بداية حركة الظهور المقدس

طباعة

﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا

تتفاوت الروايات بعض الشئ في كيفية بداية حركة الظهور المبارك ، وفي وقته. لكن المرجح أنه عليه السلام يظهر أولا في أصحابه الخاصين الثلاث مئة وثلاثة عشر ، ويدخلون المسجد فرادى مساء التاسع من محرم ، ويبدأ حركته المقدسة بعد صلاة العشاء ، بتوجيه بيانه إلى أهل مكة ، ثم يسيطر أصحابه وبقية أنصاره في تلك الليلة على الحرم وعلى مكة.
وفي اليوم الثاني ، أي العاشر من محرم يوجه بيانه إلى شعوب العالم بلغاتها! ثم يبقى في مكة إلى ما بعد آية الخسف بجيش السفياني ، ثم يتوجه إلى المدينة المنورة بجيشه البالغ عشر آلاف ، أو بضعة عشر ألفاً.
وينبغي الإلفات إلى أن الأحاديث الشريفة تسمي حركته عليه السلام من أولها في مكة : ( ظهوراً ، وخروجاً ، وقياماً ) ، ويبدو أنها تعابير مترادفة.
لكن بعض الروايات تفرق بين الظهور والخروج ، فتسمي حركته عليه السلام في مكة ( ظهوراً ) وتحركه منها إلى المدينة ( خروجاً ) وتذكر أن ظهوره في مكة يكون بأصحابه الخاصين ، وخروجه منها إلى المدينة يكون بعد أن يكمل له عشرة آلاف من أنصاره ، بعد أن يخسف بجيش السفياني ، فعن عبد العظيم الحسني رحمه الله قال : ( قلت لمحمد بن علي بن موسى ( الإمام الجواد عليه السلام ) إني لأرجو أن تكون أنت القائم من أهل بيت محمد الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. فقال : يا أبا القاسم ، ما منا إلا قائم بأمر الله ، وهاد إلى دين الله ، ولست القائم الذي يطهر الله به الأرض من أهل الكفر والجحود ويملؤها عدلاً وقسطاً وهو الذي يخفى على الناس ولادته ، ويغيب عنهم شخصه ، ويحرم عليهم تسميته ، وهو سمي رسول الله صلى الله عليه وآله وكنيه ، وهو الذي تطوى له الأرض ، ويذل له كل صعب ، يجتمع إليه من أصحابه عدد أهل بدر ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً من أقاصي الأرض ، وذلك قول الله عزوجل : ﴿ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّـهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‌ ﴾. فإذا اجتمعت له هذه العدة من أهل الأرض أظهر أمره ، فإذا كمل له العقد وهو عشرة آلاف خرج بإذن الله ، فلا يزال يقتل أعداء الله حتى يرضى الله تبارك وتعالى. قال عبد العظيم ، قلت له : يا سيدي ، وكيف يعلم أن الله قد رضي ؟ قال : يلقي الله في قلبه الرحمة ). ( البحار : 51/157 ).
وعن الأعمش عن أبي وائل أن أمير المؤمنين عليه السلام نظر إلى ابنه الحسين عليه السلام فقال : ( إن ابني هذا سيد ، كما سماه رسول الله صلى الله عليه وآله سيداً. وسيخرج الله من صلبه رجلاً باسم نبيكم فيشبهه في الخلق والخلق ، يخرج على حين غفلة من الناس ، وإماتة من الحق ، وإظهار من الجور ، والله لو لم يخرج لضرب عنقه ، يفرح لخروجه أهل السماء وسكانها ، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ) ( البحار : 51/120 ).
وقوله عليه السلام : ( لو لم يخرج لضرب عنقه ) يدل على أن أجهزة الأعداء قبيل ظهوره تكشف أمره ، وتكاد تكشف خطته ، بحيث يكون مهدداً بالقتل لو لم يخرج!
وعن إبراهيم الجريري عن أبيه قال : ( النفس الزكية غلام من آل محمد اسمه محمد بن الحسن ، يقتل بلا جرم ولا ذنب ، فإذا قتلوه لم يبق لهم في السماء عاذر ولا في الأرض ، فعند ذلك يبعث الله قائم آل محمد في عصبة لهم أدق في أعين الناس من الكحل ، فإذا خرجوا بكى لهم الناس ، لايرون إلا أنهم يختطفون يفتح الله لهم مشارق الأرض ومغاربها. ألا وهم المؤمنون حقاً ، ألا إن خير الجهاد في آخر الزمان ). ( البحار : 52/217 ).
وهذا يدل على أن أول ظهوره عليه السلام يكون في عدد قليل من أصحابه بحيث يشفق عليهم الناس ، ويتصورون أنهم سيقبض عليهم ويقتلون!
وعن الإمام الباقر عليه السلام قال : ( إن القائم يهبط من ثنية ذي طوى في عدة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ، حتى يسند ظهره إلى الحجر الأسود ويهز الراية المغلبة. قال علي بن أبي حمزة : فذكرت ذلك لأبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام فقال : وكتاب منشور ). ( البحار : 52/306 ).
