الزحف نحو القدس

طباعة

ذكرت بعض الروايات أن المهدي عليه السلام يرسل جيشاً لقتال الروم عند أنطاكية ويرسل فيه بعض أصحابه فيستخرجون تابوت السكينة من غار بأنطاكية وفيه نسخة التوراة والإنجيل الأصليتين ( مخطوطة ابن حماد ص 98 ) ، ويبدو أن إظهار هذه الآية للغربيين عملٌ لتحييد قواتهم التي تكون مرابطة عند ساحل أنطاكية ، عن المشاركة في معركة فتح القدس.

وقد ورد أن هذه القوات تنزل هناك على أثر النداء السماوي في شهر رمضان ، وأن الله تعالى يظهر لهم أهل الكهف آية ، فعن أمير المؤمنين عليه السلام : ( وتقبل الروم إلى ساحل البحر عند كهف الفتية ، فيبعث الله الفتية من كهفهم مع كلبهم ، منهم رجل يقال له مليخا وآخر خملاها ، وهما الشاهدان المسلمان للقائم ). ( البحار : 52/275 ) ، ولعل المعنى أن مليخا وخملاها يأتيان إلى المهدي عليه السلام ويبايعانه ، أو يسلمان إليه مواريث تكون مع أهل الكهف.

وعلى هذا ، فإن الإمداد الغيبي هو الذي يجعل الغربيين يتريثون في خوض المعركة إلى جانب اليهود والسفياني ضد المهدي عليه السلام ، وتكون الآية الأولى ظهور أصحاب الكهف ، والآية الثانية استخراج أصحاب المهدي عليه السلام تابوت السكينة ونسخاً من التوراة والإنجيل من غار بأنطاكية ومحاجتهم بها.

ولذا يستبعد أن تقع بينهم وبين المهدي عليه السلام معركة عند أنطاكية.

كما أن نزول قواتهم على الساحل التركي وليس في تركيا ، قد يشير إلى أن تركيا تكون خارجة عن نفوذهم ، أو يكون تم تحريرها في تلك الفترة بثورة شعبها ، أو بجيش المهدي عليه السلام.

ولكن قوات الروم التي تنزل الرملة على ساحل فلسطين ، والتي تصفها بعض الروايات بمارقة الروم تشارك على مايبدو في معركة القدس إلى جانب اليهود والسفياني.

كما أن بعض الروايات تذكر أنه عليه السلام يرسل جيشه إلى الشام لخوض معركة القدس ، مما يطرح احتمال أنه لايشارك بنفسه في المعركة ، بل يدخل القدس بعد هزيمة أعدائه ، ولكن أكثر الروايات تذكر أنه يسير بنفسه مع جيشه ، ويعسكر في ( مرج عذراء ) القريب من دمشق.

فعن الإمام الباقر عليه السلام قال : ( ثم يأتي الكوفة فيطيل المكث بها ما شاء الله أن يمكث حتى يظهر عليها. ثم يسير حتى يأتي العذراء هو من معه ، وقد التحق به ناس كثير ، والسفياني يومئذ بوادي الرملة. حتى إذا التقوا وهو يوم الأبدال ، يخرج أناس كانوا مع السفياني مع شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله ، ويخرج ناس كانوا مع آل محمد إلى السفياني ، فهم من شيعته حتى يلحقوا بهم ، ويخرج كل ناس إلى رايتهم وهو يوم الأبدال. قال أمير المؤمنين عليه السلام : ويقتل يومئذ السفياني ومن معه حتى لايدرك منهم مخبر ، والخائب يومئذ من خاب من غنيمة كلب ). ( البحار : 52/224 ).

وتدل هذه الرواية على عدة أمور : منها ، الحالة الشعبية العامة المؤيدة للإمام المهدي عليه السلام حيث يدخل جيشه سوريا بدون مقاومة مذكورة ويعسكر على بعد ثلاثين كيلو متراً من دمشق. إلى آخر ما ذكرناه في حركة السفياني.

