هل كلمة « لا إله إلّا الله » إذا كان بمعنى المعبود لا ينفي وجود شريك لله ؟
السيّد جعفر علم الهدى
منذ 13 سنةالسؤال :
أرجوكم أجيبوني بسرعة ، لأنّ الوساوس يقتلني بوجود نظير لله في كماله وصفاته واسمائه. لا أقصد النظير لله من المخلوقات ، لأنّ الله ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) [ الشورى : 11 ] ، وهذا أمر معروف وواضح ، بل يوجد ثاني لله في أزليّته وأبديّته ـ قبل وجود المخلوقات ـ وقدرته ، أيّ يكون له صفات الإله الحقيقي ...
وهذا الثاني لديه كونه المستقل ولديه مخلوقاته الخاصّة ، ولا أقصد بذلك مشترك مع الله في ملكه أو خلقه أو تدبيره ، لأنّ الآية الكريمة تقول : ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّـهُ لَفَسَدَتَا ) [ الأنبياء : 22 ] ، ( وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ) [ المؤمنون : 91].
ولوكان هناك إله يشارك الله في ملكه أو في الخلق أو في التدبير ـ والعياذ بالله ـ لجائتنا رسل من الإله الآخر ولأعلن الإله الآخر عن صفاته وعن ذاته ...
ووحدة الكون تشهد بوحدانيّة الله تعالى ، ولا شكّ في ذلك ، فلا يوجد شريك لله في ملكه على الإطلاق ، ولكن هذا الوسواس يخبرني بأنّ هذا الشبيه لله في نوعه « الإله » له ملكه المستقل ، وهو ليس بالسموات السبع والأرضين ، بل ملك خاص بعيد عن ملك الله وغير مشترك مع الله في أيّ شيء.
فكيف أنفي هذا الوسواس ؟
أمّا عن النقطة المهمّة فهي عندما أقول : « لا إله إلّا الله » لكي أتخلّص من هذا الوسواس ففطرتي السليمة تخبرني بأنّ الإله ـ أو معنى الإله ـ هو القائم بذاته ، الحيّ ، المحيي ، المميت ، الرزّاق ، السميع ، المجيب ، القادر ، الواحد ، الأحد ، الصمد ، النافع ، الضارّ ، الذي لا يموت ... الباقي ... الأزلي .... والخ من صفات الله ـ صفات الكمال ـ.
فعندما نقول : « لا إله إلّا الله » أيّ لا أحد يملك هذه الصفات ـ صفات الكمال المطلق ـ إلّا الله ، أي إنّ الله إله منذ الأزل ـ قبل أن يخلق مخلوقاته لما يتمتّع به من صفات الكمال المطلق ـ.
وعندما خلق هذا الإله ـ الله تعالى ـ مخلوقاته أمرهم بعبادته وحده ، لأنّ المالك الوحيد لصفات الكمال المطلق وحده لا شريك له ، لأنّه أصلاً لا يوجد مَن يملك هذه الصفات إلّا الله لذلك هو إله.
ولكنّي صدمت عندما عرفت أنّ معنى « لا إله إلّا الله » ، هو إنّ معنى « إله » هو المعبود ، أيّ لا يستحقّ العبادة إلّا الله ، وهذا المعنى قد فتح المجال أمام هذا الوسواس اللعين ليقول لي : إنّ هناك شبيهاً لله في صفاته وأفعاله ـ ليس من مخلوقاته ـ ، ولكنّه لا يشارك الله في ملك السموات والأرض ، بل له ملكه الخاص البعيد عن السموات السبع والأراضين.
وعندما أقول له هذا شرك بالله تعالى ؟
يقول : لا ، ليس بشرك ، لأنّ معنى « لا إله إلّا الله » هو أن لا تعبدين مع الله إلهاً ـ معبوداً ـ آخر ، لأنّ كلمة « الإله » معناها المعبود بحقّ ، وأنتي لا تعبدين مع الله إلهاً آخر ولا تشركين به شيئاً ، بل تقولين إنّ هناك شبيهاً لله في ذاته وصفاته وأفعاله.
