كيف تقيم الاثنا عشرية الحجة على الذين لا يقولون بإمامة المهدي ع

البريد الإلكتروني طباعة

اختلاف الناس في أمر الإمام كما يدعيه المستشكل

الشبهة الثامنة عشرة:

كيف تقيم الاثنا عشرية الحجة على الذين لا يقولون بإمامة، بل بولادة محمّد بن الحسن والذين هم راغبون في النصح وباحثون عن الحقيقة، وهم يسمعون ويقرأون أن القائلين بإمامة الحسن العسكري اختلفوا بعد وفاته في تحديد هوية وشخصية الإمام إلى أربع عشرة فرقة، وان هؤلاء المختلفين أكثرهم من أهل الصلاح والنسك والعبادة والعلم، كما هو معروف في كتب الجرح والتعديل عند الإمامية.

الجواب:

إن القول بوجوب وجود خليفة لهوَ مما لا شك فيه. فالقرآن أشار إلى ضرورة وجود الخليفة قبل أن يخلق الله الخليقة حيث قال عز وجل: (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَْرْضِ خَلِيفَةً)(1) فأعلم ملائكته بأنه جعل خليفة قبل أن يخلق العباد، لتتم حكمته تعالى من وجود خلقه وهي عبادته تعالى، وإذا كان الغرض من خلقهم هو عبادته فإنهم يحتاجون إلى من يرشدهم لأحكام الله تعالى ويبلغهم رسالاته، وهذا لا يقتصر على زمانٍ دون زمان، ولا على أمّةٍ دون أخرى، إنما تجري الحكمة مجرىً واحداً لا تتخلف ولا تتبدل، وإذا كان الأمر كذلك.

فلا بدّ من وجود خليفة في كل زمان، والحجة لا ترتفع بأي حال وهو قول الصادق عليه السلام: (الحجة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق).(2) فإذن حتمية وجود الحجة تنشأ من حتمية الطاعة المنبعثة من عبادة الخلق لخالقهم تعالى، وهذا الأمر لا يتحقق إلاّ مع وجود الحجة في كل زمان. وقد ورد عن عليّ عليه السلام بأسانيد معتبرة: (اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم بحجةٍ ظاهر مشهور أو باطن مغمور لئلا تبطل حجج الله وبيّناته).(3)

فبطلان حجج الله وبيناته بسبب عدم من يبلغها ويوصلها إلى الناس، ناشئة من عدم وجود الحجة المبلّغ.

إذا اتضح ذلك، عرفنا أن عدم وجود الحجة في أي زمان سبيل إلى زوال حكمة وجود الخلق وهي عبادته تعالى، فإذن لا بدّ من حجةٍ لزماننا وهو خليفة الحسن العسكري، ولده محمّد المنتظر.

وما ذكره المستشكل من تعدد الآراء بعد شهادة الإمام العسكري عليه السلام إلى أربع عشرة فرقة فغير وارد في تاريخ الملل والفرق والأهواء، ولا يعنينا زيادة أو نقصان هذه الفِرق _ إذا صح تعداد المستشكل لهذه الفِرق _ فالأمر طبيعي في اختلاف الناس عند مسألةٍ ما، وامكانية تفسير الآراء واتباع الأهواء أمر يفترضُ فيه تعدد الاتجاهات والفِرق. وهو أمرٌ واردٌ وممكن وليس الأهمية في إحصاء هذه الفرق، بل المهم أن نعرف أن تعدد هذه الفرق وتشتت هذه الآراء واختلاف الأهواء لا يعني تخطئة القضية المختلفِ عليها، فتوحيد الله تعالى اختلفت فيه الآراء إلى ما شاء الله من الأهواء. وتبقى قضية التوحيد في إطارها المعرفي الصحيح الذي أوضحه القرآن الكريم بقوله تعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) ليقطع دابر المتوهمين من أهل الملل والآراء المنحرفة في توحيدها، وليس أمر النبوة والدعوة إلى الإسلام بضارها ما اختلفت فيها آراء أهل التفسير واعتقادات أهل الفرق، ولم يضر نبوة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ما اختلف فيه الأشعري عن المعتزلي عن غيرهما من أهل الآراء، وكذا الحال في أمر المهدي وولادته فليس لذلك من أثرٍ في أصل قضيته والتسليم بولادته.

ولا يهم أن يكون الاختلاف من أهل النسك والصلاح والعبادة والعلم _ إن ثبت ما تدعوه _ فإن الشبهة إذا استفحلت من النفس أودت بصاحبها إلى مخالفة الحق فيحسبه هدى، أو لعله يماري في الحق ليصل إلى ما يرومه من مصلحةٍ تتفقُ مع أهوائه فيضلل الأمر ويلبس الحق بالباطل، وليس أمر إبليس بخافٍ عنا عندما تعارضت قناعاته ورغباته مع السجود لآدم حين أمره الله، وقد عرفنا علمه وعبادته لله تعالى، فلما حان الاختبار لهذه العبادة كانت نزعة الهوى قد ظهرت على كل طاعته وتملكت إرادته فلم يقوَ على مخالفة ما هو عليه من المصلحة والاعتبار الشخصي الذي ينزع إليه في دواخله ومكنون نفسه، وليس أمر الواقفة ببعيد حين عارضوا إمامة عليّ الرضا عليه السلام بعد شهادة والده عليه السلام وكانوا في ظاهرهم أهل ورع وتقوى وصلاح، بل كانوا من معتمدي الإمام موسى بن جعفر عليه السلام في الأموال وغيرها فأرداهم هواهم إلى ما انتهى أمرهم إليه من القول بالوقف على إمامة موسى عليه السلام وتكذيب خليفته الرضا عليه السلام مع علمهم بأمر الرضا وروايتهم فضله ومنزلته, ومعرفتهم بأن الأمر لا يتم إلاّ باثني عشر إمام سمعوا أسماءهم ورووا صفاتهم وهم مع كل هذا لم يقبلوا إلاّ الجحد، ولم يرتضوا إلاّ الإنكار، ولم يكتفوا إلاّ بتأليب الناس على الرضا عليه السلام لا لشيء بل لأهوائهم في الإبقاء على ما في أيديهم من الأموال ولتضارب ذلك مع القول والإقرار بإمامة الرضا عليه السلام ، وبلغ من صلاحهم أن ما يرويه هؤلاء قبل قولهم بالوقف على إمامة موسى عليه السلام أن يؤخذ به ويعبر أهل الفن بقولهم: (أخذ ما رووه أيام صلاحهم) وهذا ديدن الأكثر من علمائنا لاعتقادهم بصلاحهم ووثاقتهم قبل انحرافهم، والأمر نفس الأمر في هؤلاء الذين وقفوا عند الإمام الحسن العسكري عليه السلام ولا يضر ذلك في قضية الإمام المهدي عليه السلام كما هو معروف.

*   *   *

(ضمن كتاب: محكمات السنن في الرد على شبهات أهل اليمن شبهات الزيدية حول الإمام المهدي عليه السلام )