مدى صحّة ما روى أنّ الزهراء عليها السلام لطمت على وجهها ؟
الشيخ محمد السند
منذ 15 سنةالسؤال :
يذكر أكثر الخطباء في مصيبة الزهراء أنّها لطمت على وجهها ، فما مدى صحّة هذه الرواية ؟ إذا كانت الرواية صحيحة ، فهل يعني ذلك كشف وجه الزهراء عليها السلام للغاصبين أم كان اللطم من خلف ستار ؟ وما هو سند هذه الرواية في حال ثبوت صحّتها ؟
الجواب :
قد روى الشيخ المفيد في كتابه « الإختصاص » :
أبو محمّد ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لمّا قبض رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وجلس أبو بكر مجلسه بعث إلى وكيل فاطمة عليها السلام فأخرجه من فدك ـ إلى أن قال عليه السلام بعد أن استعرض مخاصمة فاطمة عليها السلام لأبي بكر في فدك ، وأنّها استنزعت كتاباً بردّ فدك منه ـ فقال : فخرجت والكتاب معها ، فلقيها عمر فقال : يا بنت محمّد ما هذا الكتاب الذي معك ، فقالت : كتابٌ كتب لي أبو بكر بردّ فدك ، فقال : هلّميه إليّ ، فأبت أن تدفعه إليه ، فرفسها برجله وكانت حاملة بابن اسمه المحسن فأسقطت المحسن من بطنها ثمَّ لطمها فكأنّي أنظر إلى قرط في أُذنها حين نفقت ثمَّ أخذ الكتاب فخرقه فمضت ومكثت خمسة وسبعين يوماً مريضة ممّا ضربها عمر ، ثمَّ قبضت ... (1)
وسند الشيخ المفيد إلى عبد الله بن سنان صحيح ؛ لأنّ كما ذكر ذلك تلميذه الشيخ الطوسي في التهذيب والفهرست.
وروى الطبرسي في « الاحتجاج » في ما احتجّ به الحسن عليه السلام على معاوية وأصحابه ، أنّه قال لمغيرة بن شعبة :
وأنت الّذي ضربت فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حتّى أدميتها وألقت ما في بطنها ، استدلالاً منك لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ومخالفة منك لأمره ، وانتهاكاً لحرمته ... (2)
وروى الطبري بسند صحيح عال كلّهم من أعيان علماء الإماميّة :
حدّثني أبو الحسين محمّد بن هارون بن موسى التَّلعُكْبَري ، قال : حدّثني أبي ، قال : حدَّثني أبو عليّ محمّد بن هَمَّام بن سهيل رضي الله عنه ، قال : روى أحمد ابن محمّد البَرْقي ، عن أحمد بن محمّد الأشعري القُمّي ، عن عبدالرحمن بن أبي نجران ، عن عبدالله بن سِنان ، عن ابن مُسْكان ، عن أبي بَصير ، عن أبي عبدالله جعفر بن محمّد عليه السلام ، قال :
وقُبِضَتْ في جمادَى الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه ، سنة إحدى عشرة من الهجرة.
وكان سببُ وفاتها أنَّ قنفذاً مولى عمر لكزها بنعل السيف بأمره ، فأسقطت محسناً ومرضت من ذلك مرضاً شديداً ، ولم تدع أحداً ممّن آذاها يدخل عليها. (3)
وروى سليم بن قيس الهلالي :
أبان بن أبي عيّاش عن سليم بن قيس ، قال : كنت عند عبدالله بن عبّاس في بيته ومعنا جماعة من شيعة عليّ عليه السلام ، فحدَّثنا فكان فيما حدّثنا أن قال :
يا إخوتي ، تُوفّي رسول الله صلّى الله عليه وآله يوم تُوفّي فلم يوضع في حفرته حتّى نكث الناس ...
... قال عمر لأبي بكر : « يا هذا ، إنّ الناس أجمعين قد بايَعوك ما خلا هذا الرجل وأهل بيته وهؤلاء النفر ، فابعث إليه ». فبعث [ إليه ] إبن عمّ لعمر يقال له « قنفذ » فقال [ له : « يا قنفذ ] ، إنطلق إلى عليّ فقل له : أجب خليفة رسول الله ».
ـ فبعثا مراراً ، وأبى علي عليه السلام أن يأتيهم ـ فوثب عمر غضبان ، ونادى خالد بن الوليد وقنفذاً فأمَرَهما أن يحملا حَطَباً وناراً ، ثمّ أقبل حتّى إنتهى إلى باب عليّ عليه السلام ، وفاطمة عليها السلام قاعدة خلف الباب ، قد عصبت رأسها ونحل جسمها في وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله فأقبل عمر حتّى ضرب الباب ، ثمّ نادى : « يابن أبي طالب [ إفتح الباب ] ».
فقالت فاطمة عليها السلام : « يا عمر ، ما لنا ولك ؟ لا تَدَعنا وما نحن فيه ».
قال : « افتحي الباب وإلّا أحرقناه عليكم » !
