ينبغي لنا أن نذكر شيئا من شروط قيام الساعة ليكون الناظر فيها على حذر و ليعد لها أيضا ما يصلح أن يكون زادا فقلت و على اللّه اعتمدت.
قال صاحب كتاب الجمان في مختصر أخبار الزمان ما نصه و لنختم إن شاء اللّه هذاالتأليف المختصر بالعلامات التي تكون بين يدي الساعة إلى انقراض الدنيا و اعلم انهلا خلاف بين أهل العلم أن مبعثه صلى اللّه عليه و سلم من علاماتها الكبرى لقولهتعالى و خاتم النبيين ثم انشقاق القمر من علاماتها الكبرى و أما الصغرى فكثير ذكرهاصلى اللّه عليه و سلم في أحاديث1كثيرة مختلفة.
و أما العلامات الكبرى فثمانية قال اللّه تعالى فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهمبغتة فقد جاء أشراطها فبعث النبي صلى اللّه عليه و سلم و انشقاق القمر و نحن ننتظرالستة و هي الدجال و نزول عيسى و خروج يأجوج و مأجوج و طلوع الشمس منمغربها و خروج الدابة و الزلزلة و الدخان.
و أما الصغرى فقد قال صلى اللّه عليه و سلم إذا غاب الحق و ظهر الباطل و صارالمعروف منكرا و المنكر معروفا و ظهرت البدع و استبيحت الفواحش و أكل الرباو خرج النساء متبرجات و حبست الزكاة و قلت الصدقات و أهين العلماء و أكرمالشعراء فحينئذ تحبس السماء مطرها و تحبس الأرض عطرها و ترفع البركات و تقلالأرزاق و لا تنال المعيشة إلا بالشبه فيأتي زمان يكون فيه قوم يصلون و يقرؤون القرآنو يتمردون على الرحمان لا تجاوز قراءتهم حناجرهم أقوالهم أحلى من العسل و أفعالهمانتن من رائحة البصل قلوبهم مسودة و سرائرهم خبيثة يكون فيهم عمال ظلمة و شهديشهدون الزور و حكام يشربون الخمر و يجلدون عليها و يأتون الفواحش و يحدونعليها يأمرون الناس بالبر و ينسون أنفسهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم منالرمية الغش فاكهتهم و الغيبة مجالستهم يرفعون في المساجد بحديث الدنيا أصواتهمقوم لا يرحم غنيهم فقيرهم و لا يوقر صغيرهم كبيرهم يشيدون البناء1يكونفيه الأمير كالأسد و القاضي كالذئب و التاجر كالثعلب و الفاسق كالكلب و المؤمنكالشاة ثم بكى صلى اللّه عليه و سلم و قال يا لها من شاة بين أسد و ذئب و ثعلب و كلبعندها يتوقى الناس2بهم الأرض و يوقع اللّه الفتنة بين الخلق فيقتل بعضهمبعضا و يسبي بعضهم بعضا فينتقم اللّه من الكل و هو دليل انقراض الدنيا.
ثم قال صلى اللّه عليه و سلم زمان لا تتم فيه تجارة الرجل و لا تنجح حوائجه إلابالإيمان الكاذبة و أولئك هم الخاسرون الذين خسروا أنفسهم و أهليهم يوم القيامة ثمقال صلى اللّه عليه و سلم يا أبا هريرة إذا رأيت الناس يوم عيدهم في زيهم فحدثنفسك بأن ذلك كله خرقة تبلى و لحم يأكله الدود يا أبا هريرة لو لا أن اللّه خلق الموتو كتبه على العباد لادّعت الناس كلهم الربوبية و لو لا جهنم ما سجد للّه ساجد و قالصلى اللّه عليه و سلم يذهب الصالحون الأول فالأول و تبقى حثالة كحثالة التمرو الشعير لا يبالي اللّه بهم في أي واد من العذاب أهلكهم.
