هل محبة أهل البيت ( ع ) لا تضر معها سيئة؟
أهل البيت عليهم السلام
منذ 15 سنة
هل محبة أهل البيت ( ع ) لا تضر معها سيئة؟
السؤال : أحد المكلفين لديه قناعة تامة بأنّ من يموت موالياً لمحمّد وآل محمّد صلى الله عليه وآله ، لا يخاف العقوبة حتى في ما يخص المظالم التي تخص العباد ، فمثلاً من الطبيعي جداً في اعتقاد هذا الشخص أن يظلم موالياً موالياً آخر بغيبة ، أو نميمة ، أو غصب ، أو قتل ، أو حتى أن يظلم بعدم أداء الخمس ، ثمّ يأتي يوم القيامة على شبه يقين بأنّه سينجو من النار بطريق ، أوآخر ؛ وذلك لاعتقاد هذا الشخص على أنّ من يموت موالياً ، لا يدخل النار حتى مع ظلمه للآخرين، مستشهداً بقول الشاعر:
فإنّ النار ليس تمس جسماً عليه غبار زوار الحسين عليه السلام
وتخريج هذا الشخص لاعتقاده هو أنّ أهل البيت سيشفعون للظالم من شيعتهم عند المظلوم ، و حتماً سيرضى كل مظلوم عن ظالمه بعد الشفاعة.
وعلى هذا الأساس ليس من بأس على الموالي أن يأمن جانب العقوبة من المظالم ، المتعمدة وغير المتعمدة ، المختلفة التي تحصل على مدى علاقاته مع الآخرين.
ولقد تحدثت مع هذا الشخص طويلاً خوفاً أن تؤدي قناعته إلى الاستخفاف بمظالم العباد ، و يفوته مسلك النجاة مع الولاية الحقة لمحمّد وآل محمّد صلى الله عليه وآله ، ولكن دون فائدة !
والذي يبدو أمامي أنّه غير مكترث ما إذا صدر منه ظلم لأحد ما، ما دام سيرضى عنه حتماً يوم القيامة.
ولقد نقلت له هذا الحديث من موقع رافد : ففي تفسير الإمام العسكري عليه السلام ص 204 : وقال علي بن أبي طالب عليه السلام : « يا معشر شيعتنا اتقوا الله واحذروا أن تكونوا لتلك النار حطباً ، وإن لم تكونوا بالله كافرين ، فتوقوها بتوقي ظلم إخوانكم المؤمنين ، فإنّه ليس من مؤمن ظلم أخاه المؤمن المشارك له في موالاتنا ، إلا ثقَّل الله في تلك النار سلاسله وأغلاله ، ولم يفكه منها إلا شفاعتنا ، ولن نشفع إلى الله تعالى إلا بعد أن نشفع له إلى أخيه المؤمن ، فإن عفا عنه شفعنا له ، وإلا طال في النار مكثه » . انتهى .
ورواه في مستدرك الوسائل : 12/101 "لتأكيد ما أقول على أنّ مظالم العباد أمر خطير ، و مآل صاحبه إلى النار .
غير أنّ الرجل احتج بأنّه لا يأخذ بما ينقل عن طريق الإنترنت ، وليس يعلم بقوة سند هذا الحديث ، ثمّ أنّه غير متأكد أيضاًمن كون هذا الحديث يصرح بأنّ عقاب الظالم من الموالين النار.
وإضافة على ذلك يقول أنّه لايأخذ أحكامه إلا عن طريق مرجعه، فحتى يقول له مرجعه أن هذا الحديث معتمد ، وهو يفيد التهديد بالنار لمن لا يتقي ظلم العباد، لن يقتنع وسيستمر على سلوكه. وحتى بعد أن أشرت إليه بأني أخذت هذا الحديث من كتاب العقائد الإسلامية ( من موقع رافد ) لم يغير وجهة نظره ؛ لأنّه ليس من دليل لديه على أن مقلده المرجع الديني الأعلى السيّد السيستاني أشرف على الكتاب وأقر بما فيه.
و في النهاية فهو يردد هذه الكلمة "إذا مات الإنسان موالياً ، فلن يدخل النار" ، وهل يضمن من يظلم العباد أن يموت موالياً! ؟
ولذلك فإني ألتمس منكم شاكراً تقديم العون لي لوعظ وتبصير هذا المكلف بكل دليل عقلي ونقلي بعقوبة كل ظلم يصدر منه تجاه المؤمنين، ثمّ لتبصيره عن أثر بعض الذنوب والمظالم على نفس الولاية ؛ وذلك من مصادر ترجع إلى مقلده أو معتمدة من مقلده المرجع الديني الأعلى السيّد السيستاني.
