ما هي الأدلّة على صحّة ما قيل عن مقتل الزهراء عليها السلام ؟
الشيخ هادي العسكري
منذ 15 سنةالسؤال :
كيف حصل مقتل الزهراء عليها السلام ؟ وما هي الأدلّة على صحّة ما قيل عن مقتلها وخصوصاً عند إخواننا أهل السنّة والجماعة ، ولا بأس في الأدلّة التي تخصّ الشيعة ، فالمهمّ عندي الأدلّة من أخواننا أهل السنّة ؟
الجواب :
نحن نحيلك إلى التاريخ ومطالعة حياتها ، وبين يديك جميع المصادر والكتب والسجلّات بأجمعها ، افحص وفتّش عن مجموع أيّامها قبل زواجها ، وفي مدّة عيشها في بيت زوجها. سيّدة كانت في غُرّة أيّام الشباب وغضارتها ، وزهرة مستقبل الحياة ونضارتها ، لم يتجاوز من عمرها الشريف عقدان من الزمن ، هل اعتلت أو ابتليت ؟ هل اشتكت من ألم أو اشتكت من سقم ؟ هل كانت مريضة أم كانت عليلة ؟ هل كانت في تلك الأيّام سكتات قلبيّة أو أمراض خبيثة ؟ هل دهمتها عوارض طبيعيّة ؟ فما كانت علّة وفاتها وغروب شمس حقيقتها وأفول بدر وجنتها ؟ وما هو السبب في موتها ؟ فإن لم تجد شيئاً سأل زوجها وابن عمّها القريب إليها واسمع بما يجيبك عنها ، وهو يخاطب أباها بعد دفنها ومفارقتها ، وهو العليم الخبير بما جرى عليها وما آذاها ، والصادق في ما يقول عنها ، ولا يبالغ في ما يدعي لها وعليها ، يقول عليه السلام :
وَسَتُنَبِّئُكَ ابْنَتُكَ بِتَضَافُرِ أُمَّتِكَ عَلَى هَضْمِهَا ، فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ ، وَاسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ ؛ هذَا وَلَمْ يَطُلِ الْعَهْدُ ، وَلَمْ يَخْلُ مِنْكَ الذِّكْرُ (1).
نعم ، تضافر الاُمّة على ظلمها ، ولا يعني غصب الخلافة فإنّه ظلم لزوجها وليس مباشرة لها.
وإن كنت في شكّ من هذا فاسأل البعيد عنها والموالي لأعدائها ، والمنحاز إلى الغاصبين لحقّها ، والقابل التابع للغاصب لحقّها وخلافة أبيها ، وهو من أكابر أعلام المخالفين لها ولزوجها :
يقول ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة في قصّة خروج زينب بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى المدينة ومتابعة الكفّار لطلبها ، فأدركها هبار بن الأسود فروّعها وكانت حاملاً فطرحت ما في بطنها ، فلذلك أباح رسول الله صلّى الله عليه وآله يوم فتح مكّة دم هبار. يقول ابن أبي الحديد قرأت هذا الخبر على النقيب أبو جعفر ، فقال :
إذا كان رسول الله صلّى الله عليه وآله أباح دم هبّار بن الأسود لأنّه روّع زينب فألقتْ ذا بطنها ، فظهر الحال أنه لو كان حيّاً لأباح دم مَنْ رَوّع فاطمة حتى ألقت ذا بطنها. فقلت : أروي عنك ما يقوله قومٌ أنّ فاطمة روِّعت فألقت المحسن ، فقال : لا تروِه عَنّي ولا تَرْوِ عَنّي بطلانه. (2)
يا سبحان الله ! جرى الحق على لسانه ومنعه شيطانه عن نشره وروايته ، أو خاف واتّقى من سلطان وقته وزمانه ، ومن مشاغبي أفراد نحلته واتباعه ، فالله أعلم به وهو يحاسبه في يوم لقائه.
ثمّ دع هذا وأخبرني عن دفنها وعرفني قبرها ، وشخّص لي مدفنها كريمة وحيدة باقية لسيّد الرسل طه ، ومنها انتشرت ذريّته وهي أمّ أبيها ، وكم أوصى بها.
وهي التي قال صلّى الله عليه وآله : إنَّ الله يَغْضَبُ لِغَضَبِكِ وَيَرْضى لِرِضاكِ (3).
وقال صلّى الله عليه وآله فيها : فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني (4).
والله يقول في كتابه : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ) (5).
توفّت وهي غضبى عليهما كما ذكره البخاري في صحيحه (6).
أوضح لي لماذا دفنت سرّاً ؟ لماذا دفنت ليلاً ؟ لماذا لم يحضرا ليشيّعها ؟ فلماذا أُخفي حتّى قبرها عنهما ؟ تلك آيات لاُولى النهى ، وتذكرة وتبصرة لم تذكر أو يخشى ، وقطع لعذر واعتذار لكلّ متجاهل أعمى أو من تعامى ، والله بالمرصاد لمن أنكر شهادتها أو شكّك فيها ، فزاد عليهما في ظلمهما وآذاها .
الهوامش
1. نهج البلاغة « للسيد الرضي » / الصفحة : 320 / الناشر : مركز البحوث الإسلاميّة / الطبعة : 1.
2. شرح نهج البلاغة « لابن أبي الحديد » / المجلّد : 14 / الصفحة : 192 ـ 193 / الناشر : مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر / الطبعة : 2.
3. المستدرك على الصحيحين « للحاكم النيسابوري » / المجلّد : 4 / الصفحة : 137 / الناشر : دار المعرفة.
راجع :
المعجم الكبير « للطبراني » / المجلّد : 1 / الصفحة : 108 / الناشر : دار إحياء التراث العربي / الطبعة : 2.
اسد الغابة « لابن أثير » / المجلّد : 6 / الصفحة : 224 / الناشر : دار الفكر / الطبعة : 1.
الإصابة « لابن حجر العسقلاني » / المجلّد : 8 / الصفحة : 265 / الناشر : دار الكتب العلميّة / الطبعة : 1.
4. السنن الكبرى « لاحمد بن الحسين البيهقي » / المجلّد : 10 / الصفحة : 201 ـ 202 / الناشر : دار الفكر.
راجع :
صحيح مسلم / المجلّد : 4 / الصفحة : 252 ـ 253 / الناشر : دار الخير / الطبعة : 1.
شرح نهج البلاغة « لابن أبي الحديد » / المجلّد : 16 / الصفحة : 273 / الناشر : مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر / الطبعة : 2.
المجموع « للنووي » / المجلّد : 20 / الصفحة : 244 / الناشر : دار الفكر.
5. الأحزاب : 57.
6. صحيح البخاري / المجلّد : 4 / الصفحة : 42 / الناشر : دار الفكر / الطبعة : 2.
التعلیقات