و عن ابن عباس رضي اللّه عنه قال لما حج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حجةالوداع مسك بيده حلقة الكعبة و هزها و بكى بكاء شديدا فقال له أبو بكر الصديقرضي اللّه عنه مم بكاؤك يا رسول اللّه فقال و كيف لا أبكي و هذه آخر حجة لي و قدأبكاني فراق الكعبة و توديع المسلمين يا أبا بكر ليبلغ الحاضر منكم الغائب عني إنمثلكم كمثل ورق بلا شوك إلى سبعمائة سنة ثم تكون أمتي ورقا و شوكا إلى تمام مائةسنة ثم تكون أمتي شوكا بلا ورق أن تركتهم لم يتركوك و إن فررت منهم جذبوك لاترى فيهم إلا سلطانا جائرا و غنيا بخيلا أو عالما راغبا في الدنيا أو عابدا مرائيا أو فقيراكذابا أو تاجرا فاجرا أو صانعا خائنا أو شيخا غافلا أو شابا فصيحا أو امرأة لا حياءلها.
قال عكاشة صف لنا ذلك الزمان يا رسول اللّه فقال زمان يكون فيه المؤمن ذليلاو الفاجر عزيزا تركب فيه الفروج السروج و تأكل الأم من فرج ابنتها فإذا شاعتالمنكرات و قلت الطاعات أرسل اللّه القحط على الأرض ثلاث سنين يزرع الناس و لايحصلون شيئا فيخرج الدجال و له شراب و طعام يفتن به الناس يغرس بيمينه و يجنيبيساره و تضرب البقرة و تلد في يومها فيفتن الناس فينهض إليه أهل التوحيد.
و يحاربونه و يسألون النصر من اللّه تعالى فينزل عليهم عيسى ابن مريم عليه السلامو أهل التوحيد قد اجتمعوا على الإمام المهدي فيقتل عيسى عليه السلام الدجالو تنهزم جنوده و المؤمنون خلفهم فلا يختفي كافر خلف حجر و لا خلف شجر إلا ناداهذلك يا ولي اللّه تعلم فإن خلفي عدو اللّه إلا شجر الغرقد فإنه يكتم عليهم و هي شجرةالعوسج و عيسى عليه السلام في ذلك اليوم على فرس كميت أصهب طويل و الدجالعلى حمارة كأنها الكلب إذا لهث لهثت اجراؤها في بطنها تضع رجلها مد بصرهاو الإمام المهدي رجل شريف عالم ناسك صالح إذا ظهرتا العلامات يبايعه الناس رغماعلى أنفه و هو كاره و علامته كسوف القمر ثلاث ليال في شهر واحد و لم يشاهد ذلكقط يكسف ليلة ثلاثة عشر و ليلة أربعة عشر و ليلة خمسة عشر فيبايعه الناس و يخرجونلقتال الدجال و ينزل عيسى فيقتله على باب بيت المقدس بالشام و مع المهدي يومئذألف مقاتل من المؤمنين فإذا انهزم الكفار أخذ الفاطمي أموالهم و يخرج إلى رومةفيفتحها في أيام ابن مريم عليه السلام و هي أربعون سنة اليوم فيها كالساعة و الشهريوم و السنة شهر لا يعدو في أيامه شيء على شيء.
و قال وهب بن منبه و علامة خروج الدجال تهب ريح كأنها ريح عاد و صفتهرجل طويل عريض الوجه مطموس اليمنى مكتوب بين عينيه كافر باللّه يخرج من قريةبالمشرق يقال لها سرادين1يطوف الأرض شرقا و غربا كلمح البصر يخرج إليه الخضرعليه السلام من مدينة يثرب يقول له إلى أين يا ملعون يا كذاب يا ساحر فيقتل الخضرو يقسمه على نصفين ثم يحييه ثم يقتله و لم يستطع أن يحييه ثم يأتي المدينة فترميه الملائكةبالنيران فيفر إلى بيت المقدس فترميه الملائكة بالنيران فيخرج لناحية الشام فيلقاهعيسى عليه السلام فيقتله و يرفع اللّه البلاء عن أهل الأرض.
