مسألة الغيبة و وجود بطلها القائم بالسيف عج

طباعة

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤلف

الحمد لله الذي أنعم علينا بآلائه وأياديه ، والصلاة والسلام على من أرسله هدى ورحمة للعالمين وآله الذين اصطفاهم أئمة وهداة للناس. وبعد فلما كانت مسألة الغيبة ، ووجود بطلها القائم بالسيف ، والعدل المنتظر الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا الحجة الإمام المهدي بن الحسن العسكري ( عليهما السلام ) الغائب عن الأبصار ، من المسائل التي ينبغي أن تكون في الجلاء كالشمس في رابعة النهار ، والتي تأبى من الارتياب ، ولا يتسع المجال فيها للشك ، ولكن حب الخلاف قد يدعو الكثيرين إلى الخروج عن كل ما تقوله الإمامية ، وينظرون إليه بأنظار عليها غشاء العصبية ، وينكرونها كإنكارهم الشمس في رأد الضحى ويتجاهلونها كتجاهل العارف حنقا وغيظا. ومنهم : أبو الفوز محمد أمين البغدادي الشهير بالسويدي ، صاحب كتاب ( سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب ) إذ مع اعترافه فيه بأن الأخبار لكثيرة تدل على أن قبل القيامة يأتي المهدي الذي هو القائم في آخر الوقت ، وأنه يملأ الأرض عدلا وقسطا ، وبأن عليه إجماع علماء الإسلام ، ينكر وجوده الآن ، وغيبته الصغرى والكبرى ، ويخالف ما أجمع عليه المؤمنون وكبار محدثيهم ، وأوثق ثقاتهم ، بدون اختصاص فرقة من الفرق ( كما سيأتي توضيحه بما ننقله عنهم ) بأنه ( أعني محمد بن الحسن العسكري عليهما السلام هو : المهدي عليه السلام القائم بالسيف قبل قيام القيامة وأنه موجود الآن.

ومن أعجب العجاب ، أن ذلك الفاضل الجليل ، قد أراد أن يبطل ذلك القول بأصول الشيعة التي أصلوها للإمامة ، من باب أن نصب الإمام لطف ، وكل لطف واجب على الله تبارك وتعالى ، فنصب الإمام واجب عليه تقدس وعلا. ولقد طبع ذلك الكتاب ( سبائك الذهب ) أخيرا مع هذه الزخارف ، في إحدى مطابع النجف الأشرف ، بدون رد عليه ، أو حاشية تشير بفساد هذا الزعم وبطلانه فعثر عليه بعض أحبتنا الكرام - كما اطلع عليه الكثير من أهالي النجف وقاطنيها - فأمرني أن أرد عليه ردا خاليا عن الإطناب الممل والإيجاز المخل ومع عرفاني بأن سواعدي قصيرة عن تناول هذه المنية ، وعواتقي لا تحتمل مثل هذا العب ء ، بادرت إلى الإجابة مخافة أن تسري هذه المكروبات التخيلية الفاسدة ، إلى أذهان النشئ الجديد ، فيدخلها من دون إذن ، وهي خالية من القوى الدافعة لهذا الزعم الباطل ، مستعينا بلطف الرب الجليل ، ومتكلا عليه ، وهو الموفق والمعين.

