الامام المهدی(ع)عند الامامیه الاثنی عشریه (2

البريد الإلكتروني طباعة

الفصل الثاني

هناك بحوث تدور حول روايات في كتب السنّة تخالف هذا الذي انتهينا إليه ، ولربّما اتّخذ بعض العلماء من أهل السنّة ما دلَّت عليه تلك الروايات عقيدةً لهم ، ودافعوا عن تلك العقيدة ، إلاّ أنّنا في بحوثنا حقّقنا أنّ تلك الروايات المخالفة لهذا العقيدة ، إمّا ضعيفة سنداً ، وإمّا فيها تحريف ، والتحريف تارةً يكون عمداً ، وتارة يكون سهواً ، وتلك البحوث هي :

أوّلاً : الخبر الواحد الذي ورد في بعض كتبهم في أنّ « المهدي هو عيسى ابن مريم » (١) ، فليس من هذه الاُمّة ، وإنّما المهدي هو عيسى بن مريم ، فالمهدي الذي أخبر به رسول الله في تلك الروايات الكثيرة المتواترة التي دوّنها العلماء في كتبهم ، وأصبحت روايات موضع وفاق بين المسلمين ، وأصبحت من ضمن عقائد المسلمين ، المراد من المهدي في جميع تلك الروايات هو عيسى بن مريم.

وهذه رواية واحدة فقط موجودة في بعض كتب أهل السنّة.

وثانياً : الخبر الواحد الذي ورد في بعض كتبهم من أنّ « المهدي من ولد

__________________

(١) المنار المنيف لابن قيم الجوزية : ١٤٨ ، كنز العمال ١٤ / ٢٦٣ ح ٣٨٦٥٦.
٢٣

العباس » (١) ، فليس من أهل بيت رسول الله 6.

وهذا أيضاً خبر واحد ، وكأنّه وضع في زمن بني العباس لصالح حكّام بني العباس.

وثالثاً : الخبر الواحد الذي في كتبهم من أنّه « من ولد الحسن » (٢) ، لا من ولد الحسين.

و هذا ايضا خبر واحد.

ورابعاً : الخبر الواحد الذي في بعض كتبهم من أنّ « اسم أبي المهدي اسم أبي النبي » (٣) ، وأبو النبي اسمه عبدالله ، فلا ينطبق على المهدي ابن الحسن العسكري سلام الله عليهم ، فتكون رواية مخالفة لما ذكرناه واستنتجناه من الأدلة.

وخامساً : ما عزاه ابن تيميّة إلى الطبري وابن قانع من « أنّ الحسن العسكري قد مات بلا عقب » وإذا كان الحسن العسكري قد مات بلا عقب ،
فليس المهدي ابن الحسن العسكري.

فهذه بحوثٌ لابدّ من التعرّض لها وإثبات ضعف هذه الأحاديث المخالفة ، أو إثبات أنّها روايات محرّفة.

أمّا ما نسبه ابن تيميّة إلى الطبري صاحب التاريخ ، وإلى ابن قانع ، فهو كذب ، وقد حققته بالتفصيل في بعض مؤلفاتي.

وأمّا بالنسبة إلى البحوث الاُخرى ، فلو أردنا الدخول في تحقيقها

__________________

(١) المصدر نفسه : ١٤٩ ، كنز العمال : ١٤ / ٢٦٤ ح ٣٨٦٦٣.

(٢) المنار المنيف لابن قيّم الجوزية : ١٥١.

(٣) كنز العمال ١٤ / ٢٦٨ ح ٣٨٦٧٨.
٢٤

لاحتجنا إلى وقت إضافي ، فإن شاء الله تعالى بعد أن أُكمل البحث في هذه الليلة في الفصل الثالث ، إن بقي من الوقت شيء ، ندخل في هذه البحوث ، وحينئذ نصل إلى الفصل الثالث.
٢٥
الفصل الثالث

عنوانه سؤالات ؟

السؤال الأول : مسألة طول العمر ؟

السؤال الثاني : لماذا هذه الغيبة ؟

السؤال الثالث : ما الفائدة من إمام غائب ؟

السؤال الرابع : أين يعيش المهدي ؟

السؤال الخامس : متى يظهر ؟

السؤال السادس : ما هو تكليف المؤمنين تجاهه وتجاه الأحكام
الشرعية في زمن الغيبة ؟

السؤال السابع : ما هي الحوادث الكائنة عند ظهوره وبعد ظهوره ؟

السؤال الثامن : مسألة الرجعة ؟

وقد تكون هناك أسئلة أُخرى.

