إفراط يدعو للغثيان
المصدر : زواج المتعة ، تأليف : السيّد جعفر مرتضى الحسيني العاملي ، ج3 ، ص 205 ـ 241
________________________________________ الصفحة 205 ________________________________________
الفصل الأول
إفراط يدعو للغثيان..
________________________________________ الصفحة 206 ________________________________________
________________________________________ الصفحة 207 ________________________________________
لوط (عليه السلام) يعرض بناته للزنا!:
وأغرب ما قرأته في هذا المجال: ما قاله موسى جار الله في كتابه: «الوشيعة» حيث زعم أن لوطاً (عليه السلام) عرض بناته على قومه ليتمتعوا بهن [أي التمتع المحرم]. وإنما استحل لوط هذه المتعة لأنه كان في غاية الضرورة، فاكتفى في الضرورة بعرض بناته، وما اعتدى بعرض بنات الأمة، وكان هذا منه (عليه السلام) غاية الأدب..»
وقال: «قصة لوط (عليه السلام) تدل دلالة أدبية على تحريم المتعة مثل الزنا، فإن قول القائل الكريم: أحمل عار بناتي أهون علي من أن أحمل عاراً في ضيوفي، معناه أن كلا العارين لا يتحملهما الإنسان، وعار الضيوف أشد وأقبح وأخزى.
والكريم إذا اضطر إلى أحد هذين العارين يختار عار بناته على عار ضيوفه..
________________________________________ الصفحة 208 ________________________________________
هذا أدب قديم عادي، وكرم سامي، أما التمتع ببنات الأمة فأدب شيعي وكرم إمامي..» انتهى كلام موسى جار الله.
ونقول:
إن هذا الكلام لا يستحق الذكر، ولا معنى للتوقف عنده، ولكن بما أنه يتضمن جرأة عظيمة على مقام الأنبياء (عليهم السلام) إلى درجة يصعب معها الاطمئنان إلى إسلام من صدرت عنه، وبما أنه قد يسبب تشويشاً في أذهان بعض المؤمنين، فقد رأينا أن نلمح إلى بعض ما يختزنه من هنات.
فنقول:
أولاً:
إن هذه الإهانة الشنيعة للنبي لوط (عليه السلام)، واتهامه بقبوله الزنا ببناته، أمر بالغ الخطورة، كل ذلك من أجل أنه يصر على الجزم بحرمة المتعة في زمان النبي لوط (عليه السلام) راضياً بنسبة هذا المنكر الشنيع إلى هذا النبي، ولا يرضى حتى باحتمال أن يكون تشريع المتعة حلالاً في زمان ذلك النبي (عليه السلام)، مع أنه لا مبرر لهذا الإصرار، (وما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما تهوى الأنفس).
ثانياً:
لو سلمنا: أن المتعة كانت حراماً في زمان نبي الله
________________________________________ الصفحة 209 ________________________________________
لوط (عليه السلام) فمن الذي قال: إنه (عليه السلام) قد عرض على قومه الزنا ببناته، خصوصاً وهو يقرر لهم: إن بناته أطهر لهم، الأمر الذي يشير إلى أنه (عليه السلام) يعرض عليهم أمراً يتصف بالطهارة، فهو إذن يدعوهم إلى أمر حلال، وإنما يصير كذلك بواسطة العقد عليهن، ولو بالزواج الدائم، وقد أشار الشيخ الطبرسي إلى ذلك، فقال: «واختلف أيضاً في كيفية عرضهن، فقيل بالتزويج، وكان يجوز في شرعه تزويج المؤمنة بالكافر، وكذا كان يجوز أيضاً في مبتدأ الإسلام، وقد زوج النبي (صلى الله عليه وآله) بنته»(1) من أبي العاص بن الربيع قبل أن يسلم ثم نسخ ذلك، وقيل: «أراد التزويج بشرط الإيمان ـ عن الزجاج ـ، وكانوا يخطبون بناته، فلا يزوجهن منهم لكفرهم»(2).
ثالثاً:
إن الحجة التي ساقها هذا النبي الكريم (عليه السلام) لقومه ليقنعهم بها هي قوله لهم: (إن هؤلاء ضيفي فلا
____________
(1) لنا تحفّظ على كون زينب رحمها الله من بنات رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإنما كانت ربيبته، فراجع كتابنا: بنات النبي (صلى الله عليه وآله) أم ربائبه.
(2) مجمع البيان ج 5 ص 184.
________________________________________ الصفحة 210 ________________________________________
تفضحون، واتقوا الله ولا تخزون).
والأسئلة التي تطرح نفسها هنا هي:
ماذا لو أتوا بناته حسب فرض هذا الرجل بصورة الزنا والمتعة المحرمة؟!، أيكون في ذلك تقوى منهم لله سبحانه: (واتقوا الله).
وألا يكون: في ارتكابهم لهذا العمل الشنيع في حق بناته خزي له (عليه السلام): (ولا تخزون).
وألا يكون: في عملهم الشنيع هذا، فضيحة له (عليه السلام): (فلا تفضحون).
رابعاً:
هل مجرد كون هذا ضيفه، وتعرض هذا الضيف لمشكلة، هل يبرر له ذلك أن يتصرف بمصير أفراد آخرين، ويلحق بهم ـ حتى لو كانوا بناته ـ جريمة إنسانية دينية وأخلاقية، دون أن يرتكبوا أدنى مخالفة؟!..