الإمام الثاني عشر

كلمة السويدي فأقول : لقد قال هذا الفاضل في كتابه ( سبائك الذهب ) 78 ، لما وصل إلى اسم محمد بن الحسن العسكري عليه السلام ما لفظه : ( وكان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين ، وكان مربوع القامة ، حسن الوجه والشعر ، أقنى الأنف ، صبيح الجبهة. وزعم الشيعة أنه غاب في السرداب بسر من رأى والحرس عليه ، سنة مائتين واثنتين وستين ، وأنه صاحب السيف القائم المنتظر قبل قيام الساعة ، وله قبل قيامه غيبتان ، إحداهما أطول من الأخرى. قلت : ومما يبطل كون المهدي محمد هذا هو المنتظر قبل الساعة : أصولهم التي أصلوها للإمامة وهي ما ذكروا في كتبهم من أن نصب الإمام واجب على الله تعالى ، وأنه لا يجوز على الله أن يخلو ( الظاهر : يخلي ) الزمان من الإمام ، وعندهم الإمامة محصورة في هؤلاء الاثني عشر الذين (16) ذكرناهم ، وهم الذين يوجبون العصمة لهم (17) ، فيقتضي أن الله قد ترك ما هو واجب عليه من عدم نصب المهدي إماما بعد موت أبيه ، بل أخر ذلك إلى آخر الزمان. إن قالوا : إنه إمام الآن. فنقول : وأي فائدة من إمام مختف عاجز ، لا يقدر على رفع الظلم ؟ مع أن زمان الأئمة الذين قبله كان أقرب لنبي الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد ظهروا ، وهذا الزمان أحوج إلى ظهور الإمام فيه ، لبعده عن عصر النبوة ، وزيادة الجور فيه. والذي اتفق عليه العلماء : أن المهدي هو القائم في آخر الزمان ، وأنه يملأ الأرض عدلا ، والأحاديث فيه وفي ظهوره كثيرة ليس هذا الموضع محل ذكرها ، لأن هذا الكتاب لا يتسع لنقل مثل هذا ) انتهى ما قال. الرد أقول : ومما يشيب الطفل الصغير ، ويهرم الشيخ الكبير عجبا ، قول ذلك الفاضل : - ومما يبطل كون المهدي محمد هذا هو... الخ ، لأنه ادعى ولم يأت بالدليل عليه ، وكيف يمكن لأحد أن يقيم برهانا على هذه الدعوى الفاسدة ، ويتسنى لمن له عقل سليم ، أن يثبت أن دعوى المهدي عليه السلام هو محمد بن الحسن عليه السلام القائم بالسيف يبطلها أصولنا التي أصلناها للإمامة ؟ ! في حين أنها هي المثبتة لوجود صاحب الزمان ، وكونه قائما بالسيف. فإنا نقول (18) : إن الإمام يحث الناس على الطاعات ، ويصدهم عن المعاصي ، ويمنعهم عن التغالب والتهاوش ، ويبعثهم على التناصف والتعادل ، وكل من يصدر منه هذه الأمور فهو لطف ، فالإمام لطف ، وكل لطف واجب على الله تعالى ، فنصب الإمام واجب عليه تقدس ، ما دام الناس موجودين ، ولو كان زمنهم أبعد الأزمنة عن عصر النبوة. لا يقال الإمام إنما يكون لطفا ، إذا كان متصرفا بالأمر والنهي ، وأنا لا نقول به ، فما نعتقده لطفا ، لا نقول بوجوبه ، وما نقول بوجوبه ليس بلطف : لأنا نقول : إن وجود الإمام نفسه لطف بوجوه : أحدها : أنه يحفظ الشرائع ، ويحرسها عن الزيادة والنقصان وثانيها : أن اعتقاد المكلفين بوجود الإمام ، وتجويز نفوذ حكمه عليهم في كل وقت سبب لردعهم عنم الفساد وتقربهم إلى الصلاح. وهذا معلوم بالضرورة ، كما عليه فرقتنا الناجية ، بعدما عرفت ولي الله في عصرها وإمامها ، فإنها تقرب إلى الصلاح وترتدع عن الفساد في الدين وغيره. وثالثها : إن تصرف الإمام لا شك أنه لطف ، وذلك لا يتم إلا بوجوده ، فيكون وجود نفسه لطفا ، وتصرفه لطفا آخر. ولأنا نقول ( أنظر ( تلخيص الشافي ) و ( الغيبة ص 11 ) لشيخ الطائفة ، و ( شرح ) التجريد ) للعلامة ص 285 - 286 ) : الإمامة اللطفية يعتبر فيها ثلاث جهات : الأولى منها : ما يجب على الله تعالى ، وهو خلق الإمام ، وتمكينه بالقدرة والعلم والنص عليه باسمه ونسبه ، وهذا قد فعله الله تعالى في صاحب الزمان ، لأنه قال في كتابه المبين للنبي صلى الله عليه وآله : ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) ( سورة النجم ) ، فظهر أن كلما يقول ويأمر به النبي صلى الله عليه وآله  هو عن أمر الله عز وجل ، والنبي صلى الله عليه وآله  قد قال بإمامة صاحب الزمان وأخبر عنه ، وأمر بإطاعته ، كما وصل إلينا من الأخبار الكثيرة ، والروايات الجمة المتواترة ، من أوثق مصادرها ، فلو لم يكن نصبه من الله عز وجل قد نصب المهدي بن الحسن عليه السلام إماما لنا ، وهو صاحب زماننا عجل الله فرجه. والثانية : ما يجب على الإمام ، وهو تحمله للإمامة وقبوله لها ، وهذا قد فعله الإمام صاحب الزمان عليه السلام ، كما يظهر من الروايات الكثيرة التي فيها ذكر الذين وصلوا إلى خدمته ، في زمان غيبته الصغرى. (19) والثالثة : ما يجب على الرعية ، وهو مساعدته ، والنصرة له ، وقبول أوامره وامتثال قوله ، ومن المعلوم أن الرعية لم تكن تساعده وتنصره ، وتقبل أوامره ، كما لم تفعل مع أئمتنا الذين مضوا قبل هذا الإمام ، فغيبته وحضوره من هذا الجهة سواء. (20) وبهذا يندفع بالكلية ما أشكل به بقوله ، فنقول : وأي فائدة في إمام مختف عاجز لا يقدر على رفع الظلم ؟ مع أن هذا الإشكال بزعم هذا الفاضل يجري في الله تبارك وتعالى عن ذلك أيضا لأن الله - وهو أجل من جميع المخلوقات - مختف عن أبصارنا كما يدل قوله عز وجل : ﴿ لَّا تُدْرِ‌كُهُ الْأَبْصَارُ‌(21) ، وهو أقدر من الإمام على رفع الظلم لأنه مستجمع لجميع الصفات الكمالية ، ومع ذلك كله لا يرفع الظلم والمناكير والفواحش من الناس ، فيقال : - تقدس شأنه عن ذلك كله وتعالى - : ما الفائدة في أن الله تعالى مختف عاجز لا يقدر على رفع الظلم ؟ ! وأما ما قال : زعم الشيعة :