قيل يا رسول اللّه المسلمون في زمانه يعبدون اللّه قال يصومون و يصلون و هم فيغاية الهم و الغم فإذا قتل الدجال أرسل اله على المشركين ريحا عقيمة تقتلهم و لا تضرأهل الإيمان و ينزل اللّه مع عيسى تسعين ألفا من الملائكة و على رأس عيسى يومئذعمامة خضراء و في يده حربة و قد تقلد سيفين و هو يقول جاء الحق و زهق الباطل يأمنزمانه جميع الخلق و ترعى الغنم و الذئاب و تلعب الغلمان بالحيات و تحج المرأة وحدهامن أقصى الأرض و يظهر اللّه تعالى للخلق كنوز الأرض فلا يبقى فقير على وجههاو الإمام المهدي مع عيسى يومئذ يقيمان دين اللّه و يتبعان سنة رسوله صلى اللّه عليهو سلم فبينما الناس في تلك النعمة الشاملة إذا يأجوج و مأجوج قد خرجوا علىالأرض حتى لا يجد الطائر موضعا خاليا يلقي فيه أفراخه فيأتون بيت المقدسو يرمونه بالسهام فيقاتلهم عيسى عليه السلام و الإمام المهدي في بيت المقدس و هميرمون المؤمنين حتى تعمل سهامهم الظل على الخلائق فيدعو عليهم عيسى عليهالسلام و يؤمن المهدي و من معهما من المسلمين فيرسل اللّه عليهم ريحا عاصفة تهلكهمفإذا ماتوا انتشر الناس و تكمل الأربعون التي لعيسى عليه السلام في الأرض فإذا أراداللّه قبض روح عيسى عليه السلام أرسل اللّه ملك الموت في صفة شاب حسن الوجهطيب الرائحة فيقول له عيسى عليه السلام من أنت أيها الشاب فيقول عبد اللّه تعالىأردت أن أسيح معك في الأرض فيخرج عيسى عليه السلام و ملك الموت إلى المدينةمن بيت المقدس و معهما الإمام المهدي فيأتون المدينة و يصلون في مسجد رسول اللّهصلى اللّه عليه و سلم ثم يقول ملك الموت يا روح اللّه أحي لنا بعض الموتى فأني رأيتكفي بني إسرائيل تحيى الموتى بأذن اللّه تعالى لنسألهم فيقول عيسى أو كنت أنت في بنيإسرائيل فيقول نعم و رأيت آباك آدم و إدريس و نوحا و هودا و إبراهيم و موسىو سليمان و جميع بني آدم فيقول له من أنت يا هذا الذي رأيت جميع بني آدم فيقول له أنأحييت لنا بعض الأموات أعلمتك من أنا فيناديهم يا أهل القبور قوموا بأذن اللّهفتنشق الأرض و يخرج ثلاثة أناس وجه أحدهم كالقمر ليلة كماله و الثاني كلونالزعفران و الثالث كالنار فيسألهم عيسى من أنتم و ما حالكم فيقول الأول يا روح اللّهكنت في الدنيا فقيرا صابرا و لربي في كل حال شاكرا،فلما مت وجدت عند اللّه الغنىالاكفى و نسيت الدنيا و كربها فطوبى للمتقين،و ويل للمتكبرين،1و يقولالثالث يا روح اللّه كنت في الدنيا من أهل الكفر و العصيان ملكتني الغفلة عن الموتو انستني شقوتي ذكر اللّه تعالى فها أنا اليوم لا الاقالة أجدها و لا العقوبة أفارقها فيقولعيسى عليه السلام عودوا إلى قبروكم اللّه أعلم فيسقطون موتى كما كانوا أول مرةو تبتلعهم قبورهم ثم يأتي عيسى عليه السلام و ملك الموت إلى الروضة الخضراء عندقبر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيسلمان على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلمو يسألان اللّه من فضله ثم يقول ملك الموت لعيسى عليه السلام يا روح اللّه إنماأطلعتك على هؤلاء الموتى لتعلم أن الموت لا ينجو منه مخلوق حي أبدا و لو نجا منهأحدا لنجا منه صاحب هذا القبر يعني رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثم يغيب ملكالموت فيأتي بمشمة من الجنة في أسرع من طرفة العين رائحتها تسل الأرواح و تطيرنحو باريها فإذا رآها عيسى في يده أعجبته بحيث لا يملك نفسه عنها فيقول له ملكالموت يا روح اللّه أنا ملك الموت و هذه المشمة أمرني اللّه أن اقبض روحك بها فيأخذهاعيسى و يشمها و هو يعلم أن الموت فيها لكنه لا يقدر أن يمنع نفسه فإذا شمها سقطميتا للأرض فيغسل عيسى عليه السلام و يدفن في الموضع الذي خلف أبي بكرالصديق و عمر رضي اللّه عنهما مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في القبة الخضراءفإذا فرغوا من دفن عيسى عليه السلام و خرجوا من عنده و جدوا رائحة تلك المشمةقد انتشرت في الأرض و سارت بها الرياح في جميع الأرض رائحتها كأطيب ما يكونمن المسك الاذفر فلا يشمها مؤمن على وجه الأرض إلا اقتلعت عروق قلبه فمنهم من يموت من ساعته و منهم من يومه و منهم من بعد أيام قليلة و لا يجد تلك الرائحةكافر و لا منافق و لا عاص فإذا مات الأخيار و بقي الأشرار ارتفع القرآن و صارتالخلائق يموج بعضها في بعض كالبهائم لا يعرفون معروفا و لا ينكرون منكرا فيأمراللّه الشمس أن تطلع من مغربها و يأمر اسرافيل ليلة الجمعة بالنفخ في الصور و هو تمامالدنيا و الملك و الدوام و البقاء للّه الواحد القهار.