معركة الإمام المهدي عليه السلام مع اليهود

حاصل الحالة السياسية في المنطقة التي تفهم من الروايات قبيل معركة القدس : أن الروم الغربيين يكونون في حالة تخوف من مواجهة الإمام المهدي عليه السلام بسبب انتصاراته المفاجئة ، وانتصارات أصحابه في اليمن والحجاز والعراق ، وربما انتصاره عليهم في معركة الخليج. وبسبب الموجة الشعبية العارمة له في الشعوب الإسلامية ، وخاصة مسلمي المنطقة.

ولابد أن الآيات الربانية التي تسبق ظهوره عليه السلام وترافقه تكون ذات تأثير على الشعوب الغربية أيضاً وتزيد في ارتباك حكوماتها ، فلاتقوم بأكثر من إرسال قواتها إلى ساحل أنطاكية وساحل الرملة في فلسطين أو مصر ، ويكون دور الغربيين في المعركة بشكل عام مساندة حلفائهم اليهود والسفياني.

أما وضع اليهود فيكون أكثر قلقاً ورعباً ، لأن المعركة مصيرية بالنسبة إليهم ولكنهم يفضلون أن لايواجهوا جيش المهدي مباشرة ، بل بواسطة خط دفاعهم ( العربي ) بقيادة السفياني ، وهذه قاعدة وسنة آلهية في الحكومات المترفة أنها تفضل أن يقاتل غيرها نيابة عنها ، وأن تبقى في الخط الثاني أو الثالث ، كما نشاهد في اليهود عموماً.

أما الحالة الشعبية في المنطقة فتبلغ شدة تأييدها للإمام المهدي عليه السلام أنها تكاد تطيح بالسفياني وتضم بلاد الشام إلى دولةالإمام المهدي عليه السلام ، لولا الإسناد الخارجي القوي للسفياني وجيشه من الروم واليهود.

ولا يبعد أن يرافق تراجع قوات السفياني أمام زحف جيش المهدي عليه السلام ، أن تكون بلاد الشام في حالة فراغ أو شبه فراغ سياسي.

وقد أورد ابن حماد في مخطوطته نحو عشرين حديثاً تحت عنوان : ( خروج المهدي من مكة إلى بيت المقدس ) وورد عدد منها في مصادرنا الشيعية أيضاً. منها ص 96 ، عن ابن وزير الغافقي أنه سمع علياً يقول : ( يخرج في اثني عشر ألفاً إن قلوا وخمسة عشر ألفاً إن كثروا ، يسير الرعب بين يديه ، لايلقاه عدو إلا هزمهم بإذن الله ، شعارهم أمت أمت ، لايبالون في الله لومة لائم ، فيخرج إليهم سبع رايات من الشام فيهزمهم ويملك ، فترجع إلى المسلمين محبتهم ونعمتهم وقاصتهم وبزارتهم ، فلا يكون بعدهم إلا الدجال. قلنا : وما القاصة والبزارة ؟ قال يقبض الأمر حتى يتكلم الرجل بأشياء لا يخشى شيئاً ).

وفيها : ( ويسير المهدي حتى ينزل بيت المقدس ، وتنقل إليه الخزائن ، وتدخل العرب والعجم وأهل الحرب والروم وغيرهم في طاعته ).

وفي ص 97 : ( فيقول ( أي المهدي ) أخرجوا إلي ابن عمي حتى أكمله ، فيخرج إليه فيكلمه ، فيسلم له الأمر ويبايعه : فإذا رجع السفياني إلى أصحابه ندمته كلب فيرجع ليستقيله ، فيقتتل هو وجيش السفياني على سبع رايات ، كل صاحب راية منهم يرجو الأمر لنفسه ، فيهزمهم المهدي ).

وفيها : ( فيستقيله البيعة فيقيله ، ثم يعبي جيوشه لقتاله فيهزمه ، ويهزم الله على يديه الروم ). والسفياني في النسب الظاهر ابن عم الإمام المهدي عليه السلام ، لأن أمية وهاشم كما هو معروف أخوان.