فقالت : « يا عمر ، أما تتّقي الله عزّ وجلّ ، تدخل على بيتي وتهجم على داري » ؟ فأبى أن ينصرف ، ثمّ دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب فأحرق الباب ، ثمّ دَفَعَه عمر. فاستقبلته فاطمة عليها السلام وصاحت : « يا أبتاه ! يا رسول الله » ! فَرَفع السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها فصرخت. فرفع السوط فضرب به ذراعها فصاحت : « يا أبتاه » ! (4)
فوثب عليّ بن أبي طالب عليه السلام فأخذ بتلابيب عمر ثمّ هزّه فصرعه ووجأ أنفه ورقبته وهمَّ بقتله ، فذكر قول رسول الله صلّى الله عليه وآله وما أوصى به من الصبر والطاعة ، فقال : « والّذي كرّم محمّداً بالنبوّة يابن صهّاك ، لولا كتاب من الله سبق لّعلمتّ انّك لا تدخل بيتي ».
فأرسَل عمر يستغيث ، فأقبل النّاس حتّى دخلوا الدار وثار عليّ عليه السلام إلى سيفه. فرجع قنفذ إلى أبي بكر وهو يتخوّف أن يخرج عليّ عليه السلام [ إليه ] بسيفه ، لِما قد عرف من بأسه وشدّته.
فقال أبو بكر لقنفذ : « إرجع ، فإن خرج وإلّا فاقتحم عليه بيته ، فإن إمتنع فضرم عليهم بيتهم النار ». فإنطلق قنفذ الملعون فإقتحم هو أصحابه بغير إذن ، وثار عليّ عليه السلام إلى سيفه فسبقوه إليه [ وكاثَروه ] وهُم كثيرون ، فتناوَل بعضهم سيوفهم فكاثروه [وضَبَطوه ] فألقوا في عنقه حبلاً.
وحالَتْ بينهم وبينه فاطمة عليها السلام عند باب البيت ، فضربها قنفذ الملعون بالسوط فماتت حين ماتت وإنّ في عضدها كمثل الدملج من ضربته ، لَعَنه الله [ ولعن من بعث به ].
... فألجأها قنفذ لَعَنه الله إلى عضادة باب بيتها ودفعها فكسر ضلعها من جنبها فألقت جنيناً من بطنها. فلم تَزل صاحبة فراش حتّى ماتت صلّى الله عليها من ذلك شهيدة. (5)
وغيرها من الروايات التي تحكي جانباً من الأحداث التي وقعت على أهل بيت النبي صلّى الله عليه وآله ، وقد نقلت مصادر العامّة مقتطفات متفرّقة عديدة حتّى كتاب البخاري ومسلم عن امتناع علي عليه السلام من بيعتهم ومقاطعة فاطمة عليها السلام للأثنين ، وكذا خطبتيها المعروفتين الدالّة على عمق المواجهة والاصطدام. وإليك بعض مصادر العامّة فضلاً عن تواتر روايات الخاصّة ، فمن ثمّ لا مجال للتردّد في بعض التفاصيل مع هذا الاحتدام الساخن الذي تنقله مصادر الحديث والتاريخ والسير متواتراً ، كما هو الحال في كلّ الوقائع التاريخيّة ، بل لا يحتمل أن كلّ ما وقع من تفاصيل تكفلت الروايات نقله ، فكم من اُمور وملابسات لم تنقل ولكن يطمئن إلى وقوعها إجمالاً لتلازمها مع ما نقل من أحداث بحسب العادة والطبيعة. ففي ما نحن فيه طبيعة المواجهة والهجوم على البيت وإصرار المعتدين على أخذ البيعة من علي عليه السلام بكلّ وسيلة وثمن تثبيتاً لخلافتهم الجديدة الولادة ، يقرأ بها كثيراً من التفاصيل ؛ فلاحظ :
1 ـ الإمامة والسياسة. (6)
2 ـ العقد الفريد. (7)
3 ـ شرح نهج البلاغة. (8)
4 ـ تاريخ الطبري. (9)
5 ـ أعلام النساء. (10)
6 ـ مروّج الذهب. (11)
7 ـ كنز العمّال. (12)
8 ـ الرياض النضرة. (13)
9 ـ الملل والنحل. (14)
10 ـ الوافي بالوفيات. (15)
11 ـ تاريخ اليعقوبي. (16)
12 ـ تاريخ أبي الفداء. (17)
13 ـ أنساب الأشراف. (18)
14 ـ السقيفة والخلافة. (19)
15 ـ إثبات الوصية. (20)
17 ـ مناقب آل أبي طالب. (21)
18 ـ المعارف لابن قتيبة. (22)
19 ـ لسان الميزان. (23)
20 ـ ميزان الاعتدال للذهبي. (24)
21 ـ فرائد السمطين. (25)
22 ـ كفاية الطالب. (26)
وغيرها من كتب التاريخ والسير والرجال وكتب مناقب العترة .
