أدلة مشتركة بين عموم المسلمين أنّ لهذه الاُمّة مهدياً

طباعة


وفي هذا الفصل نحاول أنْ نستدلّ بأدلة مشتركة بين عموم المسلمين ، وأقصد من عموم المسلمين الشيعة الاماميّة الاثني عشريّة وأهل السنّة بجميع مذاهبهم.
في هذا الفصل نقاط وهي نقاط الاشتراك بين الجميع :
النقطة الاولى : لا خلاف بين المسلمين في أنّ لهذه الاُمّة مهدياً ، وأنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد أخبر به وبشّر به وذكر له أسماء وصفات وألقاباً وغير ذلك ، والروايات الواردة في كتب الفريقين حول هذا الموضوع أكثر وأكثر من حدّ التواتر ، ولذا لا يبقى خلاف بين المسلمين في هذا الاعتقاد ، ومن اطّلع على هذه الاحاديث وحقّقها وعرفها ، ثمّ كذّب أصل هذا الموضوع مع الالتفات إلى هذه الناحية ، فقد كذّب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فيما أخبر به.
الروايات الواردة في طرق الفريقين وبأسانيد الفريقين موجودة في الكتب وفي الصحاح والسنن والمسانيد ، وقد أُلّفت لهذه الروايات كتب خاصة دوّن فيها العلماء من الفريقين تلك الروايات في تلك الكتب ، وهناك آيات كثيرة من القرآن الكريم مأوّلة بالمهدي سلام الله عليه.
وحينئذ لا يُعبأ ولا يعتنى بقول شاذ من مثل ابن خلدون المؤرّخ ، حتّى
(10)
أنّ بعض علماء السنّة كتبوا ردوداً على رأيه في هذه المسألة.
ومن أشهر المؤلّفين والمدوّنين لاحاديث المهدي سلام الله عليه من أهل السنّة في مختلف القرون :
أبو بكر ابن أبي خيثمة ، المتوفى سنة 279 هـ.
نعيم بن حمّاد المروزي ، المتوفى سنة 288 هـ.
الحسين ابن منادي ، المتوفى سنة 336 هـ.
أبو نعيم الاصفهاني ، المتوفى سنة 430 هـ.
أبو العلاء العطّار الهمداني ، المتوفى سنة 569 هـ.
عبد الغني المقدسي ، المتوفى سنة 600 هـ.
ابن عربي الاندلسي ، المتوفى سنة 638 هـ.
سعد الدين الحموي ، المتوفى سنة 650 هـ.
أبو عبدالله الكنجي الشافعي ، المتوفى سنة 658 هـ.
يوسف بن يحيى المقدسي ، المتوفى سنة 658 هـ.
ابن قيّم الجوزية ، المتوفى سنة 685 هـ.
ابن كثير الدمشقي ، المتوفى سنة 774 هـ.
جلال الدين السيوطي ، المتوفى سنة 911 هـ.
شهاب الدين ابن حجر المكّي ، المتوفى سنة 974 هـ.
علي بن حسام الدين المتقي الهندي ، المتوفى سنة 975 هـ.
نور الدين علي القاري الهروي ، المتوفى سنة 1014 هـ.
محمّد بن علي الشوكاني القاضي ، المتوفى سنة 1250 هـ.
أحمد بن صدّيق الغماري ، المتوفى سنة 1380 هـ.
(11)
وهؤلاء أشهر المؤلّفين في أخبار المهدي منذ قديم الايام ، وفي عصرنا أيضاً كتب مؤلَّفة من قبل كتّاب هذا الزمان ، لا حاجة إلى ذكر أسماء تلك الكتب.
وهناك جماعة كبيرة من علماء أهل السنّة يصرّحون بتواتر حديث المهدي والاخبار الواردة حوله ، أو بصحة تلك الاحاديث في الاقل ، ومنهم :
الترمذي ، صاحب الصحيح.
محمّد بن حسين الابري ، المتوفى سنة 363 هـ.
الحاكم النيسابوري ، صاحب المستدرك.
أبو بكر البيهقي ، صاحب السنن الكبرى.
الفرّاء البغوي محيي السنة.
ابن الاثير الجزري.
جمال الدين المزّي.
شمس الدين الذهبي.
نور الدين الهيثمي.
ابن حجر العسقلاني.
وجلال الدين السيوطي.
إذن ، لا يبقى مجال للمناقشة في أصل مسألة المهدي في هذه الاُمّة.