وإذا صح شئ من هذه الروايات فهي سياسة حكيمة وخلق عظيم من الإمام المهدي عليه السلام ، يريد بها أن يصرفه عن غيه ، أو يقيم عليه مزيداً من الحجة ، ولكن السفياني سرعان مايندم على تأثره الموقت بشخصية الإمام المهدي عليه السلام ، ويُندِّمه أقاربه بنو كلب ، بل قادة جيشه السبعة الذين يكون السفياني بالحقيقة قيادة اتحادية لهم ، ومن وراء ذلك أسيادهم الروم واليهود.

وفي رواية الملاحم والفتن عن أمير المؤمنين عليه السلام في وصف هذه المعركة قال : ( فيغضب الله على السفياني ، ويغضب خلق الله لغضب الله تعالى ، فترشقهم الطير بأجنحتها ، والجبال بصخورها ، والملائكة بأصواتها! ولا تكون ساعة حتى يهلك الله أصحاب السفياني كلهم ، ولايبقى على الأرض غيره وحده فيأخذه المهدي فيذبحه تحت الشجرة التي أغصانها مدلاة على بحيرة طبرية ).

وتذكر بعض روايات هذه المعركة نوعاً آخر من الإمداد الغيبي للمسلمين فيها ، مضافاً إلى ما ذكرته الرواية المتقدمة : ( أنه يسمع يومئذ صوت من السماء منادياً ينادي : ألا إن أولياء الله فلان ، يعني المهدي ، فتكون الدبرة على أصحاب السفياني ، فيقتلون حتى لايبقى منهم إلا الشريد ). ( ابن حماد ص 97 ).

والظاهر أن الأحاديث الواردة في مصادر الفريقين عن قتال المسلمين لليهود في آخر الزمان تقصد هذه المعركة ، بدليل تشابه مضامينها وتعابيرها ، والروايات الواردة في تفسير قوله تعالى : ﴿ بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ‌ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا ﴾. بالإمام المهدي عليه السلام وأصحابه.

ومن أشهر أحاديثها في مصادر السنة ، الحديث الذي رواه مسلم وغيره عن النبي صلى الله عليه وآله قال : ( لاتقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهود من وراء الحجر والشجر ، فيقول الحجر والشجر يامسلم هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله ، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود ). ( التاج الجامع للأصول : 5/356 وأحمد : 2/417 ) ، ويشبهه ما رواه مسلم والترمذي في كتاب الفتن ، والبخاري في كتاب المناقب : ( يقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم ).

كما ورد في أحاديث المهدي عليه السلام من طرق الفريقين روايات عديدة عن استخراجه عليه السلام تابوت السكينة ، وأسفاراً من التوراة ومحاجة اليهود بها. ويبدو أن ذلك يكون بعد انتصاره عليهم ودخوله القدس.

ولم أجد في الروايات تحديداً لعدد القوات التي تشترك في هذه المعركة سواء قوات المسلمين مع المهدي عليه السلام أو لعدد قوات السفياني واليهود والروم. وقد ورد في بعضها أن عدد قوات السفياني التي تنزل عند بحيرة طبرية يكون مئة وسبعين ألفاً. ولكن توجد عدة مؤشرات تدل على أن عدد قوات الجانبين تكون كبيرة جداً ، منها ، ما في الرواية المتقدمة عن الإمام الباقر عليه السلام : ( وقد ألحق به ناس كثير ). ومنها ، سعة جبهة المعركة التي تمتد من طبرية إلى القدس في أكثر الروايات ، وبعضها تذكر مرج عكا وصور ودمشق أيضاً.