1 - أنه غاب في السرداب بسر من رأى والحرس عليه سنة مائتين واثنتين وستين و

2 - أنه صاحب السيف القائم المنتظر قبل قيام الساعة ، و

3 - له قبل قيامه غيبتان إحداهما أطول من الأخرى ، و

4 - عندهم الإمامة محصورة في هؤلاء الاثني عشر ، و

5-  وهم الذين يوجبون العصمة لهم. فنقول : إن مثل هذا الكاتب الكبير ، لا يحسن به أن ينسى أو يتناسى ما يذهب إليه جماعته ، وأهل مذهبه ، فإن أعاظم علماء أهل السنة شار كونا في الأربعة الأخيرة. وأما الزعم الأول : فلا أدري من أين أثبت أنه من رأي الإمامية ومذهبهم وهو ما لا يذهب إليه أحد منهم (22) ، وعلى كل تقدير فليس هو من الأصول في المذهب ، والشؤون الكبيرة من الباب ، لأن الشأن كله في إثبات غيبته سواء كانت في السرداب أو غيره.

ومن هؤلاء أيضا ( ....... ) = ابن خلدون حيث قال في ( المقدمة ص 352 ) عن الاثني عشرية ما نصه : ( يزعمون أن الثاني عشر من أئمتهم - وهو محمد بن الحسن العسكري ويلقبونه بالمهدي - دخل السرداب بدارهم بالحلة وتغيب حين اعتقل مع أمه وغاب هناك ، وهو يخرج آخر الزمان فيملأ الأرض عدلا ، ويشيرون بذلك إلى الحديث الواقع في كتاب الترمذي في المهدي ، وهم إلى الآن ينتظرونه ويسمونه المنتظر لذلك ، ويقفون في كل ليلة بعد صلاة المغرب بباب هذا السرداب وقد قدموا مركبا فيهتفون باسمه ويدعونه للخروج حتى تشتبك النجوم ثم ينفضون ويرجئون الأمر إلى الليلة الآتية وهم على ذلك لهذا العهد ) ولا يخفى ما فيه من أغلاط وافتراءات. وقد أخذ هذا آخرون ممن تقدم وتأخر منهم ، حتى أن قائلهم قال : ( أما آن للسرداب أن يلد الذي... هذا ، ومن العجيب أنهم لم يذكروا ، أو ينوهوا عن حديث واحد جاء من طرق الشيعة مفيدا لهذا المعنى المدعى ، أو اسم كتاب لعالم من علمائهم نقلوا عنه ذلك ! على أن هذا الاعتقاد لم يأت في أي كتاب للشيعة في أي موضوع كان ، وهذه كتبهم منتشرة بفضل المطابع ، متوفرة لكل أحد أضف إلى ذلك : أن علماء هذه الطائفة ينفون هذه النسبة ، ويعدونها من جملة المفتريات التي لا أصل لها والموجهة إلى الشيعة الإمامية. فقد قال الحجة الكبير الميرزا حسين النوري صاحب المستدرك وغيره من مصادر الحديث لدى هذه الطائفة ، قال في ( كشف الأستار ص ) : ( نحن كلما راجعنا وتفحصنا لم نجد لما ذكروه أثرا ، بل ليس في الأحاديث ذكر للسرداب أصلا... ) وقال آية الله السيد صدر الدين الصدر - قدس سره - في كتاب ( المهدي ص 155 ) : ( وأما بعض ما يقوله في هذا الباب بعض عوام الشيعة ونسبه إلينا كثير من خواص أهل السنة فلا أعرف له مدركا ، ولم أجد له مستندا ) . وقال الشيخ الإربلي رحمه الله في ( كشف الغمة ج 3 ص 283 ) : ( .... ) = ( والذين يقولون بوجوده لا يقولون أنه في سرداب ، بل يقولون أنه موجود ، يحل ويرتحل ، ويطوف في الأرض... ) وقال شيخنا الحجة المجاهد الشيخ عبد الحسين الأميني في ( الغدير ج 3 ص 308 - 309 ) في دحض مفتريات القصيمي صاحب كتاب ( الصراع بين الإسلام والوثنية ) قال ما نصه : ( وفرية السرداب أشنع وإن سبقه إليها غيره من مؤلفي أهل السنة لكنه زاد في الطمور نغمات بضم الحمير إلى الخيول وادعائه اطراد العادة في كل ليلة واتصالها منذ أكثر من ألف عام. والشيعة لا ترى أن غيبة الإمام في السرداب ولا هم غيبوه فيه ولا أنه يظهر منه ، إنما اعتقادهم المدعوم بأحاديثهم أنه يظهر بمكة المعظمة تجاه البيت ، ولم يقل أحد في السرداب : أنه مغيب ذلك النور ، وإنما هو سرداب دار الأئمة بسامراء ، وأن من المطرد إيجاد السراديب في الدور وقاية من قايظ الحر ، وإنما اكتسب هذا السرداب بخصوصه الشرف الباذخ لانتسابه إلى أئمة الدين وأنه كان مبوأ لثلاثة منهم كبقية مساكن هذه الدار المباركة ، وهذا هو الشأن في بيوت الأئمة عليهم السلام ومشرفهم النبي الأعظم في أي حاضرة كانت ، فقد أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه. وليت هؤلاء المتقولين في أمر السرداب اتفقوا على رأي واحد في الأكذوبة حتى لا تلوح عليها لوائح الافتعال فتفضحهم فلا يقول ابن بطوطة في رحلته 2 ص 198 : أن هذا السرداب المنوه به في الحلة ، ولا يقول القرماني في أخبار الدول : أنه في بغداد ، ولا يقول الآخرون : أنه بسامراء. ويأتي القصيمي من بعدهم فلا يدري أين هو ، فيطلق لفظ السرداب ليستر سوأته... ) فعلم أنه لا دليل لما ذكر السويدي وغيره ، ولا مستند لهم في هذه النسبة لا في حديث من الأحاديث ، ولا في كلام لواحد من العلماء ، وناهيك بهؤلاء النافين أئمة نياقد ، وأعلاما محيطين بالأخبار والآثار.