النقطة الثانية : إنّه لابدّ في كلّ زمان من إمام يعتقد به الناس أي المسلمون ، ويقتدون به ، ويجعلونه حجة بينهم وبين ربهم ، وذلك « لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّة » (1) و « لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَة وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ
1 ـ سورة النساء 4/165.
(12)
عَنْ بَيِّنَة » (1) و « قُلْ فَلِلّهِ الحُجَّةُ البالِغَةُ » (2).
ويقول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كما في نهج البلاغة : « اللهمّ بلى لا تخلو الارض من قائم لله بحجّة إمّا ظاهراً مشهوراً وإمّا خائفاً مغموراً ، لئلاّ تبطل حجج الله وبيّناته » (3).
والروايات الواردة في هذا الباب أيضاً كثيرة ، ولا أظنّ أنّ أحداً يجرأ على المناقشة في أسانيد هذه الروايات ومداليلها ، إنّها روايات واردة في الصحيحين ، وفي المسانيد ، وفي السنن ، وفي المعاجم ، وفي جميع كتب الحديث ، والروايات هذه مقبولة عند الفريقين.
فقد اتفق المسلمون على رواية : « من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة ».
هذا الحديث بهذا اللفظ موجود في بعض المصادر ، وقد أرسله سعد الدين التفتازاني إرسال المسلّم ، وبنى عليه بحوثه في كتابه شرح المقاصد (4).
ولهذا الحديث ألفاظ أُخرى قد تختلف بنحو الاجمال مع معنى هذا الحديث ، إلاّ أنّي أعتقد بأنّ جميع هذه الالفاظ لابدّ وأن ترجع إلى معنى واحد ، ولابدّ أن تنتهي إلى مقصد واحد يقصده رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
فمثلاً في مسند أحمد : « من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية » (5)، وكذا
1 ـ سورة الانفال 8/42.
2 ـ سورة الانعام 6/149.
3 ـ نهج البلاغة 3/188 رقم 147.
4 ـ شرح المقاصد 5/239 وما بعدها.
5 ـ مسند أحمد 5/61 رقم 16434.
(13)
في عدّة من المصادر : كمسند أبي داود الطيالسي (1) ، وصحيح ابن حبّان (2) ، والمعجم الكبير للطبراني (3) ، وغيرها.
وعن بعض الكتب إضافة بلفظ : « من مات ولم يعرف إمام زمانه فليمتْ إن شاء يهودياً وإن شاء نصرانياً » ، وقد نقله بهذا اللفظ بعض العلماء عن كتاب المسائل الخمسون للفخر الرازي.
وله أيضاً ألفاظ أُخرى موجودة في السنن ، وفي الصحاح ، وفي المسانيد أيضاً ، نكتفي بهذا القدر ، ونشير إلى بعض الخصوصيات الموجودة في لفظ الحديث :
« من مات ولم يعرف » ، لابدّ وأنْ تكون المعرفة هذه بمعنى الاعتقاد أو مقدمة للاعتقاد ، « من مات ولم يعرف » أي : من مات ولم يعتقد بإمام زمانه ، لا مطلق إمام الزمان ، بإمام زمانه الحق ، بإمام زمانه الشرعي ، بإمام زمانه المنصوب من قبل الله سبحانه وتعالى.
« من مات ولم يعرف إمام زمانه » بهذه القيود « مات ميتة جاهلية » ، وإلاّ لو كان المراد من إمام الزمان أيّ حاكم سيطر على شؤون المسلمين وتغلَّب على أُمور المؤمنين ، لا تكون معرفة هكذا شخص واجبة ، ولا يكون عدم معرفته موجباً للدخول في النار ، ولا يكون موته موت جاهلية ، هذا واضح.
1 ـ مسند أبي داود الطيالسي : 259 ـ دار المعرفة ـ بيروت.
2 ـ صحيح ابن حبّان 10/434 رقم 4573 ـ مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ 1418 هـ ، وفيه : « من مات وليس له إمام ».
3 ـ المعجم الكبير للطبراني 19/388 رقم 910.
(14)
إذن ، لابدّ من أن يكون الامام الذي تجب معرفته إمام حق ، وإماماً شرعياً ، فحينئذ ، على الانسان أن يعتقد بإمامة هذا الشخص ، ويجعله حجةً بينه وبين ربّه ، وهذا واجب ، بحيث لو أنّه لم يعتقد بإمامته ومات ، يكون موته موت جاهلية ، وبعبارة أُخرى:« فليمت إنْ شاء يهودياً وإنْ شاء نصرانياً».