وهل أن مجرد عنوان: «الضيف» يجعل له حصانة، ومجرد عنوان كون هذا الآخر إبناً أو بنتاً يسقط عنه هذه الحصانة؟!.
________________________________________ الصفحة 211 ________________________________________
فكيف يصح له أن يتصرف بأولئك لمصلحة هؤلاء؟!.
إن الضيف إذا تعرض لإشكال، فعليه هو أن يدافع عن نفسه، وصاحب البيت أيضاً قد يدافع عنه تكرماً وتفضلاً، لكن الدفاع عنه شيء وتعريض غيره لخطر مماثل شيء آخر.
خامساً:
إن هذا الرجل يتحدث هنا عن موضوع العار، وأن حمله (عليه السلام) عار بناته أهون عليه من حمل عار ضيوفه، لأن عار الضيوف أشد، وأقبح، وأخزى، والكريم إذا اضطر يختار عار بناته على عار ضيوفه وهذا أدب قديم.. وقد نسي هذا الرجل: أن الأمر كذلك ما لم يبلغ الأعراض، فإذا بلغ العرض، فإنه لا يرضى أحد بتحمله، وهو مما تأباه نفوس الكرام، الذين يبذلون كل شيء ويسخون حتى بأنفسهم في سبيل العرض والشرف..
المتعة لم تبح في الإسلام، ولم يتمتع صحابي:
وقد أصر بعضهم إصراراً شديداً على أن زواج المتعة لم يشرع في الإسلام أصلاً، ونسخها لم يكن نسخ حكم شرعي، وإنما نسخ أمر جاهلي تحريم أبد، والنسخ لم يتكرر، بل تكرر تبليغه..
________________________________________ الصفحة 212 ________________________________________
وليس بيد أحد دليل على إباحتها ـ أي المتعة ـ في زمن صدر الإسلام. ومتعة بأجرة إلى أجل لم تقع من صحابي في الإسلام، ولو وقعت فلا يمكن إثبات أنها بإذن من الشارع..
وقول مريم: (لم أك بغياً..) أي لم أكن ممن يتمتع كما كان الحال في نساء عصرها. وقد سمى القرآن المتعة بغاء في قوله تعالى: (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصناً)، انتهى بتصرف وتلخيص(1).
وتقدم قول النحاس: لم يبح قط في الإسلام(2).
وقال بدران أبو العينين بدران: «إن المتعة بقية من بقايا الجاهلية، ونوع من أزواجهم، ولعل الرسول عليه السلام تركها من غير نص على تحريمها ـ كما ترك القرآن الخمر والميسر من غير نصٍ على تحريمهما قاطعاً في أول الأمر، حتى فقدت العادات الجاهلية قوتها، وضعف شدة تمسك العرب بها، بعد أن
____________
(1) راجع الوشيعة لموسى جار الله ص 130 و 132 وصفحات أخرى.
(2) الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 132.
________________________________________ الصفحة 213 ________________________________________
ذاقوا بشاشة الإسلام، فلما ذهبت عنهم تلك العادات الجاهلية جاء النص القاطع بالتحريم وهو قوله تعالى: (اليوم أحل لكم الطيبات..) إلى أن قال: (ولا متخذي أخدان)، والمتعة نوع من إتخاذ الأخدان في الجاهلية، فإذا كان التحريم قد تأخر فليس معنى ذلك الإباحة بالنص.. إلخ..»(1).
ونقول:
أولاً:
إننا لسنا بحاجة إلى التعليق على كلام هذا الرجل، ولكننا نذكر القارئ الكريم بالأكاذيب التالية:
1 ـ قوله: إن زواج المتعة لم يشرع في الإسلام أصلاً، مخالف لإجماع الأمة، وما هو ثابت بالضرورة والبداهة..
2 ـ قوله: ليس بيد أحد دليل على إباحتها في صدر الإسلام.. يظهر مما أوردناه في هذا الكتاب عدم صحته، وهو بهذا الادعاء يرد على أعاظم فقهاء، وعلماء أهل السنة، وهو تكذيب للصحابة، ونقض للإجماع الذي قرره الكثيرون من
____________
(1) الفقه المقارن للأحوال الشخصية ص 59.
________________________________________ الصفحة 214 ________________________________________
علماء أهل السنة والمباحث التي قدمناها في هذا الكتاب تكفي لبيان زيف هذا الادعاء.
3 ـ جعله المتعة من قسم البغاء لا يصح، لأن البغاء هو مجرد سفح الماء بأجرة. ويلزم في المتعة العقد والمهر، ولها عدة، ويثبت بها النسب إلى غير ذلك من أحكام.. فالزواج الدائم أو المتعة من باب واحد.. فهل يوجد في أنكحة الجاهلية نكاح له هذه الخصوصيات، ولو كان موجوداً فلماذا لم يذكر لنا عنه المؤرخون شيئاً.
ثانياً:
إنه هو نفسه قد ناقض نفسه حيث قال في مورد آخر، ونحن اليوم وإن كنا لا نعلم تفصيل ما كان في الجاهلية من الأنكحة التي أبطلها الشارع، إلا أنا نعلم أن متعة الجاهلية لم تكن زنى يستحلها الجاهلي، بل كان لها ميزة، بها تمتاز عن البغاء(1).
فكلامه هذا ينافي قوله المذكور فيما سبق فلاحظ.
____________
(1) راجع: الوشيعة لموسى جار الله..
________________________________________ الصفحة 215 ________________________________________
ابن أكثم يثبت أن المتعة زنا:
وحين أمر المأمون فنودي ـ وهو في طريق الشام ـ بتحليل المتعة جاءه يحيى بن أكثم في اليوم الثاني، وادعى أن المتعة زنا.
