في بيان ظهور آيات أمير المؤمنين في إقدار الله تعالى إيّاه على ما لم يقدر عليه غيره
ابن حمزة
منذ 7 أشهرفي بيان ظهور آياته في إقدار الله تعالى إيّاه على ما لم يقدر عليه غيره
وفيه : أربعة أحاديث
222 / 1 ـ عن المفضّل ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه ، قال : « إنّ مالكاً الأشتر رضي الله عنه قال : حدّثتني نفسي أنّي أشدّ من أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، فحرّك دابّته إلى ذي الكلاع الحميري فاستلبه من فوق سرجه ، ورمى به إلى فوق وتلقاه بسيفه ، فقدّه نصفين ، ثمّ قال : « يا أشتر ، أنا أم أنت ؟ » فقلت : بل أنت يا أمير المؤمنين » . (1)
223 / 2 ـ وذكر عبد الله بن أحمد بن حنبل فيما رواه عن مشيخته ، عن جابر رضي الله عنه ، أنّ النبيّ (ص) دفع الراية إلى عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه وآله يوم خيبر بعد أن دعا له ، فجعل عليّ يسرع السير ، وأصحابه يقولون له : أرفق. حتّى انتهى إلى الحصن ، فاجتذب بابه ، فألقاه في الأرض ، ثمّ اجتمع عليه سبعون رجلاً ، وكان جاهدهم أن أعادوا الباب. (2)
224 / 3 ـ وروى أبو عبد الله الجدلي ، قال : سمعت أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول : « عالجت باب خيبر وجعلته مجناً لي ، وقاتلت القوم ، فلمّا أخزاهم الله وضعت الباب على حصنهم طريقاً ، ثمّ رميت به في خندقهم » فقال له رجل : لقد حملت منه ثقلاً ! فقال عليه السلام : « ما كان إلّا مثل جُنّتي التي في بدني ، في غير ذلك المقام » وقال الشاعر في ذلك :
إنّ امرأً حمل الرتاج بخيبر |
يوم اليهود بقدرة لمؤيدُ |
|
حمل الرتاج رتاج باب قصورها |
والمسلمون وأهل خيبر حشدُ |
|
فرمى به ولقد تكلّف ردّه |
سبعون كلهم له متشدّد |
|
ردّوه بعد مشقة وتكلّف |
ومقال بعضهم لبعض أردد (3) |
225 / 4 ـ عن سفيان الثوريّ ، عن الأوزاعيّ ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن حبيب بن الجهم ، قال : لمّا دخل عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه إلى بلاد صفّين نزل بقرية يقال لها صندوداء ، ثمّ أمرنا فسرنا عنها ، ثمّ عرس بنا في أرض بلقع ، فقام مالك بن أبي الحارث الأشتر ، وقال : يا أمير المؤمنين ، أتنزل الناس على غير ماء ؟! فقال : « يا مالك ، إنّ الله عزّ وجلّ سيسقينا في هذا المكان ماءً أعذب من الشهد ، وألين من الزبد ، وأبرد من الثلج ، وأصفى من الياقوت ».
فتعجبنا ـ ولا عجب من قول أمير المؤمنين عليه السلام ثمّ أقبل يجرّ رداءه ، وبيده سيفه ، حتّى وقف على أرض بلقع ، فقال : « يا مالك ، احفر أنت وأصحابك ».
قال مالك : فاحتفرنا ، فإذا نحن بصخرة سوداء عظيمة ، فيها حلقة تبرق كاللجين ، فقال لنا : « روموها » فرمناها بأجمعنا ونحن مائة رجل ، فلم نستطع أن نزيلها عن موضعها ، فدنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله رافعاً يده إلى السماء ، وهو يقول : « طاب طاب مريا عالم طيثو ثابوثه ( شميا كوبا جانوثا نوديثا برحوثا ) ، آمين آمين ربّ العالمين ، ربّ موسى وهارون » ثمّ اجتذبها فرماها عن العين أربعين ذراعاً.
قال الأشتر : فظهر لنا ماء أعذب من الشهد ، وألين من الزبد ، وأبرد من الثلج ، وأصفى من الياقوت ، فشربنا وسقينا ثمّ ردّ الصخرة ، وأمرنا أن نحثو عليها التراب ، ثمّ ارتحل ، وسرنا معه.
فلمّا سرنا غير بعيد ، قال : « من منكم يعرف موضع العين ؟ » فقلنا : كلنا يا أمير المؤمنين. فرجعنا وطلبنا العين ، فخفي علينا مكانها أشد خفاء ، وظننا أنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه قد رهقه العطش فأومأنا بأطرافنا فإذا نحن بصومعة فيها راهب ، فدنونا منه ، فإذا نحن براهب قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر ، فقلنا : يا راهب ، أعندك ماء نسقي منه صاحبنا ؟ فقال : عندي ماء ، قد استعذبته منذ يومين. فقلنا له : فكيف لو شربت من الماء الذي سقانا منه صاحبنا بالأمس ؟! وحدّثناه بالأمر فدنا منّا بعد خشيته فقال : انطلقوا بنا إلى صاحبكم. فانطلقنا به ، فلمّا بصر به أمير المؤمنين عليه السلام ، قال : « شمعون » ؟ قال الراهب : نعم شمعون ، هذا اسم سمّتني به أُمِّي ، ما أطلع عليه أحد ، إلّا الله تعالى ، ثمّ أنت ، فكيف عرفته ؟ قال : فأتم حتّى أتمه لك. قال : « وما تشاء يا شمعون ؟ » قال : هذه العين ما اسمها ؟ قال : « هذه العين راحوما ، وهي من الجنّة ، وشرب منها ثلاثمائة وثلاثة عشر وصيّاً ، وأنا خير الوصيّين ، شربت منها ». قال الراهب : هكذا وجدت في جميع كتب الإِنجيل ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمداً رسول الله ، وأنّك وصي محمّد (ص).
ثمّ رحل أمير المؤمنين والراهب يقدمه ، حتّى نزل صفّين ونزل العابد والتقى الصفّان ، وكان أول من أصابته الشهادة الراهب ، فنزل أمير المؤمنين وعيناه تهملان بالدموع ، وهو يقول : « يحشر المرء مع من أحب ، الراهب معنا يوم القيامة ، ورفيقي في الجنّة ». (4)
الهوامش
1. مناقب ابن شهراشوب ٢ : ٢٩٣ .
2. مناقب ابن شهراشوب ٢ : ٢٩٥ ، قطعة منه ، ملحقات احقاق الحق ٨ : ٣٨٣ رواه عن جماعة من أعلام القوم فراجع .
3. فرائد السمطين ١ : ٢٦١ ، مثله ، ملحقات احقاق الحق ٨ : ٣٩٣.
4. أمالي الصدوق : 155 / 14 ، مناقب ابن شهراشوب 2 : 291 ، إعلام الورىٰ : 176 ، باختلاف فيه.
مقتبس من كتاب : الثاقب في المناقب / الصفحة : 257 ـ 260
التعلیقات