وذكر المؤرخون : أنّ عبدالله بن عمر ، الذي امتنع من بيعة أمير المؤمنين سلام الله عليه ، طرق على الحجّاج بابه ليلاً ليبايعه لعبد الملك ، كي لا يبيت تلك الليلة بلا إمام ، وكان قصده من ذلك هو العمل بهذا الحديث كما قال ، فقد طرق باب الحجّاج ودخل عليه في تلك الليلة وطلب منه أن يبايعه قائلاً : سمعت رسول الله يقول : « من مات ولا إمام له مات ميتة جاهلية » ، لكن الحجّاج احتقر عبدالله بن عمر ، ومدّ رجله وقال : بايع رجلي ، فبايع عبدالله بن عمر الحجّاج بهذه الطريقة.
وطبيعي أنّ من يأبى عن البيعة لمثل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يبتلي في يوم من الايّام بالبيعة لمثل الحجّاج وبهذا الشكل.
وكتبوا بترجمة عبدالله بن عمر ، وفي قضايا الحرّة ، بالذات ، تلك الواقعة التي أباح فيها يزيد بن معاوية المدينة المنورة ثلاثة أيام ، أباحها لجيوشه يفعلون ما يشاؤون ، وأنتم تعلمون بما كان وما حدث في تلك الواقعة ، حيث قتل عشرات الالاف من الناس ، والمئات من الصحابة والتابعين ، وافتضت الابكار ، وولدت النساء بالمئات من غير زوج.
في هذه الواقعة أتى عبدالله بن عمر إلى عبدالله بن مطيع ، فقال عبدالله ابن مطيع : إطرحوا لابي عبد الرحمن وسادة ، فقال : إنّي لم آتك لكي
(15)
أجلس ، أتيتك لاُحدّثك حديثاً ، سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : « من خلع يداً من طاعة لقى الله يوم القيامة لا حجّة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية » ، أخرجه مسلم (1).
فقضية وجوب معرفة الامام في كلّ زمان والاعتقاد بإمامته والالتزام ببيعته أمر مفروغ منه ومسلّم ، وتدلّ عليه الاحاديث ، وسيرة الصحابة ، وسائر الناس ، ومنها ما ذكرت لكم من أحوال عبدالله بن عمر الذي يجعلونه قدوة لهم ، إلاّ أنّ عبدالله بن عمر ذكروا أنّه كان يتأسّف على عدم بيعته لامير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وعدم مشاركته معه في القتال مع الفئة الباغية ، وهذا موجود في المصادر ، فراجعوا الطبقات لابن سعد (2) والمستدرك للحاكم (3) وغيرهما من الكتب.
وعلى كلّ حال لسنا بصدد الكلام عن عبدالله بن عمر أو غيره ، وإنّما أردت أن أذكر لكم نماذج من الكتاب والسنة وسيرة الصحابة على أنّ هذه المسألة ـ مسألة أنّ في كلّ زمان ولكلّ زمان إمام لابدّ وأنْ يعتقد المسلمون بإمامته ويجعلونه حجةً بينهم وبين ربهم ـ من ضروريات عقائد الاسلام.
النقطة الثالثة : إنّ المهدي من الائمّة الاثني عشر في حديث الائمّة بعدي
1 ـ صحيح مسلم 3/1478 رقم 1851.
2 ـ طبقات ابن سعد 4/185 و187 ، وفيه : « ما أجدني آسى على شيء من أمر الدنيا إلاّ أنّي لم أُقاتل الفئة الباغية ، ما آسى عن الدنيا إلاّ على ثلاث : ظمأ الهواجر ومكابدة الليل وألاّ أكون قاتلت الفئة هذه الفئة الباغية التي حلّت بنا ».
3 ـ مستدرك الحاكم 3/115 ، لكن في الصفحة 558 سطر 8 العبارة في المتن هكذا : « ما آسى على شيء » فلم يذكر بقية الخبر ، وفي الهامش : بياض في الاصل !!.
(16)
إثنا عشر ، لا ريب ولا خلاف في هذه الناحية ، فإنّ القيود التي ذكرت في رواية الائمّة إثنا عشر ، تلك القيود كلّها منطبقة على المهدي سلام الله عليه ، لانّ هذا الامام عندما يظهر يجتمع الناس على القول بإمامته ، وأنّ الله سبحانه وتعالى سيعزّ الاسلام بدولته ، وأنّه سيظهر دينه على الدين كلّه ، وجميع تلك القيود والمواصفات التي وردت في أحاديث الائمّه اثنا عشر كلّها منطبقة على المهدي سلام الله عليه.
