إنَّ ثبوت قضيّة المهدي، وخروجه، وانتظاره، غير مخالف للعقل

طباعة

إنَّ ثبوت قضيّة المهدي، وخروجه، وانتظاره، غير مخالف للعقل، ولا للأصول الشرعية، ولا لقاعدة مجمع عليها، ولا لفرع محقَّق، هذا بلحاظ أصل القضيّة المهدوية، وأنَّ هناك مهدياً، وهو إمام غائب ويجب انتظاره.

أمَّا تفاصيل هذه العقيدة، فما كان منها _ لو فرض _ معارضاً لأصل عقلي، أو شرعي، بل حتَّى الفرع المجمع عليه، فهو مرفوض، وإلاَّ فإن لم يصحّ سنده كالخبر الضعيف لم يجز نسبته إلى الشارع إلاَّ على سياق قاعدة التسامح، أو روايات من بلغ إن كان لها مجال فيما نحن فيه، وإن صحَّ سنده كالخبر الصحيح والحسن والموثَّق فهو خبر عادي يصحّ نسبته ولا يجب تكليفاً الاعتقاد بالأمور التفصيلية ما لم يلزم محذور آخر، وإلاَّ فإن لزم محذور آخر في عدم الاعتقاد مع عدم الضرر بالاعتقاد فلا بدَّ من الاعتقاد به، وإلاَّ فإن لم يلزم محذور آخر من عدم الاعتقاد كقضيّة جزئية جدّاً، أو لزم الاعتقاد به حكم الضرر فينبغي عدم الاعتقاد به، إمَّا لعدم الدليل عليه وإمَّا لحكم الضرر ونحوه، كما هو واضح وفق الموازين المذكورة في محلّها.

وبما أنَّ العقيدة بالمهدي، بلحاظ أصلها، كقضيّة عقدية، فهي ثابتة بالتواتر، فيجب التسليم بها، لأنَّها من الغيب، أو من جهة أنَّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبر عنها، فلا بدَّ من الإيمان بإخبارات النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) القطعية صدوراً، وأمَّا التفاصيل فلا يجب الاعتقاد بها وإن احتجنا إلى جلّها كما هو الحال في غيرها من القضايا العقائدية.

وكيفما كان، فمعرفة الإمام ضرورة دينية، لما ورد في حديث الباقر (عليه السلام): (بني الإسلام على خمس: الصلاة والزكاة والصوم والحجّ والولاية ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية، فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه _ يعني الولاية _)(15).

وورد أيضاً عنه (عليه السلام): (ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضا الرحمن تبارك وتعالى الطاعة للإمام بعد معرفته)(16).

وفي جواب سؤال زرارة قال (عليه السلام): (الولاية أفضل لأنَّها مفتاحهنَّ والوالي هو الدليل عليهنَّ)(17).

وورد أيضاً عنه (عليه السلام): (لا يعذر الله يوم القيامة أحداً يقول: يا ربّ لم أعلم أنَّ ولد فاطمة (عليها السلام) هم الولاة على الناس كافّة)(18).

وقد ثبت في محلّه في تفسير قوله تعالى: (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (المائدة: 55)، أنَّه ليس المراد من الولاية محض الحبّ، وإنَّما المراد منها معنى الإمامة بالمعنى الذي تقول به الشيعة.

وأيضاً في الحديث عن أبي حمزة، قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): (إنَّما يعبد الله من يعرف الله، فأمَّا من لا يعرف الله فإنَّما يعبده هكذا ضلالاً)، قلت: جُعلت فداك فما معرفة الله؟ قال: (تصديق الله عز وجل وتصديق رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وموالاة علي (عليه السلام) والائتمام به وبأئمّة الهدى (عليهم السلام) والبراءة إلى الله عز وجل من عدوّهم، هكذا يعرف الله عز وجل)(19).

فالتعرّف بأمر الإمام من السعادة الأخروية وموجبات الاطمئنان وعلامات المؤمن والآثار الإيجابية الكثيرة.

* * *