كيف يجبر ثلاثة أشخاص على البيعة لأبي بكر ؟
السيد جعفر مرتضى العاملي
منذ 4 سنواتالسؤال :
كيف يجبر ثلاثة أشخاص هم أبو بكر ، وعمر ، وأبو عبيدة ، من حضر في السقيفة ، وهم الأوس والخزرج على البيعة لأبي بكر ؟! ..
بل كيف يجبر هؤلاء الثلاثة ، مئة وعشرين ألفاً كانوا قد حضروا الغدير ، وبايعوا الإمام علياً عليه السلام هناك ؟! ..
الجواب :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد ..
فإنّنا بالنسبة للسؤال المذكور ، نقول :
أمّا بالنسبة إلى المئة وعشرين ألفاً الذين بايعوا الإمام علياً عليه السلام ، في الثامن عشر من ذي الحجّة في غدير خم بحضور رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فنقول : إنّهم لم يكونوا في المدينة حين وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، بل كانوا قد رجعوا إلى بلادهم.
وقد كان القائمون بالانقلاب لا يحتاجون إلى أكثر من إعلام أهل تلك البلاد ، بأنّه قد استجدت أمور فرضت على الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ، العدول عن ما كان قرّره .. وسارت الأمور باتّجاه جديد ، وفقاً لإرادته صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وتوجيهاته ..
وأمّا بالنسبة لأهل المدينة أنفسهم ، الممثّلين بمن له رأي وموقع من رجال الأوس والخزرج ، فنقول :
أوّلاً : إنّ المدينة كانت قرية صغيرة قد لا يصل عدد سكّانها بجميع أصنافهم وانتماءاتهم الدينيّة ، وغيرها .. إلى ألفين أو ثلاثة آلاف ، كباراً وصغاراً ، شيوخاً وشبّاناً ، ورجالاً ونساء ..
والمسلمون البالغون من جميع هذه الأصناف ، قد لا يصلون إلى الألف في أكثر التقديرات تفاؤلاً ..
ويشير إلى ذلك : ما هو معروف من أنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، قال : أكتبوا لي كل من تلفظ بالإسلام. فكتب له حذيفة بن اليمان ألفاً وخمس مئة رجل .. وفي رواية أخرى : ونحن ما بين الستّ مئة إلى السبع مئة (1).
كما أنّ الذين بايعوا النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، تحت الشجرة قد كانوا ألفاً وأربع مئة أو خمس مئة ، وقيل ألف وثمان مئة ، على أبعد التقادير ..
وقد كان من بينهم المهاجرون ، وهم يعدون بالمئات أيضاً ، وكان من بينهم أيضاً جماعات من القبائل القريبة من المدينة ، وربما غير هؤلاء ، وأولئك أيضاً ..
ثانياً : إن هؤلاء الثلاثة لم يجبروا أهل السقيفة على البيعة لأبي بكر ، بل ما حصل هو أنّ أبا بكر قد أوقع الخلاف بين الأوس والخزرج ، بتذكيرهم بإحن الجاهليّة ، وخوّف بعضهم من بعض ، ثمّ بايعه عمر وأبو عبيدة ، وأسيد بن حضير ، وربّما بلغ الأمر إلى ثمانية أشخاص ، كما تشير إليه بعض الروايات .. ثمّ تركوا الأوس والخزرج مختلفين ، وخرجوا مسرعين إلى بيت أمير المؤمنين عليه السلام ، في المسجد ، ليفرضوا عليه البيعة ، قبل أن يبلغه الخبر ، ويتكلّم بما يفسد عليهم أمرهم ..
وجرى لهم معه ومع السيّدة الزهراء عليها السلام ما جرى ، وكانوا قد هيّأوا بني أسلم ، ليخرجوا على الناس فجأة في الصباح ، ويفرضوا البيعة لأبي بكر بالقوّة والقهر ، وصار الناس يسحبون إلى البيعة لأبي بكر في أجواء من الرعب والخوف والإهانة ، لا يحسدون عليها ..
وقد غاب عن هذه البيعة بنو هاشم ، وكثيرون غيرهم .. وقام بها لأبي بكر جماعة من المهاجرين الحاقدين على الإمام علي عليه السلام ، وأهل بيته ..
فإجبار الأوس والخزرج على البيعة ، لم يحصل في اجتماع السقيفة ، وإنّما حصل في اليوم التالي حينما حضر الألوف من بني أسلم فجأة ، كما ذكرنا.
ولهذا البحث وبيان تفصيلاته المثيرة مجال آخر ..
والحمد لله رب العالمين.
الهوامش
1. راجع : السوق في ظلّ الدولة الإسلاميّة ص 68.
المصدر : موقع سماحة السيّد جعفر مرتضى العاملي
التعلیقات