التشرُّف بخدمة الإمام المهدي عليه‌السلام

البريد الإلكتروني طباعة

لا شكّ في أن من أرقى السعادات وأعلى الدرجات ، التشرف بخدمة بقية اللّه تعالى الامام المهدي ارواحنا فداه ، والفوز برؤية طلعته الرشيدة وغرّته الحميدة. فهي الزيارة القريبة لخاتم الوصيين ، والبلسم الشافي لقلوب المؤمنين.
وحكمة الغيبة وإن دعت الى استتاره عن الأبصار ، الا أن اللطف والكرامة شملت جملة كثيرة من الأخيار ، ممن تشرفوا بخدمته وسعدوا برؤيته.
كما دلّ على ذلك الإخبارات الموثقة المتواترة والتشرفات الصادقة المتظافرة ، التي هي من أقوى الأدلة على وقوع التشرف ، فضلاً عن إمكانه.
مضافاً الى الأدعية الشريفة الواردة لسؤال رؤيته التي تكشف عن امكان وقوعه وتحققه ، والا فانه لا يمكن أن يؤمر العبد بالدعاء بالمحال.
فترى ذلك في مثل زيارة الامام الحجة عليه‌السلام :
« اللهم أرِنا وجهَ وليّك الميمونَ ، في حياتنا وبعد المنون ».
وفي دعاء العهد المروي عن الامام الصادق عليه‌السلام :
« اللهم أرني الطلعة الرشيدة والغرّة الحميدة ، واكحُل ناظري بنظرةٍ منّي إليه ».
مضافاً الى أدعية الاستغاثة بأن يدركنا الامام المهدي ارواحنا فداه ، فانها دعوة ودعاء لحضوره عليه‌السلام عادةً لتفريج الكرب والكربة. وحضوره عندنا يقتضي تشرفنا بخدمته. كما في دعاء الكفعمي المروي عن صاحب الأمر عليه‌السلام الذي ورد فيه : « يا مولانا يا صاحب الزمان ، الغوث الغوث الغوث ، أدركني أدركني أدركني ... ».
كل هذا يكشف ويدل على ان التشرف بخدمته عليه‌السلام من الحقائق الثابتة.
وإن من أوضح الاُمور الوجدانيّة والمفاهيم الحسيّة ، حقيقة التشرف بالخدمة التي حصلت فوق حدّ الاحصاء ، وانكشفت للاُمة جمعاء ، وفاقت تواتر المخبرين ، وبلغت حدّ القطع واليقين ، بحيث صارت كالنور على المنار والشمس في رائعة النهار ، وهي ذا دامت الى يومنا هذا.
ويكفيك في هذا المجال ، ملاحظة ما أخبر به ثقات الرجال في المصادر والكتب التي أشرنا اليها في فصل من رآه عليه‌السلام في الغيبة الكبرى.
ونتبرك بالتلميح الى نبذة التشرفات فيما يلي :
١ ـ تشرف مبعوث الشيخ الأقدم ابن قولويه قدس‌سره ، قال :
« لمّا وصلت بغداد في سنة سبع وثلاثين للحجِّ [بعد الثلاثمائة] ـ وهي السّنة الّتي ردَّ القرامطة فيها الحجر إلى مكانه من البيت ـ كان أكبر همّي مَن ينصب الحجر ، لأنّه مضى في أثناء الكتب قصّة أخذه ، و [أنّه] إنّما ينصبه في مكانه الحجّة في الزَّمان؛ كما في زمان الحجّاج وضعه زين العابدين في مكانه واستقرَّ.
فاعتللت علّة صعبة خفت منها على نفسي ولم يتهيّأ لي ما قصدته. فاستنبت المعروف بابن هشام وأعطيته رقعة مختومة ، أسأل فيها عن مدَّة عمري وهل يكون الموت في هذه العلّة أم لا ، وقلت : همّي إيصال هذه الرُّقعة إلى واضع الحجر في مكانه وأخذ جوابه وإنّما أندبك لهذا.
قال : فقال المعروف بابن هشام : لمّا حصلت بمكّة وعُزم على إعادة الحجر ، بذلتُ لسدنة البيت جملة تمكّنت معها من الكون بحيث أرى واضع الحجر في مكانه. فأقمت معي منهم من يمنع عنّي ازدحام النّاس؛ فكلّما عمد إنسان لوضعه اضطراب ولم يستقم.
فأقبل غلام أسمر اللّون حسن الوجه ، فتناوله ووضعه في مكانه. فاستقام كأنّه لم يزل عنه ، وعلت لذلك الأصوات. فانصرف خارجاً من الباب.
فنهضت من مكاني أتبعه وأدفع الناس عنّي يميناً وشمالاً حتّى ظُنَّ بي الاختلاط في العقل ، والنّاس يفرجون لي وعيني لا تفارقه حتّى انقطع عن الناس ، فكنت أسرع الشدَّ خلفه وهو يمشي على تؤدة السير ولا اُدركه.
فلمّا حصل بحيث لا أحد يراه غيري ، وقف والتفت إليَّ فقال :
« هات ما معك.
فناولته الرُّقعة.
فقال من غير أن ينظر إليها : « قل له : لا خوف عليك في هذه العلّة ويكون ما لابدَّ منه بعد ثلاثين سنة ».
قال : فوقع عليَّ الدَّمع حتّى لم أطق حراكاً ، وتركني وانصرف.
قال أبو القاسم : فأعلَمَني بهذه الجملة.
فلمّا كان سنة سبع وستّين ـ يعني في سنة ثلاثين بعد ذلك ـ ، اعتلَّ أبو القاسم وأخذ ينظر في أمره وتحصيل جهازه إلى قبره. فكتب وصيّته واستعمل الجدَّ في ذلك.
فقيل له : ما هذا الخوف؟ ونرجو أن يتفضّل اللّه بالسّلامة؛ ما عليك مخوفة.
فقال : هذه السنة الّتي خوِّفت فيها.
فمات في علّته » (١).

الهوامش :

(١) بحار الأنوار : ج ٥٢ ص ٥٨ ب ١٨ ح ٤١.

ضمن كتاب الإمام المنتظر عليه السلام من ولادته إلى دولته السيد علي الحسيني الصدر