كيف يتم الانتفاع به في الغيبة؟

السؤال :

لقد جاء في الحديث المنسوب للإمام المهدي عليه السلام : « أمّا أوجه الانتفاع بي في غيبتي كالانتفاع بالشمس حين تغيبها عن الانظار السحاب » ، كيف يتم الانتفاع حين تحجب بالسحاب ، وما هو أوجه الشبه في ذلك ؟

الجواب : من سماحة الشيخ هادي العسكري

سئل الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام ، الذي هو بالحق ناطق : كيف ينتفع بالإمام الغائب ؟ قال : « كانتفاعكم بالشمس حين تستر بالسحاب » قديماً قالوا : كلام الملوك ملوك الكلام ، وأقول : لو كان كلام دون كلام الخالق ، وفوق كلام المخلوق ، فهذا أحدها الذي لا يعرف أحد مغزاه ، ولا يحيط بتمام معناه ، وكامل تفسيره إلا من قاله ونطق به ، والدليل على ذلك : إننا لا نستطيع أن نعرف حقيقة الشمس وجوهرها ، ونعلم كل آثارها ، وكمية أخذ كل موجود من الموجودات ، واكتساب كل المخلوقات جميعها من الحيوان والنبات والجماد على هذه الكرة الأرضية من نورها وحرارتها واثرها وتأثيرها ، واستمدادها في وجودها ، وتكوينها واحيائها هذا ما في البراري والقفار ، ويبقى ما في البحار وعجائب المخلوقات فيها بل يبقى ما في سائر السياراة وما يتبعها من الانجم والمجرات ، فمن الذي يعلم ويمكنه أن يحيط بكل أسرارها وآثارها ، وفعلها وانفعال غيرها بها ، فكل واحد من الفلكي والرياضي والطبيعي و... و... وإنّما يعرف موضوع علمه وموضع عمله وموضعة خبرته ، ولو فرضنا أنّ كل هؤلاء العلماء علموا جمعاء كل اثارها إلى هذا الحين ، واكتشفوا كل اسرارها ، فمن الذي يضمن أنّهم لم يكتشفوا في المستقبل القريب والبعيد والعصور الآتية اضعاف ما علموا ويظهر لهم كثير ما جهلوا ثمّ لنفرض أنّها لو وقفت عن الحركة ساعة مإذا يحدث في الكون من خلال وقفتها ، ومإذا يحصل في نظام العالم من سكونها ، ومدى ما تؤدي من نقص وخلل من فرارها ووهن واختلاف من استقرارها ، فليس في وسع العلم أن يدعى الاحاطة بمعرفتها ، ثمّ يأخذ بعد وجود السحاب وآثارها ، ويعلن مقدار كمها وكيفها ، ونتيجة الانتفاع بها معها ، ويقيس نسبة وجود السحاب وعدمها ، ويعطي خلاصة الحساب ، ودرجة الانتفاع بها لنا ، فليس لنا أن تدعى معرفة هذا الكلام بكاملها بل نذكر ونعطى مقدار معرفتنا لها فنقول : اتفق المسلمون على قول الرسول صلى الله عليه وآله أنّه قال: « من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» ، فبدلالة هذه الصحيحة الثابة ، فنفس عرفان الإمام ، ومجرد الاعتقاد والإيمان بوجوده ، وليس مع شرط الحضور والوصول إليه يوجب الابتعاد عن الهلاك والنيران ، والسلامة عن الكفر والطغيان ، والقبض على مفاتيح الجنان هذا أوّلاً.
وبعده العمل بأقواله ، ومتابعة ارائه ، والسير على منهاجه ، وعدم الانحراف عن طريقته ، والالتزام بقيادته هذا ثانياً.
ولا تغفل عن آثار حالة الانتظار ، والتألم والتأثر بها ، وما ورد من الأجر فيها ، وطول الابتلاء والامتحان بها ، والابتلاء والاختبار بها سنة الله في عباده ، والاشتياق إلى اللقاء ، والتشوق إلى فرجه الملتقى وهذا ثالثاً.
وبعده أثر الامل ، والرجاء في سكون النفس ، وراحة الروح ، وسلامة الإنسان ، وهل يُعلم من مرارة العيش ما في اليأس والاًسى ، وهل يخفى ما في الامال والرجاء من حلاوة الحياة ، وحصول الطيب والسعادة والهناء وهذا رابعاً.
