من هم « أهل البيت » في آية التطهير وحديث الثقلين ؟
السيّد علي الحائري
منذ 14 سنةالسؤال :
يقول الله سبحانه وتعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) صدق الله العظيم.
ويقول النبيّ محمّد صلّى الله عليه وسلّم : « أيّها الناس إنّي قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ». وفي رواية أخرى : « كتاب الله وسنّتي ».
فمَن هم أهل البيت ؟
وما وجه الوصيّة بهم مع كتاب الله بحسب الرواية الأولى ؟
ولماذا يتمّ التنازع على حبّهم بين الفرقاء المختلفين ؟
وماذا يعني حبّهم ؟ هل هو مجرّد عاطفة يجب على المسلم أن يحملها لهم ، أم هو أكثر من ذلك مرجعيّة شرعيّة يتمثل المسلم لها ؟
وهل يمكن أن يكون حبّ آل البيت مدخلاً للتقارب وتوحيد صف المسلمين ؟
الجواب :
قبل الإجابة على الأسئلة الواردة أعلاه أودّ التنبيه على أمور ثلاثة :
الأوّل : أنّ من الآداب التي ينبغي أن يلتزم بها كلّ مسلمٍ هو أن يصف الله بما هو وصف هو نفسه به ، ونحن نرى أنّه تبارك وتعالى وصف نفسه في القرآن الكريم بـ ( الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) حيث قال في آية الكرسي : ( وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) (1) ؛ فلماذا تقولون : صدق الله العظيم ؟!!
الثاني : أنّ الرواية الأخرى القائلة : « كتاب الله وسنّتي » ليست ممّا اتّفق عليه الفريقان ، بل المتّفق عليه بين السنّة والشيعة هي الرواية الأولى القائلة : « كتاب الله وعترتي أهل بيتي » (2).
الثالث : أنّ المستحب شرعاً عند ذكر إسم النبيّ هو الصلاة عليه وعلى آله ، أمّا الصلاة عليه فقط فهي الصلاة البتراء التي نهى صلّى الله عليه وآله عنها ؛ فلماذا تقولون : يقول النبيّ محمّد « صلّى اللّه عليه وسلّم » ؟ أليست هذه هي الصلاة البتراء المنهيّ عنها بإجماع المسلمين قاطبة ؟
والآن ندخل في صميم الموضوع ، ونحاول الإجابة على الأسئلة بالقدر الممكن في المقام :
أمّا عن السؤال الأوّل فالجواب : هو أنّ عترة النبيّ صلّى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام هم : عليّ وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة التسعة من ذريّة الحسين وولده. وهم : علي بن الحسين السجّاد زين العابدين ، ومحمّد بن علي الباقر ، وجعفر بن محمّد الصادق ، وموسى بن جعفر الكاظم ، وعلي بن موسى الرضا ، ومحمّد بن علي التقي الجواد ، وعلي بن محمّد الهادي النقيّ ، والحسن بن علي العسكري ، ومحمّد بن الحسن المهدي القائم المنتظر. هؤلاء فقط هم عترته وأهل بيته المقصودون في هذا الحديث « حديث الثقلين ».
وأمّا عن السؤال الثاني فالجواب : هو أنّ وجه الوصيّة بالعترة وأهل البيت عليهم السّلام هو أمر الله تبارك وتعالى نبيّه صلّى اللّه عليه وآله بذلك ، والنبيّ صلّى اللّه عليه وآله لا يأتي بشيء من عنده : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) (3) ؛ وقد صَرَّح صلّى الله عليه وآله في الحديث المتّفق عليه بين المسلمين كلّهم بأنّ الأئمّة من بعدي اثنا عشر (4).
إذن هؤلاء هم العترة وهم أهل البيت وهم الأئمّة وهم خلفاؤه الحقيقيّون الذين وصّانا بهم النبيّ صلّى الله عليه وآله بأمرٍ من الله تبارك وتعالى ، بوصفهم امتداداً للنبيّ صلّى اللّه عليه وآله في كلّ الصفات والخصوصيّات ما عدا النبوّة والوحي ، إذ لا نبيّ بعده صلّى الله عليه وآله ، فهو خاتم الرّسل والنبييّن قطعاً ، والشريعة الإسلاميّة هي خاتمة الشرائع ، والرسالة المحمّدية هي آخر رسالةٍ نزلت من السماء للبشريّة كلّها إلى يوم القيامة ، وحلال محمّد صلّى الله عليه وآله حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة ، إلّا أنّ حلاله وحرامه لا يُعرف حقّاً إلّا من خلال الكتاب والعترة ؛ فالكتاب وحده لا يكفي ، إذ ليست فيه تفاصيل التشريعات والأحكام. فمقولة : « حسبنا كتاب الله » (5) مقولة خاطئة ، وتُنبئ عن سوء فهم للشريعة وللقرآن.
هذا بالاضافة إلى أنّ القرآن نفسه بحاجة إلى مَن يفسّره ويشرحه للأُمّة ، إذ فيه آيات محكمات هنّ أمّ الكتاب ، وفيه أيضاً آيات متشابهات لابدّ من شرحها وبيان المقصود منها ، وهذا ممّا لا يعلمه إلّا العترة وأهل البيت الذين أكّدت الأحاديث الكثيرة على أنّهم ورثة علم رسول الله وخزّان الوحي وتراجمته.
وأمّا عن السؤال الثالث فالجواب : هو أنّه لا يوجد هناك أيّ نزاع وخلاف بين المسلمين في حبّهم ، ولا ينكر أحد وجوب مودّتهم بوصفهم ذوي القربى الذين فرض الله تعالى مودّتهم وجعلها أجر الرسالة ، ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (6) ؛ فالمسلمون قاطبة مجمعون على مودّتهم.
نعم هناك شرذمة قليلة تعاديهم وتعادي شيعتهم ، وهم النواصب ـ خذلهم الله تعالى ـ ، وهم محكومون بالكفر عندنا وإن انتحلوا الإسلام.
وأمّا عن السؤال الرابع فالجواب : أنّ حبّهم وإن كان فرضاً وواجباً كما قلنا إلّا أن الذي أكّد عليه الحديث المذكور أعلاه ـ وهو حديث الثقلين ـ ليس عبارة عن حبّهم فحسب ، بل هو عبارة عن « الأخذ بالكتاب وبالعترة » أو « التمسّك بهما » على اختلاف النقل. ومن الواضح أنّ الأخذ والتمسّك بالشيء لا يتحقّق من خلال حبّه فقط ، بل يتحقّق من خلال اتّباعه والسير على منهجه وخطّه ، والعمل بما يقوله ويأمر به ، والارتداع عمّا ينهى عنه. فكما أنّ التمسّك بالقرآن لا يكون بحبّ القرآن بل بالعمل بالقرآن ، كذلك التمسّك بالعترة فلابدّ من العمل بأقوالهم واتّباع أفعالهم. ومن هنا كانت « السُنّة » عندنا أوسع دائرةً من السنّة النبويّة ؛ فهي تشمل أيضاً سنّة العترة أيّ أقوالهم وأفعالهم وكلّ ما أقرّوه وأمضوه ؛ فإنّ ذلك كلّه حجّة عندنا.
وأمّا عن السؤال الخامس والأخير فالجواب : نعم ، بالإمكان جعل حبّ العترة هو المحور الرئيسي الذي يصلح أن يكون مدخلاً للتقارب وتوحيد الصف بين المسلمين ، وهذا ما نؤكّد عليه دائماً.
والسّلام عليكم.
الهوامش
1. البقرة : 255.
2. مسند أحمد / المجلّد : 3 / الصفحة : 14 و 17 / الناشر : دار الفكر.
3. النجم : 3 ـ 4.
4. بحار الأنوار « للمجلسي » المجلّد : 8 / الصفحة : 366 / الناشر : مؤسسة الوفاء ـ بيروت / الطبعة : 2.
5. صحيح البخاري / المجلّد : 5 / الصفحة : 11 ـ 12 / الناشر : دار إحياء التراث العربي.
6. الشورى : 23.
التعلیقات