ولا يعني ذلك أنه يعلن ظهوره من ذي طوى مع أصحابه قبل دخوله المسجد ، بل يعني أن مجيئهم إلى مكة يكون من ذي طوى ، أو بداية حركتهم إلى المسجد من هناك.
والراية المغلبة هي راية النبي صلى الله عليه وآله التي ذكرت الروايات أنها تكون معه عليه السلام وأنها لم تنشر بعد حرب الجمل ، حتى ينشرها المهدي عليه السلام.
ومعنى قول الإمام الكاظم عليه السلام في تعليقه على الحديث : ( وكتاب منشور ) أنه يخرج الناس كتاباً منشوراً أيضاً ، ولعله العهد المعهود له بإملاء النبي صلى الله عليه وآله وخط أمير المؤمنين عليه السلام كما تذكر الرواية في نفس المصدر.
وذكرت الروايات أن معه أيضاً مواريث النبي صلى الله عليه وآله ومواريث الأنبياء عليهم السلام. فعن الإمام زين العابدين عليه السلام قال : ( فيهبط من عقبة طوى في ثلاثماية وثلاثة عشر رجلاً ، عدة أهل بدر ، حتى يأتي المسجد الحرام ، فيصلي فيه عند مقام إبراهيم أربع ركعات ويسند ظهره إلى الحجر الأسود ، ثم يحمد الله ويثني عليه ، ويذكر النبي ويصلي عليه ، ثم يتكلم بكلام لم يتكلم به أحد من الناس ، فيكون أول من يضرب على يده ويبايعه جبرئيل وميكائيل ). ( البحار : 52/307 ).
وقد ذكرت الروايات فقرات من خطبته عليه السلام ، أو بيانه الأول الذي يلقيه على أهل مكة ، وبيانه الثاني الذي يوجهه إلى المسلمين والعالم.
من ذلك ما في مخطوطة ابن حماد ص 95 ، عن أبي جعفر قال :
( ثم يظهر المهدي عند العشاء ، ومعه راية رسول الله صلى الله عليه وآله وقميصه وسيفه ، وعلامات ونور وبيان. فإذا صلى العشاء نادى بأعلى صوته يقول :
أذكِّركم الله أيها الناس ، ومقامكم بين يدي ربكم. فقد اتخذ الحجة وبعث الأنبياء وأنزل الكتاب ، وأمركم أن لاتشركوا به شيئاً ، وأن تحافظوا على طاعة الله وطاعة رسوله ، وأن تحيوا ما أحيا القرآن وتميتوا ما أمات ن وتكونوا أعواناً على الهدى ، ووزراً على التقوى ، فإن الدنيا قد دنا فناؤها وزوالها وآذنت بوداع ، فإني أدعوكم إلى الله وإلى رسوله ، والعمل بكتابه ، وإماتة الباطل ، وإحياء سنته. فيظهر في ثلاثماية وثلاثة عشر رجلاً عدة أهل بدر ، على غير ميعاد ، قزعاً كقزع الخريف ، رهبان بالليل ، أسد بالنهار ، فيفتح الله للمهدي أرض الحجاز ، ويستخرج من كان في السجن من بني هاشم. وتنزل الرايات السود الكوفة ، فتبعث بالبيعة إلى المهدي ، ويبعث المهدي جنوده في الآفاق ، ويميت الجور وأهله ، وتستقيم له البلدان ).
وقَزَع الخريف : غيومه التي تكون متفرقة في السماء ثم تجتمع. وأول من شبه تجمع أصحاب المهدي عليه السلام بذلك أمير المؤمنين عليه السلام كما في نهج البلاغة خطبة رقم 166 ، ولعله أخذ ذلك من النبي صلى الله عليه وآله.
ويحتمل أن يكون ظهور المهدي عليه السلام وتجمع أصحابه في مكة في فصل الخريف ، أو آخر الصيف كما أشرنا.
وعن أبي خالد الكابلي قال : قال أبو جعفر ( الإمام الباقر عليه السلام ) : ( والله لكأني أنظر إلى القائم وقد أسند ظهره إلى الحجر ، ثم ينشد الله حقه ، ثم يقول : يا أيها الناس : من يحاجني في الله ، فأنا أولى الناس بالله.
أيها الناس : من يحاجني في آدم ، فأنا أولى الناس بآدم.
أيها الناس : من يحاجني في نوح ، فأنا أولى الناس بنوح.
أيها الناس : من يحاجني في إبراهيم ، فأنا أولى الناس بإبراهيم.
أيها الناس : من يحاجني في موسى ، فأنا أولى الناس بموسى.
أيها الناس : من يحاجني في عيسى ، فأنا أولى الناس بعيسى.
أيها الناس : من يحاجني في محمد ، فأنا أولى الناس بمحمد.
أيها الناس : من يحاجني في كتاب الله ، فأنا أولى الناس بكتاب الله.
ثم ينتهي إلى المقام فيصلي ركعتين ). ( البحار : 52/315 ).
