ما الأدلّة على إسلام أبي طالب ؟
مركز الأبحاث العقائديّة
2024 Sep 18السؤال :
ما الأدلّة على إسلام أبي طالب ؟
الجواب :
فقد أجمع علماء الشيعة على إسلام أبي طالب عليه السلام تبعاً لأئمّتهم عليهم السلام.
والأحاديث الدالّة على إيمانه والواردة عن أهل بيت العصمة كثيرة ، وقد جمعها العلماء في كتب مفردة ، وكان من الكتب الأخيرة : « منية الراغب في إيمان أبي طالب » للشيخ الطبسي.
وقد أُلّف في إثبات إيمانه الكثير من الكتب ، من السنّة والشيعة على حدّ سواء ، وقد أنهاها بعضهم إلى ثلاثين كتاباً ، ومنها كتاب : « أبو طالب مؤمن قريش » للأُستاذ عبد الله الخنيزي.
هذا عدا البحوث المستفيضة المبثوثة في ثنايا الكتب والموسوعات ، ونخصّ بالذكر هنا ما جاء في كتاب « الغدير » للعلّامة الأميني قدس سره في الجزء السابع والثامن منه.
وقد نقل العلّامة الأميني عن جماعة من أهل السنّة : أنّهم ذهبوا إلى ذلك أيضاً ، وكتبوا الكتب والبحوث في إثبات ذلك ، كالبرزنجي في « أسنى المطالب » ، والاجهوري ، والاسكافي ، وأبي القاسم البلخي ، وابن وحشي في شرحه لكتاب : « شهاب الأخبار » ، والتلمساني في « حاشية الشفاء » ، والشعراني ، وسبط ابن الجوزي ، والقرطبي ، والسبكي ، وأبي طاهر ، والسيوطي ، وغيرهم.
بل لقد حكم عدد منهم كابن وحشي ، والاجهوري ، والتلمساني بأنّ من أبغض أبا طالب فقد كفر ، أو من يذكره بمكروه فهو كافر (١).
بعض الأدلّة على إيمان أبي طالب :
١ ـ ما روي عن الأئمّة عليهم السلام والنبيّ صلّى الله عليه وآله ممّا يدلّ على إيمانه ، وهم أعرف بأمر كهذا من كلّ أحد.
٢ ـ نصرته للنبيّ صلّى الله عليه وآله وتحمّله تلك المشاق والصعاب العظيمة ، وتضحيته بمكانته في قومه ، وحتّى بولده ، أكبر دليل على إيمانه.
٣ ـ استدلّ سبط ابن الجوزي على إيمانه ، بأنّه لو كان أبو طالب كافراً ، لشنّع عليه معاوية وحزبه ، والزبيريون وأعوانهم ، وسائر أعداء الإمام علي عليه السلام (٢).
٤ ـ تصريحاته وأقواله الكثيرة جدّاً ، فإنّها كلّها ناطقة بإيمانه وإسلامه ، ومنها أشعاره التي عبّر عنها ابن أبي الحديد المعتزلي بقوله : « فكلّ هذه الأشعار قد جاءت مجيء التواتر ، لأنّه لم تكن آحادها متواترة ، فمجموعها يدلّ على أمر مشترك ، وهو تصديق محمّد صلّى الله عليه وآله ومجموعها متواتر » (٣).
٥ ـ قد صرّح أبو طالب في وصيّته بأنّه كان قد اتخذ سبيل التقية في شأن رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وأنّ ما جاء به الرسول صلّى الله عليه وآله قد قبله الجنان وأنكره اللسان مخافة الشنآن.
وأوصى قريشاً بقبول دعوة الرسول ، ومتابعته على أمره ، ففي ذلك الرشاد والسعادة (٤).
٦ ـ ترحّم النبيّ صلّى الله عليه وآله عليه ، واستغفاره له باستمرار ، وحزنه عليه عند موته ، وواضح أنّه لا يصحّ الترحم إلّا على المسلم.
٧ ـ وبعد كلّ ما تقدّم نقول : إنّ إسلام أيّ شخص أو عدمه ، إنّما يستفاد من أُمور أربعة :
أ ـ من مواقفه العملية ، ومواقف أبي طالب قد بلغت الغاية التي ما بعدها غاية في الوضوح والدلالة على إخلاصه وتفانيه في الدفاع عن هذا الدين.
