هل أحد الأئمّة عليهم السلام نصب عزاء للإمام الحسين عليه السلام ؟
العقائد الإسلاميّة
منذ 5 سنواتالسؤال :
لو سمحتم أن توردوا لنا مصادر ـ سواء من كتبنا أو من كتب العامّة ـ على أنّ الإمام زين العابدين عليه السلام ، أو أحد الأئمّة عليهم السلام نصب عزاءً للإمام الحسين عليه السلام ، وأنّه كرّر ذكر مظلوميّته في كلّ سنة.
الجواب :
أوّلاً : انّ أوّل مجلس نصبه الامام زين العابدين عليه السلام هو في الشام ، عندما خطب في ذلك الحشد ، وأخذ ينعى ويعدّد صفات أبيه ومظلوميّته ، والناس من حوله تبكي ، فهذا مجلس عزاء أقامه الامام زين العابدين عليه السلام في الجامع الأموي. (1)
ثانياً : ما كان يفعله الامام زين العابدين عليه السلام عند مروره بالقصّابين ، وتذكيرهم بمصاب الامام الحسين عليه السلام ، وأخذه البكاء أمامهم (2) ، فإنّ هذا عزاء لأبيه الحسين عليه السلام في الملأ العام وليس فقط تذكير.
ثالثاً : روى العلّامة المجلسي :
رأيت في بعض مؤلّفات المتأخّرين أنّه قال : حكى دعبل الخزاعيُّ قال : دخلت على سيّدي ومولاي عليِّ بن موسى الرِّضا عليه السلام في مثل هذه الأَيّام ـ يعني محرّم ـ فرأيته جالساً جلسة الحزين الكئيب ، وأصحابه من حوله ، فلمّا رآني مقبلاً قال لي : مرحباً بك يا دعبل مرحباً بناصرنا بيده ولسانه ، ثمّ إنّه وسّع لي في مجلسه وأجلسني إلى جانبه ، ثمَّ قال لي : يا دعبل اُحبُّ أن تنشدني شعراً فانَّ هذه الأيّام أيّام حزن كانت علينا أهل البيت ، وأيّام سرور كانت على أعدائنا خصوصا بني اُمية ، يا دعبل من بكى وأبكى على مصابنا ولو واحداً كان أجره على الله يا دعبل من ذرفت عيناه على مصابنا وبكى لما أصابنا من أعدائنا حشره الله معنا في زمرتنا ، يا دعبل من بكى على مصاب جدِّي الحسين غفر الله له ذنوبه البتة.
ثمّ إنّه عليه السلام نهض ، وضرب ستراً بيننا وبين حرمه ، وأجلس أهل بيته من وراء الستر ليبكوا على مصاب جدِّهم الحسين عليه السلام ثمَّ التفت إليَّ وقال لي : يا دعبل ارث الحسين فأنت ناصرنا ومادحنا ما دمت حيّاً ، فلا تقصر عن نصرنا ما استطعت قال دعبل : فاستعبرت وسالت عبرتي ، وأنشأت أقول :
أفاطم لو خلت الحسين مجدّلاً |
وقد مات عطشاناً بشطِّ فرات | |
إذاً للطمت الخدَّ فاطم عنده |
وأجريت دمع العين في الوجنات » (3) |
فهنا الامام عليه السلام عقد مجلساً لذكر جدّه الإمام الحسين عليه السلام ، وأمر بضرب الحجاب حتّى يسمع أهل بيته.
