السفراء والأدلة على سفارتهم

طباعة

السفراء والأدلة على سفراتهم:
 
  إنّ الامام (عليه السلام) في فترة الغيبة الصغرى كان وثيق الصلة بقواعده الشعبية، لكن بطريقة تماس تتناسب مع غيبته (عليه السلام)، وهذه الطريقة هي عبارة عن طريقة السفراء.
مسألة السفراء من المسائل المهمّة في واقع الامر، يعني كيف نعرف أنّ هذا الشخص سفير عن الامام سلام الله عليه، لا سيما وأنّنا نعلم أن هنالك من ادعى السفارة كذباً وزوراً، وهذا باب واسع فتحه جملة من العلماء، مثلا عقد الشيخ الطوسي و الشيخ الصدوق و العلامة المجلسي أعلى الله مقامهم فصولاً في أسماء الذين ادعوا السفارة كذباً وزوراً، والحال يقتضي أنّ الوضع والكذب وارد، باعتبار أنّ مقام السفارة عن الامام مقام مقدس وعظيم أعظم من مقام المرجعية في زماننا، فلا يبعد أن يتنافس عليه الكثير وأن يدّعيه الكثير، فلابد من مثبتات في قضية السفارة حتى نستطيع أن نعرف الصادق من الكاذب والواقع يدل على أن هذا المنصب المقدّس قد ادّعاه البعض زوراً وبهتاناً ، منهم :
1 ـ الهلالي أحمد بن هلال العبرتائي، (منطقة من بغداد والكوت).
2 ـ البلالي محمد بن علي بن بلال.
3 ـ النميري محمد بن نصير النميري.
4 ـ الحسين بن منصور الحلاج الصوفي المعروف، الذي قتله الملك العباسي.
5 ـ أبو محمد الحسن السريعي أو الشريعي.
6 ـ محمد بن علي بن أبي العزاقر الشلمغاني المعروف، الذي كان من أعلام الشيعة وألّف كتباً في التشيع، ولكنه لمنافسة جرت بينه وبين الحسين بن روح النوبختي أعلى الله مقامه الشريف النائب الثالث للامام المهدي سلام الله عليه، حيث خرج الأول عن طوره وأخذ يدّعي دعاوى غير صحيحة، وحكم الامام سلام الله عليه في توقيع من توقيعاته المقدسة بضلاله وانحرافه، وأعلن عن ذلك أيضاً سفيره الحسين بن روح النوبختي. ومحمد بن علي الشلمغاني لم يكن رجلاً من السوقة أو رجلاً من العاديين، إنما كان عالماً من علماء الطائفة، كان وجهاً من وجوه المذهب، وكان قد صدرت عنه تصريحات ضالّة وانحرافات، فوقف منه الامام سلام الله عليه واتخذ منه موقفاً صارماً، وكان كثير التأليف، كانت كتبه تملا المكتبات الاسلامية، فكانت مشكلة للشيعة في ذلك الزمن، رجل يملك هكذا قدسية وهكذا علمية وهكذا فضيلة ينحرف بهذا الشكل، يصعب على الكثير تصديق هذه الفكرة ، فلهذا سألوا الحسين بن روح النوبختي عن هذا الموضوع أنّه يسأل الامام سلام الله عليه.فخرج التوقيع بتحريم قراءة كتبه وأنّها كتب ضلال، حينئذ سألوه:
ما نصنع وبيوتنا مليئة من كتبه؟ يعني ما من بيت إلاّ وفيه كتاب من كتب ابن أبي عزاقر.
قال: أقول لكم كما قال الامام العسكري سلام الله عليه في بني فضال.
«خذوا بما رووا وذروا ما رأوا».
وبنو فضال بيت من البيوت العلميّة الشيعيّة، ولكن هؤلاء ابتلوا بالانحراف وذلك لأنهم صاروا واقفية .