وببالي أنّي رأيت في بعض الكتب التي حاولوا فيها ذكر الخلفاء بعد رسول الله من بني أُميّة وغيرهم ، يعدّون المهدي أيضاً من أُولئك الخلفاء الاثني عشر ، الذين أخبر عنهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في الاحاديث التي درسناها في الليلة الماضية.
وإلى الان عرفنا الاتفاق على ثلاثة نقاط :
النقطة الاُولى : أنّ في هذه الاُمّة مهدياً.
النقطة الثانية : أنّ لكلّ زمان إماماً يجب على كلّ مسلم معرفته والايمان به والالتزام بطاعته والانقياد له.
النقطة الثالثة : أنّ المهدي ( عليه السلام ) الذي أخبر عنه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في تلك الاحاديث الكثيرة ، نفس المهدي الذي يكون الامام الثاني عشر من الائمّة الذين أخبر عن إمامتهم من بعده في أحاديث الائمّة إثنا عشر.
وإلى الان عرفنا المشتركات بين المسلمين ، فإنّه إلى هنا لا خلاف بين طوائف المسلمين ، ويكون المهدي حينئذ أمراً مفروغاً منه ومسلّماً في هذه الاُمّة ، والمهدي هو الثاني عشر من الائمّة الاثني عشر ، فهو الامام الحق الذي يجب معرفته والاعتقاد به ، وأنّ من مات ولم يعرف المهدي مات ميتة جاهلية.
(17)
وهنا قالت الشيعة الامامية الاثنا عشرية : إنّ الذي عرفناه مصداقاً لهذه النقاط هو ابن الحسن العسكري ، ابن الامام الهادي ، ابن الامام الجواد ، ابن الامام الرضا ، ابن الامام الكاظم ، ابن الامام الصادق ، ابن الامام الباقر ، ابن الامام السجاد ، ابن الحسين الشهيد ، ابن علي بن أبي طالب ، سلام الله عليهم.
فهذه عقيدة الشيعة ، فهم يطبّقون تلك النقاط الثلاثة المتفق عليها على هذا المصداق.
فهل هناك حديث عند الجمهور يوافق الشيعة الاماميّة ، ويدلّ على ما تذهب إليه الشيعة الاماميّة في هذا التطبيق ؟
هل هناك حديث أو أحاديث من طرق أهل السنّة توافق هذا التطبيق وتؤيّد هذا التطبيق أو لا ؟
من هنا يشرع البحث بين الشيعة وغير الشيعة ، هذه عقيدة الشيعة ولهم عليها أدلّتهم من الكتاب والسنّة وغير ذلك ، وما بلغهم وما وصلهم عن أئمّة أهل البيت الصادقين سلام الله عليهم.
لكن هل هناك ما يدلّ على هذا الاعتقاد في كتب أهل السنّة أيضاً ، لتكون هذه العقيدة مؤيَّدة ومدعمة من قبل روايات السنّة ، ويمكن للشيعة الاماميّة أنْ تلزم أولئك بما رووا في كتبهم أو لا ؟
نعم وردت روايات في كتب القوم مطابقة لهذا الاعتقاد ، إذن ، يكون هذا الاعتقاد متفقاً عليه حسب الروايات وإن لم يكن القوم يعتقدون بهذا الاعتقاد بحسب الاقوال ، إلاّ أنّا نبحث أوّلاً عن العقيدة على ضوء الادلّة ، ثمّ
(18)
على ضوء الاقوال والاراء ، فلنقرأ بعض تلك الروايات :
الرواية الاُولى : قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله عزّوجلّ ذلك اليوم حتّى يبعث فيه رجلاً من ولدي اسمه اسمي ، فقام سلمان الفارسي فقال : يا رسول الله ، من أيّ ولدك ؟ قال : من وَلَدي هذا و ضرب بيده على الحسين ».
هذه الرواية في المصادر عن أبي القاسم الطبراني (1) ، وابن عساكر الدمشقي ، وأبي نعيم الاصفهاني ، وابن قيّم الجوزية ، ويوسف بن يحيى المقدسي (2) ، وشيخ الاسلام الجويني (3) ، وابن حجر المكي صاحب الصواعق (4).