و في حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا تقوم الساعة حتى يغزو سبعونألفا من بني إسحاق مدينة جانب منها في البر و جانب منها في البحر قال ابن جزي1في كتاب تنافس الحكمة له هي القسطنطينة و بنو إسحاق هم بنو العيص بن إسحاقولد لإسحاق ولدان يعقوب و اليعص فالعيص هو الأصفر ذريته هم الروم و سموابني الأصفر لصفرة كانت في وجه العيص و من ظن الروم هم النصارى فقد غلط و إنماالروم الترك الذين أخبر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بإسلامهم فكان يقول اتركواالترك ما تركوكم فإن الساعة لا تقوم إلا و أن أكثر الناس الروم.
ثم قال الإمام بن جزي في قوله تعالى : ( الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ ) أي فيبيت المقدس و الشام و كان ذلك في خلافة عمر رضي اللّه عنه و قوله تعالى : ( فِي بِضْعِ سِنِينَ ) أي بضع العشرات و هو سبعون أسبوعا و هي ثلاثمائة و خمسون سنة2فلماانقضت غلب الروم المسلمين و انتزعوا من أيدي المسلمين أكثر ثغور الشام و قواعدهاثم اتتهم الأغزاز من بلاد المشرق من بلاد فارس فأخرجوهم من جميع الثغورو افتتحوا جل بلاد أرمينية و تمت مدة الروم من بلاد الشام سنة تسع و أربعمائة و هوقوله تعالى : ( وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّـهِ ).
و قال صلى اللّه عليه و سلم لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود إذا اتبعواالدجال فيقتلهم المسلمون مع عيسى عليه السلام يقتلهم على آخرهم و ذلك أن اليهودليس لهم رجعة عن دينهم لأن اللّه تعالى قد غضب عليهم فلا ترجى لهم رحمة أبدابدليل قوله تعالى : ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ) إلى قوله : ( نَصَارَىٰ ) و قال تعالى : ( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ) فالمغضوب عليهم اليهود و الضالون النصارى فالضال ترجى هدايته و المغضوبعليه ميئوس منه.
و قال صلى اللّه عليه و سلم يخرج الدجال في أمتي يمكث فيهم أربعين يوما فيتبعهمن يهود أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة و الدجال أجلى الجبهة ممسوح العينعريض المنخر يقول للناس أنا ربكم الأعلى و الرب سبحانه ليس بأعور ثم يرسل اللّهريحا من قبل الشام تقبض كل من في قلبه مثقال ذرة من الإيمان و يبقى أشرار الخلق لايعرفون معروفا و لا ينكرون منكرا فيأمرهم الشيطان بعبادة الأوثان حتى لا يبقى علىالأرض مؤمن فيأمر اللّه اسرافيل فينفخ في الصور[نفخة الصعق فيموت كل مخلوققال تعالى ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّـهُ ) ثم ينفخ نفخة]1البعث فإذا هم قياما ينظرون فيأمر اللّه مناديا ينادي أيها الناس هلمواإلى ربكم فيجمع الخلق كلهم في صعيد واحد ثم يقول أخرجوا ابعث النار فيخرج منكل ألف تسعمائة و تسعة و تسعون و ذلك قوله تعالى ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ).
ضمن كتاب الرحله الورثيلانيه الموسومه بنزهه الانظار في فضل علم التاريخ و الاخبار 2