وجاء في روايات أخرى بعض الإضافات ، منها أنه يقول :
( يا أيها الناس : إنا نستنصر الله ومن أجابنا من الناس ، وإنا أهل بيت نبيكم محمد صلى الله عليه وآله ونحن أولى الناس بمحمد ، فأنا بقية من آدم ، وذخيرة من نوح ، ومصطفى من إبراهيم ، وصفوة من محمد.
ألا ومن حاجني من سنة رسول الله ، فأنا أولى الناس بسنة رسول الله. فيجمع الله عليه أصحابه ، ثلاثمائة وثلاثة عشر ، ويجمعهم على غير ميعاد. فيبايعونه بين الركن والمقام. ومعه عهد من رسول الله صلى الله عليه وآله قد توارثته الأبناء عن الآباء ). ( البحار : 52/238 ).
وتذكربعض الروايات أن رجلاً من أصحابه عليه السلام يقف أولاً في المسجد الحرام فيعرفه الناس ، ويدعوهم إلى الإستماع إليه وإجابته ، ثم يقف هو عليه السلام ويلقي خطبته ، فعن الإمام زين العابدين عليه السلام قال : ( فيقوم رجل منه فينادي : يا أيها الناس ، هذا طلبتكم قد جاء كم ، يدعوكم إلى ما دعاكم إليه رسول الله صلى الله عليه وآله. قال فيقومون فيقوم هو بنفسه فيقول : أيها الناس ، أنا فلان بن فلان ابن نبي الله صلى الله عليه وآله ، أدعوكم إلى ما دعاكم إليه نبي الله ، فيقومون إليه ليقتلوه ، فيقوم ثلاث مئة ونيف فيمنعونه ). ( البحار : 52/306 ).
ومعنى رجل منه : أي من نسبه. ومعنى فيقومون : فيقفون ليروا المهدي عليه السلام الذي يهلج الناس بذكره وينتظرونه.ويحتمل أن يكون معناه فيقفون ويأخذون بالإنصراف خوفاً من السلطة. والذين يقومون إليه ليقتلوه لابد أنهم من سلطة الحجاز. والرواية بدقتها تصور حالة المسلمين في التشوق إلى الإمام المهدي عليه السلام وطلبهم له وبحثهم عنه ، وخوفهم من الإرهاب والبطش في نفس الوقت.
وينبغي الإلفات إلى أنه من المستبعد أن يكفي أصحابه الخاصون عليه السلام لتحرير الحرم ومكة في مثل ذلك الجو الشديد الذي تذكره الأحاديث الشريفة ، والذي يكفي أن نعرف منه حادثة قتل النفس الزكية قبل الظهور بأسبوعين بنحو وحشي لمجرد أنه قال أنا رسول المهدي وبلغهم عنه كلمات لذلك لابد أن يكون الإمام المهدي عليه السلام مضافاً إلى ما أعطاه الله تعالى من أسباب غيبية ، قد أعد العدة بالأسباب الطبيعية لكي يتمكن من إلقاء خطبته كاملة ، ثم ليسيطر أصحابه على الحرم الشريف ثم على مكة ، وذلك بواسطة المئات أو الألوف من أنصاره اليمانيين والإيرانيين والحجازيين ، بل من المكيين أنفسهم الذين ذكرت الروايات أنه يبايعه عدد منهم.
فهؤلاء هم القوة البشرية والعسكرية الذين يقومون بالأعمال والمهام المتعددة الضرورية لإنجاح حركته المقدسة ، والإمساك بزمام الأمر في مكة وتحويل التيار الشعبي المؤيد له إلى حالة حركة متكاملة.
ويكون دور أصحابه الخاصين الثلاث مئة وثلاثة عشر دور القادة والموجهين لفعاليات الأنصار.
ولايعني ذلك أن حركة ظهوره عليه السلام تكون حركة دموية ، فإن الروايات لا تذكر حدوث أي معركة أو قتل في المسجد الحرام ، ولا في مكة.
وقد كنت سمعت من بعض العلماء أن أصحاب المهدي عليه السلام يقتلون إمام المسجد الحرام في تلك الليلة ، لكني لم أجد رواية فيه ، وغاية ما وجدته ما نقله صاحب الزام الناصب رحمه الله في : 2/166 ، نقلاً عن بعض العلماء قال : ( وفي اليوم العاشر من المحرم يخرج الحجة ، يدخل المسجد الحرام يسوق أمامه عنيزات ثمان عجاف ( ثماني عجافاً ) ويقتل خطيبهم ، فإذا قتل الخطيب غاب عن الناس في الكعبة ، فإذا جنة الليل ليلة السبت صعد سطح الكعبة ونادى أصحابه الثلاثة مائة وثلاثة عشر ، فيجتمعون عنده من مشرق الأرض ومغربها ، فيصبح يوم السبت ويدعو الناس إلى بيعته ).
ولكن هذا النص ليس رواية ، مضافاً إلى ضعف متنه كما أشرنا.
لهذا ، فإن المرجح أن حركة ظهوره عليه السلام تكون حركة بيضاء لاتسفك فيها دماء ، بسبب الإمداد الغيبي وإلقاء الرعب في قلوب أعدائه ، وبسبب التيار الشعبي الباحث عنه والمتشوق لظهوره. ثم بسبب الخطة المتقنة للسيطرة على الحرم وعلى مراكز السلطة والمواقع الهامة في مكة بدون سفك دماء.