الحديث الثاني : قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لبضعته الزهراء سلام الله عليها وهو في مرض وفاته : « ما يبكيك يا فاطمة ، أما علمت أنّ الله اطّلع إلى الارض إطّلاعة أو اطْلاعة فاختار منها أباك فبعثه نبيّاً ، ثمّ اطّلع ثانية فاختار بعلك ، فأوحى إليّ فأنكحته إيّاك واتّخذته وصيّاً ، أما علمت أنّكِ بكرامة الله إيّاك زوّجك أعلمهم علماً ، وأكثرهم حلماً ، وأقدمهم سلماً.
فضحكت واستبشرت ، فأراد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن يزيدها مزيد الخير ، فقال لها : ومنّا مهدي الاُمّة الذي يصلّي عيسى خلفه ، ثمّ ضرب على منكب الحسين فقال : من هذا مهدي الاُمّة ».
1 ـ المعجم الكبير 10/166 رقم 10222 باختلاف.
2 ـ عقد الدرر في أخبار المنتظر : 56 ـ انتشارات نصايح ـ قم ـ 1416 هـ.
3 ـ فرائد السمطين 2/325 رقم 575 عن حذيفة بن اليمان ـ مؤسسة المحمودي ـ بيروت ـ 1400 هـ.
4 ـ الصواعق المحرقة : 249 وما بعدها.
(19)
وهذا الحديث رواه كما في المصادر : أبو الحسن الدارقطني ، أبو المظفر السمعاني ، أبو عبدالله الكنجي ، وابن الصبّاغ المالكي (1).
الحديث الثالث : قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « يخرج المهدي من ولد الحسين من قبل المشرق ، لو استقبلته الجبال لهدمها واتّخذ فيها طرقاً ».
وهذا الحديث كما في المصادر عن نعيم بن حمّاد ، والطبراني ، وأبي نعيم ، والمقدسي صاحب كتاب عقد الدرر في أخبار المنتظر (2).
هذا بحسب الروايات و أمّا بحسب أقوال العلماء المحدّثين والمؤرّخين والمتصوفين ، هؤلاء أيضاً يصرّحون بأنّ المهدي ابن الحسين ، أي من ذريّة الحسين ، ويضيفون على ذلك أنّه ابن الحسن العسكري ، وأيضاً مولود وموجود ، هؤلاء عدة كبيرة من العلماء من أهل السنّة في مختلف العلوم ، أذكر أشهرهم :
أحمد بن محمّد بن هاشم البلاذري ، المتوفى سنة 279 هـ.
أبو بكر البيهقي ، المتوفى سنة 458 هـ.
ابن الخشّاب ، المتوفى سنة 567 هـ.
ابن الازرق المؤرخ ، المتوفى سنة 590 هـ.
1 ـ البيان في أخبار صاحب الزمان للكنجي الشافعي : 502 ( ضمن كفاية الطالب ) ـ دار احياء تراث أهل البيت ـ طهران ـ 1404 هـ.
الفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكي : 296 ـ منشورات الاعلمي ـ طهران.
2 ـ عقد الدرر للسلمي الشافعي : 223.
سبط ابن الجوزي الحنفي ، المتوفى سنة 654 هـ.
(20)
ابن عربي الاندلسي صاحب الفتوحات المكية ، المتوفى سنة 638 هـ.
ابن طلحة الشافعي ، المتوفى سنة 653 هـ.
الكنجي الشافعي ، المتوفى سنة 658 هـ.
صدر الدين القونوي ، المتوفى سنة 672 هـ.
صدر الدين الحموي ، المتوفى سنة 723 هـ.
عمر بن الوردي المؤرخ الصوفي الواعظ ، المتوفى سنة 749 هـ.
صلاح الدين الصفدي صاحب الوافي بالوفيات ، المتوفى سنة 764 هـ.
شمس الدين ابن الجزري ، المتوفى سنة 833 هـ.
ابن الصبّاغ المالكي ، المتوفى سنة 855 هـ.
جلال الدين السيوطي ، المتوفى سنة 911 هـ.
عبد الوهاب الشعراني الفقيه الصوفي ، المتوفى سنة 973 هـ.
ابن حجر المكي ، المتوفى سنة 973 هـ.
علي القاري الهروي ، المتوفى سنة 1013 هـ.
عبد الحق الدهلوي ، المتوفى سنة 1052 هـ.
شاه ولي الله الدهلوي ، المتوفى سنة 1176 هـ.
القندوزي الحنفي ، المتوفى سنة 1294 هـ.