( ........ ) = إذا عرفت ذلك ، فاعلم أن الأمر بالعكس من ذلك ، فلقد أرسله بعض علماء أهل السنة إرسال المسلم ، مما يدل على أنهم هم القائلون به. ومن هؤلاء : الحافظ السيد جمال الدين الشيرازي صاحب ( روضة الأحباب ) حيث قال - في عبارته الآتية في الكتاب - ما ترجمته ( قد غاب في سرداب في سر من رأى ) . ومنهم : قاضي القضاة ابن خلكان حيث قال بترجمة الإمام الحسن العسكري عليه السلام في ( وفيات الأعيان ج 1 ص 372 ) ( وهو والد المنتظر صاحب السرداب ) . ومنهم : ابن الصباغ المالكي حيث حكى القول بغيبته عليه السلام في السرداب من غير رد عليه. كما سيأتي في الكتاب. ومنهم : الحافظ الكنجي الشافعي حيث قال في ( البيان ) ما نصه : ( وأما الجواب عن أفكارهم بقاؤه في سرداب من غير أحد يقوم بطعامه وشرابه فعنه جوابان : أحدهما : بقاء عيسى عليه السلام في السماء من غير أحد يقوم بطعامه وشرابه ، وهو بشر مثل المهدي عليه السلام ، فكما جاز بقاؤه في السماء - والحالة هذه - فكذلك المهدي عليه السلام في السرداب. فإن قلت : إن عيسى عليه السلام يغذيه رب السماء من خزائن غيبه. قلت : لا تفنى خزائنه بانضمام المهدي عليه السلام إليه في غذائه. فإن قلت : إن عيسى خرج عن طبيعته البشرية. قلت : هذه دعوى باطلة ، لأنه تعالى قال لأشرف الأنبياء : قل إنما أنا بشر مثلكم فإن قلت : اكتسب ذلك من العالم العلوي. قلت : هذا يحتاج إلى توقيف ولا سبيل إليه. والثاني : بقاء الدجال في الدير - على ما تقدم - بأشد الوثائق مجموعة يداه إلى وأما الأمور الأخر التي زعم اختصاص الشيعة في الذهاب إليها ، والقول بها ، فهو قول عار عن الاطلاع ، والسبر لمذاهب السلف من قومه ، وإليك كشف القناع عن هذه الحقيقة ، لتعرف الحق حقا فتتبعه. فنقول : فأما الزعم الأول والثاني منها ، وهو : أن محمدا هو صاحب السيف القائم المنتظر قبل قيام الساعة ، وأن له قبل قيامه غيبتين ، إحداهما أطول من الأخرى - عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبه بالحديد ، وفي رواية : في بئر موثوق ، وإذا كان بقاء الدجال ممكنا على الوجه المذكور من غير أحد يقوم بطعامه وشرابه ، فما المانع من بقاء المهدي مكرما من غير الوثاق ؟ إذ الكل في مقدور الله تعالى. فثبت : أنه غير ممتنع شرعا ولا عادة ) وهنا قال الشيخ الإربلي بعد نقله ما ذكر : ( فأما قوله : أن المهدي عليه السلام في سرداب وكيف يمكن بقاؤه من غير أحد يقوم بطعامه وشرابه ؟ فهذا قول عجيب وتصور غريب ، فإن الذين أنكروا وجوده عليه السلام لا يوردون هذا ، والذين يقولون بوجوده لا يقولون أنه في سرداب ، بل يقولون أنه حي موجود يحل ويرتحل ويطوف في الأرض ببيوت وخيم وخدم وحشم وإبل وخيل وغير ذلك وينقلون قصصا في ذلك وأحاديث يطول شرحها... ) وبعد هذا كله فهل تبقى قيمة لما ذكره السويدي ؟ ! ملاحظة : - لا ينافي ما تقدم احترامنا لهذا السرداب ، وتقديسنا له ، وذلك لما ثبت عندنا - وصرح به جماعة من المؤرخين والمحدثين - من أن هذه الأرض الواسعة بما فيها السرداب الطاهر ، والمحيطة بالبقعة المباركة التي دفن فيها الإمامان الحسن العسكري ووالده الهادي عليهما السلام وغيرهما من أهل البيت ، كانت موضع سكنى الإمامين وعوائلهما وذويهما ، وعليها منازلهم ودورهم. فالسرداب إذا بقعة يجب تقديسها والتبرك بها ، ولذلك ورد الأمر بزيارة الإمام المهدي وذكره عليه السلام في هذا المكان الطاهر.