ولايبعد أن يكون ذلك مقصوداً بعناية منه عليه السلام ، لكي يحفظ حرمة المسجد الحرام ومكة المكرمة وقدسيتها.
في تلك الليلة المباركة تتنفس مكة الصعداء ، وترف عليها راية الإمام المهدي الموعود عليه السلام وتشع منها أنواره.
بينما يبذل الأعداء وإعلامهم العالمي جهدهم لكي يعتموا على نجاح حركته المقدسة ، أو يصوروها إذا تسرب خبرها بأنها حركة واحد من المتطرفين المدعين للمهدية ، الذي سبق أن قضي على عدد منهم في مكة وغيرها.
وينشطون في تحريك عناصرهم داخل مكة ، لجمع المعلومات عن قائد الحركة وقواته ، واكتشاف نقاط الضعف المناسبة ، وتقديمها إلى قوات السفياني ، التي يصدر إليها الأمر بالتحرك إلى مكة بأسرع وقت ممكن.
وفي اليوم التالي لظهور عليه السلام يوم عاشوراء ، ويكون يوم سبت كما تذكر بعض الروايات ، يدخل الإمام المهدي عليه السلام المسجد الحرام ليؤكد عالمية حركته ويخاطب شعوب المسلمين كلها وشعوب العالم بلغاتها ، ويطلب منهم النصرة على الكافرين والظالمين.
فعن الإمام الباقر عليه السلام قال : ( يخرج القائم يوم السبت يوم عاشوراء ، اليوم الذي قتل فيه الحسين عليه السلام ). ( البحار : 52/285 ).
وقد تقدمت الرواية بأنه يخرج يوم الجمعة بعد صلاة العشاء ، ووجه الجمع بينهما مارجحناه من أن ظهوره عليه السلام يكون على مرحلتين ، وأن سيطرته على الحرم ومكة ليلة العاشر من محرم تكون مقدمة لإعلان ظهوره للعالم يوم السبت يوم عاشوراء.
ولابد أن يكون لذلك وقع على دول العالم ، ودوي كبير في الشعوب الإسلامية ، خاصة عندما يخبرهم عليه السلام بأن المعجزة الموعودة على لسان جده المصطفى صلى الله عليه وآله سوف تقع ويخسف بالجيش السوري السفياني الذي يتوجه إلى مكة للقضاء على حركته.
والروايات عن مدة بقائه في مكة وأعماله فيها قليلة ، تقول إحداها : ( فيقيم في مكة ما شاء الله أن يقيم ) ( البحار : 52/334 ) ، وتذكر أخرى أنه يقيم الحد على سراق الكعبة الشريفة ، وقد يكون المقصود بهم حكام الحجاز قبله ، ولا بد أن يكون من أعماله عليه السلام مخاطباته للشعوب الإسلامية ، وإعلان خطه السياسي العالمي.
وتذكر الروايات أنه يخرج من مكة إلا بعد أن تحصل معجزة الخسف بجيش السفياني ، ولكن هذا الجيش على ما يبدو سرعان ما يتوجه إلى مكة بعد إعلان الإمام حركته ، لكي يقضون عليها ، فيخسف الله بهم قبل أن يصلوا إلى مكة.
نعم تذكر الروايات ردة الفعل الشديدة عند أئمة الكفر الغربيين والشرقيين على نجاح حركته عليه السلام ، وأن ذلك سوف يغيظهم كثيراً ويفقدهم أعصابهم!!
فعن الإمام الصادق عليه السلام قال : ( إذا ظهرت راية الحق لعنها أهل الشرق وأهل الغرب. قلت له : مم ذلك ؟ قال : مما يلقون من بني هاشم ) ( البحار : 52/363 ) ،
وفي رواية : ( مما يلقونه من أهل بيته قبله ) ، وهذا يشير الى الحركة الممهدة قبله عليه السلام وأنه يقودها في الغالب سادات من بني هاشم ، وأن الكفر العالمي يلاقي منها ومن تيارها الإسلامي متاعب كثيرة.
ثم يتوجه الإمام المهدي عليه السلام من مكة إلى المدينة بجيشه المؤلف من عشرة آلاف أو بضعة عشر ألفاً كما تذكر الروايات ، بعد أن يعين والياً على مكة.
فعن الإمام الباقر عليه السلام قال : ( يبايع القائم بمكة على كتاب الله وسنة رسوله. ويستعمل على مكة ، ثم يسير نحو المدينة ، فيبلغه أن عامله قتل. فيرجع إليهم فيقتل المقاتلة ولا يزيد على ذلك ) ( البحار : 52/308 ).