ولابدّ من الاجابة على هذه الأسئلة ولو بنحو الإجمال ، لئلاّ يبقى البحث ناقصاً.

أقرأ لكم عبارة السعد التفتازاني أوّلاً ، وندخل في البحث ونشرع في الجواب عن هذه الأسئلة ولو بنحو الإجمال كما ذكرت.
٢٧
يقول السعد التفتازاني (١) : زعمت الامامية من الشيعة أنّ محمّد بن الحسن العسكري اختفى عن الناس خوفاً من الأعداء ، ولا استحالة في طول عمره كنوح ولقمان والخضر 7 ـ هذا رأي الشيعة ـ وأنكر ذلك سائر الفرق ، لأنّه ادّعاء أمر مستبعد جدّاً ، ولأنّ اختفاء إمام هذا القدر من الأنام بحيث لا يذكر منه إلاّ الإسم بعيد جدّاً ، ولأنّ بعثه مع هذا الاختفاء عبث ، ولو سلّم فكان ينبغي أنْ يكون ظاهراً ، فما قيل أو فما يقال : إنّ عيسى يقتدي بالمهدي أو بالعكس شيء لا مستند له ، فلا ينبغي أنْ يعوّل عليه.

هذا غاية ما توصّل إليه متكلّمهم سعد الدين التفتازاني.

أقول : إن تطرح هذه الأسئلة كبحوث علمية ومناقشات ، فلا مانع ، ويا حبّذا لو تطرح كذلك ويلتزم فيها بالآداب والاخلاق والمتانة ، ولا يكون هناك شتم وسبّ وتهجّم وتهريج واستهزاء ، وهكذا فعل بعض العلماء وبعض الكتّاب المعاصرين.

إلاّ أنّنا إذا راجعنا ( منهاج السنّة ) وجدناه في فصل البحث عن المهدي قد ملأ كتابه حقداً وبغضاً وعناداً وسبّاً وشتماً وتهريجاً وتكذيباً للحقائق !!! بحيث لو أنّكم أخرجتم من كتاب منهاج السنّة ما يتعلّق بالمهدي وما اشتمل عليه من السب والشتم لجاء كتاباً مستقلاً.

وقد تبعه أولياؤه في هذا المنهج من كتّاب زماننا وفي خصوص المهدي سلام الله عليه واعتقاد الشيعة في المهدي ، تراهم يتهجّمون ويسبّون وينسبون إلينا الأكاذيب ، ويخرجون عن حدود الآداب ، ومع الأسف يكون لكتبهم قرّاء ومن يروّج لها في بعض الأوساط.

__________________

(١) شرح المقاصد ٥ / ٣١٣.
٢٨

والحقيقة ، إنّه تارةً يشك الباحث في أحاديث المهدي ، أو يُناقش في أحاديث « الأئمّة الإثنا عشر » ، أو لا يرتضي حديث « من مات ولم يعرف إمام زمانه » ، فهذا له وجه ، بمعنى أنّه يقول : بأنّي لا أُوافق على صحّة هذه الأحاديث ، فيبقى على رأيه ، ولا يتكلّم معه إن لم يقتنع بما في الكتب ، لاسيّما بروايات أبناء مذهبه.

وأمّا بناء على أنّ هذه الأحاديث مخرّجة في الصحاح ، وفي السنن ، والمسانيد ، والكتب المعتبرة ، وأنّها أحاديث متّفق عليها بين المسلمين ، وأنّ الإعتقاد بالمهدي 7 أو الإعتقاد بالإمام في كلّ زمان واجب ، وأنّ المهدي هو الثاني عشر في الحديث المعروف المتفق عليه ، فيكون البحث بنحو آخر ، لأنّه إنْ كان الباحث موافقاً على هذه الأحاديث ، وعلى ما ورد من أنّ المهدي ابن الحسن العسكري ، فلا محالة يكون معتقداً بولادة المهدي 7 ، كما اعتقدوا ، وذكرنا أسماء كثيرين منهم.

نعم منهم من يستبعد طول العمر ، بأنْ يبقى الإنسان هذه المدة في هذا العالم ، وهذا مستبعد كما عبّر السعد التفتازاني ، فإن التفتازاني لم يكذّب ولادة المهدي من الحسن العسكري سلام الله عليه ، وإنّما استبعد أن يكون الإمام باقياً هذه المدة من الزمان ، ولذا نرى بعضهم يعترف بولادة الإمام 7 ثمّ يقول : « مات » ، يعترف بولادته بمقتضى الأدلة الموجودة ، لكنّه يقول بموته ، لعدم تعقّله بقاء الإنسان في هذا العالم هذا المقدار من العمر ، لكن هذا يتنافى مع « من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية » حيث قرّرنا أنّ هذا الحديث يدلّ على وجود إمام في كلّ زمان.