فسأله عن دليله: فاستدل بآية: (.. والذين هم لفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) الآيات..
وبأن المتمتع بها لا ترث..
وبرواية الزهري عن عبد الله والحسن ابني الحنفية، عن أبيهما، عن علي عليه السلام أنه قال: «أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن أنادي بالنهي عن المتعة وتحريمها، بعد أن كان أمر بها».
فلما علم المأمون: بأن هذا الحديث محفوظ، وقد رواه جماعة قال: «أستغفر الله، نادوا بتحريم المتعة، فنادوا بها»
قال إسماعيل بن إسحاق بن حماد الأزدي، وقد ذكر يحيى بن أكثم، فعظّم أمره، وقال: «كان له يوم في الإسلام لم
________________________________________ الصفحة 216 ________________________________________
يكن لأحد مثله، وذكر هذا اليوم»(1).
ونعتقد:
أن ما ذكرناه في الفصول السابقة يكفي لبيان زيف هذه الأقوال، فإن عدم إرث المتمتع بها لا يمنع من تشريع المتعة، كما أن آية سورة المؤمنون لا تصلح للناسخية من جهات عديدة تقدمت في القسم الأول من هذا الكتاب.
والرواية المنقولة: عن علي (عليه السلام) لا تصح ولا تصلح للنسخ، وقد ظهر ذلك مما تقدم أيضاً في فصل النسخ بالأخبار، فلا حاجة إلى الإعادة.
الفرق بين الزنا وزواج المتعة:
إننا نجد: البعض وهو يحاول تشويه زواج المتعة في أذهان الناس، وتنفير النفوس منه، يدعي: أنه لا فرق بين هذا الزواج وبين الزنا، ثم يؤكد دعواه هذه بأنواع من الأفائك، والأكاذيب، التي لا يقرّه حتى ابناء نحلته، فاقرأ هنا مثلاً قول البعض: «إنما المتعة، أن يقول لها: أتزوجك يوماً ـ أو ما أشبه
____________
(1) راجع: وفيات الأعيان ج 6 ص 149 و 151، وتاريخ بغداد ج 14 ص 199 و 200.
________________________________________ الصفحة 217 ________________________________________
ذلك ـ على أنه لا عدة عليك، ولا ميراث بيننا، ولا طلاق، ولا شاهد يشهد على ذلك، وهذا هو الزنا بعينه، ولم يبح قط في الإسلام، ولذلك قال عمر: لا أوتي برجل تزوج متعة إلا غيبته تحت الحجارة»(1).
وقال آخر: إن أحكام الزواج الواردة في القرآن، كالطلاق والعدة، والميراث، لا تتعلق بالمتعة، فيكون باطلاً كغيره من الأنكحة الباطلة(2).
كما أن النحاس قد وقع هو والفخر الرازي في خطأ آخر حين قالا: «إن الولد لا يلحق في نكاح المتعة»(3).
بل لقد ادعى البعض أن نكاح المتعة: «لا يثبت به نسب إلا أن يشترط»(4).
____________
(1) الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 132.
(2) فقه السنة ج 2 ص 42.
(3) التفسير الكبير ج 1 ص 50، وفتح الملك المعبود ج 3 ص 224.
(4) سبل السلام شرح بلوغ المرام ج 3 ص 266.
________________________________________ الصفحة 218 ________________________________________
ونقول:
1 ـ وقد تقدم بيان المراد بنكاح المتعة عن القرطبي وغيره، وقلنا، وقالوا: إن الولد في هذا النكاح يلحق بأبيه، وإن فيه العدّة، ويعتبر فيه كل ما يعتبر في الدائم. ونزيد هنا قول القرطبي: «قد اختلف علماؤنا إذا أدخل في نكاح المتعة، هل يحد؟ ولا يلحق به الولد؟ أو يدفع الحد الشبهة، ويلحق به الولد، على قولين، ولكن يعزر ويعاقب.
وإذا لحق اليوم الولد في نكاح المتعة في قول بعض العلماء، مع القول بتحريمه، فكيف لا يلحق في ذلك الوقت الذي أبيح، فدل على أن نكاح المتعة كان على حكم النكاح الصحيح، ويفارقه في الأجل والميراث».
وحكى المهدوي عن ابن عباس: «أن نكاح المتعة كان بلا ولي ولا شهود، وفيما حكاه ضعف، لما ذكرنا»(1).
وقال الجزيري: «.. وإذا وقع من أحد استحق عليه التعزير لا الحد ـ كما ستعرفه في تفاصيل المذاهب ـ وذلك لأنه نقل عن
____________
(1) الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 132.
________________________________________ الصفحة 219 ________________________________________
ابن عباس أنه جائز، وذلك شبهة توجب سقوط الحد، وإن كانت الشبهة واهية»(1).
وقالوا عن الحد في نكاح المتعة:
«ولو أباحه صار كافراً كما في المضمرات، لكن ليس فيه تعزير، ولا حدّ، ولا رجم كما في الشفا»(2).
وقال الزرقاني: «هل يحد أو لا، لشبهة العقد، وللخلاف المتقرر فيه، ولأنه ليس من تحريم القرآن، ولكنه يعاقب عقوبة شديدة، وهو المروي عن مالك والشافعي»(3).
