الشفاء بید الحجه علیه السلام

طباعة

ومن ذلك ما صحّ لي روايته عن الشيخ الصدر الأعظم عليّ بن عيسى بن أبي الفتح الأربلي العالم الفاضل ، مصنّف كتاب « كشف الغمّة » ، فإنّه روى في (1) آخر المجلّد الثاني من الكتاب عند ذكر أخبار مولانا وسيّدنا وإمامنا الإمام القائم محمّد ابن الحسن عليه‌السلام ، ما هذا لفظه : حدّثني جماعة من [ ثقات ] (2) إخواني أنّه كان في البلاد الحليّة شخص يقال له : إسماعيل بن الحسن الهرقلي ، من قرية يقال لها : هرقل ، مات في زماني وما رأيته ، حكى لي ولده شمس الدين قال (3) : حكى لي والدي أنّه خرج فيه ـ وهو شابّ ـ على فخذه الأيسر توثة (4) مقدار قبضة الإنسان ، وكانت في كلّ ربيع تنشقّ (5) ويخرج منها دم وقيح ، ويعطّله (6) ألمها عن كثير من أشغاله ، وكان مقيما بهر قل.

فحضر إلى الحلّة يوما ودخل إلى مجلس السيّد السند (7) السعيد رضي الملّة (8) والدين عليّ بن طاوس رحمه‌الله وشكا إليه ما يجده [ منها ] (9) ، وقال : اريد أن اداويها ، فأحضر له أطبّاء الحلّة وأراهم الموضع ، فقالوا : هذه التوثة (10) فوق العرق الأكحل ، وعلاجها خطر ، ومتى قطعت خيف أن ينقطع العرق ويموت.

فقال [ له ] (11) السيّد الأيّد السعيد رضي الملّة والدين (12) قدّس الله روحه : أنا متوجّه إلى بغداد وربّما كان أطباؤها أعرف [ وأحذق ] (13) من هؤلاء [ فاصحبني ] (14) ، فأصعد معه وأحضر الأطبّاء ، فقالوا (15) كما قال أولئك ، فضاق صدره.

فقال له السيّد (16) السعيد قدّس الله روحه : إنّ الشارع (17) قد فسح [ لك ] (18) في الصلاة في هذه الثياب ، وعليك الاجتهاد في الاحتراز (19) ولا تغرر بنفسك ، فالله تعالى قد نهى عن ذلك ورسوله.

فقال له والدي : إذا كان هذا الأمر هكذا (20) وقد حصلت في (21) بغداد فأتوجّه إلى زيارة المشهد الشريف بسرّمن رأى على مشرّفه السّلام ، ثمّ أنحدر إلى أهلي ، فحسّن له ذلك ، فترك ثيابه [ ونفقته ] (22) عند السيّد السعيد المذكور (23) وتوجّه.

قال : فدخلت (24) المشهد ، وزرت الأئمّة عليهم‌السلام ، ونزلت السرداب ، واستغثت (25) بالله تعالى وبالإمام عليه‌السلام ، وقضيت بعض الليل في السرداب ، وبقيت (26) في المشهد إلى الخميس ، ثمّ مضيت إلى دجلة واغتسلت ولبست ثوبا نظيفا ، وملأت إبريقا كان معي ، وصعدت اريد المشهد الشريف.

فرأيت أربعة فرسان خارجين من باب السور ، وكان حول المشهد قوم من الشرفاء يرعون أغنامهم فحسبتهم منهم ، فالتقينا ، فرأيت شابّين ـ أحدهما عبد مخطوط ، والآخر (27) منهما متقلّد سيفا ـ وشيخا متنقّبا بيده رمح ، والآخر متقلّد بسيف وعليه فرجيّة ملوّنة فوق السيف وهو محنّك بعذبته.

فوقف الشيخ صاحب الرمح يمين الطريق ووضع كعب رمحه (28) في الأرض ، ووقف الشابان عن يسار الطريق ، وبقي صاحب الفرجية على الطريق مقابل والدي ، ثمّ سلّموا عليه فردّ عليهم‌السلام.

فقال له صاحب الفرجيّة : أنت غدا تروح إلى أهلك؟ فقال : نعم ، [ فقال له ] (29) تقدّم حتّى أبصر ما يوجعك. قال : فكرهت ملامسته (30) وقلت [ في نفسي ] (31) : أهل البادية لا يكادون يحترزون عن النجاسة ، وأنا قد خرجت من الماء وقميصي مبلول. ثمّ إنّي مع (32) ذلك تقدّمت إليه فلزمني بيده ومدّني إليه وجعل يلمس جانبي من كتفي إلى أن أصابت يده التوثة (33) فعصرها بيده فأوجعني ، ثمّ استوى في سرج فرسه (34) كما كان ، فقال لي الشيخ : أفلحت يا إسماعيل ، فعجبت من معرفته اسمي ، فقلت : أفلحنا وأفلحتم إن شاء الله تعالى. قال : فقال [ لي الشيخ ] (35) : هذا هو الإمام. قال : فتقدّمت إليه فاحتضنته وقبّلت فخذه.