ولذا نرى البعض الاخر منهم يلتفت إلى هذه النواحي ، فلا يقول مات ،
٢٩

بل يقول : « لا ندري ما صار » ، ولد ، إلاّ أنّه لا ندري ما صار ، ما وقع عليه ، لا يعترف ببقائه ، لأنّه يستبعد البقاء هذه المدة ، ولا ينفي البقاء لأنّه يتنافى مع الأحاديث ، يعترف بالولادة فيقول : لا ندري ما صار ، وأين صار ، وما وقع عليه ، ممّا يظهر أنّهم ملتزمون بهذه الأحاديث ، ومن التزم بهذه الأحاديث لابدّ وأن يلتزم بولادة المهدي 7 ووجوده.

ثمّ الإستبعاد دائماً وفي كلّ شيء ، وفي كلّ أمر من الاُمور ، الإستبعاد يزول إنْ حدث له نظير ، لو أنّك تيقّنت عدم شيء أو عدم إمكان شيء ، فوقع فرد واحد ومصداق واحد لذلك الشيء ، ذلك الإعتقاد بالعدم الذي كنت تجزم به مائة بالمائة سيكون تسعين بالمائة ، لوقوع فرد واحد ، فإذا وقع فرد آخر ، وإذا وقع فرد ثالث ، ومصداق رابع ، هذا الإعتقاد الذي كان مائة بالمائة ثمّ أصبح تسعين بالمائة ، ينزل على ثمانين ، وسبعين ، و ، و ، إلى خمسين وتحت الخمسين ، فحينئذ ، نقول للسعد التفتازاني :

إنّ الله سبحانه وتعالى أمكنه أنْ يعمّر نوحاً هذا العمر ، أمكنه أن يبقي خضراً في هذا العالم هذه المدة ، أمكنه سبحانه وتعالى أنْ يبقي عيسى في العالم الاخر هذه المدّة ، الذي هو من ضروريات عقائد المسلمين ، ومن يمكنه أنْ ينكر وجود عيسى ؟! وأيضاً : في رواياتهم هم يثبتون وجود الدجال الآن ، يقولون بوجوده منذ ذلك الزمان ، فإذا تعدّدت الأفراد ، وتعدّدت المصاديق ، وتعدّدت الشواهد ، يقلّ الإستبعاد يوماً فيوماً ، وهذه الإكتشافات والإختراعات التي ترونها يوماً فيوماً تبدل المستحيلات إلى ممكنات ، فحينئذ ليس لسعد التفتازاني وغيره إلاّ الإستبعاد ، وقد ذكرنا أنّ الإستبعاد يزول شيئاً فشيئاً.
٣٠
يمثّل بعض علمائنا ويقول : لو أنّ أحداً ادّعى تمكّنه من المشي على الماء ، يكذّبه الحاضرون ، وكلّ من يسمع هذه الدعوى يقول : هذا غير ممكن ، فإذا مشى على الماء وعبر النهر مرّةً يزول الاستغراب أو الإستبعاد من السامعين بمقدار هذه المرّة ، فإذا كرّر هذا الفعل وكرّره وكرّره أصبح هذا الفعل أمراً طبيعياً وسهل القبول للجميع ، حينئذ هذا الإستبعاد يزول بوجود نظائر ذلك.

إلاّ أنّ ابن تيميّة ملتفت إلى هذه الناحية ، فيكذّب أصل حياة الخضر ويقول : بأنّ أكثر العلماء يقولون بأنّ الخضر قد مات ، فيضطرّ إلى هذه الدعوى ، لأن هذه النظائر إذا ارتفعت رجع الإستبعاد مرة أُخرى.

لكنّك إذا رجعت مثلاً إلى الإصابة لابن حجر العسقلاني (١) لرأيته يذكر الخضر من جملة الصحابة ، ولو رجعت إلى كتاب تهذيب الأسماء واللغات للحافظ النووي (٢) الذي هو من علماء القرن السادس أو السابع يصرّح بأنّ جمهور العلماء على أنّ الخضر حي ، فكان الخضر حيّاً إلى زمن النووي ، وإذا نزلت شيئاً فشيئاً تصل إلى مثل القاري في المرقاة (٣) وتصل إلى مثل شارح المواهب اللدنيّة ، هناك يصرّحون كلّهم ببقاء الخضر إلى زمانهم ، وحتّى أنّهم ينقلون قصصاً وحكايات ممن التقى بالخضر وسمع منه الأخبار والروايات ، فحينئذ تكذيب وجود الخضر من قبل ابن تيميّة إنّما

__________________

(١) الإصابة ٢ / ١١٤ ـ ١١٥ ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت.