وقال في شرح رسالة أبي زيد القيرواني: «ويعاقب فيه الزوجان، ولا يبلغ بهما الحد، والولد لاحق، وعليها العدة كاملة، ولا صداق لها إن كان الفسخ قبل الدخول، وإن كان بعد الدخول، وسمى لها صداقاً، فلها ما سمي، لأن فساده في عقده،
____________
(1) الفقه على المذاهب الأربعة ج 4 ص 90، وراجع ص 92، وراجع حاشية الشيرواني على تحفة المحتاج ج 7 ص 224.
(2) مجمع الأنهر ج 1 ص 320.
(3) شرح الموطأ للزرقاني ج 4 ص 47، وراجع ص 49.
________________________________________ الصفحة 220 ________________________________________
وإن لم يسم فلها صداق المثل»(1).
ولا يرى الشافعية والأحناف «وجوب إقامة الحد على من وطأ بنكاح المتعة وذلك لشبهة العقد، وشبهة الخلاف التي تدرأ الحد كما ورد في الحديث»(2).
وقال الآلوسي: مذهب الأكثرين: «أنه لا يحد لشبهة العقد وشبهة الخلاف»(3).
ويقول ابن حجر: «إختلفوا، هل يحد ناكح المتعة، أو يعزر؟ على قولين، مأخذهما: أن الاتفاق بعد الخلاف يرفع الخلاف المتقدم؟(4).
وقال محمد عزة دروزة: «ومما عليه جمهور أهل السنة مما هو المستفاد من كتب التفسير والفقه: أن المتعة وإن كانت محرمة عندهم، فإنها لا تعد زنا يوقع على فاعليها حدّ الزنا،
____________
(1) راجع حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني ج 2 ص 59 و 50، وفي ط دار الكتب العربية ج 2 ص 47 / 48، وراجع بلغة السائل ج 1 ص 393، وشرح الصغير للدردير مطبوع بهامشه.
(2) راجع شرح صحيح مسلم.
(3) تفسير الآلوسي ج 5 ص 7.
(4) فتح الباري ج 9 ص 150.
________________________________________ الصفحة 221 ________________________________________
للشبهة القائمة حول حلها وحرمتها، عملاً بالقاعدة الشرعية المشهورة: «ادرؤا الحدود بالشبهات» ونعتقد أن بين أئمة الشيعة الذين يقولون بإباحتها علماء مجتهدين، وأتقياء ورعين، يبعد أن يحللّوا أو يحرموا جزافاً دون قناعة، بقطع النظر عن إحتمال الخطأ والصواب في ذلك»(1).
ويقول البعض: «.. ويلزمه في نكاح المتعة المهر، والنسب، والعدة، ويسقط الحد إن عقد بولي وشاهدين، فإن عقد بينه وبين المرأة وجب الحدّ إن وطأ، وحيث وجب الحد، لم يثبت المهر ولا ما بعده»(2).
ويقول: «.. ولا يحد من نكح به لهذه الشبهة»(3) وهو قول: النووي(4) ولحوق الولد به قد ذكره آخرون أيضاً، وكذا ثبوت
____________
(1) المرأة في القرآن والسنة ص 183 و 184، وذيل كلامه موجود في كتابه: التفسير الحديث ج 9 ص 55 و 56.
(2) حاشية الشيراوني على تحفة المحتاج ج 7 ص 224.
(3) المصدر السابق، وتحفة الحبيب [للبجيرمي] على شرح الخطيب ج 3 ص 336، وقال: لشبهة اختلاف العلماء.
(4) راجع: أوجز المسالك ج 9 ص 410.
________________________________________ الصفحة 222 ________________________________________
النسب(1).
وقالوا: «.. ومما يدل على أنه لم ينعقد الإجماع، على تحريمه أنه يلحق به الولد»(2).
وقال الرازي: «فإن قيل: ما ذكرتم يبطل بما أنه روي عن عمر: لا أوتى برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته، ولا شك أن الرجم غير جائز، مع أن الصحابة ما انكروا عليه ذكر ذلك، فدل على أنهم يسكتون عن الإنكار على الباطل.
قلنا: لعله كان يذكر ذلك على سبيل التهديد، والزجر، والسياسة، ومثل هذه السياسات جائزة للإمام عند المصلحة إلخ..»(3).
وقال العيني: «قال أكثر أصحاب مالك: لا حدّ فيه لشبهة العقد»(4).
____________
(1) راجع: بلغة السائل لأقرب المسالك ج 1 ص 393، والفقه على المذاهب الأربعة ج 4 ص 93.
(2) أوجز المسالك ج 9 ص 410.
(3) التفسير الكبير ج 1 ص 5.
(4) البناية في شرح الهداية ج 4 ص99.
________________________________________ الصفحة 223 ________________________________________
وخلاصة الأمر: أن من الواضح أنه لا عقد في الزنا، ولا يلحق الولد بأبيه، ولا يرثه، ولا علاقة زوجية، ولا عدّة، ولا غير ذلك، حسبما ذكره القرطبي وغيره.
وليس زواج المتعة كذلك كما هو ظاهر، وذلك يوضح مدى ما في دعوى أن المتعة زنا من التجني والجرأة والمجازفة.
2 ـ لو كان زواج المتعة زنا، لما شرّعه الإسلام أصلاً، ولا اعترف به، مع أن تشريع هذا الزواج يكاد يلحق بالضروريات الدينية، والخلاف إنما هو في نسخه وعدمه، وقد عرفنا أنه غير منسوخ.