فرواياتنا الموجودة في كتبهم خذوها، لا سيما وأنّها كانت أيّام استقامتهم، وأما آراؤهم فلا تأخذوا بها، خذوا بما رووا وذروا ما رأوا، فكان في الواقع أزمة واجهتها الطائفة، أزمة من ادعى السفارة كذباً...
كم الفرق عظيم بين محمد بن علي الشلمغاني بن أبي عزاقر، هذا الرجل العالم الضال، وبين أبي سهل النوبختي، وجعفر بن أحمد بن متيل، أذكر مثالين كدرس أخلاقي لنا:
الرواية التي يرويها شيخ الطائفة أعلى الله مقامه الشريف في الغيبة عن جعفر بن أحمد بن متيل ـ من وجوه الشيعة ومن أعلامهم ـ يقول: كنت عند رأس محمد بن عثمان بن سعيد ـ يعني النائب الثاني للامام المهدي سلام الله عليه في الغيبة الصغرى ـ وكان أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي عند رجليه، وكان جعفر بن أحمد أقرب الناس لمحمد بن عثمان، وكان مستودع سرّه، وكان الناس إذا جلسوا يرشحون هذا الرجل ـ جعفر بن أحمد ـ أن يكون هو النائب الثالث.
يعني كان السائد في الاجواء حتى في أجواء الخاصة آنذاك أنّ النائب الثالث هو جعفر بن أحمد بن متيل، رجل له هكذا مقام علمي وله هكذا مركز في العامة والخاصة ، يقول: أنا كنت عند رأس محمد بن عثمان وكان ابو القاسم الحسين بن روح النوبختي عند رجليه.
وإذا به في آخر ساعة من ساعات حياته يلتفت ويقول: يا جعفر أمرت أن أوصي من بعدي للحسين بن روح.
 
يقول شيخ الطائفة: فقام جعفر بكل أدب وامتثال وأخذ بيدي الحسين بن روح وأجلسه عند رأس محمد بن عثمان وجلس هو عند رجليه.
واقعاً هذا يحتاج الى مجاهدة النفس أي أن يكون الإنسان في موقع عالي ويقال له إنّ الحجة في هذا المورد، فيتبع الحجة ولا يتبع الهوى.
وسئل أبو سهل النوبختي لماذا لم تكن السفارة فيك بعد محمد بن عثمان؟ قال: أنا رجل القى الخصوم فربما ضغطتني الحجة فدللتُ على المكان.
يعني ، ربما أنا أتضايق ولا أتحمل أو أعرّض للتعذيب، فربما دللت على المكان، والمكان يعني مكان الامام صلوات الله عليه، فهي قضية خطيرة، أنّني رجل ألقى الخصوم أخاصمهم كثيراً، فربما ضغطتني الحجة فدللت على المكان.
وأمّا أبو القاسم فانه رجل لو كانت الحجة تحت ذيله وقرّض بالمقاريض ما كشف الذيل عنه.
وهذا يذكرنا بموقف العبد الصالح علي بن جعفر أعلى الله مقامه الذي هو من علماء أهل البيت سلام الله عليهم ابن الامام الصادق وأخو الامام موسى بن جعفر (عليهما السلام)، الذي هو أيضاً كان يسوّي ركاب الامام الجواد سلام الله عليه على شيبته، فكان يسأل أنّه لماذا تصنع به وأنت عم أبيه؟ فقال: كيف لا وقد رأى الله هذا الصبي لهذا الامر أهلاً ولم ير هذه الشيبة لهذا الامر أهلاً.
المسألة ليست مسألة مغالبة ومنافسة على مقام، المسألة مسألة دين وحجة وهي من مختارات الله عزوجل.
فإن مدرسة عرفت بالانضباط والدقة واعتنت عناية بالغة بقضية السفراء الاربعة فهذا دليل واضح على ثبوت السفارة لهؤلاء السفراء (قدس الله أسرارهم).
ثبوت نيابة السفراء الاربعة.