فهو مما طفحت به كتب القوم ، مصرحة بهذا الزعم ، من دون تلويح أو تلميح : (23) العلامة ابن طلحة فمنهم الشيخ كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي ، وقد عقد في كتابه ( مطالب السئول في مناقب آل الرسول ) فصلا خاصا لذكر الإمام الحجة المنتظر. وقد ذكر أنه ابن الحسن العسكري عليه السلام ، وبعد أن أفاض في البيان عن حليته ، وشمائله ، وكيفية حكمه ، أخذ بسرد البراهين على وجوده ، وإثبات أنه هو المهدي القائم بالسيف ، بما يوجب طمأنينة القلوب ، وإنقاع غللها ، وما يدرأ شكوك المشككين وإليك نص بيانه : قال : ( الباب الثاني عشر : في أبي القاسم محمد بن الحسن الخالص ابن علي المتوكل ابن محمد القانع ابن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، المهدي الحجة الخلف الصالح المنتظر عليهم السلام ، شعر : فهذا الخلف الحجة قد أيده الله هداه منهج الحق وآتاه سجاياه وأعلى في ذرى العلياء بالتأييد مرقاه وآتاه حلي فضل عظيم فتحلاه وقد قال رسول الله قولا قد رويناه وذو العلم بما قال إذا أدرك معناه يرى الأخبار في المهدي جاءت بمسماه وقد أبداه بالنسبة والوصف وسماه ويكفي قوله مني لإشراق محياه ومن بضعته الزهراء مرساه ومسراه ولن يبلغ ما أدته أمثال وأشباه فمن قالوا هو المهدي فما مانوا بما فاهوا وقد رتع من النبوة في أكناف عناصرها ، ورضع من الرسالة أخلاف أواصرها وترع من القرابة بسجل معاصرها وبرع في صفات الشرف فعقدت عليه بخناصرها ، فاقتنى من الأنساب شرف نصابها ، واعتلى عند الانتساب على شرف أحسابها ، واجتنى جنا الهداية من معادنها وأسبابها ، فهو من ولد الطهر البتول ، والمجزوم بكونها بضعة من الرسول ، فالرسالة أصلها ، وأنها لأشرف العناصر والأصول ، فأما مولده فبسر من رأى ، في ثالث وعشرين رمضان (24) سنة ثمان وخمسين ومائتين للهجرة. وأما نسبه أبا وأما ، فأبو محمد الحسن الخالص ابن علي المتوكل ابن محمد القانع ابن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين ابن الحسين الزكي ابن علي المرتضى أمير المؤمنين عليه السلام ، وقد تقدم ذكر ذلك مفصلا. وأمه أم ولد تسمى : صقيل ، وقيل : حكيمة ، وقيل : غير ذلك. وأما اسمه : فمحمد ، وكنيته : أبو القاسم ، ولقبه : الحجة ، والخلف الصالح وقيل : المنتظر.

وأما ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله  في المهدي من الأحاديث الصحيحة : فمنها : ما نقله الإمامان أبو داود والترمذي كل واحد منهما بسنده في ( صحيحه ) يرفعه إلى أبي سعيد الخدري ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله  يقول : ( المهدي مني ، وأجلى الجبهة ، أقنى الأنف ، يملأ الأرض قسطا وعدلا ، كما ملئت جورا وظلما ، ويملك سبع سنين ) . ومنها : ما أخرجه أبو داود بسنده في ( صحيحه ) يرفعه إلى علي عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( لو لم يبق من الدهر إلا يوم واحد لبعث الله رجلا من أهل بيتي ، يملأها عدلا كما ملئت جورا ) . ومنها : ما رواه أيضا أبو داود في ( صحيحة ) يرفعه بسنده إلى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله  قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله  يقول : ( المهدي من عترتي من ولد فاطمة ) . ومنها : ما رواه القاضي أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي في كتابه المسمى. ب‍ ( شرح السنة ) ، وأخرجه الإمامان البخاري ومسلم ، كل واحد منهما بسنده في ( صحيحه ) يرفعه إلى أبي هريرة ، قال : قال رسول الله : ( كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم ) . ومنها : ما أخرجه أبو داود والترمذي بسندهما في ( صحيحهما ) يرفعه كل واحد منهما بسنده إلى عبد الله بن مسعود أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم ، حتى يبعث الله رجلا مني أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي ، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ) وفي رواية أخرى ( لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجلا من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي ) .