دليل آخر على تحريم المتعة:
3 ـ واستدلوا على تحريم نكاح المتعة بقوله تعالى: (فانكحوهن بإذن أهلهن) والنكاح بإذن الأهلين هو النكاح بولي وشاهدين، ونكاح المتعة ليس كذلك(1).
____________
(1) الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 130.
________________________________________ الصفحة 224 ________________________________________
ونقول:
اشتراط الولي في النكاح الدائم كما هو في المنقطع، فإن كان الإشهاد شرطاً في صحة الدائم فكذلك في المنقطع بلا فرق.
أحكام المتعة في عهد الرسول لم تتغير:
وخلاصة الأمر: أن نكاح المتعة كان مشرّعاً وحلالاً في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فنحن نسأل عن أحكام هذا الزواج في ذلك الحين لنجريها بعينها في وقتنا هذا.
فهل كانت المتمتع بها زوجة أم صاحبة، ترث أم لا؟
تعتد أم لا؟.
يقع فيها الطلاق أم لا؟.
ينتفي ولدها باللعان أم لا؟.
إلى آخر ما هنالك من أسئلة كثيرة.
تشريع المتعة تدرج في تحريم الزنا:
وعلّق أحمد أمين المصري على تحريم عمر للمتعة فقال:
________________________________________ الصفحة 225 ________________________________________
«وقد أصاب عمر الصواب بإدراكه أن لا كبير فرق بين متعة وزنا»(1).
وتقدم أيضاً في فصل النصوص والآثار: أن عمر نفسه كان لا يرى كبير فرق بين زواج المتعة، والسفاح، ونقل مثل ذلك عن ابن عمر أيضاً كما قلناه في ذلك الفصل.
بل إن البعض يقول: إن الرخصة في المتعة مرة أو مرتين، يقرب من التدرج في تحريم الزنا، كالتدرج في تحريم الخمر، قال: وكلتا الفاحشتين كانتا فاشيتين في الجاهلية، ولكن نشر الزنا كان في الإماء دون الحرائر(2).
ونقول:
أ ـ إن الزنا من قسم الفواحش، وقال تعالى: (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً)(3) والله لا يأمر بالفحشاء، قال
____________
(1) ضحى الإسلام ج 3 ص 259.
(2) راجع: تفسير المنار ج 5 ص 13 و 14.
(3) سورة الإسراء، التوبة / الآية 32.
________________________________________ الصفحة 226 ________________________________________
تعالى: (قل إن الله لا يأمر بالفحشاء)(1) وهذه الآية محكمة تأبى عن التخصيص، فلا يقال: إن المتعة فحشاء أمر الله تعالى بها، بل إن المتعة من الطيبات، حيث روى البخاري أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد قرأ بعد بيان حكم المتعة قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرمّوا طيبات ما أحل الله لكم، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)(2) وبعد.. فهل بقي الصحابة يمارسون الزنا والفاحشة طيلة عهد النبي (صلى الله عليه وآله)، وأبي بكر، وصدر من خلافة عمر حسبما تقدم؟!
وهل: ولد ابناء الصحابة، وابن الزبير منهم من الفاحشة؟
أو هل: كان ابن جريج يستعمل الفاحشة حين تمتع بسبعين امرأة؟
وهل أهل مكة والمدينة واليمن يرتكبون الزنا والفواحش. وكذلك كل من عداهم ممن تقدم الحديث عنهم في هذا
____________
(1) سورة النساء / الآية 80.
(2) سورة المائدة / الآية 87.
________________________________________ الصفحة 227 ________________________________________
الكتاب؟!.
ب ـ أما بالنسبة لما نقل عن ابن عمر في هذا الصدد، فهو موضع شك كبير، حيث إنه لا يتلائم مع ما روي عنه بسند صحيح من أنه يرى حلية هذا الزواج. وتقدم ذلك في فصل النصوص والآثار.
فلا بد من: حمل ما ورد عنه بخلاف ذلك على أنه من زيادة الرواة عليه، أو على أنه قد صدر في أوائل أمره، وحينما كان لا يزال متأثراً بفتوى أبيه. كما يشير إليه استبعاده أن يكون ابن عباس يفتي بالحلية، لأن ذلك معناه: أنه قد كان في ابتداء شيوع فتوى ابن عباس في الناس.
ثم لما ظهر له صواب رأي ابن عباس، رجع إليه، وقال به، وندد وأدان موقف أبيه من هذا التشريع الثابت.
ج ـ إننا لا نكاد نصدّق أعيننا ونحن نقرأ كلمة أحمد أمين المصري الآنفة الذكر، فهل يريد أن يقول: إن عمر بن الخطاب أصاب حين حرّم، وأخطأ الله سبحانه، وأخطأ رسوله (صلى الله عليه وآله) بالمبادرة إلى تشريع هذا الزواج؟!.
أم أن المقصود: أن عمر بن الخطاب قد أدرك وعرف ولم
________________________________________ الصفحة 228 ________________________________________
يستطع الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) أن يعرفا: أن لا كبير فرق بين متعة وزنا؟ أعاذنا الله من الزلل، والخطل، في القول وفي العمل.
أما أن يعتبر: عمر ذلك من السفاح، فهو أمر غير معقول، ولو صح ذلك عنه، فهو غير مقبول منه، مع علمه بأنه زواج قد شرّعه الله سبحانه، وجاء به الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، إذ لا يمكن أن يشرع الله الزنا، والعياذ بالله.
والاعتذار بأن هذا ليس من كلام عمر، وإنما هو من كلام الراوي، أو من كلام بنت أبي خيثمة حسبما سيأتي، لا يصح، لأنه خلاف ظاهر الرواية.