أما ما ورد في بعض الروايات من أن جيش المهدي عليه السلام يكون بضعة عشر ألفاً فهو جيشه الذي يخرج به من مكة الى المدينة ، وربما اشتبه بعض الرواة بينه وبين جيشه الذي يتوجه به من العراق إلى القدس ، ويكون قائده شعيب بن صالح قائد قوات الإيرانيين ، فهذا الجيش قد يزيد عدده على المليون جندي ، لأنه يكون فيه قوات الإيرانيين واليمانيين والعراقيين وغيرهم من بلاد المسلمين ، ثم ينضم إليه أعداد من بلاد الشام ، وربما من غيرها.

ومع أن ابن حماد أورد روايات البضعة عشر ألفاً في عدد جيش المهدي عليه السلام في زحفه نحو القدس ص 95 وما بعدها ، إلا أنه أورد رواية في ص 106 تذكر أن حرسه عليه السلام عندما يدخل القدس يكون اثني عشر ألفاً : ( ينزل رجل من بني هاشم بيت المقدس يكون حرسه اثنا عشر ألفاً ).

ورواية ثانية ص 107 تقول : ( حرسه ستة وثلاثون ألفاً ، على كل طريق لبيت المقدس اثنا عشر ألفاً ). وهذا يدل على ضخامة جيشه عليه السلام.

كما أورد ص 110 ، رواية عن بناء المهدي عليه السلام للقدس تقول : ( ينزل خليفة من بني هاشم يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، يبني بيت المقدس بناء لم يُـبْنَ مثله ).

ومن الطبيعي أن يكون لانتصار الإمام المهدي عليه السلام المفاجئ والكاسح ودخوله القدس الشريفة وقع الصاعقة على الغربيين ، وأن يجن جنونهم لهزيمة حلفائهم اليهود وانهيار كيانهم.

وبمقتضى الحسابات السياسية ، وما نعرفه من عنفوانهم الحالي ، لابد أن يشنوا حملة عسكرية بحرية وجوية على الإمام المهدي عليه السلام وجيشه ، وأن يستعملوا كل ما يسنطيعون من أسلحة فتاكة.

ولكن يفهم من الأحاديث الشريفة أن عدة عوامل مهدئة تكون موجودة ، ولعل من أهمها نزول المسيح عليه السلام في القدس ، ثم حالة الرعب التي تتعمق في الغربيين من مواجهة الإمام المهدي عليه السلام.

ويضاف إلى ذلك وسائل الإمداد الغيبي التي يملكها الإمام المهدي عليه السلام ويستعمل بعضها في حركة ظهوره ، والتي تستحق استعراضها في فضل خاص ، وإن كان تأثيرها يكاد ينحصر بالشعوب الغربية ، ويكون على حكوماتها ضعيفاً أو معدوماً. وقد يضاف إلى ذلك امتلاك المهدي عليه السلام أسلحة متطورة تكافي أسلحة الغربيين ، أو تتفوق عليها.

نزول المسيح عليه السلام من السماء

أجمع المسلمون على أن روح الله عيسى المسيح على نبينا وآله وعليه السلام ينزل من السماء إلى الأرض في آخر الزمان ، وبذلك فسر أكثر المفسرين قوله تعالى : ﴿  وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ﴾. ( النساء : 159 ) ، وقد نقله صاحب مجمع البيان عن ابن عباس وأبي مالك وقتادة وابن زيد والبلخي ، وقال : واختاره الطبري.

وروى تفسيرها بذلك في البحار : 14/530 ، عن الإمام الباقر عليه السلام قال : ( ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا ، فلايبقى أهله ملة يهودي ولا نصراني إلا آمن به قبل موته ويصلي خلف المهدي ).

وأحاديث نزوله في مصادر الفريقين كثيرة منها الحديث المشهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال : ( كيف بكم ( أنتم ) إذا نزل عيسى بن مريم فيكم وإمامكم منكم ). ( البحار : 52/383 ورواه البخاري : 2/256 ، وروى غيره في باب : ( نزول عيسى عليه السلام ).

وأورد ابن حماد في مخطوطته من ص 159 إلى ص 162نحو ثلاثين حديثاً تحت عنوان : ( نزول عيسى بن مريم (ص) وسيرته ) وتحت عنوان : ( قدر بقاء عيسى بن مريم عليه السلام بعد نزوله ).