ثمّ إنّه سار (36) وأنا أمشي معه محتضنه ، فقال : ارجع ، فقلت : لا افارقك أبدا.

فقال : المصلحة رجوعك ، فأعدته ، فقال (37) مثل القول الأوّل ، فقال الشيخ : يا إسماعيل ما تستحي؟ يقول لك الإمام مرّتين « ارجع » فتخالفه؟! فجبهني بهذا القول ، فوقفت فتقدّم خطوات والتفت إليّ وقال : إذا وصلت بغداد فلا بدّ أن يطلبك أبو جعفر ـ يعني الخليفة المستنصر ـ فإذا حضرت عنده وأعطاك شيئا فلا تأخذه ، وقل لولدنا الرضي ليكتب [ لك ] (38) إلى عليّ بن عوض ، فإنّني أوصيته (39) يعطيك الذي تريد ، ثمّ سار وأصحابه معه ، فلم أزل قائما أبصرهم حتّى بعد (40) ، وحصل عندي أسف بمفارقته ، فقعدت إلى الأرض ساعة.

ثمّ مشيت إلى المشهد ، فاجتمع القوّام حولي وقالوا : نرى وجهك متغيّرا ، أأوجعك شيء؟ قلت : لا. قالوا : أخاصمك أحد؟ قلت : لا ، ليس عندي ممّا تقولون [ خبر ] (41) ، لكن أسألكم : هل عرفتم الفرسان الذين كانوا عندكم؟ قالوا : بلى (42) من الشرفاء أرباب الغنم. فقلت : لا ، بل هو الإمام القائم (43) عليه‌السلام. فقالوا : الإمام هو الشيخ أو صاحب الفرجيّة؟ قلت : [ هو ] (44) صاحب الفرجيّة. فقالوا : أريته المرض الذي فيك؟ فقلت : هو قبضه بيده وأوجعني ، ثمّ كشفت رجلي فلم أر لذلك المرض أثرا ، فتداخلني الشك من الدّهش فأخرجت رجلي الاخرى فلم أر شيئا ، فانطبق الناس [ عليّ ] (45) فمزّقوا قميصي ، فأدخلني القوّام خزانة ومنعوا الناس عنّي.

وكان ناظر [ بين ] (46) النهرين بالمشهد ، فسمع الضجّة وسأل عن الخبر ، فعرّفوه ، فجاء إلى الخزانة وسألني عن اسمي ، وسألني منذ كم خرجت من بغداد؟ فعرّفته أنّي خرجت في أوّل الاسبوع ، فمشى عنّي وبتّ بالمشهد وصلّيت الصبح ، وخرجت وخرج الناس معي إلى أن بعدت عن المشهد ، ورجعوا عنّي ، ووصلت إلى أوانا (47) وبتّ بها ، وبكّرت منها اريد بغداد ، فرأيت الناس مزدحمين على القنطرة العتيقة يسألون من يمرّ (48) عليهم عن اسمه ونسبه وأين كان ، فسألوني عن اسمي ومن أين جئت ، فعرّفتهم ، فاجتمعوا عليّ ومزّقوا ثيابي ولم يبق لي في روحي حكم ، وكان ناظر [ بين ] (49) النهرين كتب إلى بغداد وعرّفهم الحال ، ثمّ حملوني إلى بغداد ، وازدحم الناس عليّ وكادوا يقتلونني من كثرة الزحام ، وكان الوزير القمّي رحمه‌الله قد طلب السيّد الأيّد (50) السعيد رضي الدين عليّ بن طاوس رحمه‌الله (51) وتقدّم أن يعرّفه صحّة هذا الخبر.

قال : فخرج رضي الدين ومعه جماعة فوافينا باب النوبي (52) ، فردّ أصحابه الناس عنّي ، فلمّا رآني قال : أعنك يقولون؟ قلت : نعم. فنزل عن دابّته وكشف عن فخذي فلم ير شيئا ، فغشي عليه ساعة وأخذ بيدي ، وأدخلني على الوزير وهو يبكي ويقول : يا مولانا هذا أخي وأقرب الناس إلى قلبي ، فسألني الوزير عن القصّة فحكيت له ، فأحضر الأطبّاء الذين كانوا (53) أشرفوا عليها وأمرهم بمداواتها ، فقالوا : ما دواؤها إلاّ القطع بالحديد ، ومتى قطعها مات.

فقال لهم [ الوزير ] (54) : فبتقدير أن تقطع ولا يموت ، في كم يبرأ (55)؟ فقالوا : في شهرين وتبقى [ في ] (56) مكانها حفرة بيضاء ولا ينبت فيها شعر.