كما أنه لا معنى: لتهديد عمر الناس بإقامة الحد عليهم إلا إذا كان يعتبر ذلك سفاحاً لا نكاحاً.
د ـ هل صحيح أن الخمر قد حرمت تدريجاً؟ وهل كان تحريمها يحتاج إلى هذا التدرج؟!.
إننا قد تحدثنا: عن عدم صحة مقولة التدرج في تحريم الخمر في كتابنا الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) فراجع إن شئت.
________________________________________ الصفحة 229 ________________________________________
المتعة هروب من أحكام الزنا:
وأغرب ما سمعناه في هذا المجال قول بعضهم: إن زواج المتعة هروب من الأحكام الشرعية المترتبة على الزنا، لأنه لا شهود فيه، فيمكن لكل زان يضبط مع عشيقته أن يدعي أنه قد عقد عليها بالمتعة.
ونقول: إن هذا الكلام عجيب حقاً إذ:
1 ـ إن الله قد شرع هذا الزواج الذي لا إشهاد فيه في صدر الإسلام وذلك معناه أن الله قد شرع للناس في صدر الإسلام كيفية الهروب من أحكام الزنا.
2 ـ وإذا كان زواج المتعة هروباً من أحكام الزنا فالزواج الدائم مثله.
3 ـ إن أحكام الزنا إن كانت ثابتة، فلا ينفع الهروب منها، بل لا يتحقق ذلك، وإن لم تكن ثابتة كان ذلك دليل مشروعية زواج المتعة، وعدم صحة التهديد بالرجم من قبل الخليفة الثاني لمن نكح امرأة إلى أجل..
4 ـ على أن الحدود تدرأ بالشبهات، وهناك وسائل إثبات شرعية لا بد من الانتهاء إليها والاعتماد عليها كالإقرار ونحوه.
________________________________________ الصفحة 230 ________________________________________
ويلاحظ: أن الشارع لم يفسح المجال في وسائل إثبات الزنا، حتى أنه ألزم بأن يشهد أربعة ثقات برؤيتهم للزنا كما يكون الميل في المكحلة.. وهيهات أن يتيسر ذلك، مع أنه اكتفى في القتل بشهادة شاهدين..
5 ـ على أننا نقول: إن أمر الشهود موكول إلى التشريع، فإن كان الإشهاد معتبراً في الدائم كان معتبراً في المنقطع، وإلا فلا، فليس الأمر من خصوصيات زواج المتعة إلا على مذهب بعض الفرق الإسلامية.
6 ـ أضف إلى ذلك كله، أن هذه المفارقة التي ذكرت قد كانت موجودة في بدء تشريع هذا الزواج، فلماذا أهمل الشارع معالجتها؟!، أو لماذا عالجها بهذه الطريقة، فلم يقرر لزوم الإشهاد على هذا الزواج؟.
7 ـ ولو أوجب هذا إلغاء هذا التشريع من أساسه، فإن تشريع الصلاة أيضاً وغيرها يصبح موضع شبهة، لأن هناك من يرائي في صلاته، وحجه وصيامه، ليوهم الناس بتقواه ويخدعهم بذلك.
8 ـ على أنه يمكن للحاكم أن يتخذ إجراءات تمنع من
________________________________________ الصفحة 231 ________________________________________
ذلك، ولو بإلزام الناس بتسجيل هذا الزواج في الدوائر المختصة، كما هو الحال بالنسبة للزواج الدائم.
9 ـ ويقال: إن هناك من يمارس الزواج الدائم من دون إشهاد، وهو ما يعرف بالزواج العرفي، فلماذا لا يمنعون منه؟.
النصيحة بالصوم، وتحريم الزواج المؤقت:
ومن طريف ما قرأناه من أدلة على تحريم الزواج المؤقت قول البعض(1): «إن نبينا محمداً (صلى الله عليه وآله) ثبت عنه ما يشبه التواتر، أنه نصح الشباب وقال: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصيام.
فما ترى لو أن المتعة كان لها وجه من الحل لما نصح النبي (صلى الله عليه وآله) جماعة الشباب بنصيحة كهذه النصيحة، ويصرفهم إلى الصيام.. ذلك دليل على أن المتعة لم
____________
(1) هو الشيخ قاسم الشماعي الرفاعي أمين سر لجنة الإفتاء في دار الفتوى، وعضو المجلس الشرعي الإسلامي سابقاً في لبنان.
________________________________________ الصفحة 232 ________________________________________
تكن بحاجة إلى ممارستها إلخ..»(1).
ونقول:
إن النبي (صلى الله عليه وآله)، إنما ينصح بالصوم من لم يتمكن من الزواج الدائم والمنقطع على حد سواء. وقد عبر عن المتعة بأنها زواج في أكثر من نص ذكرناه في كتابنا هذا..
ونحن نسأل هذا القائل: هل كان النبي (صلى الله عليه وآله) ينصح الذين كان يأذن لهم بالمتعة ويمارسونها في حياته بالصيام أيضاً؟!.
ولا ندري لماذا لم ينصح (صلى الله عليه وآله) بالاستمناء كما صنعه البعض، حسبما سنورده في الفقرة التالية.
الاستمناء عوضاً عن المتعة:
والغريب في الأمر: أننا نجد البعض ـ رغم كل ما قدمناه في هذا الكتاب ـ يدعو إلى تعميم فتوى الاستمناء كحل
____________
(1) زواج المتعة حلال ص 142.