هذه الروايات عن أبي داود والترمذي. ومنها : ما نقله الإمام أبو إسحاق بن محمد الثعلبي في ( تفسيره ) يرفعه بإسناده إلى أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( نحن بنو عبد المطلب سادة الجنة : أنا وحمزة وجعفر وعلي والحسن والحسين والمهدي ) . فإن قال معترض : هذه الأحاديث النبوية الكثيرة بتعدادها ، المصرحة بجملتها وأفرادها ، متفق على صحة إسنادها ، ومجمع على نقلها عن رسول الله صلى الله عليه وآله  وإيرادها وهي صحيحة صريحة في إثبات كون المهدي من ولد فاطمة وأنه من رسول الله ، وأنه من عترته ، وأنه من أهل بيته ، وأن اسمه يواطي اسمه ، فإنه يملأ الأرض قسطا وعدلا ، وأنه من ولد عبد المطلب ، وأنه من سادات الجنة ، وذلك مما لا نزاع فيه ، غير أن ذلك لا يدل على أن المهدي الموصوف بما ذكره من الصفات والعلامات ، هو : هذا أبو القاسم محمد بن الحسن الحجة الخلف الصالح ، فإن ولد فاطمة كثيرون ، وكل من يولد من ذريتها إلى يوم القيامة يصدق عليه أنه من ولد فاطمة ، وأنه من العترة الطاهرة ، وأنه من أهل البيت ، فتحتاجون مع هذه الأحاديث المذكورة إلى زيادة دليل على أن المهدي المراد هو الحجة المذكور ليتم مرامكم. فجوابه : إن رسول الله صلى الله عليه وآله  لما وصف المهدي بصفات متعددة ، من ذكر اسمه ونسبه ومرجعه إلى فاطمة وإلى عبد المطلب ، وأنه أجلى الجبهة ، أقنى الأنف ، وعدد الأوصاف الكثيرة التي جمعتها الأحاديث الصحيحة المذكورة آنفا ، وجعلها علامة ودلالة على أن الشخص الذي يسمى بالمهدي ، وتثبت له الأحكام المذكورة ، هو الشخص الذي اجتمعت تلك الصفات فيه ، ثم وجدنا تلك الصفات المجعولة علامة ودلالة مجتمعة في أبي القاسم محمد الخلف الصالح دون غيره ، فيلزم القول بثبوت تلك الأحكام له ، وأنه صاحبها ، وإلا فلو جاز وجود ما هو علامة ودليل ، ولا يثبت.