وإذا كان بالإمكان تقديم استفتاء لسماحة المرجع الديني الأعلى السيّد السيستاني عن حتمية ونوعية عقاب ظلم الموالي لأخيه الموالي ، وأثر بعض المظالم والذنوب على الولاية ، فإني أكون مقدراً و شاكراً، على أن يكون الاستفتاء مختوماً بختم سماحة السيّد أدام الله ظله. كما ألتمس منكم تزويدي باسماء بعض المصادر حتى أتمكن من إهداء هذا المكلف ما يكون مرجعاً وافياً في هذا المجال.
الجواب : من سماحة السيّد مرتضى المهري
هذا كلام يخالف صريح القرآن ، والأحاديث ، وفتاوى الفقهاء ، وضرورة الدين والمذهب ، ولو صح ذلك ، فلا حاجة إلى هذا الفقه ، والرسالة العملية ، ولمإذا هو يعتمد على فتوى المرجع ؟ وما هو دور المرجع ؟
فلو لم يطالب منه إلا الموالاة ، فإنّها لا تحتاج إلى تقليد ، وكل الشيعة موالون لأهل البيت ، ويقيمون المجالس للاشادة بذكرهم ، ولا يحتاجون في ذلك إلى فتوى المرجع ورسالته ، فلمإذا نتعب أنفسنا بالصلاة والصوم والحج والخمس والزكاة ؟
ولمإذا اتعب الفقهاء أنفسهم طيلة تاريخ الشيعة ؟ فعلى هذا التوهّم يكون كل ذلك باطلاً وبدون فائدة ، فإنّ الشيعة مستغنون عن كل ذلك بالموالاة ؟ ! ولمإذا يتقيد الفقهاء أنفسهم بهذه الأعمال ، ولمإذا نحرم أنفسنا من ملذات الدنيا وشهواتها ؟ بل ولمإذا يتقيد الأئمة عليهم السلام بأنفسهم بالأعمال والتكاليف الشرعية ؟ بل هم اتقى الناس واعبدهم وأورعهم وابعدهم عن الحرام بل عن كل ما يشين بكرامة الإنسان ، وهذا الكلام الذي يقوله هذا الرجل قد سبق من بعض من نسبوا أنفسهم إلى الأئمة عليهم السلام ، كأبي الخطاب ، ومغيرة بن سعيد ، والشلمغاني ، وقد صدر من الأئمة روايات كثيرة بلعنهم وطردهم ، ومنع الناس من التجمع حولهم•
وأمّا الروايات في هذا الأمر فقد امتلأت الكتب بها ؛ ففي الحديث المشهور : إنّ الإمام الصادق عليه السلام جمع أهل بيته واقاربه حين وفاته ليوصيهم بأهم شيء عندهم ، ولا بدّ أن تكون اعناقهم قد امتدت ليسمعوا الكلمة الأخيرة عن إمامهم وسيدهم ، فما كان إلا أن قال : « إنّ شفاعتنا لا تنال من استخفّ بصلاته » .
وقال أمير المؤمنين عليه السلام كما في نهج البلاغة : « إنّ ولي محمّد من أطاع الله ، وإن بعدت لحمته ، وإنّ عدو محمّد من عصى الله ، وإن قربت قرابته ».
وفي حديث جابر عن الإمام الباقر عليه السلام : « يا جابر ! أيكتفي من ينتحل التشيع أن يقول محبنا أهل البيت ، فوالله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه . يا جابر ! والله ما نتقرب إلى الله إلا بالطاعة ، وما معنا براءة من النار ، ولا على الله لأحد من حجة ، من كان لله مطيعاً ، فهو لنا ولي ، ومن كان لله عاصياً ، فهو لنا عدو ، وما تُنال ولايتنا إلا بالعمل والورع ».
وفي حديث آخر عن الإمام الباقر عليه السلام : « والله ما معنا من الله براءة ، ولا بيننا وبين الله قرابة ، ولا لنا على الله حجة ، ولا نتقرب إلى الله إلا بالطاعة ، فمن كان منكم مطيعاً لله تنفعه ولايتنا ، ومن كان منكم عاصياً لله لم تنفعه ولايتنا ، ويحكم لا تفتروا ويحكم لا تفتروا » .
وفي رواية محمّد بن مسلم وهي صحيحة عند سماحة السيّد حفظه الله : « لا تذهب بكم المذاهب ، فوالله ما شيعتنا إلا من أطاع الله عزّ وجل ».
انظر هذه الأحاديث في الوسائل : 15 طبعة مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء تراث أهل البيت ص233 ، ولو جمعت الأحاديث في هذا الموضوع فسيكون كتاباً ضخماً تربو صفحاته على الألف . مع أنّ هذا لا يحتاج إلى دليل بل هو من ضروريات الدين والمذهب ، ومن ينكره فإنّه ينكر أصل الدين إلا أن يكون جاهلاً بضروريته .
التعلیقات