وهل للفرد كلّ هذا الدور؟!

البريد الإلكتروني طباعة

( المبحث السابع )

وهل للفرد كلّ هذا الدور؟!

ونأتي إلى سؤال آخر في تسلسل الأسئلة المتقدمة ، وهو السؤال الذي يقول : هل للفرد مهما كان عظيماً القدرة على إنجاز هذا الدور العظيم؟ وهل الفرد العظيم إلاّ ذلك الإنسان الذي ترشحه الظروف ليكون واجهةً لها في تحقيق حركتها؟

والفكرة في هذا السؤال ترتبط بوجهة نظر معينة للتاريخ تفسره على أساس أنّ الإنسان عامل ثانوي (١) فيه ، والقوى الموضوعية المحيطة به هي العامل الأساسي ، وفي إطار ذلك لن يكون الفرد في أفضل الأحوال إلاّ التعبير الذكي عن اتجاه هذا العامل الأساسي.

ونحن قد أوضحنا في مواضع أخر من كتبنا المطبوعة (٢) أنّ التاريخ يحتوي على قطبين : أحدهما الإنسان ، والآخر القوى المادية المحيطة به. وكما تؤثر القوى المادية وظروف الإنتاج والطبيعية في الإنسان ، يؤثر الإنسان ايضاً فيما حوله من قوى وظروف ، ولا يوجد مبرر لافتراض العكس ، فالإنسان والمادة يتفاعلان على مرّ الزمن ، وفي هذا الإطار بإمكان الفرد أن يكون أكبر من ببغاء في تيار التاريخ ، وبخاصة حين ندخل في الحساب عامل الصلة بين هذا الفرد والسماء (3). فإن هذه الصلة تدخل حنيئذٍ كقوة موجّهة لحركة التاريخ. وهذا ما تحقق في تاريخ النبوّات ، وفي تاريخ النبوّة الخاتمة بوجه خاص ، فإنّ النبيّ محمداً 6 بحكم صلته الرسالية بالسماء تسلّم بنفسه زمام الحركة التاريخية ، وأنشأ مدّاً حضارياً لم يكن بإمكان الظروف الموضوعية التي كانت تحيط به أن تتمخض عنه بحال من الأحوال ، كما أوضحنا ذلك في المقدمة الثانية للفتاوى الواضحة (4).

وما أمكن أن يقع على يد الرسول الاعظم يمكن ان يقع على يد القائد المنتظر من أهل بيته الذي بشّر (5) به ونوّه عن دوره العظيم.

 

( المبحث الثامن )

ما هي طريقة

التغيير في اليوم الموعود؟

ونصل في النهاية إلى السؤال الأخير من الأسئلة التي عرضناها ، وهو السؤال عن الطريقة التي يمكن ان نتصور من خلالها ما سيتمّ على يد ذلك الفرد من انتصار حاسم للعدل ، وقضاء على كيانات الظلم المواجهة له.

والجواب المحدد عن هذا السؤال يرتبط بمعرفة الوقت والمرحلة التي يقدّر للإمام المهدي 7 ان يظهر فيها على المسرح ، وإمكان افتراض ما تتميز به تلك المرحلة من خصائص وملابسات لكي ترسم في ضوء ذلك الصورة التي قد تتخذها عملية التغيير ، والمسار الذي قد تتحرك ضمنه ، وما دمنا نجهل المرحلة ولا نعرف شيئاً عن ملابساتها وظروفها فلا يمكن التنبؤ العلمي بما سيقع في اليوم الموعود ، وإن امكنت الافتراضات والتصورات التي تقوم في الغالب على أساس ذهني لا على أسس واقعية عينية.

وهناك افتراض أساسي واحد بالإمكان قبوله على ضوء الأحاديث التي تحدثت عنه (6) والتجارب التي لوحظت لعمليات التغيير الكبرى في التاريخ ، وهو افتراض ظهور المهدي عليه السلام في أعقاب فراغ كبير يحدث نتيجة نكسة وأزمة حضارية خانقة (7) وذلك الفراغ يتيح المجال للرسالة الجديدة أن تمتدّ ، وهذه النكسة تهيّء الجو النفسي لقبولها ، وليست هذه النكسة مجرد محادثة تقع صدفة في تاريخ الحضارة الإنسانية ، وإنما هي نتيجة طبيعية لتناقضات التاريخ المنقطع عن الله ـ سبحانه وتعالى ـ التي لا تجد لها في نهاية المطاف حلاًّ حاسماً فتشتعل النار التي لا تبقي ولا تذر ، ويبرز النور في تلك اللحظة ؛ ليطفئ النار ويقيم على الأرض عدل السماء.

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين. وقد وقع الابتداء في كتابة هذه الوريقات في اليوم الثالث عشر من جمادى الثانية سنة ١٣٩٧ هـ ، ووقع الفراغ منها عصر اليوم السابع عشر من الشهر نفسه.

والله ولي التوفيق.

محمد باقر الصدر ـ النجف الأشرف

تمّ الفراغ من تحقيق هذا الكتاب في شهر رجب المرجب من سنة ١٤١٦ هـ وذلك في قم المقدسة.

الدكتور عبد الجبار شرارة

 

__________________

(١) إشارة إلى نظرية المادية التاريخية ، أي إلى التفسير الماركسي للتاريخ ، راجع : اقتصادنا ١ : ١٩ ، وفيه تحليل علمي ومناقشة فلسفية عميقة بقلم الإمام الشهيد الصدر رضي الله عنه.

(٢) إشارة الى كتاب ( فلسفتنا) ، وإلى مقدمة كتاب ( اقتصادنا).

(3) راجع : كتاب الأبطال ( البطل في صورة نبي ) / توماس كارليل / ترجمة الدكتور السباعي ، سلسلة الألف كتاب ـ مصر.

(4) راجع المقدمة الثانية في الفتاوى الواضحة : ص ٦٣ ، وفيها توضيح وتفصيل لهذه المسألة.

(5) التاج الجامع للأصول ٥ : ٣٤٣ ، عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي 6 : « إلمَهْدِي منّي أَجلَى اَلجَبهَة أَقنى الأنفَ يَملأ الأرضَ قِسْطاً وَعَد كما مُلِئت ظلماً وجَورا ».

(6) إشارة إلى علامات الظهور أو الملابسات والاحداث والوقائع التي تسبق ظهوره المبارك أو ترافق ظهوره كما صوّرتها الروايات ووردت بها الآثار الصحيحة ، وقد بسطت تفصيلاً في (عصر الظهور ) للسيد محمد الصدر. وراجع : الإرشاد / الشيخ المفيد : ص ٣٦٥ وما بعدها وراجع أيضاً : الإشاعة لأشراط الساعة / محمد بن رسول الحسيني البرزنجي.

(7) وفيه إشارة إلى ما يمكن ان تنجرّ إليه الإنسانية من أزمة حضارية بسبب التنافسات والصراعات بين الحضارات المادية والكيانات السياسية ، وفشلها في تحقيق الأمن والاستقرار والسعاده للإنسان ، ولقد بدأت بوادر مثل هذا الفراغ تظهر وتتسع شيئاً فشيئاً في عصرنا الراهن في شرق الأرض وغربها ، وكلّ متنبع للأخبار والتقارير الصحفية والتحقيقات الخبرية يعرف ذلك جيداً. وما اليوم الموعود ببعيد.

ضمن كتاب بحث حول المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف