خطبة فاطمة الصغرى عليها السلام (مكتوبة) - الشيخ عبد الرضا المعاش
منذ ١٢ سنة٥٥١مشاهدهخطبة فاطمة الصغرى (ع)
اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ
الحمد لله عدد الرمل والحصى، وزنة العرش إلى الثرى، أحمده وأومن به، وأتوكّل عليه، وأشهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله (صلى الله عليه وآله)، وأنّ أولاده ذبحوا بشط الفرات بغير ذحل ولا ترات.
اللهم إنّي أعوذ بك أن أفتري عليك الكذب، أو أن أقول عليك خلاف ما أنزلت عليه، من أخذ العهود لوصية علي بن أبي طالب (عليه السلام)، المسلوب حقّه، المقتول من غير ذنب، كما قتل ولده بالأمس في بيت[1] من بيوت الله، فيه معشر مسلمة بألسنتهم، تعساً لرؤسهم، ما دفعت عنه ضيماً في حياته، ولا عند مماته، حتىّ قبضته إليك، محمود النقيبة[2]، طيّب العريكة[3]، معروف المناقب، مشهور المذاهب، لم تأخذه اللهم فيك لومة لائم، ولا عذل عاذل، هديته اللهم للإسلام صغيراً، وحمدت مناقبه كبيراً، ولم يزل ناصحاً لك ولرسولك، حتّى قبضته إليك، زاهداً في الدنيا غير حريص عليها، راغباً في الآخرة، مجاهداً لك في سبيلك، رضيته فاخترته فهديته إلى صراط مستقيم.
أمّا بعد، يا أهل الكوفة، يا أهل المكر والغدر والخيلاء، فإنّا أهل بيت ابتلانا الله بكم، وابتلاكم بنا، فجعل بلاءنا حسناً، وجعل علمه عندنا، وفهمه لدينا، فنحن عيبة علمه، ووعاء فهمه وحكمته، وحجّته على الأرض في بلاده لعباده، أكرمنا الله بكرامته، وفضّلنا بنبيّه محمّد (صلى الله عليه وآله) على كثير ممّن خلق تفضيلاً بينا، فكذّبتمونا وكفّرتمونا، ورأيتم قتالنا حلالاً، وأموالنا نهباً، كأننا أولاد ترك وكابل، كما قتلتم جدّنا بالأمس، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت، لحقد متقدّم قرّت لذلك عيونكم، وفرحت قلوبكم، افتراء على الله، ومكراً مكرتم، والله خير الماكرين.
فلا تدعونّكم أنفسكم إلى الجذل، بما أصبتم من دمائنا، ونالت أيديكم من أموالنا، فإنّ ما أصابنا من المصائب الجليلة، والرزايا العظيمة، في كتاب من قبل أن نبرأها، إنّ ذلك على الله يسير، لكيلا تأسوا على ما فاتكم، ولا تفرحوا بما آتاكم، والله لا يحبّ كلّ مختال فخور.
تباً لكم، فانتظروا اللعنة والعذاب، فكان قد حل بكم، وتواترت من السماء نقمات، فيسحتكم[4] بعذاب، ويذيق بعضكم بأس بعض، ثمّ تخلدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا، ألا لعنة الله على الظالمين.
ويلكم أتدرون أيّة يد طاغتنا منكم، وأيّة نفس نزعت إلى قتالنا، أم بأيّة رجل مشيتم إلينا، تبغون محاربتنا، والله قست قلوبكم، وغلظت أكبادكم، وطبع على أفئدتكم، وختم على سمعكم وبصركم، وسوّل لكم الشيطان، وأملى لكم، وجعل على بصركم غشاوة، فأنتم لا تهتدون.
فتباً لكم يا أهل الكوفة، أيّ ترات لرسول الله (صلى الله عليه وآله) قبلكم، ودخول له لديكم بما عندتم، بأخيه علي بن أبي طالبجدّي، وبنيه وعترته الطيّبين الأخيار، فافتخر بذلك مفتخر، وقال:
نحن قتلنا علياً وبني علي* بسيوف هندية ورماح
وسبينا نساءهم سبى ترك* ونطحناهم فأيّ نطاح
بفيك أيّها القائل الكثكث والأثلب[5]، افتخرت بقتل قوم زكّاهم الله، وطهّرهم الله، وأذهب عنهم الرجس، فأكظم[6] وأقع[7] كما أقعى أبوك، فإنّما لكلّ امرئ ما كسب، وما قدّمت يداه.
أحسدتمونا، ويلاً لكم على ما فضّلنا الله، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور.
قال الراوي: فارتفعت الأصوات بالبكاء والنحيب، وقالوا: حسبك يا ابنة الطيّبين، فقد أحرقت قلوبنا، وأنضجت نحورنا، وأضرمت أجوافنا، فسكتت (عليها السلام).
التعلیقات