وهذا الثاني الشبيه لله ـ الإله الآخر ـ لا يشترك مع الله في كونه ولا في خلقه ولا في الأمر ولا في التدبير ولا شريك له في أيّ شيء ، بل له ملك خاصّ به ، ومخلوقاته الخاصّة به ، البعيد عن ملك الله ـ السبع سموات والسبع أرضين ـ ، فلكلّ إله ملكه الخاصّ به دون أن يشارك أحدهما الآخر.
وحتّى قوله تعالى : ( وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) [ الإخلاص : 4 ] يفسّرعلى إنّه ليس لله نظير من مخلوقاته ، لا يناظره أحد من مخلوقاته ، وهذا تفسير الإمام علي وأئمّة أهل البيت رضي الله عنهم.
أو معناه كما قال ابن عبّاس رضي الله عنه ليس له زوجة ـ كفو ـ ، ولم ينفوا أن يكون لله نظير من جنسه أو نوعه ـ أيّ النفي المطلق ـ ، وهو ما قد يتصوّره الذهن أو العقل من وجود شبيه لله في نوعه ، أيّ يتمتّع بالخصائص الإلهيّة ، وليس بمخلوق ، بل نفوا النظير والشبيه لله من مخلوقاته فقط ـ لايناظره أحد من مخلوقاته ـ ، وليس النظير بشكل مطلق.
وهل استدلّوا على ذلك بوجود أحد ( وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) [ الإخلاص : 4 ] ، ولماذا الله تعالى لم يقل : ليس لي كفو أو كفو لي ؟
الجواب :
المسألة واضحة عقلّياً ولا ترتبط بقولنا « لا إله إلّا الله » ، فسواء قلنا إن معناه « لا إله ـ موجود ـ إلّا الله » أو « لا إله ـ معبود ـ إلّا الله » أو « لا إله ـ ممكن ـ إلّا الله » ، يمتتع وجود شريك للباري تعالى بحسب الواقع ونفس الأمر ، وذلك لأنّ المستحيل هو فرض أيّ خالق غير الله تعالى ، وإن كان ذلك الخالق له خلق خاصّ وملك خاص ، فإنّ هذا الفرض يستلزم العجز والنقص والحاجة في الله تعالى الذي هو قادر على كلّ شيء وكامل من جميع الجهات ، وذلك لأنّنا إمّا أن نفرض أنّ الله تعالى قادر على أن يمنع الإله الآخر من الخلق والتدبّر والتصرّف في ملكه الخاصّ أو أنّه ليس قادراً على ذلك ، فإن كان قادراً ، فالإله الثاني عاجز من الخلق والتدبر حتّى في مورد مخلوقاته الخاصّة ، إذ لا يتمكّن من دفع الإله الأوّل و إن لم يكن قادراً تبيّن العجز والنقص في الإله الأوّل حيث لا يتمكّن من التصرّف في ملك الإله الثاني ومنعه عن الخلق والتصرّف والتدبير.
فالإلهان وإن توافقا مسبقاً على أن يكون لكلّ منهما ملكه الخاصّ ومخلوقاته الخاصّة ، ولا يتدخّل أحدهما في شؤون الآخر ، لكن من الممكن عقلاً أن يتدخّل أحدهما في شؤون الآخر ، و مع هذا الإمكان العقلي إمّا أن يغلّب عليه ويمنعه من التصرّف في ملكه الخاصّ أو لا يتمكّن من ذلك ، فإنّ التمكّن الأوّل من منع الثاني لم يكن الثاني إلهاً لعجزه ، وإن يتمكّن ، لم يكن الأوّل إلهاً لعجزه عن منع الآخر.
التعلیقات
٢