لماذا خلق الله الوجود بدلاً عن اللاوجود وهو الغني عن العالمين ؟
السيّد علي الحائري
منذ 14 سنةالسؤال :
لماذا خلق الله الوجود بدلاً عن اللاوجود وهو الغني عن العالمين ؟
الجواب :
لا شكّ في أنّ الله تبارك وتعالى هو الغنيّ ذاتاً عن العالمين فلا يحتاج إلى شيء أبداً ، إلّا أنّه تبارك وتعالى من صفاته أيضاً أنّه فيّاض يفيض بالوجود على كلّ ما مَن شأنه الوجود ويتطلّبه ، ويفيض بالكمال على كلّ ما مَن شأنه الكمال ويتطلّبه ، لأنّ ذاك الشيء هو الذي يحتاج إلى الوجود و الكمال ويتطلّبه.
فمثلاً البذرة التي من شأنها التكامل والنموّ والوصول إلى كمالها المناسب لها ، وتبدّلها إلى الثمر هي بحاجة إلى أن يفيض الله تعالى عليها كلّ مراحل تطوّرها ويُعطيها خلقتها المناسبة لها ويوصلها إلى كمالها المناسب لها ، كما قال سبحانه في القرآن الكريم : ( رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ ) [ طه : 50 ].
والمادّة مثلاً إذا كانت مستعدّة ومن شأنها أن تتكامل وتتبدّل إلى إنسانٍ سَويّ ، إذاً فهي محتاجة إلى أن يفيض الله تعالى عليها كلّ مراحل وجودها وتطوّرها وتحوّلها إلى الإنسان الكامل.
والإنسان مثلاً إذا كان مستعدّاً ومن شأنه الوصول إلى الكمال المناسب له ، إذاً فهو محتاج إلى أن يفيض الله تعالى عليه ما يهديه ويوصله إلى كماله.
وقد ورد هذا المعنى في القرآن الكريم حيث يقول : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) [ الذاريات : 56 ] ، فإنّ عبادة الله تعالى التي اعتبرت في الآية الشريفة هي الهدف والغاية من خلق الجنّ والإنس هي الكمال المناسب للجنّ والإنس وهي التي يحتاج إليها الجنّ والإنس بحسب الواقع والحقيقة ، لا أنّ الله تعالى يحتاج إلى عبادتهم ، بل هم بحسب تركيبتهم وخلقتهم وطبيعتهم محتاجون إلى الوصول إلى كمالهم المتناسب مع خلقتهم ، والكمال المناسب لهم هو التقرّب إلى الكمال المطلق وهو الله تبارك وتعالى والتعبّد به والزلفى لديه ، فكلّ مَن تقرّب إلى الله تعالى أكثر من غيره كان أكمل من غيره ، ولذا فانّ أكمل الخلق وأشرفهم هو سيّدنا ونبيّنا محمّد بن عبد الله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.
والحاصل إنّ كلّ ما يتطلّب الوجود والكمال يفيض الله تعالى عليه بالوجود والكمال المناسب له بمقتضى فيّاضيّته تبارك وتعالى لا لأنّ اللّه محتاج إلى خلقه بل الأمر بالعكس ، فإنّ ذاك الشيء هو المحتاج وهو الذي يتطلّب الوجود والكمال ، والله العالم.
التعلیقات
١