لماذا تقع بعض الآيات وسط آيات أخرى؟
القرآن الكريم وتفسيره
منذ 15 سنةلماذا تقع بعض الآيات وسط آيات أخرى؟
السؤال : لماذا آية التطهير وقعت في وسط آية ؟ وكذلك آية اليوم أكملت لكم دينكم ؟ وهل هناك في القران الكريم آيات على هذا النحوا آية وسط آية ؟ وجزيتم خيراً .
الجواب : من سماحة السيّد جعفر علم الهدى
أوّلاً : من أنواع المحسّنات الكلامية ـ في علم البلاغة ـ هو الالتفات ؛ فإنّ المتكلّم إذا أراد أن يهتم بمطلب ويؤكده ، يذكر أوّلاً : بعض المطالب الأُخرى ، ثمّ يلتفت إلى هذا المطلب المهم فجأة ، ليلتفت نظرالمخاطب والسامع إلى أنّ هذا المطلب مهم بدرجة استوجب قطع الكلام المتصل ، والإتيان به في الأثناء ؛ لأهميته ، ولولا إدراجه في ضمن الكلام الأوّل ، وقطع الكلام لإجله لم يلتفت السامع إلى أهمّيته .
قال في مختصر المعاني : « ووجهه : أيّ وجه حسن الإلتفات أنّ الكلام إذا نقل من أُسلوب إلى أُسلوب آخر كان ذلك الكلام أحسن تطرية ، أي تجديد النشاط للسامع ، وكان أكثر إيقاظاً للإصغاء إليه » .
ومنه قوله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ } {البقرة/189}.
فقد سألوا عن سبب اختلاف القمر في زيادة ونقصان ، فأجابهم الله ببيان الغرض من هذا الاختلاف للتنبيه على أن الأولى والأليق بحالهم أن يسألوا عن ذلك .
ومنه قوله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } {البقرة/215} .
وثانياً : فائدة الإلتفات في هذه الآية من ضمير الجمع المؤنث إلى ضمير الجمع المذكّر للإشارة إلى أنّ هذه الفقرة : { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا }{الأحزاب/33} . ليس المقصود بها نساء النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وزوجاته ، وإلاّ لم يعدل عن ضمير الجمع المؤنث إلى الجمع المذكّر مع أنّ الآيات السابقة واللاحقة كلّها يكون التعبير فيها بضمير الجمع المؤنث ، والخطاب فيها متوجّه إلى نساء النبيّ (صلّى الله عليه وآله) إلاّ هذه الفقرة .
وقد ورد في تفسير الآية روايات تؤكّد ما ذكرناه حيث إنّ أمّ سلمة التي تروي حديث الكساء ـ في روايات أهل السنّة والشيعة ـ : أقبلت نحو الكساء ، واستأذنت النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أن تكون مع النبيّ وأهل بيته ، ليشملها في الآية المباركة ، فلم يأذن لها النبيّ (صلّى الله عليه وآله) .
وقال: « أنت على مكانك ، أنت على خير » .
وثالثاً : إنّ الله تعالى حكيم عليم ، وإنّما أنزل القرآن ليكون كتاب هداية وإرشاد للناس إلى يوم القيامة ، فلابدّ أن يبقى القرآن الكريم بدون أن يعرض التبديل والتحريف ، والتغيير بالزيادة والنقصان ، كما قال تعالى : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } {الحجر/9}.
ومن المعلوم أنّ حفظ القرآن عن ذلك ليس بالإعجاز ، وخرق العادة ، وإنّما يكون بالمنع عن أسباب ودواعي وعلل التحريف ؛ ولذا أنزل الله تعالى القرآن الكريم بشكل لا يحصل في نفوس الكافرين والمنحرفين الدواعي على تحريفه وتغييره ، ولو كانت هذه الآية مستقلّة لكانت الدواعي متوافرة على اسقاطها أو تبديلها ؛ نظراً لأنّ أعداء أهل البيت (عليهم السّلام) لا يتحمّلون ذلك ، بل حتّى الكثير من المسلمين لم تكن قلوبهم تميل إلى الإمام عليّ (عليه السّلام) وأولاده المعصومين لأحقاد بدرية وأحدية و خيبرية كامنة في قلوبهم بنحو اللاشعور على أقلّ تقدير ، فكانت السلطة الحاكمة واتباعهم يلعبون بالآيات ، ويسقطونها أو يغيّرونها ، لكن الله تعالى جعل هذه الآية من ضمن الآيات المخاطبة لنساء النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ليتحفّظ عليها ، ولئلا يسقطها المنحرفون عن خط أهل البيت (عليهم السّلام) ، ويكتفوا بتغيير تفسيرها وتأويلها ، كما نرى أنّ كثيراً من المفسّرين صرحوا بأنّ الآية تشمل نساء النبيّ (صلّى الله عليه وآله) على الرغم من وجود القرائن الدالّة على عدم شمولها في نفس الآية ، وفي الروايات الصحيحة المعتبرة الواردة في تفسيرها .
التعلیقات