الهوامش
1. الإختصاص « للشيخ المفيد » / الصفحة : 181 ـ 183 / الناشر : مؤسسة الأعلمي / الطبعة : 1.
2. الإحتجاج « لأحمد بن علي الطبرسي » / المجلّد : 1 / الصفحة : 363 ـ 364 / الناشر : منشورات الشريف الرضي / الطبعة : 1.
راجع :
بحار الأنوار « للشيخ المجلسي » المجلّد : 43 / الصفحة : 197 / الناشر : مؤسسة الوفاء.
3. دلائل الإمامة « لمحمّد بن جرير الطبري » / الصفحة : 134 / الناشر : مؤسسة البعثة / الطبعة : 1.
4. كتاب سليم بن قيس الهلالي / المجلّد : 2 / الصفحة : 862 ـ 864 / الناشر : الهادي / الطبعة : 1.
5. كتاب سليم بن قيس الهلالي / المجلّد : 2 / الصفحة : 586 ـ 588 / الناشر : الهادي / الطبعة : 1.
6. راجع :
الإمامة والسياسة « لابن قتيبة الدينوري » / المجلّد : 1 / الصفحة : 30 / الناشر : انتشارات الشريف الرضي / الطبعة : 1.
7. راجع :
العقد الفريد « لابن عبد ربه الأندلسي » / المجلّد : 5 / الصفحة : 13 / الناشر : دار الكتب العلميّة / الطبعة : 1.
8. راجع :
شرح نهج البلاغة « لابن أبي الحديد » / المجلّد : 6 / الصفحة : 47 ـ 49 / الناشر : دار إحياء الكتب العربيّة.
9. راجع :
تاريخ الطبري « لمحمد بن جرير الطبري » / المجلّد : 2 / الصفحة : 443 / الناشر : مؤسسة الأعلمي للمطبوعات.
10. راجع :
أعلام النساء « لعمر رضا كحالة » / المجلّد : 4 / الصفحة : 114 ـ 115 / الناشر : مؤسسة الرسالة / الطبعة : 5.
11. راجع :
مروج الذهب ومعادن الجوهر « للمسعودي » / المجلّد : 2 / الصفحة : 301 / الناشر : منشورات دار الهجرة / الطبعة : 2.
12. راجع :
كنز العمّال « للمتّقي الهندي » / المجلّد : 5 / الصفحة : 651 / الناشر : مؤسسة الرسالة.
13. راجع :
الرياض النضرة « لأحمد بن عبدالله الطبري » / المجلّد : 1 / الصفحة : 233 / الناشر : دار الكتب العلميّة.
14. راجع :
الملل والنحل « للشهرستاني » / المجلّد : 1 / الصفحة : 57 / الناشر : دار المعرفة.
15. راجع :
الوافي بالوفيات « للصفدي » / المجلّد : 6 / الصفحة : 15 / الناشر : دار إحياء التراث.
16. راجع :
تاريخ اليعقوبي « لليعقوبي » / المجلّد : 2 / الصفحة : 126 / الناشر : دار صادر.
17. راجع :
المختصر في أخبار البشر ـ تاريخ أبي الفداء ـ « لأبي الفداء » / المجلّد : 1 / الصفحة : 156 / الناشر : دار المعرفة للطباعة والنشر.
18. راجع :
أنساب الأشراف « للبلاذري » / المجلّد : 1 / الصفحة : 586 / الناشر : معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية.
19. راجع :
السقيفة والخلافة « لعبدالله عبدالمقصود » / الصفحة : 109 ـ 116 / الناشر : دار المحجّة البيضاء.
20. راجع :
إثبات الوصيّة للإمام علي بن أبي طالب « للمسعودي » / الصفحة : 145 ـ 147 / الناشر : انصاريان / الطبعة : 3.
21. راجع :
مناقب آل أبي طالب « لابن شهر آشوب » / المجلّد : 2 / الصفحة : 51 ـ 52 / الناشر : المكتبة الحيدريّة.
22. راجع :
المعارف « لابن قتيبة الدينوري » / الصفحة : 211 / الناشر : دار المعارف / الطبعة : 2.
23. راجع :
لسان الميزان « لابن حجر العسقلاني » / المجلّد : 1 / الصفحة : 268 / الناشر : مؤسسة الأعلمي للمطبوعات / الطبعة : 2.
24. راجع :
ميزان الاعتدال « للذهبي » / المجلّد : 1 / الصفحة : 139 / الناشر : دار المعرفة للطباعة والنشر / الطبعة : 1.
25. راجع :
فرائد السمطين « لإبراهيم بن سعدالدين الشافعي » / المجلّد : 2 / الصفحة : 34 ـ 35 / الناشر : مؤسسة المحمود / الطبعة : 1..
26. راجع :
كفاية الطالب « لمحمّد بن يوسف الگنجي » / الصفحة : 413 / الناشر : دار إحياء تراث أهل البيت عليهم السلام / الطبعة : 2.
التعلیقات