ب ـ من إقراراته اللسانية بالشهادتين ، ويكفي أن نشير إلى ذلك القدر الكثير منها في شعره في المناسبات المختلفة.
ج ـ من موقف النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله منه ، فالموقف المرضي ثابت منه صلّى الله عليه وآله تجاه أبي طالب على أكمل وجه.
د ـ من إخبار المطّلعين على أحواله عن قرب وعن حسّ ، كأهل بيته ، ومن يعيشون معه ، وقد قلنا : إنّهم مجمعون على ذلك.
بل إنّ نفس القائلين بكفره لمّا لم يستطيعوا إنكار مواقفه العملية ، ولا الطعن بتصريحاته اللسانية حاولوا : أن يشبّهوا على العامّة بكلام مبهم لا معنى له ؛ فقالوا : إنّه لم يكن منقاداً !!
ومن أجل أن نوفي أبا طالب بعض حقّه ، نذكر بعض ما يدلّ على إيمانه ، ونترك سائره ، وهو يعدّ بالعشرات ، لأنّ المقام لا يتّسع لأكثر من أمثلة قليلة معدودة ، وهي :
١ ـ قال العباس : يا رسول الله ، ما ترجو لأبي طالب ؟ قال : « كلّ الخير أرجوه من ربّي » (٥).
٢ ـ قال ابن أبي الحديد : « روي بأسانيد كثيرة ، بعضها عن العباس بن عبد المطّلب ، وبعضها عن أبي بكر بن أبي قحافة : أنّ أبا طالب ما مات حتّى قال : لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله » (٦).
٣ ـ كتب أمير المؤمنين عليه السلام رسالة مطوّلة لمعاوية جاء فيها : « ليس أُمية كهاشم ، ولا حرب كعبد المطّلب ، ولا أبو سفيان كأبي طالب ، ولا المهاجر كالطليق ، ولا الصريح كاللصيق » (٧).
فإذا كان أبو طالب كافراً ، وأبو سفيان مسلماً ، فكيف يفضّل الكافر على المسلم ، ثمّ لا يردّ عليه ذلك معاوية بن أبي سفيان ؟!
٤ ـ ورد عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قوله : « إذا كان يوم القيامة شفعت لأبي وأُمّي ، وعمّي أبي طالب ، وأخ لي كان في الجاهلية » (٨).
٥ ـ وعنه صلّى الله عليه وآله أيضاً : « إنّ الله عزّ وجلّ قال له على لسان جبرائيل : حرّمت النار على صلب أنزلك ، وبطن حملك ، وحجر كفلك ».
أمّا الصلب فعبد الله ، وأمّا البطن فآمنة ، وأمّا الحجر فعمّه ـ يعني أبا طالب ، وفاطمة بنت أسد ـ وبمعناه غيره مع اختلاف يسير (٩).
الهوامش
١. أُنظر : الغدير ٧ / ٣٨١.
٢. أبو طالب مؤمن قريش : ٢٧٤ ، عن تذكرة الخواص : ١١.
٣. شرح نهج البلاغة ١٤ / ٧٨.
٤. روضة الواعظين : ١٤٠ ، الغدير ٧ / ٣٦٦.
٥. كنز العمّال ١٢ / ٨٢ و ١٥٣ ، الغدير ٧ / ٣٧٣ و ٣٨٦ ، الطبقات الكبرى ١ / ١٢٥ ، تاريخ مدينة دمشق ٦٦ / ٣٣٦ ، أنساب الأشراف : ٢٥.
٦. خصائص أمير المؤمنين : ٣٨ ، شرح نهج البلاغة ١٤ / ٧١ ، الغدير ٧ / ٣٦٩.
٧. شرح نهج البلاغة ٣ / ١٧ و ١٥ / ١١٧ ، الغدير ٣ / ٢٥٤ ، وقعة صفّين : ٤٧١ ، الإمامة والسياسة ١ / ١٣٨ ، المناقب : ٢٥٦.
٨. الغدير ٧ / ٣٧٨ ، تاريخ مدينة دمشق ٦٦ / ٣٤٠ ، الإصابة ٧ / ٢٠٣.
٩. الكافي ١ / ٤٤٦ ، الأمالي للشيخ الصدوق : ٧٠٣ ، روضة الواعظين : ٦٧ ، الجواهر السنية : ٢١٨ ، الغدير ٧ / ٣٧٨ ، ينابيع المودّة ٢ / ٣٣١.
التعلیقات
١