منها ، ص 162الحديث المروي في الصحاح وفي البحار عن النبي صلى الله عليه وآله قال : ( والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً وإماماً مقسطاً ، ويكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزيرة ، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد ) وفيها : ( إن الأنبياء إخوة لعلات ، دينهم واحد وأمهاتهم شتى. أولاهم بي عيسى بن مريم ، ليس بيني وبينه رسول ، وإنه لنازل فيكم فاعرفوه ، رجل مربوع الخلق ، إلى البياض والحمرة. يقتل الخنزير ويكسر الصليب ويضع الجزية. ولايقبل غير الإسلام ، وتكون الدعوة واحدة لله رب العالمين ).

وقد ورد في عدد من روايات ابن حماد نزوله عليه السلام في القدس ، وفي بعضها عند القنطرة البيضاء على باب دمشق ، وفي بعضها عند المنارة التي عند باب دمشق الشرقي. وفي بعضها باب لد بفلسطين.

كما أورد في بعضها أنه يصلي خلف المهدي عليهما السلام ، وأنه يحج إلى بيت الله الحرام كل عام ، وأن المسلمين يقاتلون معه اليهود والروم والدجال. وأنه يبقى في الأرض أربعين سنة ، ثم يتوفاه الله تعالى ويدفنه المسلمون.

وورد في رواية عن أهل البيت عليهم السلام أن الإمام المهدي عليه السلام يقيم مراسم دفنه على أعين الناس ، حتى لا يقول فيه النصارى ما قالوه ، وأنه يكفنه بثوب من نسج أمه الصديقة مريم عليها السلام ويدفنه في القدس في قبرها.

والمرجح عندي في أمر نزوله عليه السلام أن قوله تعالى : ﴿  وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ﴾. ( النساء : 159 ) يدل على أن الشعوب المسيحية واليهود جميعاً يؤمنون به ، وأن الحكمة من رفعة إلى السماء وتمديد عمره أن الله تعالى ادخره ليؤدي دوره العظيم في هداية أتباعه وعباده ، في مرحلة حساسة من التاريخ يظهر فيها المهدي عليه السلام ويكون النصارى أكبر قوة في العالم ، ويكونون أكبر عائق أمام وصول نور الإسلام إلى شعوبهم العالم ، وإقامة دولته وحضارته الإلهية.

لذا فإن من الطبيعي أن تعم العالم المسيحي تظاهرات شعبية ، وفرحة عارمة ، ويعتبرون نزوله لهم في مقابل ظهور المهدي عليهما السلام في المسلمين.

ومن الطبيعي أن يزور المسيح عليه السلام بلادهم المختلفة ، ويظهر الله تعالى على يديه الآيات والمعجزات ، ويعمل لهدايتهم إلى الإسلام بالتدريج والنفس الطويل ، وأن تكون أول الثمرات السياسية لنزوله تخفيف حالة العداء في الحكومات الغربية للإسلام والمسلمين وعقد اتفاقية الهدنة بينهم وبين الإمام المهدي عليه السلام التي تذكرها الروايات.

وقد تكون صلاته خلف المهدي عليهما السلام على أثر نقض الغربيين معاهدة الهدنة والصلح مع المهدي عليه السلام وغزوهم المنطقة بجيش جرار كما تذكر الروايات ، فيتخذ المسيح عليه السلام موقفه الصريح إلى جانب المسلمين ، ويأتم بإمامهم.

أما كسر الصليب وقتل الخنزير فلا يبعد أن يكون بعد غزو الغربيين للمنطقة وهزيمتهم في معركتهم الكبرى مع المهدي عليه السلام.

كما ينبغي أن ندخل في الحساب التيار الشعبي الغربي المؤيد للمسيح عليه السلام والذي يكون له تأثير ما على الحكومات قبل معركتهم الكبرى مع المهدي ، وتأثير حاسم بعدها.