________________________________________ الصفحة 233 ________________________________________
أمثل للمشكلة الجنسية لدى الشباب، ولا يرضى بزواج المتعة الذي عرفت في هذا الكتاب شطراً مما جاء فيه في كتاب الله، وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأهل بيته (عليهم السلام) وعن صحابته.
فنجده يقول:
«ومع هذه الضرورة التي نظر إليها ابن عباس، فقد انعقد إجماع التابعين على حرمة نكاح المتعة ولو في حالة الاضطرار، وأجازوا الاستمناء دفعاً للضرر، وبناء عليه، فإن الفتوى في هذا الزمن، الذي تشتد فيه على الشباب العزوبة، مع توفر وسائل الفتنة والإغراء ينبغي والحال كذلك، أن نعمم فتوى إباحة الاستمناء، وهو ما يسمى بالعادة السرية، خاصة وأن كثيراً من علماء السلف المتقين أجازوا ذلك مطلقاً، واعتبروه كالفصد، ومنهم الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، ومستندهم عدم ورود حديث صحيح يفيد التحريم، وسائر ما يروى في نكاح اليد موضوع أو شديد الضعف.
وأرجو ـ بما تقدم ـ: أن أكون قد بينت وجه الحق فيما توجه إلي من السؤال، ولعلي ـ بعون الله ـ قد وفقت في حل الإشكال، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن
________________________________________ الصفحة 234 ________________________________________
هدانا الله. لقد جاءت رسل ربنا بالحق»(1). انتهت نصيحة هذا الغيور على دين الله سبحانه!!..
فتبارك الله أحسن الخالقين!!.
المتعة تشريع جديد:
قال أبو حاتم البستي في صحيحه: قولهم للنبي (صلى الله عليه وآله): ألا نستخصي، دليل على أن المتعة كانت محظورة قبل أن أبيح لهم الاستمتاع، ولو لم تكن محظورة لم يكن لسؤالهم هذا معنى إلخ..(2) فلا معنى لما يريد أن يدعيه البعض من أن زواج المتعة قد كان في الجاهلية كالشغار(3) وجاء الإسلام وهو متداول بين الناس، فكان لا بد من الرفق بهم ليمكن إلغاؤه من بينهم.
وذلك لأن هذا الزواج جديد على الناس بكل ما لهذه
____________
(1) مجلة اليقظة الكويتية ص 33 عدد 778.
(2) الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 130.
(3) التفسير الحديث لمحمد عزت دروزة ج 9 ص 52، والمرأة في القرآن والسنة لدروزة أيضاً ص 178، والكوكب الوضاح ص 2 و 9.
________________________________________ الصفحة 235 ________________________________________
الكلمة من معنى، وقد جاء به الإسلام ليحل مشكلة واقعية، لا يمكن تجاهلها.
ومما يدل على أن زواج المتعة لم يكن في الجاهلية رواية عائشة التي قسمت فيها أنكحة الجاهلية إلى أربعة أقسام وليس من بينها زواج المتعة(1).
الإبهام للإيهام:
يقول المناوي: «قد عرف هذا النوع من الزواج في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، وفي صدره، ثم حرمه أهل السنة، وأقره فقهاء الشيعة، وسنوا له قواعد وأحكاماً من حيث المدة المتعاقد عليها، والعدّة التي يجب أن تعتد المرأة بعد انتهاء مدة زواجها، لتستطيع الزواج بغيره إلخ.. مما ينتج عن هذا الزواج، وانتهاء مدته»(2).
____________
(1) رسالة تحريم نكاح المتعة ص 52 و 53، وقد أخرجها البخاري في صحيحه ج 9 ص 159 و 160، وأبو داود في سننه ج 1 ص 309 الطبعة الهندية.
(2) الزواج: تأليف عمر رضا كحالة ج 1 ص 165 عن شرح التحرير [مخطوط] أليف عبد الرؤوف المناوي.
________________________________________ الصفحة 236 ________________________________________
ونقول:
1 ـ لا ندري من أين أخذ مقولة: إن هذا الزواج قد عرف في شبه جزيرة العرب قبل الإسلام، فهل يستطيع أن يدلنا على المصدر الذي اعتمد عليه في مقولته هذه؟!.
2 ـ إننا نجد غير المناوي يقول: إن هذا الزواج لم يكن قبل الإسلام وإنما هو زواج إسلامي بكل ما لهذه الكلمة من معنى(1).
3 ـ لماذا نسب التحريم لأهل السنة، والتحليل للشيعة، فهل حرّمه أهل السنة من عند أنفسهم، وحلله أهل الشيعة من عند أنفسهم؟ أم أنهم استندوا في ذلك إلى أدلة شرعية؟!.
4 ـ لماذا نسب إلى فقهاء الشيعة: أنهم سنوا لهذا الزواج قواعد وأحكاماً، فهل جاءوا بها من عند أنفسهم؟!.
5 ـ ولنسأل المناوي: عن الذين كانوا يمارسون هذا الزواج قبل تحريمه بحسب زعمه، هل كانوا يطبقون هذه
____________
(1) راجع: تفسير الميزان ج 4 ص 308.
________________________________________ الصفحة 237 ________________________________________
الأحكام في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أم لا؟.
علي (عليه السلام) وحذف آية المتعة:
وبعد.. فإن من أعجب الأمور أن نرى بعض أولئك القائلين بالتحريم، يحاول أن يدعي تحريف القرآن ـ والعياذ بالله ـ في سبيل إثبات ما يدّعيه، وفراراً عن الالتزام بما ثبت بصورة قطعية على خلاف رأيه.