(٢) تهذيب الإسماء واللغات ١ / ١٧٦ رقم ١٤٧ ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت.

(٣) مرقاة المفاتيح للقاري ٩ / ٦٩٢ كتاب الفتن.
٣١

هو لعلةٍ ولحساب ، وهو يعلم بأنّ وجود الخضر خير دليل على أنّ هذا الإستبعاد ليس في محلّه.

على أنّ الله سبحانه وتعالى إذا اقتضت الحكمة أنْ يبقي أحداً في هذا العالم آلاف السنين ، إذا اقتضت الحكمة ، فقدرته سبحانه وتعالى تطبّق تلك الإرادة ، ومشيّته تطبَّق ، وهو قادر على كلّ شيء.

فمسألة طول العمر أصبحت الآن مسألة بسيطة الحل ، وصار الجواب عن هذا السؤال سهلاً جداً في مثل زماننا.

وأمّا أنّ الإمام 7 متى يظهر ، وأنّه سلام الله عليه كيف يستفاد منه في زمن الغيبة ؟

يقول ابن تيميّة وأيضاً يقول السعد التفتازاني : بأنّ المهدي لم يبق منه إلاّ الإسم ، ولم ينتفع منه أحد حتّى القائلون بوجوده.

وهؤلاء لا يعلمون ، لأن هذه الاُمور لا يتوصّلون إليها ولا يمكنهم الإطّلاع عليها ، إنّ الثقات من أبناء هذه الطائفة من علماء وغير علماء ، لهم قضايا وحوادث وقصص وحكايات ، تلك القضايا الثابتة المروية عن طرق الثقات مدوّنة في الكتب المعنيّة ، وكم من قضية رجع الشيعة ، عموم الشيعة ، أو في قضايا شخصية ، رجعوا إلى الإمام 7 وأخذوا منه حلّ تلك القضية ورفع تلك المشكلة ، إلاّ أنّ أعداء الأئمّة سلام الله عليهم والمنافقين لا يوافقون على مثل هذه الأخبار ، وطبيعي أن لا يوافقوا ، ومن حقّهم أن لا يعتقدوا.

مضافاً ، إلى أنّ الله سبحانه وتعالى إنّما ينصب الإمام في كلّ أُمة ، ويرسل الرسول إلى كلّ أُمّة ، ليتمّ به الحجة ، وكم من نبي قتلوه في أوّل يوم
٣٢

من نبوّته ودعوته ، وكم من رسول صلبوه في اليوم الأول من رسالته ، وكم من الأنبياء حاربوهم وشرّدوهم وطردوهم ، أيمكن أن يقال لله سبحانه وتعالى : بأنّ إرسالك هؤلاء الرسل والأنبياء كان عبثاً !!

وأمّا أين يعيش ؟

فأين يعيش الخضر ؟ نحن نسأل القائلين ببقاء الخضر وغير الخضر ممّن يعتقدون بحسب رواياتهم بقاءهم ، هؤلاء أين يعيشون ؟ وهذه ليست مسألة ، إنّ الإمام أين يعيش !

وأمّا الحوادث الكائنة عند ظهوره وبعد ظهوره.

فتلك حوادث وقضايا مستقبلية وردت بها أخبار ، وتلك الأخبار مدوّنة في الكتب المعنية.

والشيء الذي أراه مهمّاً من الناحية الإعتقادية والعملية ، وأرجو أنْ تلتفتوا إليه ، فلربّما لا تجدونه مكتوباً ولا تسمعونه كما أقوله لكم :

لاحظوا إذا كانت غيبة الإمام 7 لمصلحة أو لسبب ، ذلك السبب إمّا وجود المانع وإمّا عدم المقتضي ، غيبة الإمام 7 إمّا هي لعدم المقتضي لظهوره أي لعدم وجود الارضية المناسبة لظهوره ، أو لوجود الموانع عن ظهوره.

وجود الموانع وعدم المقتضي كان السبب في غيبة الإمام 7 ، هذا واضح.

إنّا لا نعلم أنّ المانع متى يرتفع ، ولا نعلم أنّ المقتضي متى يتحقق ويحصل ، ولذا ورد في الروايات : « إنّما أمرنا بغتة ».