فسألهم الوزير : متى رأيتموه؟ قالوا : منذ عشرة أيّام ، فكشف الوزير عن الفخذ الذي كان فيه الألم فرآها (57) وهي مثل اختها وليس فيها أثر أصلا ، فصاح أحد الحكماء : هذا عمل المسيح. فقال الوزير : حيث لم يكن عملكم فنحن نعرف من عملها.

ثمّ أنّه أحضر (58) عند الخليفة المستنصر ، فسأله عن القصّة ، فعرّفه بها كما جرى ، فتقدّم له بألف دينار ، فلمّا حضرت قال : [ خذ ] (59) هذه فأنفقها. قال له (60) : ما أجسر آخذ منه حبّة واحدة. فقال الخليفة : ممّن تخاف؟ قال : من الذي فعل معي هذا ؛ قال : لا تأخذ من أبي جعفر شيئا. فبكى الخليفة وتكدّر ، وخرج من عنده ولم يأخذ شيئا (61).

الهوامش :

(1) في النسخة : « أن ». والمثبت من عندنا.

(2) عن كشف الغمّة.

(3) في النسخة : « أيضا ». والمثبت عن كشف الغمّة.

(4) في النسخة : « ثوية » ، والمثبت عن المصدر. والتوثة : بثرة متقرّحة.

(5) في كشف الغمّة : تشقق.

(6) في كشف الغمّة : ويقطعه.

(7) قوله « السيّد السند » ليس في كشف الغمّة.

(8) قوله « الملة و » ليس في كشف الغمّة.

(9) عن كشف الغمّة.

(10) في النسخة : الثوية. والمثبت عن كشف الغمّة.

(11) عن كشف الغمّة. وكان في النسخة « قال » والمثبت « فقال » عن كشف الغمّة.

(12) في كشف الغمّة : فقال له السعيد رضي الدين.

(13) عن كشف الغمّة.

(14) عن كشف الغمّة.

(15) في النسخة : قالوا. والمثبت عن كشف الغمّة.

(16) ليست في كشف الغمّة.

(17) في كشف الغمّة : الشرع.

(18) عن كشف الغمّة.

(19) في كشف الغمّة : الاحتراس.

(20) في كشف الغمّة : « على ذلك » بدل « هكذا ».

(21) في كشف الغمّة : « وصلت إلى » بدل « حصلت في ».

(22) عن كشف الغمّة.

(23) في كشف الغمّة : عند السعيد رضي الدين وتوجّه.

(24) في كشف الغمّة : فلمّا دخلت.

(25) في النسخة : واستعنت. والمثبت عن كشف الغمّة.

(26) في كشف الغمّة : وبتّ.

(27) في كشف الغمّة : « وكل واحد » بدل « والآخر ».

(28) ساقطة من كشف الغمّة المطبوع.

(29) عن كشف الغمّة.

(30) في كشف الغمّة : ملامستهم.

(31) عن كشف الغمّة.

(32) في كشف الغمّة : بعد.

(33) في النسخة : الثوية. والمثبت عن كشف الغمّة.

(34) في كشف الغمّة : « سرجه » بدل « سرج فرسه ».

(35) عن كشف الغمّة.

(36) في كشف الغمّة : ساق.

(37) في كشف الغمّة : « فاعدت عليه » بدل « فأعدته فقال ».

(38) عن كشف الغمّة.

(39) في كشف الغمّة : أوصيه.

(40) في كشف الغمّة : « إلى أن غابوا عنّي » بدل « حتّى بعد ».

(41) عن كشف الغمّة.

(42) في كشف الغمّة : « هم » بدل « بلى ».

(43) ليست في كشف الغمّة.

(44) عن كشف الغمّة.

(45) عن كشف الغمّة.

(46) عن كشف الغمّة.

(47) في النسخة : « واد » بدل « أوانا » ، والمثبت عن كشف الغمّة. وأوانا : بلدة كثيرة البساتين نزهة من نواحي دجيل بغداد ، بينهما وبين بغداد عشرة فراسخ.

(48) في كشف الغمّة : ورد.

(49) عن كشف الغمّة.

(50) قوله « السيّد الأيّد » ليس في كشف الغمّة.

(51) قوله « علي بن طاوس » ليس في كشف الغمّة.

(52) غير واضحة في النسخة ، ولعلّها « المتولي » ، والمثبت عن كشف الغمّة.

(53) ليست في كشف الغمّة.

(54) عن كشف الغمّة.

(55) في كشف الغمّة : تبرأ.

(56) عن كشف الغمّة.

(57) ليست في كشف الغمّة.

(58) في النسخة : « ثمّ تعلم أنّه حضر » ، والمثبت عن كشف الغمّة.

(59) عن كشف الغمّة.

(60) ليست في كشف الغمّة.

(61) كشف الغمّة ٢ : ٤٩٣ ـ ٤٩٦.

 

ضمن کتاب السّلطان المفرّج عن أهل الإيمان السيد بهاء الدين علي بن عبد الكريم النيلي النجفي