فنراه يقول: «إن الصحابة حذفوا من القرآن كل ما رأوا المصلحة في حذفه، فمن ذلك آية المتعة، حذفها علي بن أبي طالب بتّة، وكان يضرب من يقرؤها، وهذا مما شنعت عائشة به عليه، فقالت: إنه يجلد على القرآن، وينهى عنه، وقد بدّله وحرّفه»(1).
ونقول: إن المستفاد من هذه الرواية:
أولاً:
إن القرآن قد حرف وحذفت منه آية المتعة، وكان علي (عليه السلام) يضرب كل من يقرؤها!!.
____________
(1) نقل ذلك عن هذا البعض في: مناهل العرفان ج 1 ص 256 و 257.
________________________________________ الصفحة 238 ________________________________________
ثانياً:
إن الذي تولى تحريف القرآن هو علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وكان يضرب ويجلد كل من قرأه على النحو الصحيح!!.
ثالثاً:
إن عائشة ـ عدوة علي (عليه السلام) ـ هي نصيرة للقرآن، والمحافظة عليه، والمدافعة عنه!!.
رابعاً:
إن علياً (عليه السلام) يقول بحرمة هذا الزواج، وفاقاً للخليفة الثاني عمر بن الخطاب..
خامساً:
إن تصرف الصحابة في القرآن، إنما هو رعاية منهم للمصلحة، واستجابة لمقتضيات الأحوال.
ونقول:
إن كل ذلك ما هو إلا كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، فإذا جاءه لم يجده شيئاً..
وذلك لما يلي:
1 ـ إن من البديهيات: أن القرآن سليم عن التحريف، والتبديل، وقد أثبتنا ذلك بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة في كتابنا: «حقائق هامة حول القرآن الكريم» وقد كان علي (عليه السلام) أول المدافعين عنه والمحافظين عليه..
2 ـ إن من الواضح أن هذا القرآن لا يزال يحتوي على آية
________________________________________ الصفحة 239 ________________________________________
المتعة، وهي موجودة في كل النسخ التي يتداولها المسلمون في شرق الأرض وغربها طيلة مئات السنين منذ صدر الإسلام، وهي موجودة في مصاحف ولد علي (عليه السلام) وفي مصاحف شيعته ومحبيه وأتباعه ومريديه.
3 ـ إن من البديهيات أيضاً: أن علياً (عليه السلام) يقول بحلية المتعة، ويعتبر أن تحريم عمر لها هو السبب في الزنا، وقد تقدم رواية ذلك عنه من مصادر كثيرة.
4 ـ إننا لا نعرف أين يوجد هذا الحديث: إن علياً (عليه السلام)، قد حرّف القرآن، ولا نعرف كذلك: متى وأين شنعت عائشة عليه، فقد راجعنا مختلف المجاميع الحديثية، والتاريخية التي في متناول أيدينا، والمعتبرة عند المسلمين، فلم نعثر على أثر لهذا الكلام، ولعله ما خطر على قلب بشر إلا على قلب مخترعه ومدعيه.
وقد يكون الحب الأعمى هو الذي دعا إلى إختراع هذه الأفيكة، وحب الشيء يعمي ويصم، بل يدعو البعض ممن لا دين لهم ولا ورع ولا تقوى لديهم إلى الكذب والافتعال، ولو كان ذلك على حساب القرآن الكريم، والدين الحنيف، وما أصدق قول الشاعر هنا:
________________________________________ الصفحة 240 ________________________________________
لي حيلة في من ينم وليس في الكذاب حيلة
من كان يخلق ما يقو ل فحيلتي فيه قليلــة
بل إننا لا نستبعد: أن يكون هذا الادعاء قد جاء من قبل أعداء الإسلام الذين يريدون التشكيك في ديننا، ومقدساتنا، وقرآننا، وإصابة عصفورين بحجر واحد، وذلك بالطعن في القرآن الكريم أولاً.. ثم الافتراء على أقدس وأعظم شخصية بعد النبي (صلى الله عليه وآله) ثانياً.. هذه الشخصية التي لا يشك أحد بنزاهتها، وطهارة ذيلها من كل شين وريب..
ولكن نور الحق يكشف ظلمات الباطل، ويزهقه، إن الباطل كان زهوقا، قل: (إن هدى الله هو الهدى، ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم، ما لك من الله من ولي ولا نصير).
نية الطلاق في الدائم:
وقد ذكر البعض نقلاً عن محمد رشيد رضا والأوزاعي، أن من تزوج امرأة وفي نيته أن يطلقها، فهذا يأخذ حكم
________________________________________ الصفحة 241 ________________________________________
زواج المتعة(1).
ونقول:
إن هذا مخالف لفتوى أئمة المذاهب الأربعة، ولإجماع الفقهاء من جميع المذاهب الإسلامية، حتى من قال منهم بنسخ زواج المتعة..
وقد ذكر: القاضي عياض، والشوكاني، أنهم أجمعوا على صحة النكاح الذي تصاحبه نية: أن لا يمكث معها إلا مدة معينة نواها. قالوا: إن الأوزاعي شذ واعتبره نكاح المتعة(2).
____________
(1) مجلة الهلال المصرية 13 جمادى الأولى سنة 1397 هـ. ق. أول مايو سنة 1977 م.
(2) نيل الأوطار ج 6 ص 271، وشرح النووي على صحيح مسلم بهامش إرشاد الساري ج 6 ص 122.
التعلیقات