فظهور الإمام 7 متى يكون ؟
٣٣

حيث لا يكون مانع وتتمّ المقدمات والأرضية المناسبة لظهوره.

وهذا متى يكون ؟

العلم عند الله سبحانه وتعالى ، فيمكن أن يكون غداً ، ويمكن أن يكون بعد غد ، وهكذا ، فهذه نقطة.

والنقطة الثانية : إنّ في رواياتنا أنّ حكومة المهدي ستكون حكومة داود 7 ، إنّه يحكم بحكم داود7 ، رسول الله6 قال : « إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والإيمان وبعضكم ألحن بحجّته من بعض ، وأيّما رجل قطعت له قطعة فإنّما أقطع له قطعة من نار » (١).

أوضّح لكم هذه الرواية : رسول الله 6 كان إذا تخاصم إليه رجلان على كتاب مثلاً ، على دار ، أو على أيّ شيء آخر ، يطلب من المدعي البيّنة ، وحينئذ إنْ أقام البيّنة أخذ الكتاب من المدعى عليه وسلّمه إلى المدعي ، وهذا الحكم يكون على أساس البيّنة ، يقول رسول الله إنّما أقضي عليكم إنّما أقضي بينكم بالبيّنة ، أمّا إذا كانت البيّنة كاذبة والمدعي أقامها وعن هذا الطريق تملّك الكتاب ، فليعلم بأنّ الكتاب هذا قطعة من النار ، أنا وظيفتي أنْ أحكم بينكم بحسب البيّنة ، وأنت أيّها المدعي إنْ كنت تعلم بينك وبين ربّك أنّ الكتاب ليس لك ، فلا يجوز لك أخذ هذا الكتاب.

إذن ، يكون حكم رسول الله والحكم الإسلامي على أساس القواعد المقرّرة ، وهذه هي الأدلة الظاهرية المعمول بها.

فإذا جاء المهدي سلام الله عليه ، لا يأخذ بهذه القواعد والأحكام
الظاهرية ، وإنّما يحكم طبق الواقع ، فإذا جاء ورأى أنّ الكتاب الذي بيدي

__________________

(١) الكافي ٧ / ٤١٤ رقم ١ ، باختلاف بالألفاظ.
٣٤

هذا الكتاب الذي بحوزتي هو لزيد ، أخذه منّي وأرجعه إلى زيد ، وإذا علم أنّ هذه الدار التي أسكنها ملك لعمرو أخذها منّي وأرجعها إلى عمرو ، فكلّ حقّ يرجع إلى صاحبه بحسب الواقع.

وعلى هذا ، إذا كان الإمام 7 ظهوره بغتة ، وكان حكمه بحسب الواقع ، فنحن ماذا يكون تكليفنا فيما يتعلّق بنا في شؤوننا الداخلية والشخصية ؟ في أُمورنا الاجتماعية ؟ في حقوق الله سبحانه وتعالى علينا ؟ وفي حقوق الآخرين علينا ؟ ماذا يكون تكليفنا وفي كلّ لحظة نحتمل ظهور الإمام 7 ، وفي تلك اللحظة نعتقد بأنّ حكومته ستكون طبق الواقع لا على أساس القواعد الظاهرية ؟ حينئذ ماذا يكون تكليف كلّ فرد منّا ؟

وهذا معنى « أفضل الأعمال انتظار الفرج ».

وهذا معنى ما ورد في الروايات من أنّ الأئمّة ( سلام الله عليهم ) كانوا ينهون الأصحاب عن الإستعجال بظهور الإمام 7 ، إنّما كانوا يأمرون ويؤكّدون على إطاعة الإنسان لربّه وأن يكون مستعدّاً لظهور الإمام 7.

وبعبارة أُخرى : مسألة الإنتظار ، ومسألة ترقب الحكومة الحقة ، هذه المسألة خير وسيلة لاصلاح الفرد والمجتمع ، وإذا صَلُحنا فقد مهّدنا الطريق لظهور الإمام 7 ، ولأن نكون من أعوانه وأنصاره.

ولذا أمرونا بكثرة الدعاء لفرجهم ، ولذا أمرونا بالإنتظار لظهورهم ، هذا الإنتظار معناه أن يعكس الإنسان في نفسه ويطبّق على نفسه ما يقتضيه الواقع ، قبل أن يأتي الإمام 7 ويكون هو المطبِّق ، ولربّما يكون هناك شخص يواجه الإمام 7 ويأخذ الإمام منه كلّ شيء ، لأن كلّ الاشياء التي بحوزته ليست له ، وهذا ممكن.
٣٥
فإذا راقبنا أنفسنا وطبّقنا عقائدنا ومعتقداتنا في سلوكنا الشخصي والإجتماعي ، نكون ممهّدين ومساعدين ومعاونين على تحقّق الأرضية المناسبة لظهور الإمام 7.