كان ثبوت نيابتهم بشهادة الثقات، وهم بالمئات في مجاميع كثيرة فيما تروي الروايات، وطبيعي أنّ المقام لا يسع لبسط جميع الروايات الواردة في كمال الدين وتمام النعمة للصدوق وغيبة الطوسي و غيبة النعماني أعلى الله مقامهم أو ما شاكل، ولكن نشير بنحو الجدولة أنّ هنالك اتفاقاً من الرواة والعلماء على شهادة الامام العسكري (عليه السلام) بوثاقة عثمان بن سعيد العمري رحمه الله، وأنّ الامام المهدي سلام الله عليه أقرّه في منصبه وفي زمن غيبته الصغرى، وكان يقول: «اسمعوا له واطيعوا» وهذا المعنى في واقع الامر أخذ يتداول باعتبار النصّ عليه: «اسمعوا له واطيعوا»، ثم لا يخفى أن مما يطاع فيه نصه على من بعده، فقد نص على ولده محمد بن عثمان من بعده. فعثمان بن سعيد نصّ عليه الامام العسكري والامام المهدي (عليهما السلام).
 ومحمد بن عثمان نص عليه الامام العسكري (عليه السلام) في الرواية التي أشرت لها في الاثناء ، وفي نفس الوقت نصّ عليه الامام المهدي(عليه السلام) ونصّ عليه أبوه عثمان وقال في حقه أيضاً: اسمعوا له وأطيعوا. ومحمد بن عثمان هذا أطول نواب الامام فترة، فكانت نيابته قرابة أربعين سنة، يعني من سنة مئتين وأربع وستين إلى سنة ثلاثمئة وأربعة. ومن بعده تولّى الامر الحسين بن روح النوبختي أبو القاسم رضوان الله عليه، نصّ عليه ابو جعفر محمد بن عثمان النائب الثاني. والحسين بن روح نصّ أيضاً على أبي الحسن علي بن محمد السمري، وذلك بأدلة ووثائق نقلتها أغلب كتب الروايات والتأريخ.
ويدعم ذلك أو قل أنّه يدل على نيابتهم فضلاً عن هذه النصوص إجماع الطائفة الحقة والفرقة المحقة.
فالطريق الاول: لاثبات نيابتهم اتفاق ثقات الرواة والعلماء على نص الامام المعصوم (عليه السلام) على أولهم، ثم شهادتهم على نصّ السابق على اللاحق باعتبار أن مما تجب طاعة النائب واجب الطاعة فيه هو تعيينه لمن يأتي من بعده.
الطريق الثاني: نقلهم لخط الامام سلام الله عليه المعروف، وهذا أيضاً أشار إليه الشيخان الصدوق والطوسي رضوان الله عليهما، قالوا في ضمن كلامهم: ممّا كان يعرف به الناس أنّ هذا سفير الامام سلام الله عليه أنّه كان الوحيد الذي يتصدّى لنقل خط الامام وتوقيعاته المقدسة.
وخط الامام معروف، لانّ المسألة متصلة بزمن الحضور، فخط الامام المهدي (عليه السلام) معروف في زمن حياة أبيه الامام، اطلع شيعته على ولده المهدي وعلى خطه وتوقيعه، فكان خطه وتوقيعه مألوفاً للناس، ولهذا عبارة الشيخ الطوسي والشيخ الصدوق أنّه كانت تخرج التوقيعات بالخط الذي كان في عهد الامام العسكري سلام الله عليه، يعني خط الامام المهدي سلام الله عليه الذي رآه وشاهده الناس في زمن الامام العسكري (عليه السلام). فإذن قضية خط الامام وتوقيع الامام الذي كان ينفرد به هذا السفير الصادق الامين، كانت أيضاً طريقة من طرق الاثبات.