وبعده خامساً : ما في الدعاء بتعجيل الفرج نعم الدعاء ، وما أدراك ما الدعاء الذي هو مخ العبادة ، ولب الطاعة ، وحقيقة الاطاعة التي تظهر عند الطلب والإنابة ، والتضرع والتذلل والإستغاثة ، وبالاخص عندما لا يكون الدعاء لنفسه خاصة بل يكون للعموم ، وللمؤمنين عامة الذي ورد الاًمر به ، والجفاء بدونه ، ووعد الإجابة حتماً في ضمنه.
وبعده سادساً : الاستشفاع به والتوسل بدعائه سلام الله عليه ؛ فإنّه مالك النهي في الحياة وصاحب الأمر ، ومن تتنزل عليه الملائكة والروح في ليلة القدر لكل قضاء وقدر ، وبإذن ربهم من كل أمر ، ولكل أمن وسلام هي حتى مطلع الفجر بظهوره وكشف السحاب ، ورفع الحجاب بطلوع شمس وجوده ، وإقامة الحق ، والقسط والعدل ، وابادة الظلم والجور والبغي بباتر سيفه ، وصارم بيانه ، وعسى الله أن يكون قريباً.
وبعده سادبعاً : وهو الذي يكون السموات السبع ومن الأرض مثلهن وما بينهن متنعّم بفضل وجوده وبركاة جوده ، وهل يحصر أو يعدّ أم هو خارج عن الحساب والحدّ فكم وكم وكم ، وهل يحصر بالعدّ وبالكم الناجي والناجح بدعائه ، والمفلح المنجح ببركة جاهه ، فمن يعلم يومياً كم من مستغيث به يغاث ، ومستجير به يجار، وملهوف ومكروب به مُستغاث ، ومريض يشفى ، وعليل يعافا ، وسجين وأسير يطلق ، وبه أبواب ظلم وجور يغلق ، وضعيف ينحد ، وشقي يسعد بل بوجوده يمسك السماء ، وبفيض جوده رزق الورى ، وبه يندفع الاسواء ، وينكشف الغطاء ، ويرتفع البلاء ، ويدفع المحن والاذى ، فكم وجدنا ، وكم رأينا ، وكم سمعنا ، وكم قرأنا ، أليس الصحف والطوامير منها ملاءا ، وهي بمسمع ومنظر منا ، ومرئى في أناس نالوا بكرامته ، وفازوا بعنايته ، ونجحوا بشفاعته ، وسعدوا بهدايته بل انا اتحدى لم يكن أحد منا لم يجد ويشاهد في حياته بنفسه عناية منه حتى يكون عن نقل غيره مستغنياً وفي غنى.
وبعدها ثامناً : من الواضح المستحيل أن يغمّ الغمام ، ويعم السحاب ولو يوماً واحداً كل العالم وجميع أقطار الدنيا ، فيعلم بالقطع واليقين بل يتجاوز حتى عن عين اليقين إلى حق اليقين ، أنّ هناك كل يوم قوم لا يحجبهم عنه حجاب ، ولا يمنعهم عنه سحاب ، فيستضيئون بنور وجوده ، ويدركون فيض حضوره ، وينعّمون بنعمة لقائه ، ويشرّفون بشرف زيارته ، فهنيأ لهم الف هناء ، وهذا الذي شبه به الإمام لم يكن أحسن منه في الكلام ، فهل يمكن إذا الشمس كورت وانهارت وانعدمت ، فهل يبقى لهذا الكون بعدها باقية كلا ، كلا ، فكذلك يعلم لا يمكن ومن المحال أن يبقى العالم من غير إمام.
ومن وجه آخر حاجة كل المخلوقات ونظام الكون إلى الشمس واستغنائها عنها يثبت حاجتنا في البقاء إلى الإمام ، وعدم حاجته إلينا ، ولهذا خلق الله الخليفة في الكون قبل الخليقة ، بل هل يمكن تصور الإمام المقتدى به متأخّراً عن المأموم ؟ ! فوجوده أيضاً قبل وجود المأموم ، ومقدم عليه ، فمن المستحيل وجود المخلوف المأموم من غير وجود الإمام.
هذا ما أنا عرفته من هذه الآية القيمة ، وما أنا الا ذرّة بل أقل من الذرّة ، ما شأني ومعرفة هذه الآية ؟ بل على غيري من أكابر العلماء والمحققين الأذكياء أن يكشفوا ويشرحوا هذه الجوهرة الثمينة بل الدرة اليتيمة ، وأسئل لي ولهم من الله التوفيق والسداد ، إنّه هو العليم الخبير بالرشاد ، والولي القدير بالإرشاد ، ومنه سلام الله عليه الشفاعة هنا ويوم المعاد.