وتبقى كلمة سجّلتها عن الإمام أمير المؤمنين 7 بهذه المناسبة ، يقول الإمام 7 ـ كما في نهج البلاغة ـ : « ولا تستعجلوا بما لم يعجّله الله لكم ، فإنّه من مات منكم على فراشه وهو على معرفة حقّ ربّه وحقّ رسوله وأهل بيته ، مات شهيداً » (١).

وعندنا في الروايات : أنّ من كان كذا ومات قبل مجيء الإمام 7 مات وله أجر من كان في خدمته وضرب بالسيف تحت رايته.

يقول الإمام 7 : « فإنّه من مات منكم على فراشه وهو على معرفة حقّ ربّه وحقّ رسوله وأهل بيته مات شهيداً ، ووقع أجره على الله ، واستوجب ثواب ما نوى من صالح عمله ، وقامت النيّة مقام إصلاته لسيفه ، فإنّ لكلّ شيء مدّة وأجلاً » (٢).

ففي نفس الوقت الذي نحن مأمورون بالدعاء بتعجيل الفرج ، فنحن مأمورون أيضاً لتهيئة أنفسنا ، وللاستعداد الكامل لأن نكون بخدمته ، وإذا عمل كلّ فرد منّا بوظائفه ، وعرف حقّ ربّه عزوجل وحقّ رسوله 6 وحقّ أهل بيته : ، فقد تمّت الأرضية المناسبة لظهوره 7 ، ولا أقل من أنّا أدّينا تكاليفنا ووظائفنا تجاه الإمام 7.

وكنت أقصد أن أُلخّص البحث في بعض الجهات الاُخرى حتّى أُوفّر

__________________

(١) نهج البلاغة ٢ / ١٥٦ خطبة ١٨٥.

(٢) تأويل الآيات : ٦٤٢ ، البحار ٥٢ / ١٤٤ ح ٦٣.
٣٦

وقتاً لهذه النقطة الأخيرة التي بيّنتها لكم ، وذكرت لكم الدليل البرهاني العقلي والروائي على وجوب الإلتزام العملي على كلّ واحد منّا بوظائفه تجاه ربّه وتجاه رسوله وتجاه أهل بيت الرسول :.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعرّفنا حقّه ، أن يعرّفنا حقّ رسوله ، أن يعرّفنا حقّ الأئمّة الأطهار ، أن يعرّفنا حقّ إمامنا ، وأنْ يوفّقنا لأداء الوظائف والتكاليف الملقاة على عواتقنا.

وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.
٣٧

 
  • بحوث حول المهدي عليه السلام

    • الامام المهدي (عج) و دولة العدل الالهي | زكية كاظم جبار

      الزيارات: 16925

      بسم الله الرحمن الرحيمالمقدمةالحمد لله الذي جعل الحمد مجازاً الى حقيقة شكره وذريعة الى بلوغ رضوانه وجميل ذكره والصلاة والسلام على محمد الذي اجاز لح الحق قرب (قاب قوسين او ادنى وعلى اوصيائه وحملة عبئه أئمة الهدى ومصابيح الدجى (ذرية بعضها من بعض والله سميع...

      المزيد

    • أدلة مشتركة بين عموم المسلمين أنّ لهذه الاُمّة مهدياً | سيد علي الميلاني

      الزيارات: 5788

      وفي هذا الفصل نحاول أنْ نستدلّ بأدلة مشتركة بين عموم المسلمين ، وأقصد من عموم المسلمين الشيعة الاماميّة الاثني عشريّة وأهل السنّة بجميع مذاهبهم.في هذا الفصل نقاط وهي نقاط الاشتراك بين الجميع :النقطة الاولى : لا خلاف بين المسلمين في أنّ لهذه الاُمّة مهدياً ،...

      المزيد

    • الأمل يخفف ثقل الابتلاء | الشيخ كاظم القره غولي

      الزيارات: 1620

      الشيخ كاظم القره غولي إنّ الأمر المرتبط بقيام دولة الحق التي ستبسط فيها يد المعصوم عليه السلام على جميع أرجاء الدنيا، وانتشار العدل وسيادته، بنحو ساغ أن يعبر في الروايات الشريفة أنّه عليه السلام (يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً)، فشدت النفوس...

      المزيد

    • الرجعة زمن الظهور في الأحاديث | شبكة السادة المباركة

      الزيارات: 5041

         قال تعالى (( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ))أرسل الله تعالى الرسول وأنزل عليه القرآن هدى للناس وتبيينا لأمور دينهم ودنياهم وبما ان هذا القرآن فيه المحكم والمتشابه وفيه الظاهر...

      المزيد

    • القوّة الالهيّة عند صاحب الزمان عج | السيد علي الصدر

      الزيارات: 38449

      القوّة الالهيّة : هناك سؤال يُطرح كثيراً في أنه كيف يغلب الامام المهدي ( عليه السلام ) ويستولي على العالم ، وكيف تخضع له الحكومات مع امتلاكهم هذه الأسلحة الفتّاكة ، والأجهزة الحديثة ؟ وسرعان ما يتجلّى الجواب إذا عرفنا بأنّه ( عليه السلام ) مقرون بلا فصل مع...

      المزيد

    • المهدي عليه السلام من ولد فاطمة عليها السلام | الشيخ حسان سويدان

      الزيارات: 7552

      المهدي عليه السلام من ولد فاطمة عليها السلام الشيخ حسان سويدان عن سعيد بن المسيب قال: كنا عند أم سلمة، فتذاكرنا المهدي عليه السلام فقالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: المهدي حق وهو من ولد فاطمة، وعن الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه انّ النبي صلى...

      المزيد

    • النصّ على عدد الاثني عشر عند الاماميه

      الزيارات: 3282

      وهذه الأخبار على ضربين : أحدهما يتضمّن النصّ على عدد الاثني عشر على الجملة ، والثاني : يتضمّن النصّ على أعيان الأئمّة الاثني عشر على التفصيل. فأمّا الضرب الأول منهما: فنحو ما رواه محمد بن يعقوب الكليني ، عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن ابن...

      المزيد

    • دور الأسرة في التمهيد للإمام المهدي عليه السلام | الشيخ حسين الاسدي

      الزيارات: 5342

      تناقل علماء الاجتماع كلمة رفعوها شعاراً لبدء سعادة المجتمع، هي (انّ سعادة المجتمع تبدأ من سعادة الاسرة). فإنّ الاسرة هي نواة المجتمع، وكلّما تماسكت الاسرة كلّما كان المجتمع اقرب الى التماسك والسعادة.وهذه حقيقة واقعية لا ينكرها إلاّ مكابر. فالفرد اذا نشأ في...

      المزيد

    • في إثبات إمامة المهدي عليه السلام ووجوده | السيد علي بن عبد الكريم النجفي

      الزيارات: 3533

      لابدّ من ذكر إثبات إمامة المهدي عليه السلام ووجوده وعصمته بالأدلة العقلية، وإنْ كان إثبات إمامة آبائه عليهم السلام يثبت بها وجوده وإمامته، لأنّ ذلك أصل يترتب على هذا، ومقام يرجع هذا البحث إليه، ولكنْ نذكر هنا ما يقطع حجّة جاحديه ويعلم أنّ الحق (له) ومعه...

      المزيد

    • في غيبة ادريس النبي عليه السلام | الشیخ الصدوق

      الزيارات: 13677

      ( في غيبة إدريس النبي عليه السلام )فأول الغيبات غيبة إدريس النبي عليه السلام المشهورة حتى آل الامر بشيعته إلى أن تعذر عليهم القوت وقتل الجبار من قتل منهم وأفقر وأخاف باقيتهم ، ثم ظهرعليه السلام فوعد شيعته بالفرج وبقيام القائم من ولده ، وهو نوح عليه السلام...

      المزيد

    • فيما ذكر في بيان عمره الشريف عج | الشيخ الطوسي

      الزيارات: 5080

      فيما ذكر في بيان(1) عمره عليه السلامقد بينا بالاخبار الصحيحة بأن مولد صاحب الزمان عليه السلام كان في سنة ست وخمسين ومائتين وأن أباه عليه السلام مات في سنة ستين(2) فكانت له حينئذ أربع سنين فيكون عمره إلى حين خروجه ما يقتضيه الحساب ولا ينافي ذلك الاخبار التي...

      المزيد

    • قراءة في كتاب ترجمة الامام المنتظر عليه السلام | محمد الخاقاني

      الزيارات: 1756

      جاء الكتاب في طبعته الأولى ١٤٣٦هـ بـ(١٣٤) صفحة من القطع الوزيري.وهو من نشر وتقديم مركز الدراسات التخصصية في الامام المهدي عليه السلامفي النجف الأشرف. ومن تحقيق وتعليق الشيخ محمد جاسم الماجدي.

