كيف أنّ القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف لم يقبل الجزية من أهل الكتاب؟

مسألة سابعة :

قالوا : إذا حصل الإجماع على أنّ لا نبيّ بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ وسلم ، وأنتم قد زعمتم أنّ القائم إذا قام لم يقبل الجزية من أهل الكتاب ، وأنّه يقتل من بلغ العشرين ولم يتفقّه في الدين ، ويأمر بهدم المساجد والمشاهد ، وأنّه يحكم بحكم داود عليه‌السلام لا يسأل عن بيّنة ، وأشباه ذلك ممّا ورد في آثاركم ، وهذا يكون نسخا للشريعة ، وإبطالا لأحكامها ، فقد أثبتّم معنى النبوّة وإن لم تتلفّظوا باسمها ، فما جوابكم عنها؟

الجواب :

أنّا لا نعرف ما تضمّنه السؤال من أنّه عليه‌السلام لا يقبل الجزية من أهل الكتاب ، وأنّه يقتل من بلغ العشرين ولم يتفقّه في الدين ، فإن كان ورد بذلك خبر فهو غير مقطوع به.

وأمّا هدم المساجد والمشاهد فقد يجوز أن يختصّ بهدم ما بني من ذلك على غير تقوى الله تعالى ، وعلى خلاف ما أمر الله سبحانه به ، وهذا مشروع قد فعله النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وأمّا ما روي من أنّه عليه‌السلام يحكم بحكم داود لا يسأل عن بيّنة فهذا أيضا غير مقطوع به ، وإن صحّ فتأويله : أنّه يحكم بعلمه فيما يعلمه ، وإذا علم الإمام أو الحاكم أمرا من الامور فعليه أن يحكم بعلمه ولا يسأل البيّنة ، وليس في هذا نسخ للشريعة.

على أنّ هذا الذي ذكروه من ترك قبول الجزية واستماع البيّنة ، لو صحّ لم يكن ذلك نسخا للشريعة ، لأنّ النسخ هو ما تأخّر دليله عن الحكم المنسوخ ولم يكن مصاحبا له ، فأمّا إذا اصطحب الدليلان فلا يكون أحدهما ناسخا لصاحبه وإن كان يخالفه في الحكم ، ولهذا اتّفقنا على أنّ الله سبحانه لو قال : ألزموا السبت إلى وقت كذا ، ثمّ لا تلزموه ، أنّ ذلك لا يكون نسخا ، لأنّ الدليل الرافع مصاحب للدليل الموجب.

وإذا صحّت هذه الجملة ، وكان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أعلمنا بأنّ القائم من ولده يجب اتّباعه وقبول أحكامه ، فنحن إذا صرنا إلى ما يحكم به فينا ـ وإن خالف بعض الأحكام المتقدّمة ـ غير عاملين بالنسخ ، لأنّ النسخ لا يدخل فيما يصطحب الدليل ، وهذا واضح.

ضمن كتاب إعلام الورى بأعلام الهدى - ج 2 الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي