ما الدليل على نزول آية : ( سَأَلَ سَائِلٌ ) بعد آية : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) ؟
الشيخ هادي العسكري
منذ 15 سنةالسؤال :
سؤالي حول قوله تعالى : ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ) [ المعارج : 1 ] ، حيث إنّنا نؤمن بأنّ آية : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) [ المائدة : 3 ] قد نزلت بعد آية : ( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ) [ المائدة : 67 ] ، وهي آخر ما انزل.
السؤال : ما وجه القول بأنّ قوله تعالى : ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ) قد نزلت بعد الآيات السابقه ؟
الجواب :
تختلف آيات الذكر الحكيم نزولاً ووروداً عن ترتيبها وتنسيقها في الكتاب الكريم ثنياً وضبطاً ، فكم من آية أو سورة نزلت متأخّرةً وهي مسطورة في أوّل القرآن ، وكم من آيات وسور نزلت مقدّماً وهي مذكورة في آخره ، فلم تكن الآيات والسور الموجودة في القرآن على تسلسل الزمن وطبق ما نزل ووفق ما أنزل ، ونحن لا نعلم بالضبط الوجه والحكمة ، والسبب في اختيار جمع الآيات وتعيين السورة وإكمالها واسمها ووضعها وتقديمها وتأخيرها وتنسيقها وترتيبها وما أشبه ذلك.
وليست الغاية من القول بأنّ السورة مكيّة أو السورة مدنيّة أن تكون جميع آياتها مكيّة أو مدنيّة ، ولا يقصد منه هذا بل صرّح المفسرون بعديد من السور المكيّة وفيها آيات مدنيّة ، وآيات كثيرة مكيّة في سور مدنيّة.
وأمّا السؤال عن قوله تعالى : ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ) ، فقد ذكر المفسّرون أنّه لما بلّغ رسول الله صلّى الله عليه وآله بغدير خم ما بلّغ ، وشاع ذلك إلى الحارث بن النعمان الفهري فقال : « يا محمّد أمرتنا عن الله بشهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله وبالصلاة والصيام والحج والزكاة فقبلنا منك ، ثمّ لم ترض بذلك حتّى رفعت بضبع ابن عمّك ، ففضّلته علينا ، وقلت : « مَن كنت مولاه فهذا علي مولاه ». فهذا شيء منك أم من الله ؟ !
فقال رسول الله : « والله الذي لا إله إلّا هو إنّ هذا من الله ».
فولّى الرجل إلى راحلته وهو يقول : اللهم إن كان ما يقوله محمّد حقّاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ، فما تمّ كلامه حتّى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره وقتله ، وأنزل الله : ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ) ».
وقد جمع صاحب الغدير وذكر أكثر من ثلاثين علماً من أعلام السُنّة الذين ذكروا هذا الحدث في مصنّفاتهم.
ومضى على هذا الحديث ثمانية قرون ولم يناقش فيه أحد حتّى جاء ابن تيميّة فتحكّم وتهكّم وجار في ما حكم ، فقال : « إنّ هذا الحديث موضوع ومكذوب وسورة المعارج مكيّة ، وما حكاه الله قول بعض الكفّار من قريش قبل الهجرة ، والأبطح موضع بمكة والنبي لم يرجع من غدير خم إلى مكّة ».
أمّا قوله « السورة مكيّة » ، فالجواب عنه : لأنّه لم يقول بها آية أو رواية صحيحة ثابتة غير متعارضة ، فالقول بأنّ السورة مكيّة كالقول بأنّها مدنيّة ، بل ظاهر الآيات ومضامين معظمها تناسب جوّ المدينة ، ولو سلّمنا كونها سورة مكيّة فما الدليل على أنّ جميع آياتها مكيّة ؟! فلتكن السورة مكيّة والآيتان خاصّة غير مكيّتين ، كما أنّ سورة المائدة مدنيّة نازلة في آخر عهد الرسول صلّى الله عليه وآله وآية : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) [ المائدة : 67 ] ، هو وغيره من المفسرين يدّعون أنّها نزلت بمكّة في أوّل البعثة.
والجواب عن ادّعائه الثاني ، فهذا حكم باطل كسابقه ، فهب أنّ سورة الأنفال نزلت قبل المائدة ببضع سنين فهل يمنع ذلك أن يوضع عند التأليف بعض الآيات النازلة بعدها فيها كما وضعت آيات الربا وآية : ( وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّـهِ ) [ سورة البقرة : 281 ] ، وهي من آخر ما اُنزل على النبي صلّى الله عليه وآله عندهم في سورة البقرة النازلة في أوائل الهجرة أيّ قبلها ببضع سنين.
وقوله الثالث ، « إنّ الأبطح هو موضع بمكّة » فهذا إمّا جهل أو تجاهل ، فإنّ الأبطح لا يختصّ بمكان خاصّ ، بل الأبطح هو كلّ مكان ذي رمل. قال في مراصد الاطّلاع : « الأبطح بالفتح ، ثمّ السكون ، وفتح الطاء والحاء المهملة : كلّ مسيل فيه رقاق الحصى ، فهو البطح ».
وقوله : « هذا موضوع ومكذوب » ، هذا دعوى وقول بلا دليل ولم يناقش علميّاً في سند الرواية ، ولم يستطع أن يجرح أحد الرواة ، بل إنّما كشف عن نفسه وعن خبث سريرته وعن عدائه لعليّ ونصبه لعترة النبي صلّى الله عليه وآله ، فحشره مع من يتولّاه وأسكنه مساكن من يهواه. آمين يا رب العالمين.
التعلیقات