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال : ( يدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة ( أي أهل مكة ) فيطيعونه ، ويستخلف عليهم رجلاً من أهل بيته ، ويخرج يريد المدينة ، فإذا سار منها وثبوا عليه فيرجع إليهم ، فيأتونه مهطعين مقنعي رؤوسهم ، يبكون ويتضرعون ويقولون : يا مهدي آل محمد التوبة التوبة! فيعظهم وينذرهم ويحذرهم ، ويستخلف عليهم منهم خليفة ويسير ). ( البحار : 53/11 ) ، وهذه الرواية لا تشير إلى وجود حركة مقاتلة في وجهه في مكة ، وقد يكون المقصود بأنه يقتل مقاتلتهم في الرواية الأولى الأفراد الذين قتلوا واليه على مكة.
وفي طريقه إلى المدينة ، يمر على مكان الخسف بجيش السفياني كما تذكر رواية تفسير العياشي عن الإمام الباقر عليه السلام : ( فإذا خرج رجل منهم ( من آل محمد ) معه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ومعه راية رسول الله صلى الله عليه وآله عامداً إلى المدينة ، فيقول هذا مكان القوم الدين خسف الله بهم ، وهي الآية التي قال الله عزوجل : ﴿  أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُ‌وا السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّـهُ بِهِمُ الْأَرْ‌ضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ‌ونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ ﴾ ). انتهى.

تحرير المدينة المنورة والحجاز

تذكر الروايات أن الإمام المهدي عليه السلام يخوض معركة أو أكثر في المدينة المنورة ، على عكس الأمر في مكة.
فعن الإمام الباقر عليه السلام قال في حديث طويل : ( يدخل المدينة فتغيب عنهم عند ذلك قريش ، وهو قول علي بن أبي طالب عليه السلام : ( والله لودت قريش أن لي عندها موقفاً واحداً جزرَ جزور ، بكل ما ملكته وكل ما طلعت عليه الشمس ). ثم يحدث حدثاً ، فإذا هو فعل ذلك قالت قريش : أخرجوا بنا إلى هذا الطاغية ، فوالله لو كان محمدياً مافعل ، ولو كان علوياً مافعل ، ولو كان فاطمياً ما فعل. فيمنحه الله أكتافهم ، فيقتل المقاتلة ويسبي الذرية ، ثم ينطلق حتى ينزل الشقرة فيبلغه أنهم قد قتلوا عامله فيرجع إليهم فيقتلهم مقتله ليس قتل الحرة إليها بشئ! ثم ينطلق يدعو الناس إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله ). ( البحار : 52/342 ).
فهذه الرواية تذكر معركتين في المدينة : الأولى ، بعد الحدث الذي يحدثه المهدي عليه السلام فيها فتنكره قريش وغيرها ، ويبدو أنه يتعلق بهدم مسجد النبي صلى الله عليه وآله وقبره الشريف وإعادة بنائهما ، كما تذكر روايات أخرى ، فيتخذ أعداؤه ذلك ذريعة لتحريك الناس عليه وقتاله ، فيقاتلهم ويقتل منهم مئات كما في بعض الروايات.
وعندها يتمنى القرشيون ، أي المنتسبون إلى قبائل قريش لو أن علياً أمير المؤمنين عليه السلام كان حاضراً ولو بمقدار جزر جزور ، أي بمقدار ذبح ناقة ، لكي يخلصهم من انتقام المهدي عليه السلام ، لأن سياسة أمير المؤمنين عليه السلام فيهم كانت الحلم والعفو.
والمعركة الثانية ، بعد أن يقضي عليه السلام على هذه الحركة المضادة ، ويعين على المدينة حاكماً من قبله ، ويخرج متوجها إلى العراق أو إيران ، وينزل في منطقة الشقرة أو الشقرات وهي منطقة في الحجاز باتجاه العراق وإيران ، وقد تكون محل معسكر جيشه ، فيقوم أهل المدينة مرة أخرى بحركة مضادة ويقتلون الوالي الذي عينه عليهم ، فيرجع إليهم ويقتل منهم أكثر مما قتل منهم الجيش الأموي في وقعة الحرة المشهورة ويخضع المدينة مجدداً لسلطته.
وعدد قتلى الحرة كما تذكر مصادر التاريخ أكثر من سبع مئة شهيد رضوان الله عليهم ، وقد كانت ثورتهم على يزيد بن معاوية بعد ثورة الإمام الحسين عليه السلام ، وهي ثورة مشروعة بعكس ثورة أهل المدينة هذه على الإمام المهدي عليه السلام. وتشبيه فعل جيشه عليه السلام بأهل المدينة بفعل جيش يزيد إنما هو من حيث كثرة القتلى فقط.
وقد أورد صاحب كتاب يوم الخلاص ص 265جزءاً من رواية العياشي المتقدمة يفهم منه أن المهدي عليه السلام يخوض حرباً في المدينة عند دخولها ، ولكنها كما ترى تذكر معركتين بعد دخوله المدينة.
وروايات كتاب يوم الخلاص جميعها تحتاج إلى تدقيق في نسبتها إلى مصادرها ، كما أن فيها تقطيعاً للروايات وضماً لأجزاء من بعضها إلى بعض آخر ، ثم ينسبها إلى مصدر فيه جزء مما ذكره ، أو جزء شبيه به!