رابعاً : روى العلّامة المجلسي :
رأيت في بعض تأليفات بعض الثقات من المعاصرين : روي أنه لمّا أخبر النبيُّ صلّى الله عليه وآله ابنته فاطمة بقتل ولدها الحسين وما يجري عليه من المحن بكت فاطمة بكاءً شديداً ، وقالت : يا أبت متى يكون ذلك ؟ قال : في زمان خال منّي ومنك ومن عليّ ، فاشتدّ بكاؤها وقالت : يا أبت فمن يبكي عليه ؟ ومن يلتزم باقامة العزاء له ؟
فقال النبيُّ : يا فاطمة إنّ نساء اُمّتي يبكون على نساء أهل بيتي ، ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي ، ويجدِّدون العزاء جيلاً بعد جيل ، في كلِّ سنة فإذا كان القيامة تشفعين أنت للنساء وأنا أشفع للرِّجال وكلُّ من بكى منهم على مصاب الحسين أخذنا بيده وأدخلناه الجنّة. (4)
خامساً : روى الشيخ الصدوق :
قال الرضا ( عليه السلام ) : إنّ المُحرّم شهر كان أهل الجاهلية يُحرّمون فيه القِتال ، فاسْتُحِلّت فيه دماؤنا ، وهُتِكت حُرمتنا ، وسُبي فيه ذَرَارينا ونساؤنا ، وأُضْرمت النيران في مَضَارِبنا ، وانْتُهِب ما فيها من ثَقَلنا ، ولم تُرْعَ لرسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) حُرمة في أمرنا. إنّ يوم الحسين أفرح جُفُوننا ، وأسبل دُمُوعنا ، وأذلّ عزيزنا ، بأرض كَرْبٍ وبلاء ، أوْرَثَتْنا الكَرْب والبلاء ، إلى يوم الانقضاء ، فعلى الحسين فليبكِ الباكون ، فإنّ البُكاء يَحُطّ الذُنُوب العِظام.
ثمّ قال ( عليه السلام ) : كان أبي ( صلوات الله عليه ) إذا دخل شهر المُحرّم لا يُرى ضاحكاً ، وكانت الكآبة تَغْلِبُ عليه حتّى يمضي منه عشرة أيام ، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مُصِيبته وحُزنه وبُكائه ، ويقول : هو اليوم الذي قُتِل فيه الحسين ( صلوات الله عليه ). (5)
فالإمام عليه السلام أقام العزاء للإمام الحسين عليه السلام ، وجدّد مصيبته في كلّ محرّم بحزنه وبكائه ، وتغيّر لونه. (6)
وهناك روايات كثيرة واردة في أنّ الأئمّة عليهم السلام كانوا يظهرون الحزن والعزاء عند دخول شهر محرّم.
نعم ، تبقى مسألة لابدّ من الالتفات اليها ، وهي حالة الأئمّة عليهم السلام وما كانوا عليه من المطاردة والمحاصرة ، والمراقبة المشدّدة من قبل الدولتين الأُمويّة ـ هي التي وقعت فيها معركة كربلاء ـ والعبّاسيّة ، ومعلوم موقف الدولتين من أئمّة أهل البيت عليهم السلام. فلذلك لا تجد أنّ الامام يقيم العزاء العامّ ، ويدعو الناس اليه كما يقام الآن ، لأنّه في رقابة وفي محاصرة تامّة من قبل السلطة ، ويريد أن يحفظ نفسه ويقوم بما هو المطلوب منه ، فلذلك لا نجد هذا الأمر بالكيفيّة التي عليها نحن اليوم.
الهوامش
1. راجع :
بحار الأنوار « للشيخ المجلسي » / المجلّد : 45 / الصفحة : 136 ـ 139 / الناشر : مؤسسة الوفاء / الطبعة : 2.
مقتل الحسين « لعبد الرزاق المقرم » / الصفحة : 371 ـ 373 / الناشر : مؤسسة الخرسان.
2. راجع :
مأساة الحسين عليه السلام بين السائل والمجيب « للشيخ عبد الوهاب الكاشي » / الصفحة : 182 / الناشر : دار العلوم / الطبعة : 1.
3. بحار الأنوار « للشيخ المجلسي » / المجلّد : 45 / الصفحة : 257 / الناشر : مؤسسة الوفاء / الطبعة : 2.
4. بحار الأنوار « للشيخ المجلسي » / المجلّد : 44 / الصفحة 292 ـ 293 / الناشر : مؤسسة الوفاء / الطبعة : 2.
5. الأمالي « للشيخ الصدوق » / الصفحة : 190 ـ 191 / الناشر : مؤسسة البعثة / الطبعة : 1.
التعلیقات