علم الغيب والتفويض عند الأئمّة ماذا يعني؟

البريد الإلكتروني طباعة

علم الغيب والتفويض عند الأئمّة ماذا يعني؟

الشبهة الثامنة:

تحاول الاثنا عشرية إضفاء صفات على أئمّتها عامة وعلى الإمام المهدي _ الغائب _ خاصة، محاولة منهم اثبات فاعلية ووجود الإمام واستفادتهم منه حال غيابه، من تلك الصفات أنه يطوف العالم، ويعرف شيعته ويتصل بالخلّص منهم، ويلقي إليهم أوامره، وأنه يعلم الغيب ومفوض من الله بالتصرف في الكون، فسبحان الله، هل هذه إلاّ صفات رب العالمين؟

الجواب:

تعتقد الإمامية أن الأئمّة لهم ما للأنبياء _ إلاّ النبوة _ فهم خلفاؤهم وأوصياؤهم، وهم حجج الله تعالى بعد الأنبياء، ولكي تتم مهمة التبليغ ومقام الحجية عند الأئمّة فلا بدّ أن يكون ما للأنبياء، للأئمّة كذلك.

وإذا ثبت ذلك، ثبت ما للأنبياء، للإمام المهدي عليه السلام كذلك، فطوافه في العالم _ كما ورد في الشبهة _ شبيهٌ بعيسى في طوافه بالعالم، فهو يجوب الآفاق، ويسيح في البلدان حتّى سمي المسيح لسياحته.

فقد روى الصدوق عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام أنه قال: (في القائم سنّة من موسى، وسنّة من يوسف، وسنّة من عيسى، وسنّة من محمّد صلى الله عليه وآله وسلم:

فأما سنّة موسى فخائف يترقب، وأما سنة يوسف فإن أخوته كانوا يبايعونه ويخاطبونه ولا يعرفونه، وأما سنّة عيسى فالسياحة، وأما سنّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم فالسيف).(1)

وفعلاً فكل ما كان للأنبياء فقد ورثه المهدي عليه السلام ، لوحدة الغرض، ومهمة الرسالة.

أما قولكم: (يعلم الغيب) فلا يعلم الغيب إلاّ الله تعالى، لقوله تعالى: (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً) ثمّ استثنى بقوله تعالى: (إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) فللرسول القابلية على أن يكرمه تعالى بتعليم منه وليس من نفسه، وهو ما يتلائم مهمة الرسول والأوصياء، كذلك لما تقتضيه مهمة التبليغ وحكمة الرسالة، فلا ينافي اختصاصه تعالى بعلم الغيب وما يفيضه على بعض عباده وصفوته من خلقه تحنناً منه وتكرّماً.

ولا يقتصر ذلك على النبي وأوصيائه، بل يعم المكلفين كذلك، فإنهم يعلمون بعض المغيبات التي أخبر بها النبي وأهل بيته عليهم السلام كالقيامة وأحوالها، والنار وأهوالها، والجنّة ونعيمها، والساعة وأشراطها, والعرش والكرسي والملائكة.

إذن كل ما غاب عنك فهو غيب، ولله تعالى أن يُطلع غيبه لمن ارتضاه من رسول، ومحمّد صلى الله عليه وآله وسلم خير الرسل وأوصياؤه خير الأوصياء، فمن أنكر معرفة الغيب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأوصيائه فقد اتّهمهم بعدم الأهلية، والأهلية هي ارتضاء الله تعالى لرسله المستحقين لمعرفة الغيب كما في قوله تعالى: (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ)، والإمام الحجة ورث ذلك عن آبائه الطاهرين عن جده عليهم الصلاة والسلام، فلا محذور من أن يتصف الإمام عليه السلام بمعرفة الغيب كما أطلعه عليه ربه تعالى.

أما التفويض فلا يعني تعطيله تعالى، بل هو تأكيده على إرادته وسطوته، وتفويضه منطلقٌ من قدرته وهيمنته سبحانه وتعالى، وإذا عرفنا أن إرادة النبي وأهل بيته عليهم السلام هي إرادته تعالى، لا تتخلف عنها طرفة عين أبداً، علمنا أن التفويض لهم إعمالٌ لإرادته وتأكيده لها.

أي أن التفويض على ثلاثة أقسام قسم منها باطل ولا نقول به وقسمان صحيحان والقول بهما إثباتٌ لإرادته تعالى:

أما الأوّل: فهو التفويض في الخلق والإيجاد والرزق والإحياء والإماتة وهذا لا يقول به أحد، وقد أبطل ذلك الإمام الرضا عليه السلام بقوله: (اللهم من زعم أننا أرباب فنحن منه براء، ومن زعم أن إلينا الخلق وعلينا الرزق، فنحن عنه براء كبراءة عيسى بن مريم من النصارى)، وهذا التفويض باطل لا يقول به أحد من الإمامية.(2)

أما الثاني: فهو التفويض في الأحكام والأفعال بأن يثبت ما رآه حسناً ويبطل ما رآه قبيحاً، فيجيز الله تعالى لاثباته إياه.

والثالث: تفويض الإرادة، بأن يريد شيئاً لحسنه ولا يريد شيئاً لقبحه فيجيزه الله تعالى إياه.

والقسمان الأخيران لا يتنافيان مع ما ثبت من أنه لا ينطق عن الهوى إلاّ بالوحي، لأن كل واحد منها ثبت من الوحي، إلاّ أن الوحي تابع لإرادته يعني إرادة النبي، فأوحى إليه كما أنه أراد تغيير القبلة وزيادة الركعتين في الرباعية والركعة في الثلاثية وغير ذلك فأوحى الله تعالى إليه بما أراد.(3)

ولا نريد الإطالة في هذا البحث، وإنما أردنا توضيح معنى التفويض لكيلا تُعدُ تلك شبهةً فعلية.

إذن الإمام المهدي عليه السلام يطوف العالم ويعرف شيعته وأنه يعلم الغيب بالمقدار الذي ذكرناه، وأنه مفوضٌ إليه بما أوضحناه.

*   *   *

(ضمن كتاب: محكمات السنن في الرد على شبهات أهل اليمن شبهات الزيدية حول الإمام المهدي عليه السلام )