ما هو مدلوله ، قدح ذلك في نصبها علامة ودلالة من رسول الله صلى الله عليه وآله. فإن قال المعترض : لا يتم العمل بالعلامة والدلالة إلا بعد العلم باختصاص من وجدت فيه بها دون غيره ، وتعينه لها ، فأما إذا لم يعلم تخصيصه وانفراده بها فلا يحكم له بالدلالة. ونحن نسلم أنه من زمن رسول الله صلى الله عليه وآله  إلى ولادة الخلف الصالح الحجة محمد عليه السلام ما وجد من ولد فاطمة شخص جمع تلك الصفات التي هي العلامة والدلالة غيره ، لكن وقت بعثة المهدي وظهوره وولايته هو في آخر أوقات الدنيا عند ظهور الدجال ، ونزول عيسى بن مريم ، وذلك سيأتي بعد مدة مديدة ، ومن الآن إلى ذلك الوقت المتراخي الممتد أزمان متجددة ، وفي العترة الطاهرة من سلالة فاطمة كثيرة يتعاقبون ويتوالدون إلى تلك الأيام ، فمجوز أن يولد من السلالة الطاهرة ، والعترة النبوية ، من يجمع تلك الصفات فيكون هو المهدي المشار إليه في الأحاديث المذكورة ، ومع هذا الاحتمال والإمكان كيف يبقى دليلكم مختصا بالحجة محمد المذكور ؟. فالجواب : أنكم إذا عرفتم أنه إلى وقت ولادة الخلف الصالح ، وإلى زماننا هذا لم يوجد من يجمع تلك الصفات والعلامات بأسرها سواه ، فيكفي ذلك في ثبوت تلك الأحكام له عملا بالدلالة الموجودة في حقه ، وما ذكرتموه من احتمال أن يتجدد مستقبلا في العترة الطاهرة ، من يكون بتلك الصفات ، لا يكون قادحا في إعمال الدلالة ، ولا مانعا من ترتيب حكمها عليها ، ، فإن دلالة الدليل راجعة لظهورها ، واحتمال تجدد ما يعارضها مرجوح ، ولا يحوز ترك الراجح بالمرجوح ، فإنه لو جوزنا ذلك لامتنع العمل بأكثر الأدلة المثبتة للأحكام ، إذ ما من دليل إلا واحتمال تجدد ما يعارضه متطرق إليه ، ولم يمنع ذلك من العمل به وفاقا ، والذي يوضح ذلك ويؤكده : أن رسول الله - فيما أورده الإمام مسلم بن الحجاج في ( صحيحة ) يرفعه بسنده - قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( يأتي عليك مع أمداد أهل اليمن أويس بن عامر من مراد ، ثم من قرن كان به رص ، فبرأ منه إلا موضع درهم له والدة ، هو بر لو أقسم على الله لأبره ، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل ) فالنبي صلى الله عليه وسلم ذكر اسمه ونسبه وصفته وجعل ذلك علامة دلالة على أن المسمى بذلك الاسم ، المتصف بتلك الصفات : لو أقسم على الله لأبره ، وأنه أهل لطلب الاستغفار منه ، وهذه منزلة عالية ، ومقام عند الله تعالى عظيم ، فلم يزل عمر رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله  وبعد وفاة أبي بكر رضي الله عنه يسأل أمداد اليمن من الموصوف بذلك ، حتى قدم وفد من اليمن ، فسألهم فأخبر بشخص متصف بذلك ، فلم يتوقف عمر رضي الله عنه في العمل بتلك العلامة والدلالة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وآله ، بل بادر إلى العمل بها واجتمع به وسأله الاستغفار ، وجزم أنه المشار إليه في الحديث النبوي لما علم تلك الصفات فيه مع وجود احتمال أن يتجدد في وفود اليمن مستقبلا من يكون بتلك الصفات. فإن قبيلة مراد كثيرة ، والتوالد فيها كثير ، وعين ما ذكرتموه من الاحتمال موجود ، وكذلك قضية الخوارج لما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وآله  بصفات ورتب عليها حكمهم ، ثم بعد ذلك لما وجدها علي عليه السلام موجودة في أولئك في واقعة حروراء والنهروان ، جزم بأنهم هم المرادون بالحديث النبوي وقاتلهم وقتلهم ، فعمل بالدلالة عند وجود الصفة ، مع احتمال أن يكون المرادون غيرهم ، وأمثال هذه الدلالة ، والعمل بها مع قيام الاحتمال كثيرة ، فعلم أن الدلالة الراجحة لا تترك لاحتمال المرجوح. ونزيده بيانا وتقريرا فنقول : لزوم ثبوت الحكم عند وجود العلامة والدلالة لمن وجدت فيه أمر يتعين العمل فيه ، والمصير إليه ، فمن تركه وقال : بأن صاحب الصفات المراد بإثبات الحكم له ، ليس هو هذا بل شخص غيره سيأتي ، فقد عدل عن النهج القويم ، ووقف نفسه موقف المليم ، ويدل على ذلك : أن الله عز وجل وعلا لما أنزل في التوراة على موسى : أنه يبعث النبي العربي في آخر الزمان خاتم الأنبياء ، ونعته بأوصافه وجعلها علامة ودلالة على إثبات حكم النبوة له ، وصار قوم موسى يذكرونه بصفاته ويعلمون أنه يبعث ، فلما قرب زمان ظهوره وبعثه صاروا يهددون المشركين به ، ويقولون : سيظهر الآن نبي نعته كذا وصفته وكذا ، ونستعين به على قتالكم ، فلما بعث ووجدوا العلامات والصفات بأسرها التي جعلت دلالة على نبوته أنكروه ، وقالوا ليس هو هذا ، بل هو غيره وسيأتي ، فلما جنحوا إلى الاحتمال ، وأعرضوا عن العمل بالدلالة الموجودة في الحال ، أنكر الله تعالى عليهم كونهم تركوا العمل بالدلالة الموجودة في الحال ، أنكر الله تعالى عليهم كونهم تركوا العمل بالدلالة التي ذكرها لهم في التوراة ، وجنحوا إلى الاحتمال وهذه القصة من أكبر الأدلة وأقوى الحجج على أنه يتعين العمل بالدلالة عند وجودها ، وإثبات الحكم لمن وجدت تلك الدلالة فيه ، فإذا كانت الصفات التي هي علامة ودلالة لثبوت الأحكام المذكورة موجودة في الحجة الخلف الصالح محمد ، تعين إثبات كون المهدي المشار إليه من غير جنوح إلى الاحتمال بتجدد غيره في الاستقبال. فإن قال المعترض : نسلم لكم أن الصفات المجعولة علامة ودلالة إذا وجدت تعين العمل بها ، ولزم إثبات مدلولها لمن وجدت فيه ، لكن نمنع وجود تلك العلامة والدلالة في الخلف الصالح محمد ، فإن من جملة الصفات المجعولة علامة ودلالة أن يكون اسم أبيه مواطيا لاسم أب النبي صلى الله عليه وآله ، هكذا صرح به الحديث النبوي على ما أوردوه وهذه الصفة لم توجد فيه ، فإن اسم أبيه الحسن واسم أب النبي صلى الله عليه وآله  عبد الله وأين الحسن من عبد الله ؟ فلم توجد هذه الصفة التي هي جزء من العلامة والدلالة وإذا لم يوجد جزء العلة لا يثبت حكمها ، فإن الصفات الباقية لا تكفي في إثبات تلك الأحكام ، إذ النبي صلى الله عليه وآله  لم يجعل تلك الأحكام ثابتة إلا لمن اجتمعت تلك الصفاتفيه كلها التي جزؤها مواطاة اسمي الأبوين في حقه ، وهذه لم  تجتمع في الحجة الخلف ، فلا يثبت تلك الأحكام له. وهذا إشكال قوي. فالجواب (25) : لا بد قبل الشروع في تفصيل الجواب من بيان أمرين يبنى عليهما الغرض : الأول : أنه شائع في لسان العرب إطلاق لفظة الأب على الجد الأعلى ، وقد نطق القرآن الكريم بذلك فقال تعالى : ﴿ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَ‌اهِيمَ(26) وقال تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام : ﴿ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَ‌اهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ(27) ونطق بذلك النبي صلى الله عليه وآله  في حديث الإسراء ، أنه قال : ( قلت : من هذا ؟ قال : أبوك إبراهيم ) . فعلم أن لفظة الأب تطلق على الجد وإن علا. فهذا أحد الأمرين. الأمر الثاني : أن لفظة الاسم تطلق على الكنية وعلى الصفة ، وقد استعملها الفصحاء ، ودارت بها ألسنتهم ووردت في الأحاديث ، حتى ذكرها الإمامان البخاري ومسلم كل منهما يرفعه إلى سهل بن سعد الساعدي ، أنه قال عن علي عليه السلام : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله  سماه بأبي تراب ، لم يكن له اسم أحب إليه منه ) فأطلق لفظة الاسم على الكنية ، ومثل ذلك قال الشاعر :