فظهر إلى الان :
أوّلاً : أنّ المهدي ( عليه السلام ) من هذه الاُمّة.
ثانياً : المهدي ( عليه السلام ) من بني هاشم.
ثالثاً : المهدي ( عليه السلام ) من عترة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
(21)
رابعاً : المهدي ( عليه السلام ) من ولد فاطمة ( عليها السلام ).
خامساً : المهدي ( عليه السلام ) من ولد الحسين ( عليه السلام ).
ولكلّ واحد من هذه النقاط : كونه من هذه الاُمّة ، كونه من بني هاشم ، كونه من عترة النبي ، كونه من ولد فاطمة ، كونه من ولد الحسين ، لكلّ بند من هذه البنود ، روايات خاصة ، ولم نتعرض لها لغرض الاختصار.
فانتهينا إذن من الفصل الاول.
(22)
(23)
الفصل الثاني
هناك بحوث تدور حول روايات في كتب السنّة تخالف هذا الذي انتهينا إليه ، ولربّما اتّخذ بعض العلماء من أهل السنّة ما دلَّت عليه تلك الروايات عقيدةً لهم ، ودافعوا عن تلك العقيدة ، إلاّ أنّنا في بحوثنا حقّقنا أنّ تلك الروايات المخالفة لهذا العقيدة ، إمّا ضعيفة سنداً ، وإمّا فيها تحريف ، والتحريف تارةً يكون عمداً ، وتارة يكون سهواً ، وتلك البحوث هي :
أوّلاً : الخبر الواحد الذي ورد في بعض كتبهم في أنّ « المهدي هو عيسى ابن مريم » (1) ، فليس من هذه الاُمّة ، وإنّما المهدي هو عيسى بن مريم ، فالمهدي الذي أخبر به رسول الله في تلك الروايات الكثيرة المتواترة التي دوّنها العلماء في كتبهم ، وأصبحت روايات موضع وفاق بين المسلمين ، وأصبحت من ضمن عقائد المسلمين ، المراد من المهدي في جميع تلك الروايات هو عيسى بن مريم.
وهذه رواية واحدة فقط موجودة في بعض كتب أهل السنّة.
وثانياً : الخبر الواحد الذي ورد في بعض كتبهم من أنّ « المهدي من ولد
1 ـ المنار المنيف لابن قيم الجوزية : 148 ، كنز العمال 14/263 ح 38656.
(24)
العباس » (1) ، فليس من أهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
وهذا كأنّه وضع في زمن بني العباس لصالح حكّام بني العباس.
وثالثاً : الخبر الواحد الذي في كتبهم من أنّه « من ولد الحسن » (2) ، لا من ولد الحسين.
و هذا ايضا خبر واحد.
ورابعاً : الخبر الواحد الذي في بعض كتبهم من أنّ « اسم أبي المهدي اسم أبي النبي » (3) ، وأبو النبي اسمه عبدالله ، فلا ينطبق على المهدي ابن الحسن العسكري سلام الله عليهم ، فتكون رواية مخالفة لما ذكرناه واستنتجناه من الادلة.
وخامساً :
ما عزاه ابن تيميّة إلى الطبري وابن قانع من « أنّ الحسن العسكري قد مات بلا عقب » وإذا كان الحسن العسكري قد مات بلا عقب ، فليس المهدي ابن الحسن العسكري.
فهذه بحوثٌ لابدّ من التعرّض لها وإثبات ضعف هذه الاحاديث المخالفة ، أو إثبات أنّها روايات محرّفة.
أمّا ما نسبه ابن تيميّة إلى الطبري صاحب التاريخ ، وإلى ابن قانع ، فهو كذب ، وقد حققته بالتفصيل في بعض مؤلفاتي.
وأمّا بالنسبة إلى البحوث الاُخرى ، فلو أردنا الدخول في تحقيقها
1 ـ المصدر نفسه : 149 ، كنزالعمال : 14/264 ح 38663.
2 ـ المنار المنيف لابن قيّم الجوزية : 151.
3 ـ كنز العمال 14/268 ح 38678.
(25)
لاحتجنا إلى وقت إضافي ، فإن شاء الله تعالى بعد أن أُكمل البحث في هذه الليلة في الفصل الثالث ، إن بقي من الوقت شيء ، ندخل في هذه البحوث لغرض التفصيل ، وإلاّ فلا ضرورة.
وحينئذ نصل إلى الفصل الثالث.
(( ضمن كتاب الامام المهدي - سيد علي الميلاني ))