ما هي أدلّة الإمامة ؟
السيّد جعفر علم الهدى
2024 Oct 6السؤال :
ما هي أدلّة الإمامة ؟
الرجاء أن تكون الإجابة من القرآن الكريم.
الجواب :
أوّلا : هذا الذي تقوله بأنّه لا بدّ ان يكون الجواب عن هذا الموضوع من القرآن الكريم فقط ليس صحيحاً ، ولا يمكن لأحد أن يدعي ان جميع المعارف والعقائد والأحكام الإلهيّة وتفاصيلها وأجزائها وشرائطها لا بدّ ان يكون في القرآن الكريم ؛ لأنّ القرآن كتاب هداية وارشاد ، ولا بدّ ان يكون في متناول أيدي الناس ، ويسهل قراءته والاستفادة من مضامينه ؛ فالقرآن يتعرض للأصول والقواعد العامّة والأمور الضروريّة.
أمّا التفاصيل فلا بدّ أن نرجع فيها إلى السنّة النبويّة الشريفة التي يحكي عنها الروايات الصحيحة والمعتبرة الواردة من طرق أهل البيت عليهم السلام الذين جعلهم النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله عدلاً للقرآن الكريم ، في الحديث المشهور والمعروف بين الفريقين :
عن رسول الله صلّى الله عليه وآله : انّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما ان تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً وانّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض.
فالقرآن يأمرنا بالرجوع إلى النبي صلّى الله عليه وآله ، وله تعالى : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) [ الحشر : 7 ].
وبقوله تعالى : ( مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّـهَ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ) [ النساء : 80 ].
وبقوله تعالى : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) [ النجم : 3 ـ 4 ].
وبقوله تعالى : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) [ الأحزاب : 36 ].
ثمّ النبي صلّى الله عليه وآله يرجعنا إلى العترة الطاهرة ، كما في الحديث المتقدّم. وبقوله صلّى الله عليه وآله : مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجى ومن ترك هوى.
فالقرآن الكريم الذي لم يذكر حتّى عدد ركعات الصلاة ، ولم يذكر أوقاتها ، ولم يذكر تفاصيل شرائطها وأجزائها ، كيف يمكن ان يقال بالنسبة إليه : حسبنا كتاب الله ؟
والقرآن الذي يقول : ( مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ) [ آل عمران : 7 ] ، كيف يمكن أن نكتفي به في إثبات جميع معارف الدين وأحكامه وتعاليمه ، لولا الرجوع إلى السنّة الصحيحة في تفسيره وتأويل آياته ؟
وبناء على ذلك نقول : القرآن يشير إلى مسألة الإمامة والولاية ، كقوله تعالى : ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) [ الرعد : 7 ]. من هو هذا الهادي ؟ أليس هو الإمام الذي يكون خليفة الرسول صلّى الله عليه وآله ، وقد ورد في تفسير الآية من طرق الشيعة والسنّة جميعاً قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : يا علي أنا المنذر وأنت الهادي.
وورد أيضاً قوله صلّى الله عليه وآله : أنا المنذر وعلي الهادي.
وكذلك يقول القرآن الكريم : ( أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) [ النساء : 59 ].
ويقول بالنسبة لقصة إبراهيم النبي عليه السلام : ( وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) [ البقرة : 124 ].
وأمّا التفاصيل فخذها من السنّة الشريفة.
ثانياً : ومعذلك نقول هناك آيات كثيرة في القرآن الكريم تدلّ على مسألة الإمامة والولاية ، نذكر بعضها :
أ : قال الله تعالى : ( وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) [ البقرة : 124 ].
هذه الآية تدلّ على مسألة الإمامة التي هي غير النبوّة والرسالة ، بل مقام أرفع وأعلى من النبوّة ؛ لأنّ الله تعالى أعطى هذا المقام لإبراهيم بعد ان كان نبيّاً رسولاً ، حيث انّه ابتلاه بذبح ولده اسماعيل الذي رزقه الله إيّاه بعد شيخوخته ، ومضي زمان طويل على نبوّته ورسالته ؛ فامتحنه الله بأن أمره بذبح ولده ، ولما خرج من هذا الامتحان ناجحاً ، وأتمّ كلمات الله تعالى ، رزقه الله مقام الإمامة. كما انّ الآية تدلّ على شروط الإمام التي منها العصمة ، لقوله تعالى : ( لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ).
ثمّ انّ بعض الأنبياء والرسل كانوا أئمّة أيضاً ، أيّ اجتمعت فيهم النبوّة والإمامة ، مثل إبراهيم وموسى وعيسى وسليمان وداود والنبي الأعظم محمّد صلّى الله عليه وآله ، وبعضهم لم يكن إماماً بل كان نبيّاً فقط ، مثل يحيى وزكريا ، كما أنّه قد يكون شخص إماماً ولا يكون نبيّاً ولا رسولاً ، مثل الأئمّة الإثني عشر من أهل البيت عليهم السلام ، الذين حكم الله تعالى بطهارتهم في قوله تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) [ الأحزاب : 33 ] ، وقد جعلهم النبي صلّى الله عليه وآله عدلاً للقرآن الكريم في لزوم التمسّك بهم لأجل الهداية ، حيث قال : انّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً وانّهما لن يفترقا حتّى يردا علي الحوض.
وقال : مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق وهوى.
ب : قوله تعالى : ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) [ الرعد : 7 ].
ويظهر من الآية انّ الناس يحتاجون إلى نبي ورسول يكون هو المنذر ، وإلى إمام وخليفة يكون هو الهادي.
وقد ورد في أحاديث وتفاسير أهل السنّة فضلاً عن الشيعة ، انّ النبي صلّى الله عليه وآله قال : أنا المنذر وعليّ الهادي.
وقال لعلي عليه السلام : أنا المنذر وأنت يا علي الهادي.
ج : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) [ المائدة : 55 ].
وقد ورد باتّفاق المفسّرين والمحدّثين انّ الآية نزلت بشأن علي بن أبي طالب ، فأعطاه الله تعالى له ولايته وولاية رسوله.
وبما انّه ليس بعد النبي محمّد صلّى الله عليه وآله نبي ورسول ، فهذه الولاية التي أعطاها الله لعلي هي الإمامة والولاية بعد النبي صلّى الله عليه وآله.
ولنعم ما قال حسان بن ثابت الأنصاري :
أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي |
وكل بطئ في الهوى ومسارع | |
فأنت الذي أعطيت مذ كنت راكعاً |
فدتك نفوس القوم يا خير راكع | |
وأنزل فيك الله خير ولاية |
وأودعها في محكمات الشرايع |
د : قوله تعالى : ( أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) [ النساء : 59 ].
والآيات كثيرة.
التعلیقات
٢