ومن المحتمل أن يلاقي الإمام المهدي عليه السلام مقاومةً عندما يدخل المدينة من بقية قوات السلطة أو قوات السفياني ، وأن يخوض معهم معركة وينتصر عليهم ، ولكني لم أجد رواية تدل على ذلك ، ووجدت رواية تشير إلى رضا أهل المدينة به عليه السلام وعدم مقاومتهم له ، ففي الكافي : 8/224 عن الإمام الصادق عليه السلام قال في حديث طويل : ( ويهرب يومئذ من كان بالمدينة من ولد علي عليه السلام إلى مكة فيلحقون بصاحب هذا الأمر ، ويقبل صاحب هذا الأمر نحو العراق ، ويبعث جيشاً إلى المدينة فيأمن أهلها ، ويرجعون إليها ).
ويساعد على مضمون هذا الحديث ما كان لاقاه أهل المدينة من جيش السفياني ، ثم معجزة الخسف به وضعف حكومة الحجاز ، وربما انهيارها بعد حادثة الخسف بجيش السفياني.
ويضاف الى هذا التيار العالم المؤيد للمهدي عليه السلام شعور أهل المدينة بأن المهدي عليه السلام منهم.
وهذه الرواية تشير كما ترى إلى أنه عليه السلام لايأتي هو إلى المدينة في تلك الفترة رأساً ، بل يرسل اليها جيشاً. وهو احتمال قريب.
مهما يكن ، فإن الروايات تذكر أن الله تعالى يفتح له الحجاز ، ويعني ذلك سقوط بقايا حكومة الحجاز الضعيفة ، وانسحاب بقايا قوات السفياني. وقد يتحقق فتح الحجاز ومبايعة أهله له بعد سيطرته عليه السلام على مكة ، وحدوث معجزة الخسف بجيش السفياني.
وبدخول الحجاز تحت حكم الإمام المهدي عليه السلام ، تشمل دولته اليمن وإيران والعراق ، رغم وجود فئات معارضة له في العراق.
ومن المرجح أن تكون دول الخليج أيضاً دخلت تحت حكمه ، بحكم سيطرته على الحجاز ، أو بمساعدة شعوبها ومساعدة أنصاره اليمانيين والإيرانيين.
ومن الطبيعي أن يكون لقيام دولة واحدة لهذه السعة بقيادة الإمام المهدي عليه السلام ردة فعل كبيرة عند الغرب والشرق ، لأنها تمثل خطراً اساسياً عليهم ، لسيطرتها على مضيق باب المندب ومضيق هرمز. والأهم من ذلك خطرها الحضاري ومدها الإسلامي الذي ترتعد له فرائض الغرب والشرق واليهود.
وقد تقدمت الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام بأن أهل الشرق والغرب يلعنون راية المهدي عليه السلام ، أي ثورته ودولته.
كما أن من المرجح أن يحركوا أساطيلهم البحرية في الخليج والبحار القريبة ، بعد أن يفقدوا كل أنواع نفوذهم في المنطقة المحررة فلا يبقى أمامهم إلا المرابطة في البحار ، والتهديد بقواتهم البحرية والجوية. وربما يكونون هم وراء معركة البصرة وبيضاء إصطخر ، الآتي ذكرهما.

الإمام المهدي عليه السلام الى إيران والعراق

يوجد تفاوت في الروايات الشريفة حول تحرك الإمام المهدي عليه السلام من الحجاز. فروايات مصادرنا الشيعية بشكل عام تذكر أنه يتوجه مباشرة من الحجاز إلى العراق. وبعضها يذكر أنه يتوجه إليه مباشرة من مكة ، وهي تؤيد رواية روضة الكافي المتقدمة بأنه يرسل جيشاً إلى المدينة المنورة.
أما روايات مصادر السنة فهي بشكل عام تذكر أنه يتوجه من مكة إلى الشام والقدس ، وبعضها يذكر أنه يتوجه إلى العراق ثم إلى الشام والقدس. وتنفرد رواية أو اثنتان في مخطوطة ابن حماد بأنه عليه السلام يأتي أولاً إلى جنوب إيران ، حيث يبايعه الإيرانيون وقائدهم الخراساني وقائد جيشه شعيب بن صالح ، ثم يخوض بهم معركة ضد السفياني في منطقة البصرة ، ثم يدخل العراق.
فالأمر المجمع عليه في الروايات أن منطلق حركة ظهوره عليه السلام من مكة وأن هدفه القدس ، وأنه فيما بين ذلك يشتغل فترة في ترتيب أوضاع دولته الجديدة ، خاصة العراق ، وفي إعداد جيشه للزحف إلى القدس.
ومن الطبيعي أن أحاديث النبي صلى الله عليه وآله والأئمة والصحابة والتابعين ليست في صدد بيان كل تحركاته وتنقلاته عليه السلام ، بل بصدد بيان الأحداث الأساسية التي لاتضر بخطة حركته ، وتبعث الأمل في نفوس المسلمين ، ثم تكون إعجازاً ربانياً يقوي إيمان المسلمين عند ظهوره ، ويدفعهم إلى نصرته وتأييده.
ومن المرجح أنه عليه السلام يتنقل في هذه الفترة بين الحجاز وإيران والعراق واليمن حسب ما تقتضيه المصلحة ، وأنه لايشارك شخصياً في معارك جيشه إلا عندما يستوجب الأمر ذلك.