وأما حركة الدجال ، فالمرجح عندي من أحاديثها أنها تكون بعد مدة غير قصيرة من قيام الدولة العالمية على يد المهدي عليه السلام وعموم الرفاهية لشعوب الأرض ، وتطور العلوم تطوراً هائلاً ، وأنها حركة يهودية إباحية أشبه بحركة الهيپز الغربية الناتجة عن الترف والبطر. غاية الأمر أن حركة الأعور الدجال تكون متطورة ذات أبعاد عقيدية وسياسية واسعة ، حيث يستعمل الدجال وسائل العلوم في ادعاءاته وشعوذاته ، ويتبعه اليهود الذين هم في الحقيقة وراء حركته ، ويستغلون المراهقين والمراهقات ، وتكون فتنته شديدة على المسلمين.

وينبغي التثبت والتحقيق في الروايات التي تذكر أن المسيح عليه السلام هو الذي يقتل الدجال ، لأن ذلك من عقائد المسيحيين المذكورة في أناجيلهم ، ولأن المجمع عليه عند المسلمين أن حاكم الدولة العالمية يكون الإمام المهدي عليه السلام ويكون المسيح عليه السلام معيناً له ومؤيداً.

وقد وردت الروايات عن أهل البيت عليهم السلام بأن الذي يقتل الدجال هم المسلمون بقيادة الإمام المهدي عليه السلام.

اتفاقية الهدنة بين الإمام المهدي عليه السلام والغربيين

وأحاديث هذه الهدنة كثيرة ، تدل على أنها اتفاقية صلح وعدم اعتداء وتعايش سلمي.

ويبدو أن غرض الإمام المهدي عليه السلام منها أن يفتح المجال لعمله وعمل المسيح عليه السلام أن يأخذ مجراه الطبيعي في هداية الشعوب الغربية وتحقيق التحول العقائدي والسياسي فيها ، لتكتشف زيف حكوماتها وحضارتها.

ونلاحظ في روايات هذه الهدنة الشبه الكبير بينها وبين صلح الحديبية الذي عقده النبي صلى الله عليه وآله مع قريش على عدم الحرب لمدة عشر سنين وسماه الله تعالى الفتح المبين ، حيث مالبث جبابرة قريش أن نقضوا عهدهم مع المسلمين وكشفوا عن نواياهم ، فكان ذلك دافعاً للناس أن يدخلوا في الإسلام ، ومبرراً للقضاء على قوة المشركين وكفرهم.

وكذلك لايلبث الرؤساء الغربيون أن ينقضوا عهدهم مع المسلمين ويكشفوا عن طغيانهم ، ويغزوا المنطقة بنحو مليون جندي كما تذكر الروايات ، فتكون المعركة الكبرى معهم ، التي يظهر من وصف الروايات لها أنها أعظم من معركة فتح القدس.

ففي الحديث النبووي الذي رواه الجميع قال النبي صلى الله عليه وآله : ( بينكم وبين الروم أربع هدن ، الرابعة على يد رجل من آل هرقل ، تدوم سنين ( سنتين ) فقال له رجل من عبد القيس يقال له السؤدد بن غيلان : من إمام الناس يومئذ؟ فقال : المهدي من ولدي ) البحار : 51/80 )

وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( يكون بينكم وبين بني الأصفر هدنة ، فيغدرون بكم في حمل امرأة ، يأتون في ثمانين غاية في البر والبحر ، كل غاية اثنا عشر ألفاً ، فينزلون بين يافا وعكا ، فيحرق صاحب مملكتهم سفنهم ، يقول لأصحابه قاتلوا عن بلادكم ، فيلتحم القتال ، ويمد الأجناد بعضهم بعضاً ، حتى يمدكم من بحضر موت اليمن ، فيومئذ يطعن فيهم الرحمان برمحه ، ويضرب فيهم بسيفه ، ويرمي فيهم بنبله ، ويكون منه فيهم الذبح الأعظم ) ( مخطوطة ابن حماد ص 141 ).