أجل قدرك أن تسمى مؤنته *   *   * ومن كناك فقد سماك للعرب

ويروى : ومن يصفك : فأطلق التسمية على الكناية أو الصفة ، وهذا شايع ذايع في لسان العرب فإذا وضح ما ذكرناه من الأمرين ، فاعلم أيدك الله بتوفيقه : أن النبي صلى الله عليه وآله  كان له سبطان : أبو محمد الحسن ، وأبو عبد الله الحسين ، ولما كان الحجة الخلف الصالح. محمد ، من ولد أبي عبد الله الحسين ، ولم يكن من ولد أبي محمد الحسن ، وكانت كنية الحسين أبا عبد الله فأطلق النبي صلى الله عليه وآله  على الكنية لفظ الاسم لأجل المقابلة بالاسم في حق أبيه ، وأطلق على الجد لفظة الأب ، فكأنه قال : يواطي اسمه اسمي فهو محمد وأنا محمد ، وكنية جدة اسم أبي إذ هو عبد الله ، وأبي عبد الله ، لتكون تلك الألفاظ المختصرة جامعة لتعريف صفاته وإعلام أنه من ولد أبي عبد الله الحسين بطريق جامع موجز ، وحينئذ تنتظم الصفات ، وتوجد بأسرها مجتمعة للحجة الخلف الصالح محمد وهذا بيان كاف شاف في إزالة ذلك الإشكال فافهم ) انتهى كلام محمد بن طلحة الشافعي. (28)

 

الهوامش

(16) الظاهر : الذين.

(17) نوجب العصمة للنبي والصديقة الزهراء والأئمة الاثني عشر عليهم الصلاة والسلام في جميع أدوار حياتهم ، وفي جميع أقوالهم وأفعالهم.

(18) أنظر ( شرح التجريد للعلامة ) ص 284 - 285.

(19) ولذلك عين خلفاء واحدا بعد الآخر وهم عثمان بن سعيد العمري ، وابنه محمد بن عثمان ، وأبو القاسم الحسين بن روح ، وعلي بن محمد الصمري ، ليكونوا الواسطة بينه وبين الشيعة ، والأبواب إليه ، وكان عليه السلام يجيب على الأسئلة على أيديهم ، ويبلغون الأحكام عنه إلى الشيعة هذا في الغيبة الصغرى وأما في الكبرى فقد أرجع الشيعة إلى فقهاء الطائفة وأمرهم بأخذ الأحكام منهم والانقياد له باعتبارهم خلفائه عليهم. كل هذا مع ما أشار إليه المؤلف دليل على تحمله للإمامة ، وقبوله للقيام بأعبائها.

(20) قال المحقق الطوسي نصير الملة والدين رضي الله عنه : ( وجوده لطف وتصرفه لطف آخر ، وعدمه منا ) التجريد ص 285 بشرح العلامة.

(21) سورة الأنعام. عقيدتنا في السرداب.

(22) أقول : ليس هذا الرجل أول من نسب هذا الاعتقاد - وهو الاعتقاد بغيبة الإمام عليه السلام في السرداب في مدينة سامراء - إلى الشيعة الإمامية ، بل قد سبقه في ذلك جماعة من علماء طائفته ، كابن حجر ، وابن طولون ، وابن الوردي... ولقد زاد بعضهم على هذا بقوله : أن الشيعة يعتقدون ببقائه عليه السلام في السرداب فينتظرون خروجه منه ، ومن هؤلاء ابن تيمية في ( منهاج السنة ! ! ) .

(23) ص 293.

(24) الصحيح : أن ولادته عليه الصلاة والسلام كانت في النصف من شعبان - لا في الثالث والعشرين من رمضان - وفي سنة خمس وخمسين ومائتين لا ثمان وخمسين. وهذا هو الصحيح وعليه أكثر علماء أبناء السنة المذكورة عباراتهم في هذا الكتاب وغيرهم.

(25) يدل ما تقدم في أوائل كلامه ، وهكذا صريح عبارة الحافظ محمد پارسا الآتية وغيرهما على ورود هذا الحديث في ( صحيح أبي داود ) بلفظ آخر بدون هذه الجملة ، وسيأتي الكلام عليه بالتفضيل ، وخلاصته : أن هذه الجملة مزيدة في الحديث من رجل اشتهر بالزيادة في الأحاديث. وأما ما أجاب به ابن طلحة عن ذلك من التوجيهين الوجيهين ، إنما يأتي بعد غض النظر عما ذكر ، وبعد التسليم بصحة الروايات الواردة في الصحاح الستة ، وإلا فلا داعي للتأويل المذكور حملا له على الأحاديث الكثيرة ، وذلك بعد ثبوت وجود أحاديث ضعيفة وموضوعة فيها وفي ( الصحيحين ) فضلا عن غيرهما.

(26) سورة الحج.

(27) سورة يوسف.

(28) موجز ترجمته هو أبو سالم كمال الدين محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن القرشي النصيبي الذي صرح تقي الدين أبو بكر أحمد بن شهبة المعروف بابن جماعة الدمشقي الأسدي في طبقات الشافعية ) مخطوط بأنه كان أحد الصدور والرؤساء المعظمين ، ولد سنة 582 ، وتوفي في سابع رجب سنة 652. ويقول اليافعي في ( مرآة الجنان : ( الكمال محمد بن طلحة النصيبي المفتي.

ضمن كتاب الإمام الثاني عشر