هل في آية الغار : ( إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) المخاطب هو أبو بكر ؟ ألا تعد هذه فضيلة له ؟
العقائد الإسلاميّة
منذ 6 سنواتالسؤال :
في آية الغار : ( إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) المخاطب هو أبو بكر ، ألا تعدّ هذه فضيلة له ؟
أرجو إفادتنا بالجواب مع التفاصيل ، والله يحفظكم ويجعلكم ذخراً لنشر فضائل أهل البيت.
الجواب :
نرسل لكم مناظرة الشيخ المفيد قدّس سرّه مع عمر في المنام ، ومن خلالها يتّضح الجواب على سؤالكم :
الشيخ المفيد رضي الله عنه قال : رأيت في النوم كأنّي قد اجتزت في بعض الطرق ، فرأيت حلقة دائرة فيها ناس كثير.
فقلت : ما هذا ؟
قالوا : هذه حلقة فيها رجل يقصّ.
فقلت : ومن هو ؟
قالوا : عمر بن الخطّاب.
ففرّقت الناس ، ودخلت الحلقة ، فاذا برجل يتكلم على الناس بشيء لم احصله ، فقطعت عليه الكلام ، وقلت :
أيّها الشيخ أخبرني ، ما وجه الدلالة على فضل صاحبك [ أبي بكر ] عتيق بن أبي قحافة من قول الله تعالى : ( ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ) ؟
فقال : وجه الدلالة على فضل أبي بكر من هذه في ستة مواضع :
الأول : أن الله تعالى ذكر النبي صلّى الله عليه وآله ، وذكر أبا بكر ، فجعله ثانيه ، فقال : ( ثَانِيَ اثْنَيْنِ ).
الثاني : أنه وصفهما بالاجتماع في مكان واحد لتأليفه بينهما ، فقال : ( إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ).
الثالث : أنه أضافه إليه بذكر الصحبة ، ليجمع بينهما بما يقتضي الرتبة ، فقال : ( إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ ).
الرابع : أنه أخبر عن شفقة النبي صلّى الله عليه وآله عليه ، ورفقه به ، لموضعه عنده ، فقال : ( لَا تَحْزَنْ ).
الخامس : أنه أخبره أنّ الله معهما على حدّ سواء ، ناصراً لهما ، ودافعاً عنهما ، فقال : ( إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ).
السادس : أنه أخبر عن نزول السكينة على أبي بكر ، لأن الرسول لم تفارقه السكينة قط ، قال : ( فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ).
فهذه ستة مواضع تدل على فضل أبي بكر من آية الغار ، لا يمكنك ولا لغيرك الطعن فيها.
فقلت له : لقد [ حررت كلامك ] [ هذا ، واستقصيت البيان فيه ، وأتيت بما لا يقدر أحد أن يزيد عليه ] في الاحتجاج ، غير أنّي بعون الله وتوفيقه ، سأجعل ما أتيت به كرمادٍ إشتدت به الريح في يوم عاصف.
أما قولك : إنّ الله تعالى ذكره وذكر النبي صلّى الله عليه وآله وجعل أبا بكر معه ثانيه ، فهو اخبار عن العدد ، ولعمري لقد كانا إثنين ، [ فما في ذلك من الفضل ؟! ] ، ونحن نعلم ضرورة أن مؤمناً وكافراً إثنان ، [ كما نعلم أن مؤمناً ومؤمناً اثنان ] ، فما أرى لك في ذكر العدد طائلاً [ تعتدّ به ].
وأما قولك : إنه وصفهما بالاجتماع في المكان ، فانه كالأول لأن المكان [ يجمع المؤمنين والكفّار ] ، وأيضاً فان مسجد النبي صلّى الله عليه وآله أشرف من الغار ، وقد جمع المؤمنين والمنافقين والكفّار ، وفي ذلك قول الله تعالى : ( فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ * عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ ).
وأيضاً فان سفينة نوح قد جمعت النبي ، والشيطان ، والبهيمة ، [ والانسان. فالمكان ] لا يدل على ما ادعيت من الفضيلة ، فبطل فضلان.
وأما قولك : أنه أضافه اليه بذكر الصحبة ، فانه أضعف من الفضلين الأولين ، لأن الصحبة تجمع المؤمن والكافر ، والدليل على ذلك قول الله عز وجل : ( قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا ).
وأيضاً فان اسم الصُحبة يقع بين العاقل وبين البهيمة ، والدليل على ذلك من كلام العرب الذي نزل القرآن بلسانهم ، فقال الله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ ) (5) وقد سموا الحمار صاحباً
فقالوا :
إنّ الحمار مع الحمار مطّية |
فإذا خلوت به فبئس الصاحب |
وأيضاً فقد سموا السيف صاحباً ، [ فقالوا في ذلك ].
جاورت هنداً وذاك اجتنابي |
ومعي صاحب كتوم اللسان |
يعني : السيف.
فاذا كان اسم الصحبة يقع بين المؤمن والكافر ، وبين العاقل وبين البهيمة ، وبين الحيوان والجماد ، فأي حجة لصاحبك ؟!
وأما قولك : إنّه قال : ( لَا تَحْزَنْ ) فانه وبال عليه ، ومنقصة ودليل على خطئه ، لأنّ قوله : ( لَا تَحْزَنْ ) نهيٌ ، وصورة النهي قول القائل : ( لا تفعل ).
فلا يخلو [ أن يكون ] الحزن وقع من أبي بكر [ على أحد وجهين : إمّا ] طاعة أو معصية ، فان كان طاعة فالنبي لا ينهى [ عنها ، فدلّ على أنّه ] معصية. [ فان انتهى وإلّا فقد شهدت الآية بعصيانه بدليل أنه نهاه ].
وأما قولك أنه قال له : ( إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) فان النبي صلّى الله عليه وآله أخبر أن الله معه خاصة ، وعبّر عن نفسه بلفظ الجمع [ فقال : « معنا » كما عبّر الله تعالى عن نفسه بلفظ الجمع ] ، فقال : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ).
وقد قيل [ أيضاً في هذا ] : أنّ أبا بكر قال : يا رسول الله حزني على أخيك علي بن أبي طالب ما كان منه.
فقال له النبيّ : ( لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ). أيّ : معي ومع أخي علي بن أبي طالب.
وأمّا قولك أن السكينة نزلت على أبي بكر فانه [ كُفر بحت ] ، لأن الذي نزلت عليه السكينة هو الذي أيّده بالجنود كذا يشهد ظاهر القرآن في قوله تعالى : ( فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا ) فان كان ابو بكر هو صاحب السكينة فهو صاحب الجنود ، وهذا إخراج للنبي عليه السلام من النبوة ، على أنّ هذا الموضع لو كتمته على صاحبك كان خيراً له ، لأن الله تعالى أنزل السكينة على النبي عليه السلام في موضعين ، وكان معه قوم مؤمنون ، فشركهم فيها ، فقال في موضع : ( ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ) ، [ وفي موضع آخر ] : ( فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ ).
ولمّا كان في [ هذا اليوم ] خصّه وحده بالسكينة ، فقال : ( فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ).
فلو كان معه في الموضع مؤمن لشركه معه في السكينة ، كما شركه من قبله من المؤمنين ، فدلّ باخراجه من السكينة على خروجه من الايمان.
[ قال الشيخ المفيد رحمه الله ] فلم يحر [ عمر بن الخطاب ] جواباً ، وتفرّق الناس ، واستيقظت. (1)
الهوامش
1. شرح المنام ضمن كتاب مصنفات الشيخ المفيد « للمفيد » / الصفحة : 23 ـ 30 / الناشر : المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد.
الاحتجاج « للطبرسي » / المجلّد : 2 / الصفحة : 608 / الناشر : انتشارات أسوة.
كنز الفوائد « للطرابلسي » / المجلّد : 2 / الصفحة : 48 / الناشر : دار الأضواء ـ بيروت.
التعلیقات