وقد رجحنا في فصل إيران رواية مجيئه عليه السلام إلى جنوب إيران ، لاعتبارات منها أن روايات مصادر الفريقين تذكر معركة البصرة بعد تحريره الحجاز ، وأنها تكون معركة كبيرة وحاسمة.
ومنها ، أن عمدة جيشه وجمهوره في تلك المرحلة على الأقل هم الإيرانيون ، فمن الطبيعي أن يأتي إلى إيران من أجل الاعداد لمعركة البصرة والخليج.
قال ابن حماد في ص 86 من مخطوطته : ( حدثنا الوليد بن مسلم ورشد بن سعد ، عن أبي رومان ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : إذا خرجت خيل السفياني إلى الكوفة بعث في طلب أهل خراسان ، ويخرج أهل خراسان في طلب المهدي ، فيلتقي هو والهاشمي برايات سود على مقدمته شعيب بن صالح ، فيلتقي هو وأصحاب السفياني بباب إصطخر ، فيكون بينهم ملحمة عظيمة ، فتظهر الرايات السود وتهرب خيل السفياني. فعند ذلك يتمنى الناس المهدي ويطلبونه ).
ورغم ضعف هذه الرواية واضطراب متنها ، لكنها تؤيد ما ورد عن معركة البصرة في فصل العراق.
كما أن روايات ردة فعل أهل الشرق والغرب العنيفة على نجاح ثورة المهدي عليه السلام تؤيد ما ورد في بعض روايات حرب البصرة من أن الطرف المقابل للمهدي عليه السلام وأنصاره يكونون الغربيين أهل الأناجيل ، المرجح أن يكون جيش السفياني المذكور فيها واجهة للقوات الغربية.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة طويلة عن البصرة : ( فيتبعه من أهلها عدة من قتل بالأبلة من الشهداء ، أناجيلهم في صدورهم ) ( شرح النهج لابن ميثم خ128 ).
وإذا صح أن هذه الرواية تقصد معركة البصرة والخليج التي تقصدها رواية ابن حماد في حركة الظهور ، فإنها ستكون من الضخامة والأهمية بحيث يتضح بعدها للناس أن ميزان القوة أصبح لمصلحة المهدي عليه السلام : ( فعند ذلك يتمنى الناس المهدي ويطلبونه ).
وتذكر رواية في تفسير العياشي عن الإمام الباقر عليه السلام في تفسير قوله تعالى : ﴿ يَا مَعْشَرَ‌ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ‌ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضِ فَانفُذُوا ۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ ﴾ أن الإمام المهدي عليه السلام يدخل العراق في سبع قباب من نور : ( ينزل في سبع قباب من نور ، لايعلم في أيها هو ، حين ينزل في ظهر الكوفة فهذا حين ينزل ). وفي رواية أخرى : ( إنه نازل في قباب من نور حين ينزل بظهر الكوفة على الفاروق ).
وقد تكون هذه الحادثة كرامة ربانية للإمام المهدي عليه السلام ، وقد تكون تعبيراً عن دخوله العراق في سرب من الطائرات أو وسائل مشابهة عبرت عنها الروايات بقباب من نور ، ويساعد عليه ذكرها تفسيراً للآية الشريفة.
والروايات عن أعماله عليه السلام في العراق كثيرة ، ذكرنا بعضها في فصل العراق ونجمل ما بقي منها هنا.
فمنها ، الروايات الكثيرة التي تذكر تصفيته لأوضاع العراق الداخلية وقتله فئات الخوارج عليه ، وقد تقدم أكثرها في محله.
ومنها ، دخوله الكوفة والنجف وكربلاء ، وأنه يتخذ الكوفة عاصمة له ويبني قربها مسجد الجمعة العالمي ، الذي يكون له ألف باب كما تذكر الروايات. فعن الإمام الصادق عليه السلام قال : ( إن قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربها ، واستغنى العباد عن ضوء الشمس ، ويعمر الرجل في ملكه حتى يولد له ألف ذكر لايولد فيهم أنثى. يبني في ظهر الكوفة مسجداً له ألف باب ، وتتصل بيوت الكوفة بنهر كربلاء وبالحيرة ، حتى يخرج يوم الجمعة على بغلة سفواء يريد الجمعة فلا يدركها ). ( البحار : 52/330 ).
وفي ص 331عن الإمام الباقر عليه السلام قال : ( فإذا كانت الجمعة الثانية قال الناس : يا ابن رسول الله ، الصلاة خلفك تضاهي الصلاة خلف رسول الله صلى الله عليه وآله ، والمسجد لايسعنا ، فيخط مسجداً له ألف باب يسع الناس عليه أصيص ) أي بناء محكم. وقد يكون ذكر الألف باب لبيان سعة المسجد ، الذي يبدو أنه مسجد الجمعة ، الذي يقصده الناس من أنحاء العالم لصلاة الجمعة خلف الإمام المهدي عليه السلام. وقد يشمل المسجد مع مطاره ومواقف السيارات كل المساحة بين الكوفة وكربلاء ، البالغ طولها نحو ثمانين كيلومتراً.
