ما معنى « السّيرة العقلائية » ، و «حكم العقل » ، و « حكم الفطرة » ، و « حكم الشرع » ؟
محمد مهدي المؤمن
منذ 11 سنةالسؤال :
عرفنا في الدّرس السّابق ما هو تكليف المؤمنين في زمن الغيبة وإلى من يرجعون ، فما معنى « السّيرة العقلائيّة » ، و « حكم العقل » ، و « حكم الفطرة » ، و « حكم الشرع » ؟
الجواب :
والجواب الذي يناسب المقام باختصارٍ شديد ، وبيانٍ واضح سديد أنّ السّيرة العقلائيّة ـ كما هو واضح ـ استمرار عادة الناس وتبانيهم العمل على فعل شيءٍ ، أو ترك شيءٍ ، والمقصود بالناس : جميع العقلاء والعرف العام من كلّ ملّة ونحلة ، فيعمّ المسلمين وغيرهم ، والتعبير الشايع عند الاُصوليين المتأخرين ـ والمراد منهم علماء الاُصول في الأزمنة المتأخّرة ـ تسميتها بـ « بناء العقلاء » (1). فالسّيرة العقلائيّة تقضي بلزوم رجوع الجاهل إلى العالم وأهل الخبرة.
وأمّا المراد بحكم العقل والمقصود منه هنا هو حكم العقل العملي « ومعنى حكم العقل ـ على هذا ليس إلّا إدراك أن الشيء ممّا ينبغي أن يُفعل أو يُترك » (2) فالعقل يحكم بضرورة رجوع الجاهل إلى العالم وذوي الإختصاص وأهل الخبرة.
وأمّا حكم الفطرة فالمراد منه أن الفطرة الإنسانيّة السّليمة تحكم بوجوب ولزوم رجوع الجاهل إلى العالم وأهل الخبرة فيما يجهل.
وأمّا حكم الشرع فهو الحكم الوارد على لسان الشارع المقدّس في الكتاب أو السّنّة أو المستفاد من العقل أو الإجماع أو سيرة المعصومين عليه السلام ، وهو على قسمين :
أ ـ إمّا إرشاد وتنبيهٌ إلى حكم العقل ، أو حكم الفطرة ، أو السيرة العقلائيّة ، إن كان لواحدٍ من هذه الثلاثة حكم في خصوص المسألة ، ويسمّى « حكماً إرشاديّاً ».
ب ـ وإمّا تأسيس حكم وإيجاد أمر أو نهي ، إذا لم يكن مسبوقاً بحكم العقل أوالفطرة أو السيرة العقلائيّة ، ولم يكن مبتنياً على أحدها ويسمّى حينئذٍ « أمراً مولويّاً » أيّ من المولى مباشرة من غير ابتناءٍ على حكم العقل أو الفطرة أو السّيرة العقلائيّة.
والنتيجة : أنّ مسألة وجوب التقليد في الشّرع المقدّس مبنيّة على أحد الاُمور الثلاثة السّابقة :
أ ـ إمّا على حكم العقل بضرورة رجوع الجاهل إلى العالم وأهل الخبرة.
ب ـ أو على حكم الفطرة بلزوم الرجوع إلى العالم وأهل الخبرة
ج ـ أو على السّيرة العقلائية القاضية بالرّجوع إلى العالم و أهل الخبرة.
فما ورد على لسان المعصوم عليه السلام في الأخبار الصّحاح وفي بعض المراسيل مثل قوله عليه السلام : « من كان من الفقهاء صائناً لنفسه ، حافظاً لدينه ، مخالفاً لهواء ، مطيعاً لأمر مولاه ، فللعوام أن يقلّدوه » (3) حكم شرعي إرشادي ، أيّ أنّه إمّا إرشاد إلى حكم العقل ، أو حكم الفطرة ، أو سيرة العقلاء.
واعلم أنّ السّيرة العقلائيّة لا تكون حجّة ـ أيّ لا يجوز العمل بها ، أو لا يجب الأخذ بها ـ إلّا إذا كانت ممضاةً وموقَّعةً ومؤيّدةً من قِبَلِ الشارع المقدّس بالكتاب والسُّنة ، أو على الأقلّ لم يرد نهي عنها على لسان المعصوم عليه السلام.
والحاصل : أنّ المؤمنين كانوا وما زالوا يرجعون في تلقّي أحكامهم إلى الفقيه الجامع للشرائط ، وذلك بدليل السّيرة العقلائيّة القاضية برجوع الجاهل إلى العالم أو حكم العقل أو حكم الفطرة القاضيين بضرورة رجوع الجاهل إلى العالم وزاد في التأكيد على ذلك ما ورد لسان المعصوم عليه السلام ، وبهذا نكون قد أجبنا على سؤال هامّ تقدّم في الدّرس الأول ، ألا وهو : لماذا وبأيّ دليل اختاروا هذا المسلك ؟ أيّ لماذا اختاروا طريقة التقليد ورجوع الجاهل إلى العالم ؟
الهوامش
1. اُصول الفقه للمظفّر الباب السّابع السّيرة.
2. اُصول الفقه للمظفّر ص ١٧٠ منشورات الفيروز آبادي.
3. الاحتجاج ج ٢ / ٢٦٣ ، بحار الأنوار ج ٢ / ٨٨ ، وسائل الشيعة ج ٢٧ / ١٣١.
مقتبس من كتاب : [ كيف نفهم الرّسالة العمليّة ] / الجزء : 1 / الصفحة : 13 ـ 17
التعلیقات