      المزيد

    • كيف نؤمن بأن المهدي ع قد وجد | السيد محمد الصدر

      الزيارات: 10237

      ( المبحث الخامس ) كيف نؤمن بأن المهدي قد وجد  (102) ونصل الآن إلى السؤال الرابع وهو يقول : هب أنّ فرضية القائد المنتظر ممكنة بكلّ ما تستبطنه من عمر طويل ، وإمامة مبكرة ، وغيبة صامتة ، فإنّ الإمكان لا يكفي للاقتناع بوجوده فعلاً. فكيف نؤمن فعلاً بوجود المهدي؟ وهل تكفي بضع روايات...

      المزيد

    • ما روي من النصوص على أعيان الأئمّة الاثني عشر

      الزيارات: 4528

      وأما الضرب الثاني ـ وهو ما روي من النصوص على أعيان الأئمّة الاثني عشر عليهم‌السلام ـ فمن ذلك : ما رواه الشيخ أبو جعفر بن بابويه رحمه‌الله قال : حدّثنا أبي ، ومحمد بن موسى بن المتوكّل ، ومحمد بن عليّ ماجيلويه ، وأحمد بن عليّ بن إبراهيم ، والحسين بن إبراهيم بن ناتانه ،...

      المزيد

    • ماهي دابة الأرض التي استدلو بها على الرجعه

      الزيارات: 30446

      ماهي دابة الأرض؟ الدابة تطلق في اللغة على كلِّ ما يدبُّ ويتحرك على وجه الأرض من الإنسان والحيوان وغيره ، قال تعالى : ( وَمَا مِن دابَّةٍ في الأرضِ إلاّ على اللّه رِزقُها ) (3) ، وقال تعالى : ( ولو يُؤاخِذُ اللّه النَّاسَ بِظُلمِهِم مَّا تَرَكَ عَليها مِن...

      المزيد

    • نبي الله داود و المهدي عليهما السلام | شبكة السادة المباركة

      الزيارات: 8046

      نبي الله داود و المهدي عليهما السلام    فلمّا كان زمان داوود (عليه السلام) كان له أربعة إخوة ولهم أب شيخ كبير، وكان داوود من بينهم خامل الذِّكر وكان أصغر أخوته لا يعلمون أنّه داوود النبي المنتظر الَّذي يطهّر الأرض من جالوت وجنوده، وكانت الشيعة يعلمون أنّه قد وُلد وبلغ...

      المزيد

    • وجه الانتفاع بالإمام الغائب عليه السلام | الشيخ محمد علي الدكسن

      الزيارات: 6613

      لقد وردت أحاديث متعددة تذكر فوائد وجود الإمام الغائب عليه السلام ووجه الانتفاع به، وفيما يلي نذكر بعضها:- جاء في (كمال الدين) عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه: أنّه سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل ينتفع الشيعة بالقائم عليه السلام في...

      المزيد

    • وفود بالأموال التي كانت تحمل على الرسم للامام العسكري | السيد بهاء الدين علي بن عبد الكريم النيلي النجفي

      الزيارات: 2257

      ومن ذلك بالطريق المذكور يرفعه إلى أبي الحسن عليّ بن سنان الموصلي ، قال : حدّثني أبي ، قال : لمّا قبض سيّدنا أبو محمّد الحسن بن عليّ العسكري عليه‌السلام قدم من قم والجبال وفود بالأموال التي كانت تحمل على الرسم [ والعادة ] (1) ، ولم يكن عندهم خبر بوفاة الحسن...

      المزيد

    • آثار استعجال الناس للظهور | السيد محمد علي بحر العلوم

      الزيارات: 2010

        روي عن الإمام الصادق عليه السلام: (إنما هلك الناس من استعجالهم لهذا الأمر إنّ الله عز وجل لا يعجَلُ لعجلة العباد إنّ لهذا الأمر غايةً ينتهي إليها فلو قد بلغوها لم يستقدموا ساعةً ولم يستأخروا).

      المزيد

    • أدلة السفارة | الشيخ محمد آل عبيدان القطيفي

      الزيارات: 4033

      كيف يتمّ تعيين شخص من الأشخاص سفيراً للناحية المقدّسة؟.وكيف يحرز المجتمع الشيعي سفارته؟.من الطبيعي لابدّ وأنْ يكون ما يأتي به السفير المدّعي لمنصب السفارة يشتمل جانبين، يشتمل الجانب الإعجازي منجهه، كما يشتمل ما يوجب التصديق به، بأنْ يكون أمراً معروفاً...

      المزيد

    < 1 2 3 >