كيف نسي موسى ع
العصمة
منذ 15 سنةكيف نسي موسى ع
السؤال : في سورة الكهف الشريفة وردت قصة موسى مع العبد الصالح ، وفيه أمران مستغربان نرجو توضيحه .
أ ـ نسيان وصي موسى عليه السلام وقيل أنّه يوشع بن نون وهو نبي ، ونسبته إلى الشيطان ، وكيف تلتئم هذه النسبة مع { عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ }؟
ب ـ قول موسى عليه السلام للخضر :{ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ } (الكهف/73). وإن كان هذا النسيان لا يقدح بعصمته عن الذنوب وما أشبه ، ولكنه منفّر ، خصوصاً أنّه كان من قريب عهد ؟
الجواب سماحة الشيخ محمّد السند
أ ـ مقتضى سياق القصة بحسب الآيات والروايات أن العلامة المنصوبة منه تعالى لموسى عليه السلام لملاقاة العبد الصالح الخضر هو الأمر الذي حصل في شأن الحوت كما هو مفاد قوله : ( ذلك ما كنا نبغ ) ، غاية الأمر أن اسناد النسيان الى الشيطان ليس فيه اثبات تصرف للشيطان في محيط نفس يوشع ، بل في ما هو خارج ذاته ، وهو ضياع الحوت أو فراره ( اتخذ سبيله في البحر عجبا ).
ولا مانع من معاوقة الشيطان أفعال الأنبياء ، كما في قوله :{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ } (الحج/52 ـ 54). إذ أنّ المراد من إلقاء الشيطان ومعاوقته ليس في محيط نفس الرسل وإلا لما اختصت الفتنة بالذين في قلوبهم مرض بل لعمّت الجميع ، بل المراد معاوقة الشيطان برامج نهضة الرسل ، وإلقاء الموانع عن وصولها إلى الغايات التي يتمناها أنبياء الله ورسله ، وكذلك النسيان جعل متعلقه الحوت وهذا المقدار من تصرف الشيطان في ما هو خارج نفوس الأنبياء لا دليل على منعه ، كما هو في قوله : { وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } (سورة ص/41). أي مس بدنه.
وبعبارة أخرى : إنّ الشيطان لا سلطان له على غواية الأنبياء ، والتي تقع في نفوسهم دون بقية التصرفات الأخرى كبقية اعدائهم .
ب ـ وأمّا ما يتعلق بقول موسى عليه السلام فالمفسرين وإن جعلوا متعلق النسيان عهده للخضر بالصبر والمتابعة ، ولكن الآية السابقة عليها تفيد سياقاً آخر : { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي ...} ( الكهف/72 ـ 73). ومتعلق الصبر هو الذي لم يحط موسى عليه السلام به خُبْرا كما ذكر الخضر ذلك له في أوّل اللقاء ، ومع عدم العلم بوجهة الفعل ينتفي التسليم به ، فالنسيان ههنا ليس منشأه غياب شيء من الذاكرة والحافظة بسبب قصور في القوى النفسية أو حجب الشيطان وتصرفه في الإدراك ، بل هو راجع إلى عدم العلم وعدم الإحاطة بعلم الخضر الذي يقدم ويأتي بمثل هذه الأفعال .
فالمعنى : لا تؤاخذني بما لم اُحِطْ به خُبرا ، وإلا فالفعل المزبور بحسب الموازين في الشريعة الظاهرة للنبي موسى عليه السلام يقتضي أن يعترض على فعل الخضر.
التعلیقات