ومنها ، إظهاره لمكانة كربلاء المقدسة وكرامة جده سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام ، وإعطاء كربلاء مكانتها العالمية ، وقد ذكرت ذلك الروايات ، فعن الإمام الصادق عليه السلام : ( وليصبرن الله كربلاء معقلاً ومقاماً ، تختلف إليه الملائكة والمؤمنون ، وليكونن لها شأن من الشأن ). ( البحار : 53/12 ).
ومنها ، الآية التي تظهرمنه في نجف الكوفة ، حيث يلبس درع جده النبي صلى الله عليه وآله ويركب مركباً خاصاً يضئ للعالم ، فيراه الناس في بلادهم وهو في مكانه! فعن الإمام الصادق عليه السلام قال : ( كأني بالقائم عليه السلام على ظهر النجف لابساً درع رسول الله صلى الله عليه وآله فيتقلص عليه ، ثم ينتفض بها فتستدير عليه ، ثم يغشي الدرع بثوب إستبرق ، ثم يركب فرساً له أبلق بين عينيه شمراخ ، ينتفض به ، لايبقى أهل بلد إلا أتاهم نور ذلك الشمراخ ، حتى يكون آية له. ثم ينشر راية رسول الله صلى الله عليه وآله فإذا نشرها أضاء لها ما بين المشرق والمغرب ). ( البحار : 52/391 ).
وفيها عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : ( كأنني به قد عبر من وادي السلام إلى مسيل السهلة على فرس محجل له شمراخ يزهر ، يدعو ويقول في دعائه : لا إله إلا الله حقاً حقاً ، لا إله إلا الله تعبداً ورقاً. اللهم معز كل مؤمن وحيد ، ومذل كل جبار عنيد ، أنت كنفي حين تعييني المذاهب ، وتضيق عليَّ الأرض بما رحبت.
اللهم خلقتني وكنت غنياً عن خلقي ، ولولا نصرك إياي لكنت من المغلوبين.
يا منشر الرحمة من مواضعها ، ومخرج البركات من معادنها ، ويا من خص نفسه بشموخ الرفعة فأولياؤه بعزه يتعززون.
يا من وضعت له الملوك نير المذلة على أعناقهم ، فهم من سطوته خائفون ..الخ. ).
وسوف نشير إلى ما يظهره الله تعالى على يده من إمداد غيبي وكرامات ومعجزات ، والروايات التي تذكر تطور العلوم في عصره عليه السلام.
ومنها ، أنه يتخذ السهلة مسكناً له ولعياله ، وهي قرب الكوفة من جهة كربلاء ، وقد وردت بذلك عدة روايات ، وهي تشير الى أن يكون له بعد ظهوره زوجة وأولاد عليه السلام.
ومنها ، أنه عليه السلام يطيل المكث في العراق قبل توجهه إلى القدس : ( ثم يأتي الكوفة فيطيل المكث بها ما شاء الله أن يمكث ). ( البحار : 52/224 ).
ويبدو أن السبب في ذلك مضافاً إلى تثبيت الوضع داخل العراق واتخاذه مركزاً لحكمه ، أنه يجمع نخبة معاونيه وأنصاره من العالم في العراق ، ويعد قواته العسكرية ويبعثها إلى البلاد من العراق ، ثم يتوجه بجيشه إلى فتح القدس.
فعن الإمام الباقر عليه السلام قال : ( إذا دخل القائم الكوفة لم يبق مؤمن إلا وهو بها أو يجئ ( يحن ) إليها ، وهو قول أمير المؤمنين عليه السلام. ويقول لأصحابه سيروا بنا إلى هذا الطاغية ). ( البحار : 52/330 ).
وعنه عليه السلام قال : ( كأني بالقائم على نجف الكوفة وقد سار إليها من مكة في خمسة آلاف من الملائكة ، جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن شماله ، والمؤمنون بين يديه ، وهو يفرق الجنود في البلاد ). ( البحار : 52/337 )
وفي رواية : ( وشعيب بن صالح على مقدمته ) ، وهو قائد جيشه.
وتذكر بعض الروايات أن أول جيش يبعثه عليه السلام يبعثه إلى قتال الترك ، ففي مخطوطة ابن حماد ص 58 عن أرطاة قال : ( يقاتل السفياني الترك ثم يكون استئصالهم على يد المهدي و ( هو ) أول لواء يعقده المهدي يبعثه إلى الترك ).
وقريب منه في الملاحم والفتن لابن طاووس ص 52 ، وقد نقل رحمه الله في كتابه من كتاب ابن حماد سبعين صفحة أو أكثر.
ويبدو من مجموع الروايات أنه عليه السلام يقوم في العراق بعدة أعمال أساسية تتعلق بترتيب أوضاع دولته الجديدة وترسيخ حكمه فيها ، وتأمين حدودها الشرقية من جهة روسيا والصين ، ثم بالإعداد الشعبي والسياسي والعسكري لمعركة فتح القدس الكبرى.

ضمن كتاب عصر الظهور