ومعنى : ( يطعن فيهم الرحمان برمحه .. الخ. ) أنه تبارك وتعالى يمد المسلمين بملائكته وإمداده الغيبي عليهم.

وفي ص 142 : ( ترسي الروم فيما بين صور إلى عكا ، فهي الملاحم ).

وفي ص 115 : ( ( إن ) لله ذبحين في النصارى ، مضى أحدهما وبقي الآخر ).

وفي ص 124 : ( ثم يسلط الله على الروم ريحاً وطيراً تضرب وجوههم بأجنحتها فتفقأ أعينهم ، وتتصدع بهم الأرض فيتلجلجوا في مهوى بعد صواعق ورواجف تصيبهم ، ويؤيد الله الصابرين ويوجب لهم الأجر كما أوجب لأصحاب محمد (ص) وتملأ قلوبهم وصدورهم شجاعة وجرأة ).

ويبدو أن هدفهم من إنزال قواتهم البحرية بين يافا وعكا ، أو بين صور وعكا ، كمافي هاتين الروايتين هو استرجاع فلسطين مجدداً وإعطاؤها لليهود ، وأن تكون القدس هدفاً عسكرياً مبرراً لحملتهم.

وقد ورد في الرواية التالية أن إنزال قواتهم يشمل طول الساحل من عريش مصر إلى أنطاكية في تركية ، فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : ( فتح لرسول الله صلى الله عليه وآله فتح لم يفتح له مثله منذ بعثه الله تعالى فقلت له : يهنيك الفتح يا رسول الله قد وضعت الحرب أوزارها. فقال : هيهات هيهات ، والذي نفسي بيده إن دونها يا حذيفة لخصالاً ستاً .. وذكر آخرها صلى الله عليه وآله فتنة الروم وغدرهم بالمسلمين بثمانين راية ، وأنهم ينزلون ما بين أنطاكية إلى العريش ). ( ابن حماد ص 118 ).

وقد ورد في أحاديث نزول عيسى عليه السلام أن الحرب تضع أوزارها عند ذلك.

ويؤيده واقع صراعنا وحروبنا مع الروم التي لم تضع أوزارها ، ولن تضع أوزارها حتى يظهر المهدي وينزل عيسى عليهما السلام ، وينصرنا الله تعالى على الروم في مرحلة طغيانهم العالمي.

وفي ص 136 : ( في فلسطين وقعتان في الروم ، تسمى إحداهما القطاف ، والأخرى الحصاد ) أي تكون الثانية كاسحة أكثر من الأولى.

وتشير الرواية التالية إلى أن معركة المهدي عليه السلام مع الغربيين تكون غير متكافئة ، وأن ميزان القوة يكون لصالحهم في الظاهر ، ولذلك ينضم إليهم بعض ضعاف القلوب من العرب ، ويقف آخرون على الحياد ، فقد روى ابن حماد في ص 12 ، عن محمد بن كعب في تفسير قوله تعالى : ﴿ قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَ‌ابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ  ﴾ ، قال : الروم يوم الملحمة. وقال : قد استنفر الله الأعراب في بدء الإسلام فقالت : ﴿ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا ﴾ فقال : ﴿ سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ  ﴾. يوم الملحمة فيقولون كما قالوا في بدء الإسلام ، فتحل بهم الآية : يعذبكم عذاباً أليماً.

وقال صفوان : حدثنا شيخنا أن من الأعراب من يرتد يومئذ كافراً ، ومنهم من يولي عن نصرة الإسلام وعسكره شاكاً ).

فالمرتدون هم الذين يقفون إلى جانب الروم ، والمتولون هم الواقفون على الحياد ، وعذابهم الأليم على يد المهدي عليه السلام بعد انتصاره على الروم.

