفَضْلا لِمن اتّبَعه وَتأييدا لِمن صَدقه، فَتَبوؤوا الْعِزّ بَعد الذّلة وَالْكَثرة بَعد الْقِلة وَهابَتهم الْقُلوب وَالابصار وَأذْعَنت لَهم الْجَبابرة وَطَوائِفها وَصاروا أهْل نِعْمة مَذْكورة وَكَرامة مَيْسورة وَأمن بَعد خَوْف وَجَمْع بَعد كوف وَأضاءت بِنا مفاخِر معد بن عدنان وَأوْلَجناهم باب الْهُدى وَأدْخَلناهم دار السّلام وَأشْمَلناهم ثَوْب الايمان وَفَلَجوا بنا في الْعالَمين وَابْدَت لَهم أيّام الرّسُول آثار الصّالِحين مِن حام مُجاهِد وَمُصل قانِت وَمُعْتَكِف زاهِد، يُظْهِرون الامانَة وَيأتون الْمَثابَة حَتى إذا دَعا الله عَزّ وجَلّ نَبيه صَلّى الله عَليه وَآله وَرَفعه إليه لَم يك ذلك بَعده إلا كَلَمحة مِن خَفْقة أو وَميض مِن بَرْقَة إلى أن رَجَعوا عَلى الاعْقاب وَانْتَكصوا عَلى الادْبار وَطلبوا بالاوْتار وَأظْهَروا الْكَتائِب وَرَدموا الْباب وَفَلّوا الدّيار وَغَيّروا آثار رَسُول الله صَلّى الله عَليه وَآله وَرغِبوا عَن أحْكامه وَبعدوا مِن أنواره وَاسْتَبدلوا بسمتخلفه بَديلا اتْخَذوه وَكانوا ظالِمين وَزَعَموا أن مَن اخْتاروا مِن آل أبي قحافة أولى بمَقام رَسُول الله صَلّى الله عَليه وَآله مِمَن اخْتار رَسُول الله صَلّى الله عَليه وَآله لِمَقامه وَأن مُهاجِر آل أبي قحافة خَيْر مِن الْمُهاجِري الانصاري الرّبانيّ ناموس هاشِم بن عَبد مُناف، ألا وإن أوّل شَهادة زور وَقعت في الاسْلام شَهادَتهم أن صاحِبهم مُسْتخلف رَسُول الله صَلّى الله عَليه وَآله، فَلما كَان مِن أمر سعد بن عبادة ما كان رَجعوا عَن ذلك وَقالوا: إن رَسُول الله صَلّى الله عَليه وَآله مَضى وَلم يَسْتَخلف فَكان رَسُول الله صَلّى الله عَليه وَآله الْطَيِب الْمُبارَك أوّل مَشْهود عَليه بالزّور في الاسْلام وَعَن قَليل يَجِدون غِبّ ما أسّسَه الاوّلون وَلئِن كانوا في مَنْدوحَة مِن الْمُهْل وَشِفاء مِن الاجل وَسَعة مِن الْمُنقَلب وَاسْتِدْراج مِن الْغُرور وَسُكون مِن الْحال وَإدْراك مِن الامَل فَقَدْ أمْهَل الله عَزّ وَ جَلّ شداد بن عاد وَثمود بن عبود وَبلعم بن باعور وَأسْبَغ عَليهم نِعْمه ظاهِرة وَباطِنَة وَأمَدّهم بالامْوال وَالاعْمار وَأتتهم الارْض ببَركاتها لِيذكروا آلاء الله وَلِيعرفوا الاهابَة لَه وَالانابَة إليه وَلِينتهوا عَن الاسْتِكبار فَما بَلَغوا الْمُدّة وَاسْتَتموا الاكلة أخَذَهم الله عَزّ وَجَلّ وَاصْطَلَمهم فَمِنهم مَن حَصب وَمِنهم مَن أخَذَته الصّيحة وَمِنهم مَن أحْرَقته الظّلة وَمِنهم مَن أودته الرّجْفَة وَمِنهم مَن أردته الْخَسْفة " و وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [العنكبوت : 40] " ألا وَإن لِكل كِتابا فَإذا بِلِغ الْكِتاب أجَله لَو كُشِف لَك عَما هوى إليه الظّالِمون وَآل إليه الاخْسَرون لَهَربت إلى الله عَزّ وَجَلّ مِما هُم عَليه مُقيمون وَإليه صائِرون، ألا وَإني فيكم أيّها النّاس كَهارون في آل فِرْعَون وَكَباب حِطّة في بَني إسْرائِيل وَكَسَفينَة نوح في قَوْم نوح، إني النّبَأ الْعَظيم وَالصّديق الاكْبَر وَعَن قَليل سَتَعْلَمون ما توعَدون وَهَل هي إلا كَلعْقَة الآكْل وَمَذْقَة الشّارِب وَخَفْقَة الْوسنان، ثُمّ تلزمهم الْمَعرات خِزْيا في الدّنْيا وَيوْم الْقِيامَة يُرَدّون إلى أشَدّ الْعَذاب وَما الله بغافِل عَمّا يَعْمَلون فَما جَزاء مَن تنكب مَحَجّته؟ وَأنكَر حجّته، وَخالَف هُداته وَحاد عَن نُوره وَاقْتَحم في ظُلمه وَاسْتَبدل بالماء السّراب وَبالنّعيم الْعَذاب وَبالْفَوْز الشّقاء وَبالسّراء الضّراء وَبالسّعة الضّنك، إلا جَزاء اقْتَرفه وَسُوء خِلافه فَليوقِنوا بالْوَعْد عَلى حَقيقته وَلِيستيقِنوا بما يُوعَدون، " يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ [42] إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ [43] يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ [44]نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ [45] [ سورة قـ ] ".
التعلیقات