 الطريق الثالث: مضافاً إلى ذلك قضية الكرامات الكثيرة التي كانت تجري على أيديهم لاثبات سفارتهم، وبعض الكرامات تجري على أيديهم مباشرةً بعنوانهم، وتارةً كانت تجري على أيديهم منسوبةً إلى موكلهم صلوات الله وسلامه عليه، يعني هو النائب يقول: أخبرني بذلك سيدي، كما في القضية المعروفة المنقولة عن أبي علي البغدادي، والرواية يرويها الشيخ الصدوق أعلى الله مقامه في إكمال الدين يقول: جاءت أمرأة تسأل عن نائب الامام سلام الله عليه في الغيبة الصغرى.
وكانت أيّام نيابة الحسين بن روح النوبختي، فقال لها رجل من قم: النائب هو الحسين بن روح، فدخلت على أبي القاسم، فكانت معها حقيبة أو محفظة فيها جملة من المجوهرات ـ الذهب وما شاكل ذلك ـ فدخلت عليه وسألته ـ أرادت أن ترى منه كرامة حتى تعرف أنّه هو النائب حقاً ـ قالت له: أخبرني بما تحت عباءتي؟ قال لها: القيه في دجلة ثم اقبلي إلينا لوجهك، يقول أبو علي البغدادى: والله أنّي شاهد هذه القضية ما زدت فيها ولا نقصت حرفاً، فذهبت والقتها في دجلة ثم رجعت بسرعة إلى الحسين بن روح، وإذا بها تجد محفظتها بين يدي الحسين بن روح وبعدها على قفلها لم تفتح، قال: أو أخبرك بما فيها؟ قالت: وما؟ قال: فيها كذا مجوهرات، كذا حلقات ذهب، كذا سوار، كذا خصوصيات إلى آخره، يقول: فوالله لقد دهشت أنا والمرأة وعجبنا وسألناه ممّ علمت ذلك؟ قال: دلّني على ذلك سيدي صاحب الامر صلوات الله عليه.
أو قضية الشيخ الصدوق أعلى الله مقامه الشريف مع محمد بن علي الاسود القمي رضوان الله عليه الذي كان من أجلاء الطائفة في قم، هذا الرجل كلّفه أو طلب منه علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ـ يعني والد الشيخ الصدوق رحمه الله ـ قال: أطلب منك أن تلتمس لي الحسين بن روح أبا القاسم أن يطلب من سيدي صاحب الامر (عليه السلام) أن يرزقني الله ولداً، بالفعل طلب منه هذا المعنى وأبو القاسم نقله لصاحب الامر سلام الله عليه، يقول بعد ثلاثة أيام واف الجواب، قال إنّه (عليه السلام) يقول: إنّ الله تعالى سيرزقك ولداً ينفع الله به الناس، يقول محمد بن علي: أنا شخصيّاً أيضاً كنت أتمنى الولد، وقلت لابي القاسم: آتيني بالجواب، يقول: جاءني بالجواب أنّه عن الامام سلام الله عليه أن الله تبارك وتعالى له أمر هو بالغه فيك، يعني أنا كأنّه ما استجيبت دعوتي في قضية الولد، لكن علي بن حسين استجيبت دعوته بتوسل الامام وببركة الامام ـ طبعاً الذي يرزق هو الله سبحانه وتعالى ـ بالفعل يقول والد الشيخ الصدوق والشيخ الصدوق نفسه يروي القضية في كمال الدين وتمام النعمة: وولد الشيخ الصدوق ببركة دعاء الامام صاحب الامر سلام الله عليه وبواسطة أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي، يقول الشيخ الصدوق: فكنت إذا حضرت مجلس ابن الوليد أستاذي محمد بن الحسن بن الوليد في قم كانت له حلقة دراسيّة كبيرة في قم كنت أحضر وأنا صغير، فإذا رأى علمي وأجوبتي أعجب بها وقال: لا غرو وأنت دعاء صاحب الامر، يعني لا عجب أن تنبغ وأنت ولدت بفضل دعاء صاحب الامر صلوات الله وسلامه عليه.
وهناك كرامات كثيرة من هذا القبيل ذكرت، هذه الكرامات كانت تعزّز صدق نيابة هؤلاء النواب وسفارتهم عن الامام سلام الله عليه.