وروى ابن حماد في ص 131 حديثاً يوازن أجر شهداء هذه المعركة بأجر شهداء بدر مع رسول الله صلى الله عليه وآله قال : ( قال رسول الله (ص) : خير قتلى تحت ظل السماء مذ خلق الله تعالى خلقه ، أولهم هابيل الذي قتله قابيل اللعين ظلماً ، ثم قتلى الأنبياء الذين قتلهم أممهم المبعوثة إليهم حين قالوا : ربنا الله ودعوا إليه ، ثم مؤمن آل فرعون ، ثم صاحب ياسين ، ثم حمزة بن عبد المطلب ، ثم قتلى بدر ، ثم قتلى أحد ، ثم قتلى الحديبية ، ثم قتلى الأحزاب ، ثم قتلى حنين ، ثم قتلى تكون بعدي تقتلهم خوارج مارقة فاجرة ، ثم ارجع يدك إلى ما شاء الله من المجاهدين في سبيله ، حتى تكون ملحمة الروم ، قتلاهم كقتلى بدر ).

ولا بد أن يكون تعبير قتلى الحديبية في الرواية تصحيفاً أو إضافة ، لأن مصادر السيرة لم تذكر وقوع حرب وقتلى في الحديبية.

أما في مصادرنا الشيعية عن أهل البيت عليهم السلام فقد نصت على أن أفضل الشهداء عنه الله تعالى هم أصحاب سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام والشهداء مع الإمام المهدي عليه السلام.

أما وقت الحملة الغربية الأخيرة على بلادنا فتذكر الروايات أن مدة الهدنة معهم تكون سبع سنين ، ولكنهم يغدرون وينقضونها بعد سنتين ، وبعضها يذكر أنهم يغدرون بعد ثلاث سنين.

ففي مخطوطة ابن حماد ص 142 عن أرطاة قال : ( يكون بين المهدي وطاغية الروم صلح بعد قتله السفياني ونهب كلب ، حتى يختلف تجاركم إليهم وتجارهم إليكم ، ويأخذون في صنعة سفنهم ثلاث سنين .. حتى ترسي الروم فيما بين صور إلى عكا ، فهي الملاحم ).

وقد تقدمت الرواية التي تذكر أنهم يغدرون في حمل امرأة ، أي بعد تسعة أشهر من توقيع الهدنة ، والله العالم.

الشعوب الغربية تدخل في الإسلام

يكون لهزيمة الغربيين الساحقة على يد الإمام المهدي عليه السلام في فلسطين وبلاد الشام آثار كبيرة على شعوب الغرب ومستقبله. ولابد أن الكلمة النافذة في الغرب تصبح للمسيح والمهدي عليهما السلام ، وللتيار الشعبي المؤيد لهما في الشعوب الغربية ، وأن هذا التيار يتولى حركة إسقاط الحكومات الكافرة وإقامة حكومات تعلن انضمامها إلى دولة المهدي عليه السلام.

وتذكر الروايات في مصادر السنة والشيعة أن الإمام المهدي عليه السلام يتوجه إلى الغرب ويفتح هو وأصحابه المدينة الرومية الكبرى ، أو المدن الرومية ، وبعضها يذكر أنه يفتحها مع أصحابه بالتكبير!

ففي بشارة الإسلام ص 258 قال : ( يفتح قسطنطينية ورومية وبلاد الصين ).

وفي الزام الناصب : 2/225 : ( ويتوجه إلى بلاد الروم فيفتح رومية مع أصحابه ).

وفي الملاحم والفتن ص 64 : ( رومية التي يفتحها المهدي هي أم بلاد الروم ).

وفي بشارة الإسلام ص 251 عن الإمام الصادق عليه السلام قال : ( ثم تسلم الروم على يده فيبني لهم مسجداً ، ويستخلف عليهم رجلاً من أصحابه وينصرف ).

وفي مخطوطة ابن حماد ص 136 عن عكرمة وسعيد بن جبير في تفسير قوله تعالى : ( لهم في الدنيا خزي : قال مدينة تفتح بالروم ).

وفي بشارة الإسلام ص 297 ، قال : ( يفتح المدينة الرومية بالتكبير في سبعين ألفاً من المسلمين ).

ضمن كتاب عصر الظهور