هاجس الموت والتوبة من المعاصي
التوبة
منذ 15 سنة
هاجس الموت والتوبة من المعاصي
السؤال : على الإنسان المسلم أن يستعد ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون .. وأن يستفيد من كل لحظة من حياته بعمل خير أو عبادي قبل موته ، وذلك في سبيل الفوز بالدرجات العلى في الآخرة ، وعليه أن يبتعد عن كل معصية ستكون سبباّ لعذاب أليم ...
والسؤال : أي حياة ، وأي طموح ، وأي سعادة ، وبناء لمستقبل يمكن أن يعيشه الإنسان وهاجس الموت بين عينيه .. وصورة العذاب والصراط والميزان تقفز إلى مخيلته عند كل فعل يأتيه حسناً كان أو سيئاً ؟ وكيف له الاحساس بالطمأنينة والخوف من ذنوبه وأعماله السيئة التي اقترفها على امتداد حياته يلاحقه .. حتى وإن تاب .. فمن ذا الذي يمكنه التوبة من كل الذنوب ؟ ناهيك وجوب القضاء لكل العبادات المفروضة منذ سن التكليف ، و رد المظالم وغيره عند التوبة ، أليس الشعور بحتمية التغير والتوبة والقضاء قبل فوات الآوان ، وعدم ارتكاب أي ذنب لضمان الآخرة يؤدي للشعور بالعجز والشلل ؟ ؟ ليس يأساً من رحمة الله ، ولكن الطريق فعلاً شاق بصورة يصعب البدء معها ... وإذا كان الإسلام دين عبادة وحياة ، فكيف يمكن أن يحيا الإنسان بصورة طبيعية إذا تملّكه هاجس الموت ، وضرورة الاسراع قبل فوات الآوان ؟
كيف يمكن حل تلك المعأدلة مع ملاحظة أنّ شخص كهذا قد يقع فعلياً عرضة لأمراض نفسية كالقلق المرضي أو الكآبة ؟
الجواب : من سماحة الشيخ محمّد السند
لا بدّ من الالتفات إلى النقاط التالية :
الأولى : أنّه لا يكلف الله نفساً إلاّ وسعها .
الثانية : قضاء كل العبادات السابقة إنّما هو في صورة عدم إتيانها أو بطلان ما أتى به ، وفي هذا الحال يقضى بالتدريج .
الثالثة : الخوف والرجاء عاملان مربيان وسببان لتكامل الإنسان ، واللازم فيهما الموازاة ؛ فقد ورد عنهم عليهم السلام أنّ الخوف والرجاء لو وزنا في قلب المؤمن لكانا متساويين لا يزيد أحدهما على الآخر ، وأنّ الحكمة في الدعوة والهداية إلى الله تعالى هو بتساوي الترهيب من النار مع الترغيب في الجنة ، وتعادل الإنذار مع البشارة ، فالحالة الصحية في الإنسان هو أن لا يزيد خوفه على طمعه وأمله ولا يزيد طمعه وأمله على خوفه ؛ لأنّ طغيان الأوّل يوجب اليأس ، وطغيان الثاني يوجب التسويف وترك العمل والدلال والبطر ونحوها من الرذائل .
الرابعة : تكرر الإنابة إليه والتوبة أمر محبوب عنده تعالى ، فها هو تعالى يصف المتقين في قوله : { وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ ...}(آل عمران/133 ـ 136). فظاهر سياق الآية وصف المتقين أنّهم إذا فعلوا فاحشة سارعوا في التوبة والرجوع إلى الله تعالى والندامة وتركوا الاصرار، وتركوا البقاء على المعصية والذنب ، فمتاركة الذنوب بعد اقترافها ، ومعاودة الاستقامة على الطاعة خُلق ممدوح عنده تعالى ، وهو نهج من مناهج التقوى .
الخامسة : اللازم على الإنسان مطالعة وقراءة كل من آيات الإنذار ، وآيات المغفرة والبشارة ، وكذلك قراءة روايات الوعيد بالعقاب والوعد بالثواب كي يحفظ الموازنة ، وعدم الاستغراق في إحداها على حساب الأخرى ؛ فإنّه تعالى كما هو سريع العقاب ، وسريع الحساب ، وشديد العقاب ، هو غفور رحيم حنان منان واسع المغفرة ، أرحم الراحمين ، عطوف كريم .
السادسة : عن النبي صلى الله عليه وآله أنّه قال :« إنّ الدين متين ، فأوغل فيه برفق ، وأنّ المثبت لا ظهر أبقى ولا طريق قطع » . أي : المسرع لم يبق الدابة ولم يقطع الطريق ، وأنّ الدين بمجموع أحكامه وآدابه برنامج ضخم ، فاللازم على الإنسان عندما يريد أن يتقيد بكل الآداب الشرعية عليه أن ينهج اسلوب الرفق ، والتوسط في المشي من دون الإسراع والحدّة ، وإلا لاوجب هلاك النفس .
التعلیقات